الباحث القرآني
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ومَن رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقًا حَسَنًا فَهو يُنْفِقُ مِنهُ سِرًّا وجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وهو كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هو ومَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿ولِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ والأرْضِ وما أمْرُ السّاعَةِ إلّا كَلَمْحِ البَصَرِ أوْ هو أقْرَبُ إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿واللَّهُ أخْرَجَكم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكم لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ والأفْئِدَةَ لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ ﴿ألَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا اللَّهُ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن بُيُوتِكم سَكَنًا وجَعَلَ لَكم مِن جُلُودِ الأنْعامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكم ويَوْمَ إقامَتِكم ومِن أصْوافِها وأوْبارِها وأشْعارِها أثاثًا ومَتاعًا إلى حِينٍ﴾ [النحل: ٨٠] ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِمّا خَلَقَ ظِلالًا وجَعَلَ لَكم مِنَ الجِبالِ أكْنانًا وجَعَلَ لَكم سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وسَرابِيلَ تَقِيكم بَأْسَكم كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكم لَعَلَّكم تُسْلِمُونَ﴾ [النحل: ٨١] ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّما عَلَيْكَ البَلاغُ المُبِينُ﴾ [النحل: ٨٢] ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ﴾ [النحل: ٨٣] ﴿ويَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [النحل: ٨٤] (p-٥١٨)الكَلُّ: الثَّقِيلُ، وقَدْ يُسَمّى اليَتِيمُ كَلًّا لِثِقَلِهِ عَلى مَن يَكْفُلُهُ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎أكُولٌ لِمالِ الكَلِّ قَبْلَ شَبابِهِ إذا كانَ عَظْمُ الكَلِّ غَيْرَ شَدِيدِ
والكَلُّ أيْضًا الَّذِي لا ولَدَ لَهُ ولا والِدَ، والكَلُّ: العِيالُ، والجَمْعُ: كُلُولٌ. اللَّمْحُ: النَّظَرُ بِسُرْعَةٍ، لَمَحَهُ لَمْحًا ولَمَحانًا. الجَوُّ: مَسافَةُ ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، وقِيلَ: هو ما يَلِي الأرْضَ في سَمْتِ العُلُوِّ، واللَّوْحُ والسُّكاكُ أبْعَدُ مِنهُ. الظَّعْنُ: سَيْرُ البادِيَةِ في الِانْتِجاعِ والتَّحَوُّلُ مِن مَوْضِعٍ إلى مَوْضِعٍ، والظَّعْنُ: الهَوْدَجُ أيْضًا. الصُّوفُ لِلضَّأْنِ، والوَبَرُ لِلْإبِلِ، والشَّعْرُ لِلْمَعَزِ، قالَهُ أهْلُ اللُّغَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ومِن أصْوافِها﴾ [النحل: ٨٠] الآيَةَ. الأثاثُ: قالَ المُفَضَّلُ: مَتاعُ البَيْتِ كالفُرُشِ والأكْسِيَةِ، وقالَ الفَرّاءُ: لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، كَما أنَّ المَتاعَ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، ولَوْ جَمَعْتَ لَقُلْتَ: أأْثِثَةٌ في القَلِيلِ، وأُثُثٌ في الكَثِيرِ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: واحِدُهُ أُثاثةٌ، وقالَ الخَلِيلُ: أصْلُهُ مِن قَوْلِهِمْ أثَثَ النَّباتُ والشَّعْرُ، فَهو أثِيثٌ إذا كَثُرَ. قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
؎وفَرْعٌ يُزَيِّنُ المَتْنَ أسْوَدُ فاحِمُ ∗∗∗ أثِيثٌ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ
الكِنُّ ما حَفَظَ، ومَنَعَ مِنَ الرِّيحِ والمَطَرِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ومِنَ الجِبالِ: الغارُ. اسْتَعْتَبْتُ الرَّجُلَ بِمَعْنى أعْتَبْتُهُ، أيْ: أزَلْتُ عَنْهُ ما يُعْتَبُ عَلَيْهِ ويُلامُ، والِاسْمُ العُتْبى، وجاءَتِ اسْتَفْعَلَ بِمَعْنى أفْعَلَ نَحْوَ اسْتَدْيَنْتُهُ وأدْيَنْتُهُ.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ومَن رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقًا حَسَنًا فَهو يُنْفِقُ مِنهُ سِرًّا وجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وهو كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هو ومَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿ولِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ والأرْضِ وما أمْرُ السّاعَةِ إلّا كَلَمْحِ البَصَرِ أوْ هو أقْرَبُ إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿واللَّهُ أخْرَجَكم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكم لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ والأفْئِدَةَ لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ ﴿ألَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا اللَّهُ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾: مُناسَبَةُ ضَرْبِ هَذا المَثَلِ: أنَّهُ لَمّا بَيَّنَ تَعالى ضَلالَهم في إشْراكِهِمْ بِاللَّهِ غَيْرَهُ وهو لا يَجْلِبُ نَفْعًا ولا ضَرًّا لِنَفْسِهِ ولا لِعابِدِهِ، ضَرَبَ لَهم مَثَلًا قِصَّةَ عَبْدٍ في مِلْكِ غَيْرِهِ، عاجِزٍ عَنِ (p-٥١٩)التَّصَرُّفِ، وحُرٍّ غَنِيٍّ مُتَصَرِّفٍ فِيما آتاهُ اللَّهُ. فَإذا كانَ هَذانِ لا يَسْتَوِيانِ عِنْدَكم مَعَ كَوْنِهِما مِن جِنْسٍ واحِدٍ، ومُشْتَرِكَيْنِ في الإنْسانِيَّةِ، فَكَيْفَ تُشْرِكُونَ بِاللَّهِ وتُسَوُّونَ بِهِ مَن هو مَخْلُوقٌ لَهُ مَقْهُورٌ بِقُدْرَتِهِ مِن آدَمِيٍّ وغَيْرِهِ، مَعَ تَبايُنِ الأوْصافِ. وأنَّ مُوجِدَ الوُجُودِ لا يُمْكِنُ أنْ يُشْبِهَهُ شَيْءٌ مِن خَلْقِهِ، ولا يُمْكِنَ لِعاقِلٍ أنْ يُشَبِّهَ بِهِ غَيْرَهُ. قالَ مُجاهِدٌ: هَذا مَثَلٌ لِلَّهِ ولِلْأصْنامِ. وقالَ قَتادَةُ: لِلْمُؤْمِنِ والكافِرِ، فالكافِرُ: العَبْدُ المَمْلُوكُ لا يَنْتَفِعُ بِعِبادَتِهِ في الآخِرَةِ، ومَن رَزَقْناهُ: المُؤْمِنُ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: مَثَلٌ لِلْبَخِيلِ والسَّخِيِّ؛ انْتَهى.
ولَمّا كانَ لَفْظُ عَبْدٍ قَدْ يُطْلَقُ عَلى الحُرِّ، خُصِّصَ بِمَمْلُوكٍ. ولَمّا كانَ المَمْلُوكُ قَدْ يَكُونُ لَهُ تَصَرُّفٌ وقُدْرَةٌ كالمَأْذُونِ لَهُ والمُكاتَبِ، خُصِّصَ بِقَوْلِهِ: لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، والمَعْنى: عَلى شَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّفِ في المالِ، لِأنَّهُ يَقْدِرُ عَلى أشْياءَ مِن حَرَكاتِهِ: كالقِيامِ، والقُعُودِ، والأكْلِ، والشُّرْبِ، والنَّوْمِ، وغَيْرِ ذَلِكَ. والظّاهِرُ كَوْنُ (ومَن) مَوْصُولَةً، أيْ: والَّذِي رَزَقْناهُ، ودَلَّتِ الصِّلَةُ، وما عُطِفَ عَلى أنَّهُ يُرادُ بِهِ الحُرُّ. وقالَ أبُو البَقاءِ: مَوْصُوفَةٌ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الظّاهِرُ أنَّها مَوْصُوفَةٌ كَأنَّهُ قالَ: وحُرًّا رَزَقْناهُ لِيُطابِقَ عَبْدًا، ولا يَمْتَنِعُ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً. وقالَ الحَوْفِيُّ: (مَن) بِمَعْنى الَّذِي، ولا يَقْتَضِي ضَرْبَ المَثَلِ لِشَخْصَيْنِ مَوْصُوفَيْنِ بِأوْصافٍ مُتَبايِنَةٍ تَعْيِينُهُما، بَلْ ما رُوِيَ في تَعْيِينِهِما مِن أنَّهُما: عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعَبْدٌ لَهُ أوْ أنَّهُما أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبُو جَهْلٍ، لا يَصِحُّ إسْنادُهُ. وجَمَعَ الضَّمِيرِ في (يَسْتَوُونَ) ولَمْ يُثَنِّ لِسَبْقِ اثْنَيْنِ، لِأنَّ (مَن) يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِها الجَمْعُ فَيَصِيرُ إذْ ذاكَ جَمْعُ الضَّمِيرِ لِانْتِظامِ العَبْدِ المَمْلُوكِ والأغْنِياءِ في الجَمْعِ، وكَأنَّهُ قِيلَ: عَبْدًا مَمْلُوكًا. والمُلّاكُ: المُرْزُوقُونَ المُنْفِقُونَ. ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِـ ”﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا﴾“: الجِنْسُ، فَيَصْلُحُ عَوْدُ الضَّمِيرِ جَمْعًا عَلَيْهِ، وعَلى جِنْسِ الأغْنِياءِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى العَبِيدِ والأحْرارِ وإنْ لَمْ يَجْرِ لِلْجَمْعَيْنِ ذِكْرٌ، لِدَلالَةِ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ ومَن رَزَقْناهُ عَلَيْهِما.
﴿قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [العنكبوت: ٦٣]: الظّاهِرُ أنَّهُ خِطابٌ لِلرَّسُولِ ﷺ وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِمَن رَزَقَهُ اللَّهُ، أمَرَهُ أنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلى أنْ مَيَّزَهُ بِهَذِهِ القُدْرَةِ عَلى ذَلِكَ الضَّعِيفِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الحَمْدُ لِلَّهِ: شُكْرٌ عَلى بَيانِ الأمْرِ بِهَذا المَثَلِ، وعَلى إذْعانِ الخَصْمِ لَهُ، كَما تَقُولُ لِمَن أذْعَنَ لَكَ في حُجَّةٍ وسَلَّمَ تَبْنِي أنْتَ عَلَيْهِ قَوْلَكَ: اللَّهُ أكْبَرُ عَلى هَذا يَكُونُ كَذا وكَذا، فَلَمّا قالَ هُنا: هَلْ يَسْتَوُونَ، فَكَأنَّ الخَصْمَ قالَ لَهُ: لا، فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ ظَهَرَتِ الحُجَّةُ؛ انْتَهى. وقِيلَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، أيْ: هو المُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ دُونَ ما يَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ، إذْ لا نِعْمَةَ لِلْأصْنامِ عَلَيْهِمْ فَتُحْمَدُ عَلَيْها، إنَّما الحَمْدُ الكامِلُ لِلَّهِ لِأنَّهُ المُنْعِمُ الخالِقُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الحَمْدُ لِلَّهِ عَلى ما فَعَلَ بِأوْلِيائِهِ وأنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْحِيدِ. والظّاهِرُ نَفْيُ العِلْمِ عَنْ أكْثَرِهِمْ، لِأنَّ مِنهم مَن بانَ لَهُ الحَقُّ ورَجَعَ إلَيْهِ، أوْ أكْثَرُ الخَلْقِ لِأنَّ الأكْثَرَ هُمُ المُشْرِكُونَ. وقِيلَ: المُرادُ بِهِ العُمُومُ، أيْ: بَلْ هم لا يَعْلَمُونَ. ومُتَعَلِّقُ (يَعْلَمُونَ) مَحْذُوفٌ، إمّا لِأنَّ المَعْنى نَفْيُ العِلْمِ عَنِ الأكْثَرِ ولَمْ يُلْحَظْ مُتَعَلِّقُهُ، وإمّا لِأنَّهُ مَحْذُوفٌ يَتَرَتَّبُ عَلى الأقْوالِ الَّتِي سَبَبُها قَوْلُهُ: الحَمْدُ لِلَّهِ.
﴿وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ﴾، أيْ: قِصَّةَ رَجُلَيْنِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهَذا مَثَلٌ ثانٍ ضَرَبَهُ لِنَفْسِهِ ولِما يُفِيضُ عَلى عِبادِهِ ويَشْمَلُهم مِن آثارِ رَحْمَتِهِ وألْطافِهِ ونِعَمِهِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ، والأصْنامِ الَّتِي هي أمْواتٌ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ. والأبْكَمُ: الَّذِي وُلِدَ أخْرَسًا فَلا يُفْهِمُ ولا يَفْهَمُ.
﴿وهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ﴾، أيْ: ثَقِيلٌ، وعِيالٌ عَلى مَن يَلِي أمْرَهُ ويَعُولُهُ. أيْنَما يُوَجِّهْهُ: حَيْثُما يُرْسِلْهُ ويَصْرِفْهُ في مَطْلَبِ - حاجَةٍ أوْ كِفايَةٍ - مُهِمٍّ لَمْ يَنْفَعْ ولَمْ يَأْتِ بِنُجْحٍ. هَلْ يَسْتَوِي هو، ومَن هو سَلِيمُ الحَواسِّ نَفّاعٌ ذُو كِفاياتٍ مَعَ رُشْدٍ ودِيانَةٍ، فَهو يَأْمُرُ النّاسَ بِالعَدْلِ، وهو في نَفْسِهِ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ عَلى سِيرَةٍ صالِحَةٍ، ودِينٍ قَوِيمٍ؛ انْتَهى. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أحَدُهُما أبْكَمُ: مَثَلٌ لِلْكافِرِ، والَّذِي يَأْمُرُ بِالعَدْلِ: المُؤْمِنُ. وقالَ قَتادَةُ: هَذا مَثَلُ اللَّهِ تَعالى، والأصْنامِ فَهي كالأبْكَمِ الَّذِي لا نُطْقَ لَهُ ولا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، وهو عِيالٌ عَلى مَن والاهُ مِن قَرِيبٍ أوْ صَدِيقٍ، كَما الأصْنامُ (p-٥٢٠)تَحْتاجُ أنْ تُنْقَلَ وتُخْدَمَ ويُتَعَذَّبَ بِها، ثُمَّ لا يَأْتِي مِن جِهَتِها خَيْرٌ ألْبَتَّةَ. وعَنْ قَتادَةَ أيْضًا وغَيْرِهِ: هَذا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ ولِلْوَثَنِ، فالأبْكَمُ الَّذِي لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ: هو الوَثَنُ، والَّذِي يَأْمُرُ بِالعَدْلِ: هو اللَّهُ تَعالى، وهَذا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأنَّهُ قالَ: مَثَلًا رَجُلَيْنِ، فَلا بُدَّ أنْ يَكُونَ عَدِيلَ الأبْكَمِ المَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفاتِ، ومُقابِلُهُ رَجُلٌ مَوْصُوفٌ بِما يُقابِلُ تِلْكَ الصِّفاتِ مِنَ النُّطْقِ والقُدْرَةِ والكِفايَةِ، ولَكِنَّهُ حَذَفَ المُقابِلَ لِدَلالَةِ مُقابِلِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ: هَلْ يَسْتَوِي ذَلِكَ الأبْكَمُ المَوْصُوفُ بِتِلْكَ الصِّفاتِ، وهَذا النّاطِقُ: فَفي ذِكْرِ اسْتِوائِهِما أيْضًا دَلِيلٌ عَلى حَذْفِ المُقابِلِ. ولَمّا كانَ البُكْمُ هو المُبْدَأُ بِهِ مِنَ الأوْصافِ، وعَنْهُ تَكُونُ الأوْصافُ الَّتِي بَعْدَهُ قابِلَةً في الِاسْتِواءِ بِالنُّطْقِ، وثَمَرَتُهُ مِنَ الأمْرِ بِالعَدْلِ غَيْرُهُ وهو في نَفْسِهِ عَلى طَرِيقَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ، فَحَيْثُما تَوَجَّهَ: صَدَرَ مِنهُ الخَيْرُ ونَفَعَ، ولَيْسَ بِكالٍّ عَلى أحَدٍ. وقَدْ تَقَرَّرُ في بِدايَةِ العُقُولِ أنَّ الأبْكَمَ: العاجِزَ؛ لا يَكُونُ مُساوِيًا في العَقْلِ والشَّرَفِ لِلنّاطِقِ القادِرِ الكامِلِ مَعَ اسْتِوائِهِما في البَشَرِيَّةِ، فَلِأنْ يُحْكَمَ بِأنَّ الجَمادَ لا يَكُونُ مُساوِيًا لِرَبِّ العالَمِينَ في المَعْبُودِيَّةِ أحْرى وأوْلى. وكَما قُلْنا في المَثَلِ السّابِقِ: لا يَحْتاجُ إلى تَعْيِينِ المَضْرُوبِ بِهِما المَثَلُ، فَكَذَلِكَ هُنا، فَتَعْيِينُ الأبْكَمِ بِأبِي جَهْلٍ، والآمِرُ بِالعَدْلِ: بِعَمّارٍ، أوْ بِأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، وعُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ، أوْ بِهاشِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ كانَ يُعادِي الرَّسُولَ ﷺ لا يَصِحُّ إسْنادُهُ.
وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، وعَلْقَمَةُ، وابْنُ وثّابٍ، ومُجاهِدٌ، وطَلْحَةُ يُوَجِّهُ بِهاءٍ واحِدَةٍ ساكِنَةٍ مَبْنِيًّا، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلى مَوْلاهُ، وضَمِيرُ المَفْعُولِ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ الفاعِلِ عائِدًا عَلى الأبْكَمِ، ويَكُونُ الفِعْلُ لازِمًا وجَّهَ بِمَعْنى تَوَجَّهَ، كانَ المَعْنى: أيْنَما يَتَوَجَّهْ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أيْضًا: تُوَجِّهْهُ بِهاءَيْنِ، بِتاءِ الخِطابِ، والجُمْهُورُ بِالياءِ والهاءَيْنِ. وعَنْ عَلْقَمَةَ وابْنِ وثّابٍ، وطَلْحَةَ، يُوَجَّهْ بَهاءٍ واحِدَةٍ ساكِنَةٍ، والفِعْلُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ. وعَنْ عَلْقَمَةَ، وطَلْحَةَ: يُوَجِّهُ، بِكَسْرِ الجِيمِ وهاءٍ واحِدَةٍ مَضْمُومَةٍ. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: فَإنْ صَحَّ ذَلِكَ فَإنَّ الهاءَ - الَّتِي هي لامُ الفِعْلِ - مَحْذُوفَةٌ فِرارًا مِنَ التَّضْعِيفِ، ولِأنَّ اللَّفْظَ بِهِ صَعْبٌ مَعَ التَّضْعِيفِ، أوْ لَمْ يُرَدْ بِهِ الشَّرْطُ، بَلْ أمَرَ هو بِتَقْدِيرِ أيْنَما هو يُوَجِّهُ، وقَدْ حُذِفَ مِنهُ ضَمِيرُ المَفْعُولِ بِهِ، فَيَكُونُ حَذْفُ الياءِ مِن ﴿لا يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ عَلى التَّخْفِيفِ نَحْوَ: يَوْمَ يَأْتِ. و”إذا يَسْرِ“؛ انْتَهى. ولا يَخْرُجُ أيْنَ عَنِ الشَّرْطِ أوْ الِاسْتِفْهامِ. وقالَ أبُو حاتِمٍ: هَذِهِ القِراءَةُ ضَعِيفَةٌ، لِأنَّ الجَزْمَ لازِمٌ؛ انْتَهى. والَّذِي تُوَجَّهُ عَلَيْهِ هَذِهِ القِراءَةُ - إنْ صَحَّتْ - أنَّ (أيْنَما) شَرْطٌ حُمِلَتْ عَلى إذا لِجامِعٍ ما اشْتَرَكا فِيهِ مِنَ الشَّرْطِيَّةِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الياءُ مِن ﴿لا يَأْتِ﴾ تَخْفِيفًا، أوْ جَزْمُهُ عَلى تَوَهُّمِ أنَّهُ نُطِقَ بِأيْنَما المُهْمَلَةِ مُعْمِلَةً لِقِراءَةِ مَن قَرَأ ﴿إنَّهُ مَن يَتَّقِ ويَصْبِرْ﴾ [يوسف: ٩٠] في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويَكُونُ مَعْنى (يُوَجَّهْ): يَتَوَجَّهْ، فَهو فِعْلٌ لازِمٌ لا مُتَعَدٍّ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى أنَّهُ لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ والأرْضِ، وهو ما غابَ عَنِ العِبادِ وخَفِيَ فِيهِما عَنْهم عِلْمُهُ. والظّاهِرُ اتِّصالُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٤] أخْبَرَ بِاسْتِئْثارِهِ بِعِلْمِ غَيْبِ السَّماواتِ والأرْضِ، بِكَمالِ قُدْرَتِهِ عَلى الإتْيانِ بِالسّاعَةِ الَّتِي تُنْكِرُونَها في لَمْحَةِ البَصَرِ أوْ أقْرَبَ، والمَعْنى بِهَذا الإخْبارِ: أنَّ الآلِهَةَ الَّتِي تَعْبُدُونَها مُنْتَفٍ عَنْها هَذانِ الوَصْفانِ اللَّذانِ لِلْإلَهِ وهُما: العِلْمُ المُحِيطُ بِالمُغَيَّباتِ، والقُدْرَةُ البالِغَةُ التّامَّةُ. ومَن ذَكَرَ أنَّ قَوْلَهُ: ومَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ هو اللَّهُ تَعالى، ذَكَرَ ارْتِباطَ هَذِهِ الجُمْلَةِ بِما قَبْلَها بِأنَّ مَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ - وهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ - هو الكامِلُ في العِلْمِ والقُدْرَةِ، فَبَيَّنَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الجُمْلَةِ. قِيلَ: والغَيْبُ هُنا ما لا يُدْرَكُ بِالحِسِّ، ولا يُفْهَمُ بِالعَقْلِ. وقالَ المُفَضَّلُ: ما غابَ عَنِ الخَلْقِ هو في قَبْضَتِهِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ. وقِيلَ: هو ما في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ أرادَ بِغَيْبِ السَّماواتِ والأرْضِ: يَوْمَ القِيامَةِ، عَلى أنَّ عِلْمَهُ غائِبٌ عَنْ أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أحَدٌ مِنهم. قِيلَ: لَمّا كانَتِ السّاعَةُ آتِيَةً ولا بُدَّ، جُعِلَتْ مِنَ القُرْبِ كَلَمْحِ البَصَرِ. وقالَ الزَّجّاجُ: لَمْ (p-٥٢١)يُرِدْ أنَّ السّاعَةَ تَأْتِي في لَمْحِ البَصَرِ، وإنَّما وصَفَ سُرْعَةَ القُدْرَةِ عَلى الإتْيانِ بِها، أيْ: يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ. وقِيلَ: هَذا تَمْثِيلٌ لِلْقُرْبِ كَما تَقُولُ: ما السَّنَةُ إلّا لَحْظَةٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو عِنْدَ اللَّهِ وإنْ تَراخى، كَما يَقُولُونَ: أنْتُمْ في الشَّيْءِ الَّذِي تَسْتَقْرِبُونَهُ: ﴿كَلَمْحِ البَصَرِ أوْ هو أقْرَبُ﴾ إذا بالَغْتُمْ في اسْتِقْرابِهِ ونَحْوُهُ قَوْلُهُ: ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ﴾ [العنكبوت: ٥٣] ﴿ولَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وعْدَهُ﴾ [الحج: ٤٧] ﴿وإنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧]، أيْ: هو عِنْدَهُ دانٍ، وهو عِنْدُكم بَعِيدٌ. وقِيلَ: المَعْنى: أنَّ إقامَةَ السّاعَةِ وإماتَةَ الأحْياءِ، وإحْياءَ الأمْواتِ مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، يَكُونُ في أقْرَبِ وقْتٍ أوْحاهُ.
﴿إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: ٢٠]، فَهو يَقْدِرُ عَلى أنْ يُقِيمَ السّاعَةَ، ويَبْعَثَ الخَلْقَ، لِأنَّهُ بَعْضُ المَقْدُوراتِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والمَعْنى عَلى ما قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ، وما تَكُونُ السّاعَةُ وإقامَتُها في قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى إلّا أنْ يَقُولَ لَها: كُنْ فَلَوِ اتَّفَقَ أنْ يَقِفَ عَلى ذَلِكَ شَخْصٌ مِنَ البَشَرِ لَكانَتْ مِنَ السُّرْعَةِ بِحَيْثُ يَشُكُّ هَلْ هي كَلَمْحِ البَصَرِ ؟ أوْ هي أقْرَبُ مِن ذَلِكَ ؟ فَأوْ - عَلى هَذا - عَلى بابِها في الشَّكِّ. وقِيلَ: هي لِلتَّخْيِيرِ؛ انْتَهى. والشَّكُّ والتَّخْيِيرُ بَعِيدانِ، لِأنَّ هَذا إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى عَنْ أمْرِ السّاعَةِ، فالشَّكُّ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ. ولِأنَّ التَّخْيِيرَ إنَّما يَكُونُ في المَحْظُوراتِ كَقَوْلِهِمْ: خُذْ مِن مالِي دِينارًا أوْ دِرْهَمًا، أوْ في التَّكْلِيفاتِ كَآيَةِ الكَفّاراتِ: ﴿والَّذِينَ يُظاهِرُونَ﴾ [المجادلة: ٣] وأوْ: هُنا لِلْإبْهامِ عَلى المُخاطَبِ كَقَوْلِهِ: ﴿وأرْسَلْناهُ إلى مِائَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧] وقَوْلِهِ: ﴿أتاها أمْرُنا لَيْلًا أوْ نَهارًا﴾ [يونس: ٢٤] وهو تَعالى قَدْ عَلِمَ عَدَدَهم، ومَتى يَأْتِيها أمْرُهُ، كَما عَلِمَ أمْرَ السّاعَةِ، لَكِنَّهُ أُبْهِمَ عَلى المُخاطَبِ. وكَوْنُ (أوْ) هُنا لِلْإبْهامِ؛ ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ هُنا. وقالَ القاضِي: هَذا لا يَصِحُّ، لِأنَّ إقامَةَ السّاعَةِ لَيْسَتْ حالَ تَكْلِيفٍ حَتّى يُقالَ: إنَّهُ تَعالى يَأْتِي بِها في زَمانٍ يَعْنِي القاضِيَ فَيَكُونُ الإبْهامُ عَلى المُخاطَبِ في ذَلِكَ الزَّمانِ، ولَيْسَ زَمانَ تَكْلِيفٍ. والَّذِي نَقُولُهُ: إنَّ الإبْهامَ وقَعَ وقْتَ الخِطابِ المُتَقَدِّمِ عَلى أمْرِ السّاعَةِ، لا وقْتَ الإتْيانِ بِها. ولَيْسَ مِن شَرْطِ الإبْهامِ عَلى المُخاطَبِ في الإخْبارِ عَنْ شَيْءٍ اتِّحادُ زَمانِ الإخْبارِ وزَمانِ وُقُوعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، ألا تَرى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأرْسَلْناهُ إلى مِائَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧] كَيْفَ تَأخَّرَ زَمانُ الإخْبارِ عَنْ زَمانِ وُقُوعِ ذَلِكَ الإرْسالِ، ووُجُودِهِمْ مِائَةَ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: (لَمْحُ البَصَرِ) انْتِقالُ الجِسْمِ بِالطَّرْفِ مِن أعْلى الحَدَقَةِ، وهي مُؤَلَّفَةٌ مِن أجْزاءٍ وتِلْكَ الأجْزاءُ كَثِيرَةٌ، والزَّمانُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ اللَّمْحُ مُرَكَّبٌ مِن آناءٍ مُتَعاقِبَةٍ، واللَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى إقامَةِ القِيامَةِ في آنٍ واحِدٍ مِن تِلْكَ الآناءِ، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿أوْ هو أقْرَبُ﴾ ولَمّا كانَ أسْرَعُ الأحْوالِ والحَوادِثِ في عُقُولِنا هو لَمْحُ البَصَرِ ذَكَرَهُ، ثُمَّ قالَ: أوْ هو أقْرَبُ، تَنْبِيهًا عَلى ما ذَكَرْناهُ، ولَيْسَ المُرادُ طَرِيقَةَ الشَّكِّ، والمُرادُ: بَلْ هو أقْرَبُ؛ انْتَهى، وفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ. وما ذَكَرَهُ مِن أنَّ (أوْ) بِمَعْنى بَلْ، هو قَوْلُ الفَرّاءِ، ولا يَصِحُّ، لِأنَّ الإضْرابَ عَلى قِسْمَيْنِ كِلاهُما لا يَصِحُّ هُنا. أمّا أحَدُهُما: فَأنْ يَكُونَ إبْطالًا لِلْإسْنادِ السّابِقِ، وأنَّهُ لَيْسَ هو المُرادَ، وهَذا مُسْتَحِيلٌ هُنا، لِأنَّهُ يَئُولُ إلى إسْنادٍ غَيْرِ مُطابِقٍ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ انْتِقالًا مِن شَيْءٍ إلى شَيْءٍ مِن غَيْرِ إبْطالٍ لِذَلِكَ الشَّيْءِ السّابِقِ، وهَذا مُسْتَحِيلٌ هُنا لِلتَّنافِي الَّذِي بَيْنَ الإخْبارِ بِكَوْنِهِ مِثْلَ لَمْحِ البَصَرِ في السُّرْعَةِ، والإخْبارِ بِالأقْرَبِيَّةِ، فَلا يُمْكِنُ صِدْقُهُما مَعًا. وقالَ صاحِبُ الغَنِيّانِ: وهَذا وإنْ كانَ يَعْسُرُ إدْراكُهُ حَقِيقَةً، إلّا أنَّ المَقْصُودَ: المُبالَغَةُ، عَلى مَذْهَبِ العَرَبِ وأرْبابِ النَّظْمِ. وما أحْسَنَ قَوْلَ الأبْلَهِ الشّاعِرِ في المَعْنى:
؎قالَ لَهُ البَرْقُ وقالَتْ لَهُ الرِّيحُ ∗∗∗ جَمِيعًا وهُما ما هُما
؎أأنْتَ تَجْرِي مَعَنا قالَ إنْ ∗∗∗ نَشِطْتُ أضْحَكْتُكُما مِنكُما
؎أنا ارْتِدادُ الطَّرْفِ قَدْ فُتُّهُ ∗∗∗ إلى المَدى سَبْقًا فَمَن أنْتُما
ولَمّا ذَكَرَ تَعالى أمْرَ السّاعَةِ وأنَّها كائِنَةٌ لا مَحالَةَ، فَكانَ في ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلى النَّشْأةِ الآخِرَةِ. وتَقَدَّمَ (p-٥٢٢)وصْفُهم بِانْتِفاءِ العِلْمِ، ذَكَرَ تَعالى النَّشْأةَ الأُولى وهي إخْراجُهم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِهِمْ غَيْرَ عالِمِينَ شَيْئًا، تَنْبِيهًا عَلى وُقُوعِ النَّشْأةِ الآخِرَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى امْتِنانَهُ عَلَيْهِمْ بِجَعْلِ الحَواسِّ الَّتِي هي سَبَبٌ لِإدْراكِ الأشْياءِ والعِلْمِ، ولَمّا كانَتِ النَّشْأةُ الأُولى، وجَعَلَ ما يَعْلَمُونَ بِهِ لَهم مِن أعْظَمِ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ؛ قالَ: لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في (أُمَّهاتِ) في النِّساءِ. وقَرَأ حَمْزَةُ: بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، والمِيمِ هُنا - وفي النُّورِ، والزُّمَرِ، والنَّجْمِ، والكِسائِيُّ - بِكَسْرِ الهَمْزَةِ فِيهِنَّ، والأعْمَشُ بِحَذْفِ الهَمْزَةِ وكَسْرِ المِيمِ، وابْنُ أبِي لَيْلى بِحَذْفِها وفَتْحِ المِيمِ. قالَ أبُو حاتِمٍ: حَذْفُ الهَمْزَةِ رَدِئٌ، ولَكِنَّ قِراءَةَ ابْنِ أُبَيٍّ أصْوَبُ؛ انْتَهى. وإنَّما كانَتْ أصْوَبَ لِأنَّ كَسْرَ المِيمِ إنَّما هو لِإتْباعِها حَرَكَةَ الهَمْزَةِ، فَإذا كانَتِ الهَمْزَةُ مَحْذُوفَةً زالَ الإتْباعُ، بِخِلافِ قِراءَةِ ابْنِ أبِي لَيْلى فَإنَّهُ أقَرَّ المِيمَ عَلى حَرَكَتِها. ولا تَعْلَمُونَ: جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، أيْ: غَيْرُ عالِمِينَ. وقالُوا: لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا مِمّا أُخِذَ عَلَيْكم مِنَ المِيثاقِ في أصْلابِ آبائِكم، أوْ شَيْئًا مِمّا قَضى عَلَيْكم مِنَ السَّعادَةِ أوِ الشَّقاوَةِ، أوْ شَيْئًا مِن مَنافِعِكم. والأوْلى عُمُومُ لَفْظِ شَيْءٍ، ولا سِيَّما في سِياقِ النَّفْيِ. وقالَ وهْبٌ: يُولَدُ المَوْلُودُ حَذِرًا إلى سَبْعَةِ أيّامٍ لا يُدْرِكُ راحَةً ولا ألَمًا. ويَحْتَمِلُ وجَعَلَ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى ﴿أخْرَجَكُمْ﴾، فَيَكُونُ واحِدًا في حَيِّزِ خَبَرِ المُبْتَدَأِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافَ إخْبارٍ مَعْطُوفًا عَلى الجُمْلَةِ الِابْتِدائِيَّةِ كاسْتِئْنافِها.
والمُرادُ بِالسَّمْعِ والأبْصارِ والأفْئِدَةِ: إحْساسُها وإدْراكُها، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالآيَةِ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ ما مَعْناهُ: إنَّما جَمَعَ الفُؤادَ جَمْعَ قِلَّةٍ، لِأنَّهُ إنَّما خُلِقَ لِلْمَعارِفِ الحَقِيقِيَّةِ اليَقِينِيَّةِ، وأكْثَرُ الخَلْقِ مَشْغُولُونَ بِالأفْعالِ البَهِيمِيَّةِ، فَكانَ فُؤادُهم لَيْسَ بِفُؤادٍ، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ في جَمْعِهِ جَمْعَ القِلَّةِ؛ انْتَهى، مُلَخَّصًا. وهو قَوْلٌ هَذَيانِيٌّ، ولَوْلا جَلالَةُ قائِلِهِ وتَسْطِيرُهُ في الكُتُبِ ما ذَكَرْتُهُ، وإنَّما يُقالُ في هَذا ما قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: أنَّهُ مِن جُمُوعِ القِلَّةِ الَّتِي جَرَتْ مَجْرى جُمُوعِ الكَثْرَةِ والقِلَّةِ، إذا لَمْ يَرِدْ في السَّماعِ غَيْرُها كَما جاءَ: شُسُوعٌ في جَمْعِ شِسْعٍ لا غَيْرُ، فَجَرى ذَلِكَ المَجْرى؛ انْتَهى. إلّا أنَّ دَعْوى الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّهُ لَمْ يَجِئْ في جَمْعِ شِسْعٍ إلّا شُسُوعٌ لا غَيْرُ، لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ جاءَ فِيهِ جَمْعُ القِلَّةِ؛ قالُوا: أشْساعٌ، فَكانَ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَقُولَ: غُلِّبَ شُسُوعٌ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، وطَلْحَةُ، والأعْمَشُ، وابْنُ هُرْمُزَ: (ألَمْ تَرَوْا) بِتاءِ الخِطابِ، وباقِي السَّبْعَةِ بِالياءِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: واخْتُلِفَ عَنِ الحَسَنِ، وعِيسى الثَّقَفِيِّ، وعاصِمٍ، وأبِي عَمْرٍو. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى مَدارِكَ العِلْمِ الثَّلاثَةَ: السَّمْعَ، والنَّظَرَ، والعَقْلَ، والأوَّلانِ مَدْرِكُ المَحْسُوسِ، والثّالِثُ مَدْرِكُ المَعْقُولِ، اكْتَفى مِن ذِكْرِ مُدْرِكِ المَحْسُوسِ بِذِكْرِ النَّظَرِ، فَإنَّهُ أغْرَبُ لِما يُشاهَدُ بِهِ مِن عَظِيمِ المَخْلُوقاتِ عَلى بُعْدِها المُتَفاوِتِ، كَمُشاهَدَتِهِ النَّيِّراتِ الَّتِي في الأفْلاكِ. وجَعَلَ هُنا مَوْضِعَ الِاعْتِبارِ والتَّعَجُّبِ الحَيَوانَ الطّائِرَ، فَإنَّ طَيَرانَهُ في الهَواءِ مَعَ ثِقَلِ جِسْمِهِ مِمّا يُعْجَبُ مِنهُ ويُعْتَبَرُ بِهِ. وتَضَمَّنَتِ الآيَةُ أيْضًا ذِكْرَ مُدْرِكِ العَقْلِ في كَوْنِهِ لا يَسْقُطُ، إذْ لَيْسَ تَحْتَهُ ما يُدَعِّمُهُ، ولا فَوْقَهُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَيُعْلَمُ بِالعَقْلِ أنَّهُ لَهُ مُمْسِكَ قادِرٌ عَلى إمْساكِهِ وهو اللَّهُ تَعالى، كَما قالَ تَعالى: ﴿أوْلَمَ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ فَوْقَهم صافّاتٍ ويَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا الرَّحْمَنُ إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ [الملك: ١٩] فانْتَظَمَ في الآيَةِ ذِكْرُ مُدْرِكِ الحِسِّ ومَدْرَكِ العَقْلِ. ومَعْنى مُسَخَّراتٍ: مُذَلَّلاتٌ، وبُنِيَ لِلْمَفْعُولِ دَلالَةً عَلى أنَّ لَهُ مُسَخِّرًا. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: هَذا دَلِيلٌ عَلى كَمالِ قُدْرَةِ اللَّهِ وحِكْمَتِهِ، فَإنَّهُ تَعالى خَلَقَ الطّائِرَ خِلْقَةً مَعَها يُمْكِنُهُ الطَّيَرانُ، أعْطاهُ جَناحًا يَبْسُطُهُ مَرَّةً، ويُكِنُّهُ أُخْرى مِثْلَ ما يَعْمَلُ السّابِحُ في الماءِ، وخَلَقَ الجَوَّ خِلْقَةً مَعَها يُمْكِنُ الطَّيَرانُ، خَلَقَهُ خِلْقَةً لَطِيفَةً، يَسْهُلُ بِسَبَبِها خَرْقُهُ والنَّفاذُ فِيهِ، ولَوْلا ذَلِكَ لَما كانَ الطَّيَرانُ مُمْكِنًا؛ انْتَهى. وكَلامُهُ مُنْتَزَعٌ مِن كَلامِ القاضِي؛ قالَ: إنَّما أضافَ الإمْساكَ إلى نَفْسِهِ، لِأنَّهُ تَعالى هو الَّذِي أعْطى الآلاتِ لِأجْلِها تَمَكَّنَ الطّائِرُ مِن تِلْكَ الأفْعالِ، فَلَمّا كانَ هو المُتَسَبِّبَ لِذَلِكَ صَحَّتْ هَذِهِ الإضافَةُ؛ انْتَهى. والَّذِي نَقُولُهُ: إنَّهُ كانَ يُمْكِنُهُ أنْ يَطِيرَ ولَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ جَناحٌ، وأنَّهُ كانَ يُمْكِنُهُ خَرْقُ الشَّيْءِ الكَثِيفِ وذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، (p-٥٢٣)وأنَّ المُمْسِكَ لَهُ في جَوِّ السَّماءِ هو اللَّهُ تَعالى. وقَدْ قامَ الدَّلِيلُ عَلى أنَّ جَمِيعَ الأفْعالِ كُلِّها مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ، وقامَ الدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ تَعالى هو الفاعِلُ المُخْتارُ، فَلا نَقُولُ: إنَّهُ لَوْلا الجَناحُ ولُطْفُ الجَوِّ ما أمْكَنَ الطَّيَرانُ، ولا لَوْلا الآلاتُ ما أمْكَنَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ما يُوافِقُ كَلامَهُما قالَ: مُسَخَّراتٌ، مُذَلَّلاتٌ لِلطَّيَرانِ بِما خَلَقَ لَها مِنَ الأجْنِحَةِ، والأسْبابِ المُواتِيَةِ لِذَلِكَ. ثُمَّ أحْسَنَ أخِيرًا في قَوْلِهِ: ما يُمْسِكُهُنَّ في قَبْضِهِنَّ وبَسْطِهِنَّ ووُقُوفِهِنَّ إلّا اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ؛ انْتَهى. لَآياتٍ: جَمَعَ ولَمْ يُفْرِدْ، لِما في ذَلِكَ مِنَ الآياتِ خِفَّةُ الطّائِرِ الَّتِي جَعَلَها اللَّهُ فِيهِ لِأنْ يَرْتَفِعَ بِها، وثِقْلُهُ الَّذِي جَعَلَهُ فِيهِ لِأنْ يَنْزِلَ، والفَضاءُ الَّذِي بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، والإمْساكُ الَّذِي لِلَّهِ تَعالى، أوْ جَمْعٌ بِاعْتِبارِ ما في هَذِهِ الآيَةِ والَّتِي قَبْلَها وقالَ: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، فَإنَّهم هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالِاعْتِبارِ، ولِتَضَمُّنِ الآيَةِ أنَّ المُسَخِّرَ والمُمْسِكَ لَها هو اللَّهُ، فَهو إخْبارٌ مِنهُ تَعالى ما يُصَدِّقُ بِهِ إلّا المُؤْمِنُ.
{"ayahs_start":75,"ayahs":["۞ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدࣰا مَّمۡلُوكࣰا لَّا یَقۡدِرُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَمَن رَّزَقۡنَـٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنࣰا فَهُوَ یُنفِقُ مِنۡهُ سِرࣰّا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ یَسۡتَوُۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ","وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا رَّجُلَیۡنِ أَحَدُهُمَاۤ أَبۡكَمُ لَا یَقۡدِرُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوۡلَىٰهُ أَیۡنَمَا یُوَجِّههُّ لَا یَأۡتِ بِخَیۡرٍ هَلۡ یَسۡتَوِی هُوَ وَمَن یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","وَلِلَّهِ غَیۡبُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَاۤ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ","وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَیۡـࣰٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ","أَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَى ٱلطَّیۡرِ مُسَخَّرَ ٰتࣲ فِی جَوِّ ٱلسَّمَاۤءِ مَا یُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا رَّجُلَیۡنِ أَحَدُهُمَاۤ أَبۡكَمُ لَا یَقۡدِرُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوۡلَىٰهُ أَیۡنَمَا یُوَجِّههُّ لَا یَأۡتِ بِخَیۡرٍ هَلۡ یَسۡتَوِی هُوَ وَمَن یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق