الباحث القرآني

(ضرب الله مثلاً) أي ذكر شيئاً يستدل به على تباين الحال بين جناب الخالق سبحانه وبيَّن ما جعلوه شريكاً له من الأصنام، والمثل في الحقيقة هي حالة للعبد عارضة له وهي المملوكية والعجز عن التصرف، فقوله (عبداً) تفسير للمثل وبدل منه ووصفه بكونه (مملوكاً) لأن العبد والحر مشتركان في كون كل واحد منهما عبداً لله سبحانه ووصفه بكونه (لا يقدر على شيء) لأن المكاتب والمأذون يقدران على بعض التصرفات، فهذا الوصف لتمييزه عنهما، واحتج الفقهاء بهذا علي أن العبد لا يملك شيئاً. (ومن) أي الذي، وقيل موصوفة، واختاره الزمخشري كأنه قيل وحراً من الأحرار الذين يملكون الأموال ويتصرفون بها كيف شاءوا (رزقناه) ليطابق عبداً (منا) أي من جهتنا (رزقاً حسناً) والمراد به أنه مما يحسن في عيون الناس لكونه رزقاً كثيراً مشتملاً على أشياء مستحسنة نفيسة تروق الناظرين إليها (فهو ينفق منه) في وجوه الخير ويصرف منه إلى أنواع البر والمعروف (سراً وجهراً) أي في حال السر وحال الجهر، والمراد بيان عموم الإنفاق للأوقات وتقديم السر على الجهر مشعر بفضيلته عليه وأن الثواب فيه أكثر. (هل يستوون) أي الحر والعبد الموصوفان بالصفات المتقدمة، وجمع الضمير لمكان (من) لأنه اسم مبهم يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث، وقيل إنه أريد بالعبد، والوصول الذي هو عبارة عن الحر الجنس أي من اتصف بتلك الأوصاف من الجنسين، والاستفهام للإنكار أي هل يستوي العبيد والأحرار مع كون كلا الفريقين مخلوقين لله سبحانه من جملة البشر، ومن المعلوم أنهم لا يستوون فكيف يجعلون لله سبحانه شركاء لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً ويجعلونهم مستحقين للعبادة مع الله سبحانه. وحاصل المعنى إنه كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء ورجل حر قد رزقه الله رزقاً حسناً فهو ينفق منه، كذلك لا يستوي الرب الخالق الرازق والجمادات من الأصنام التي تعبدونهما وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تنفع ولا تضر، وقيل المراد بالعبد المملوك في الآية هو الكافر المحروم من طاعة الله وعبوديته، والآخر هو المؤمن. وقال ابن عباس بمعناه بأطول من هذا، والغرض إنهما لا يستويان في الرتبة والشرف. وقال عطاء: هما أبو جهل بن هشام وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقيل العبد هو الصنم والثاني عابد الصنم، والمراد أنهما لا يستويان في القدرة والتصرف لأن الأول جماد والثاني إنسان. (الحمد) كله (لله) وحده حمد نفسه لأنه المنعم المستحق لجميع المحامد لا يستحق غيره من العباد شيئاً منه فكيف تستحق الأصنام منه شيئاً ولا نعمة منها أصلاً لا بالأصالة ولا بالتوسط، وقيل أراد الحمد لله على ما أنعم به على أوليائه من نعمة التوحيد، وقيل أراد قل الحمد لله، والخطاب إما لمحمد صلى الله عليه وسلم أو لمن رزقه الله رزقاً حسناً، وقيل إنه لما ذكر مثلاً مطابقاً للغرض كاشفاً عن المقصود قال الحمد لله أي على قوة هذه الحجة. (بل أكثرهم لا يعلمون) ذلك حتى يعبدوا من تحق له العبادة ويعرفوا المنعم عليهم بالنعم الجليلة، ونفى العلم عنهم إما لكونهم من الجهل بمنزلة لا يفهمون بسببها ما يجب عليهم أو هم يتركون الحق عناداً مع علمهم به فكانوا كمن لا علم له وخص الأكثر بنفي العلم إما لكونه يريد الخلق جميعاً وأكثرهم المشركون أو ذكر الأكثر وهو يريد الكل، أو المراد أكثر المشركين لأن فيهم من يعلم ولا يعمل بموجب العلم. ثم ذكر سبحانه مثلاً ثانياً ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده من النعم الدينية والدنيوية وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع فقال
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب