الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ الله مَثَلًا﴾ أي بَيَّنَ الله شِبْهًا فيه بيانٌ للمقصود، ثم ذكر ذلك فقال: ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا﴾ إلى قوله: ﴿سِرًّا وَجَهْرًا﴾ قال مجاهد في هذه الآية والتي تليها: كل هذا مَثَلُ إله الحق وما يُدْعَى من دونه من الباطل [[ليس في تفسيره، وأخرجه الطبري 14/ 150 بنصه من طريقين، وانظر: "تفسير ابن عطية" 8/ 475، و"الدر المنثور" 4/ 235، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.]].
وقال السُّدي: هذا مَثَلٌ ضربه الله للآلهة؛ يقول: كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء ورجل حُرٌّ قد رُزق رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سِرًّا وجَهرًا لا يخاف من أحد، فكذلك أنا وهذه الآلهة التي تَدْعُون، ليست تملك شيئًا وأنا الذي أملك وأرزق مَنْ شئت [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 422، بنصه.]]، وهذا القول هو اختيار الفراء [["معاني القرآن" للفراء 2/ 111، بمعناه.]]، والزجاج قال: بَيَّنَ اللهُ لهم أمرَ ضلالتهم وبعدهم عن الطريق في عبادتهم الأوثان، فذكر أن المالك المقتدر على الإنفاق والعاجز الذي لا يقدر أن ينفق لا يستويان، فكيف يُسَوَّى بين الحجارة التي لا تتحرك ولا تعقل وبين الله الذي هو على كل شيء قدير، وهو رازقُ جميع خلقه [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 213، بتصرف يسير.]].
وفي الآية قول آخر، وهو: أن هذا مثل للمؤمن والكافر؛ قال عطاء عن ابن عباس: يريد أبا جهل بن هشام وأبا بكر الصديق [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 160 ب، بنصه عن ابن جريج عن عطاء ضعيفة، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 33، وابن الجوزي 4/ 472، وقد روي عن ابن عباس أنهما: هشام بن عمرو، ومولاه الذي كان ينهاه، انظر: "معاني القرآن" للنحاس 4/ 93، و"تفسير ابن الجوزي" 4/ 472، و"الدر المنثور" 4/ 235 - 236، وعزاه إلى ابن جرير -روايته ليس فيها الشاهد- وابن أبي حاتم وابن مردويه، وابن == مردويه وابن عساكر وليس لتخصص الآية بهما داع، بل الآية عامة، وكفى بتضارب الأقوال المُعَيِّنة دليلاً على عدم التعيين، وقد أشار الواحدي رحمه الله إلى التعميم بقوله: المراد بقوله: ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا﴾، الشُّيوع في الجنس لا التخصيص، وقد ردّ الجصاص هذا التخصيص بأمرين: بضعف الحديث الوارد، وبظاهر اللفظ؛ فقال: وظاهر اللفظ ينفيها؛ لأنه لو أراد عبداً بعينه لعرَّفه ولم يذكره بلفظ منكور، وأيضًا معلوم أن الخطاب في ذكر عبدة الأوثان والاحتجاج عليهم ... إلخ. انظره في: "تفسيره" 3/ 187، وهو كلام نفيس في الردّ على تخصيص هذا المثل والذي يليه، وانظر: "تفسير ابن عطية" 8/ 476، والفخر الرازي 20/ 84، وأبي حيان 5/ 519.]]، وقال قتادة: هو الكافر لا يعمل بطاعة الله ولا ينفق خيرًا، ﴿وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا﴾ هو المؤمن يطيع الله في نفسه وماله [[أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 359) بنصه، والطبري 14/ 150 - 151 من طريقين بنصه وبنحوه، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 92، بمعناه، و"تفسير الطوسي" 6/ 408، بمعناه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 472، و"تفسير القرطبي" 10/ 147، و"الدر المنثور" 4/ 234 - 235، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم. والغريب أن لابن عباس قولاً مثله -حتى إن كثيرًا من المفسرين نسبوا القول إليهما، بل إن بعضهم اكتفى بنسبته إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- ومع ذلك لم يذكره واكتفى بنسبته لقتادة.]]، فعلى هذا القول: الكافر لمَّا لم ينفق في طاعة الله صار كالعبد الذي لا يملك شيئًا، والمؤمن ينفق في الخير وفي طاعة الله، فليسا يستويان، كذلك قال الله تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ وجمع الفعل؛ لأن المراد بقوله: ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا﴾، الشُّيوع في الجنس لا التخصيص [[قال الثعلبي: ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ ولم يقل: هل يستويان؛ لمكان (مَنْ) لأنه اسم مبهم يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمونث."تفسير الثعلبي" 2/ 160 ب.]].
واختار ابن قتيبة القول الأول [[وكذلك رجحه ابن عطية 8/ 476، والفخر الرازي 20/ 84، وأبوحيان 5/ 519، وابن القيم في "الأمثال" ص 205.]]؛ فقال: هذا مثل ضربه الله لنفسه ولمن عُبد دُونَه، فقدله: ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ مَثَلُ من عُبِد مِن دونه؛ لأنه عاجزٌ مُدَبَّرٌ مملوكٌ لا يقدر على نفع ولا ضرّ، ثم قال: ﴿وَمَنْ رَزَقْنَاهُ﴾ إلى قوله: ﴿وَجَهْرًا﴾ وهذا مَثَلُه جلَّ وعز؛ لأنه الواسع الجواد القادر الرَّزاق عباده جَهْرًا من حيث يعلمون وسرًّا من حيث لا يعلمون، قال: وهذا القول أعجب إليّ؛ لأن المَثَل توسَّط كلامين؛ هما لله جلّ وعز؛ أما الأول فقوله: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ الآية. فهذا [[في جميع النسخ: (عهد الله)، وهو تصحيف، والتصويب من المصدر.]] لله ومن عُبِدَ من دونه، (وأما الآخر فقوله) [[ما بين القوسين كتب على الهامش في نسخة (أ).]] بعد إنقضاء المثل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [["تأويل مشكل القرآن" ص 384 - 385، بتصرف واختصار، وورد نحوه في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 92.]]، ومعنى قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هاهنا: أنه بَيَّنَ أن له الحمدَ على ما فعل بأوليائه، وأنعم عليهم بالتوحيد، هذا معنى قول ابن عباس [[قال: الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد. انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 85، بنصه، وأبي حيان 5/ 519، بنصه.]].
وقال غيره: بَيَّنَ أن له جميعَ الحمد، وأنه المستحق للحمد دون ما يعبدون من دونه؛ لأنه لا يَدَ للأصنام عندهم، ولا نعمة لها عليهم [[ورد في "تفسير الطبرى" 14/ 149، بنحوه، والثعلبي 2/ 160 ب، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 33، وابن الجوزي 4/ 473، والفخر الرازي 20/ 85، و"تفسير القرطبي" 10/ 148، والخازن 3/ 127.]]، ومعنى قوله: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يقول: أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون أن الحمد لي؛ لأن جميع النعمة مني، وذكر الأكثر وهو يريد الجميع.
قال أهل المعاني: عزل البعض احتقارًا له أن يُذْكَر، وقال آخرون: هو من الخاص في صِيَغِهِ، الذي هو عموم في معناه، والمعنى: بل هم لا يعلمون [[انظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 473، و"تفسير القرطبي" 11/ 480، وأبي حيان 5/ 519.]]، ثم زاد في البيان، فقال:
{"ayah":"۞ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدࣰا مَّمۡلُوكࣰا لَّا یَقۡدِرُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَمَن رَّزَقۡنَـٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنࣰا فَهُوَ یُنفِقُ مِنۡهُ سِرࣰّا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ یَسۡتَوُۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق