الباحث القرآني
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا﴾ أيْ: ذَكَرَ وأوْرَدَ شَيْئًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى تَبايُنِ الحالِ بَيْنَ جَنابِهِ عَزَّ وجَلَّ، وبَيْنَ ما أشْرَكُوا بِهِ وعَلى تَباعُدِهِما بِحَيْثُ يُنادِي بِفَسادِ ما ارْتَكَبُوهُ نِداءً جَلِيًّا ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ﴾ بَدَلٌ مِن مَثَلًا، وتَفْسِيرٌ لَهُ، والمَثَلُ في الحَقِيقَةِ حالَتُهُ العارِضَةُ لَهُ مِنَ المَمْلُوكِيَّةِ، والعَجْزِ التّامِّ. وبِحَسَبِها ضَرَبَ نَفْسَهُ مَثَلًا، ووَصَفَ العَبْدَ بِالمَمْلُوكِيَّةِ لِلتَّمْيِيزِ عَنِ الحَرِّ لِاشْتِراكِهِما في كَوْنِهِما عَبْدانِ لِلَّهِ سُبْحانَهُ، وقَدْ أُدْمِجَ فِيهِ أنَّ الكُلَّ عَبِيدٌ لَهُ تَعالى، وبِعَدَمِ القُدْرَةِ لِتَمْيِيزِهِ عَنِ المُكاتَبِ والمَأْذُونِ اللَّذَيْنِ لَهُما تَصَرُّفٌ في الجُمْلَةِ، وفي إبْهامِ المَثَلِ أوَّلًا ثُمَّ بَيانِهِ بِما ذُكِرَ ما لا يَخْفى مِنَ الفَخامَةِ والجَزالَةِ.
﴿وَمَن رَزَقْناهُ﴾ مَن مَوْصُوفَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى عَبْدًا، أيْ: رَزَقْناهُ بِطَرِيقِ المُلْكِ، والِالتِفاتُ إلى التَّكَلُّمِ لِلْإشْعارِ بِاخْتِلافِ حالَيْ ضَرْبِ المَثَلِ، والرِّزْقِ.
﴿مِنّا﴾ مِن جَنابِنا الكَبِيرِ المُتَعالِي ﴿رِزْقًا حَسَنًا﴾ حَلالًا طَيِّبًا، أوْ مُسْتَحْسَنًا عِنْدَ النّاسِ مَرْضِيًّا، ﴿فَهُوَ يُنْفِقُ مِنهُ﴾ تَفَضُّلًا وإحْسانًا. و "الفاءُ" لِتَرْتِيبِ الإنْفاقِ عَلى الرِّزْقِ، كَأنَّهُ قِيلَ: ومَن رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقًا حَسَنًا فَأنْفَقَ. وإيثارُ ما عَلَيْهِ النَّظْمُ الكَرِيمُ مِنَ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الفِعْلِيَّةِ الخَبَرِ لِلدَّلالَةِ عَلى ثَباتِ الإنْفاقِ، واسْتِمْرارِهِ التَّجَدُّدَيِّ.
﴿سِرًّا وجَهْرًا﴾ أيْ: حالَ السِّرِّ والجَهْرِ، أوْ إنْفاقَ سِرٍّ، وإنْفاقَ جَهْرٍ. والمُرادُ: بَيانُ عُمُومِ إنْفاقِهِ لِلْأوْقاتِ، وشُمُولِ إنْعامِهِ لِمَن يَجْتَنِبُ عَنْ قَبُولِهِ جَهْرًا، والإشارَةُ إلى أصْنافِ نِعَمِ اللَّهِ تَعالى الباطِنَةِ والظّاهِرَةِ، وتَقْدِيمُ السِّرِّ عَلى الجَهْرِ لِلْإيذانِ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِ، والعُدُولُ عَنْ تَطْبِيقِ القَرِينَتَيْنِ بِأنْ يُقالَ: وحُرًّا مالِكًا لِلْأمْوالِ مَعَ كَوْنِهِ أدَلَّ عَلى تَبايُنِ الحالِ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَسِيمِهِ لِتَوَخِّي تَحْقِيقِ الحَقِّ بِأنَّ الأحْرارَ أيْضًا تَحْتَ رِبْقَةِ عُبُودِيَّتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وأنَّ مالِكِيَّتَهم لِما يَمْلِكُونَهُ لَيْسَتْ إلّا بِأنْ يَرْزُقَهُمُ اللَّهُ تَعالى إيّاهُ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهم مُدْخَلٌ في ذَلِكَ مَعَ مُحاوَلَةِ المُبالَغَةِ في الدَّلالَةِ عَلى ما قُصِدَ بِالمَثَلِ مِن تَبايُنِ الحالِ بَيْنَ المُمَثَّلَيْنِ، فَإنَّ العَبْدَ المَمْلُوكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ العَبْدِ المالِكِ، فَما ظَنُّكَ بِالجَمادِ؟! ومالِكِ المُلْكِ خَلّاقِ العالَمِينَ.
﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ جَمَعَ الضَّمِيرِ لِلْإيذانِ بِأنَّ المُرادَ بِما ذُكِرَ مَنِ اتَّصَفَ بِالأوْصافِ المَذْكُورَةِ مِنَ الجِنْسَيْنِ المَذْكُورَيْنِ لا فَرْدانِ مَعْنِيّانِ مِنهُما، أيْ: هَلْ يَسْتَوِي العَبِيدُ والأحْرارُ المَوْصُوفُونَ بِما ذُكِرَ مِنَ الصِّفاتِ، مَعَ أنَّ الفَرِيقَيْنِ سِيّانِ في البَشَرِيَّةِ والمَخْلُوقِيَّةِ لِلَّهِ سُبْحانَهُ، (p-130)وَأنَّ ما يُنْفِقُهُ الأحْرارُ لَيْسَ مِمّا لَهم دَخْلٌ في إيجادِهِ، ولا في تَمَلُّكِهِ بَلْ هو مِمّا أعْطاهُ اللَّهُ تَعالى إيّاهُمْ، فَحَيْثُ لَمْ يَسْتَوِ الفَرِيقانِ فَما ظَنُّكم بِرَبِّ العالَمِينَ حَيْثُ تُشْرِكُونَ بِهِ ما لا ذَلِيلَ أذَلَّ مِنهُ، وهو الأصْنامُ.
﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أيْ: كُلُّهُ لِأنَّهُ مَوْلى جَمِيعِ النِّعَمِ لا يَسْتَحِقُّهُ أحَدٌ غَيْرُهُ، وإنْ ظَهَرَتْ عَلى أيْدِي بَعْضِ الوَسائِطِ فَضْلًا عَنِ اسْتِحْقاقِ العِبادَةِ، وفِيهِ إرْشادٌ إلى ما هو الحَقُّ مِن أنَّ ما يَظْهَرُ عَلى يَدِ مَن يُنْفِقُ مِمّا ذُكِرَ راجِعٌ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ، كَما لَوَّحَ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: "رَزَقْناهُ" ﴿بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ما ذُكِرَ فَيُضِيفُونَ نِعَمَهُ تَعالى إلى غَيْرِهِ، ويَعْبُدُونَهُ لِأجْلِها، ونَفْيُ العِلْمِ عَنْ أكْثَرِهِمْ لِلْإشْعارِ بِأنَّ بَعْضَهم يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وإنَّما لا يَعْمَلُونَ بِمُوجِبِهِ عِنادًا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ﴾ .
{"ayah":"۞ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدࣰا مَّمۡلُوكࣰا لَّا یَقۡدِرُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَمَن رَّزَقۡنَـٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنࣰا فَهُوَ یُنفِقُ مِنۡهُ سِرࣰّا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ یَسۡتَوُۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق