الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ﴾ هَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَلِلْوَثَنِ، فَالْأَبْكَمُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ على شي هُوَ الْوَثَنُ، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأَبْكَمُ عَبْدٌ كَانَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَيَأْبَى، وَيَأْمُرُ بِالْعَدْلِ عُثْمَانُ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ مَثَلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمَوْلًى لَهُ كَافِرٌ. وَقِيلَ: الْأَبْكَمُ أَبُو جَهْلٍ، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ الْعَنْسِيُّ، وَعَنْسٌ (بِالنُّونِ) حَيٌّ مِنْ مَذْحِجٍ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي مَخْزُومٍ رَهْطِ أَبِي جَهْلٍ، وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ يُعَذِّبُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيُعَذِّبُ أُمَّهُ سُمَيَّةَ، وَكَانَتْ مَوْلَاةً لِأَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ لَهَا ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّمَا آمَنْتِ بِمُحَمَّدٍ لِأَنَّكِ تُحِبِّينَهُ لِجَمَالِهِ، ثُمَّ طَعَنَهَا بِالرُّمْحِ فِي قُبُلِهَا فَمَاتَتْ، فَهِيَ أَوَّلُ شَهِيدٍ مَاتَ فِي الْإِسْلَامِ، رَحِمَهَا اللَّهُ. مِنْ كِتَابِ النَّقَّاشِ وَغَيْرِهِ. وَسَيَأْتِي هَذَا فِي آيَةِ الْإِكْرَاهِ مُبَيَّنًا [[راجع ص ١٨٠ وما بعدها من هذ الجزء.]] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْأَبْكَمُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، كَانَ لَا يَنْطِقُ بِخَيْرٍ. (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أَيْ قَوْمِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِمْ وَيُؤْذِي عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي هِشَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ كَافِرًا قَلِيلَ الْخَيْرِ يُعَادِي النَّبِيَّ ﷺ. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَبْكَمَ الْكَافِرُ، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ الْمُؤْمِنُ جُمْلَةً بِجُمْلَةٍ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّهُ يَعُمُّ. وَالْأَبْكَمُ الَّذِي لَا نُطْقَ لَهُ. وَقِيلَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ. وَقِيلَ الَّذِي لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ. وَفَى التفسير إن الأبكم ها هنا الْوَثَنُ. بَيَّنَ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا أَمْرَ، وَأَنَّ غَيْرَهُ يَنْقُلُهُ وَيَنْحِتُهُ فَهُوَ كَلٌّ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ الْآمِرُ بِالْعَدْلِ، الْغَالِبُ عَلَى كُلِّ شي. وقيل: "وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ" أَيْ ثِقْلٌ عَلَى وَلِيِّهِ وَقَرَابَتِهِ، وَوَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَابْنِ عَمِّهِ. وَقَدْ يُسَمَّى الْيَتِيمُ كَلًّا لِثِقَلِهِ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَكُولٌ لِمَالِ الْكَلِّ قَبْلَ شَبَابِهِ ... إِذَا كَانَ عَظْمُ الْكَلِّ غَيْرَ شديد وَالْكَلُّ أَيْضًا الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ. وَالْكَلُّ الْعَيَّالُ، وَالْجَمْعُ الْكُلُولُ، يُقَالُ مِنْهُ: كل السكين كَلًّا أَيْ غَلُظَتْ شَفْرَتُهُ فَلَمْ يَقْطَعْ. (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ) قَرَأَ الْجُمْهُورُ "يُوَجِّهْهُ" وَهُوَ خَطُّ الْمُصْحَفِ، أَيْ أَيْنَمَا يُرْسِلْهُ صَاحِبُهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَفْهَمُ مَا يُقَالُ لَهُ وَلَا يَفْهَمُ عَنْهُ. وقرا يحيى بن وثاب "أَيْنَما يُوَجِّهْهُ" عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ. (وَرُوِيَ [[من ى.]] عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْضًا "تَوَجَّهَ" عَلَى الْخِطَابِ. (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ. وَهُوَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أَيْ هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الْأَبْكَمُ وَمَنْ يَأْمُرُ بالعدل وهو على الصراط المستقيم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب