الباحث القرآني

(p-٢)(سُورَةُ الشُّعَراءِ مِائَتانِ وسَبْعٌ وعِشْرُونَ آيَةً، مَكِّيَّةٌ) (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ﴿طسم﴾ ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ ﴿لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ألّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿إنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهم لَها خاضِعِينَ﴾ ﴿وما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إلّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿أوَلَمْ يَرَوْا إلى الأرْضِ كَمْ أنْبَتْنا فِيها مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿وإذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أنِ ائْتِ القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ ألا يَتَّقُونَ﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي أخافُ أنْ يُكَذِّبُونِ﴾ ﴿ويَضِيقُ صَدْرِي ولا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأرْسِلْ إلى هارُونَ﴾ ﴿ولَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ ﴿قالَ كَلّا فاذْهَبا بِآياتِنا إنّا مَعَكم مُسْتَمِعُونَ﴾ ﴿فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أنْ أرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ ﴿قالَ ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا ولِيدًا ولَبِثْتَ فِينا مِن عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ ﴿وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ ﴿قالَ فَعَلْتُها إذًا وأنا مِنَ الضّالِّينَ﴾ ﴿فَفَرَرْتُ مِنكم لَمّا خِفْتُكم فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿وتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أنْ عَبَّدْتَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الشعراء: ٢٢] ﴿قالَ فِرْعَوْنُ وما رَبُّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٢٣] ﴿قالَ رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢٤] ﴿قالَ لِمَن حَوْلَهُ ألا تَسْتَمِعُونَ﴾ [الشعراء: ٢٥] ﴿قالَ رَبُّكم ورَبُّ آبائِكُمُ الأوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ٢٦] ﴿قالَ إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكم لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧] ﴿قالَ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما بَيْنَهُما إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الشعراء: ٢٨] ﴿قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَهًا غَيْرِي لَأجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: ٢٩] ﴿قالَ أوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ٣٠] ﴿قالَ فَأْتِ بِهِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ٣١] ﴿فَألْقى عَصاهُ فَإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ﴾ [الشعراء: ٣٢] ﴿ونَزَعَ يَدَهُ فَإذا هي بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ﴾ [الشعراء: ٣٣] ﴿قالَ لِلْمَلَأِ حَوْلَهُ إنَّ هَذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ﴾ [الشعراء: ٣٤] ﴿يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكم مِن أرْضِكم بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ﴾ [الشعراء: ٣٥] ﴿قالُوا أرْجِهْ وأخاهُ وابْعَثْ في المَدائِنِ حاشِرِينَ﴾ [الشعراء: ٣٦] ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٣٧] ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ٣٨] ﴿وقِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾ [الشعراء: ٣٩] ﴿لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إنْ كانُوا هُمُ الغالِبِينَ﴾ [الشعراء: ٤٠] ﴿فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أئِنَّ لَنا لَأجْرًا إنْ كُنّا نَحْنُ الغالِبِينَ﴾ [الشعراء: ٤١] ﴿قالَ نَعَمْ وإنَّكم إذًا لَمِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ [الشعراء: ٤٢] ﴿قالَ لَهم مُوسى ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ [الشعراء: ٤٣] ﴿فَألْقَوْا حِبالَهم وعِصِيَّهم وقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إنّا لَنَحْنُ الغالِبُونَ﴾ [الشعراء: ٤٤] ﴿فَألْقى مُوسى عَصاهُ فَإذا هي تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ﴾ [الشعراء: ٤٥] ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ﴾ [الشعراء: ٤٦] ﴿قالُوا آمَنّا بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٤٧] ﴿رَبِّ مُوسى وهارُونَ﴾ [الشعراء: ٤٨] ﴿قالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكم إنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أيْدِيَكم وأرْجُلَكم مِن خِلافٍ ولَأُصَلِّبَنَّكم أجْمَعِينَ﴾ [الشعراء: ٤٩] ﴿قالُوا لا ضَيْرَ إنّا إلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: ٥٠] ﴿إنّا نَطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أنْ كُنّا أوَّلَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٥١] ﴿وأوْحَيْنا إلى مُوسى أنْ أسْرِ بِعِبادِي إنَّكم مُتَّبَعُونَ﴾ [الشعراء: ٥٢] ﴿فَأرْسَلَ فِرْعَوْنُ في المَدائِنِ حاشِرِينَ﴾ [الشعراء: ٥٣] ﴿إنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ [الشعراء: ٥٤] ﴿وإنَّهم لَنا لَغائِظُونَ﴾ [الشعراء: ٥٥] ﴿وإنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ﴾ [الشعراء: ٥٦] ﴿فَأخْرَجْناهم مِن جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ [الشعراء: ٥٧] ﴿وكُنُوزٍ ومَقامٍ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء: ٥٨] ﴿كَذَلِكَ وأوْرَثْناها بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٩] ﴿فَأتْبَعُوهم مُشْرِقِينَ﴾ [الشعراء: ٦٠] ﴿فَلَمّا تَراءى الجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسى إنّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: ٦١] ﴿قالَ كَلّا إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦٢] ﴿فَأوْحَيْنا إلى مُوسى أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطَّوْدِ العَظِيمِ﴾ [الشعراء: ٦٣] ﴿وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ﴾ [الشعراء: ٦٤] ﴿وأنْجَيْنا مُوسى ومَن مَعَهُ أجْمَعِينَ﴾ [الشعراء: ٦٥] ﴿ثُمَّ أغْرَقْنا الآخَرِينَ﴾ [الشعراء: ٦٦] ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٦٧] ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء: ٦٨] ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ إبْراهِيمَ﴾ [الشعراء: ٦٩] ﴿إذْ قالَ لِأبِيهِ وقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ﴾ [الشعراء: ٧٠] ﴿قالُوا نَعْبُدُ أصْنامًا فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ﴾ [الشعراء: ٧١] ﴿قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكم إذْ تَدْعُونَ﴾ [الشعراء: ٧٢] ﴿أوْ يَنْفَعُونَكم أوْ يَضُرُّونَ﴾ [الشعراء: ٧٣] ﴿قالُوا بَلْ وجَدْنا آباءَنا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [الشعراء: ٧٤] ﴿قالَ أفَرَأيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾ [الشعراء: ٧٥] ﴿أنْتُمْ وآباؤُكُمُ الأقْدَمُونَ﴾ [الشعراء: ٧٦] ﴿فَإنَّهم عَدُوٌّ لِي إلّا رَبَّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٧٧] ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهو يَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٧٨] ﴿والَّذِي هو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ﴾ [الشعراء: ٧٩] ﴿وإذا مَرِضْتُ فَهو يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: ٨٠] ﴿والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ [الشعراء: ٨١] ﴿والَّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء: ٨٢] ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ [الشعراء: ٨٣] ﴿واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ﴾ [الشعراء: ٨٤] ﴿واجْعَلْنِي مِن ورَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ [الشعراء: ٨٥] ﴿واغْفِرْ لِأبِي إنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٨٦] ﴿ولا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ [الشعراء: ٨٧] ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ﴾ [الشعراء: ٨٨] ﴿إلّا مَن أتى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٩] ﴿وأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الشعراء: ٩٠] ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغاوِينَ﴾ [الشعراء: ٩١] ﴿وقِيلَ لَهم أيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾ [الشعراء: ٩٢] ﴿مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكم أوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشعراء: ٩٣] ﴿فَكُبْكِبُوا فِيها هم والغاوُونَ﴾ [الشعراء: ٩٤] ﴿وجُنُودُ إبْلِيسَ أجْمَعُونَ﴾ [الشعراء: ٩٥] ﴿قالُوا وهم فِيها يَخْتَصِمُونَ﴾ [الشعراء: ٩٦] ﴿تاللَّهِ إنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ٩٧] ﴿إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٨] ﴿وما أضَلَّنا إلّا المُجْرِمُونَ﴾ [الشعراء: ٩٩] ﴿فَما لَنا مِن شافِعِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٠] ﴿ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٠١] . (p-٣)الشِّرْذِمَةُ: الجَمْعُ القَلِيلُ المُحْتَقَرُ، وشِرْذِمَةُ كُلِّ شَيْءٍ: بَقِيَّتُهُ الخَسِيسَةُ، وأنْشَدَ أبُو عُبَيْدَةَ: ؎فِي شَــراذِمِ البِغَــالِ وقالَ آخَرُ: ؎جاءَ الشِّتاءُ وقَمِيصِي أخْلاقْ شَراذِمٌ يَضْحَكُ مِنهُ وقالَ الجوهري: الشِّرْذِمَةُ: الطّائِفَةُ مِنَ النّاسِ، والقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ، وثَوْبٌ شَراذِمُ: أيْ قِطَعٌ. انْتَهى. وقِيلَ: السَّفِلَةُ مِنَ النّاسِ. كَبْكَبَهُ: قَلَبَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ، وحُرُوفُهُ كُلُّها أُصُولٌ عِنْدَ جُمْهُورِ البَصْرِيِّينَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الكَبْكَبَةُ: تَكْرِيرُ الكَبِّ، جُعِلَ التَّكْرِيرُ في اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلى التَّكْرِيرِ في المَعْنى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَبْكَبَ مُضاعَفٌ مِن كَبَّ، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، وهو الصَّحِيحُ، لِأنَّ مَعْناهُما واحِدٌ، والتَّضْعِيفُ في الفِعْلِ نَحْوَ: صَرَّ وصَرْصَرَ. انْتَهى. وقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ وابْنِ عَطِيَّةَ هو قَوْلُ الزُّجّاجِ، وهو أنَّهُ يَزْعُمُ أنَّ نَحْوَ كَبْكَبَهُ مِمّا يُفْهَمُ المَعْنى بِسُقُوطِ ثالِثِهِ، هو مِمّا ضُوعِفَ فِيهِ الباءُ. وذَهَبَ (p-٤)الكُوفِيُّونَ إلى أنَّ الثّالِثَ بَدَلٌ مِن مِثْلِ الثّانِي، فَكانَ أصْلُهُ كَبَبَ، فَأُبْدِلُ مِنَ الباءِ الثّانِيَةِ كافٌ، الحَمِيمُ: الوَلِيُّ القَرِيبُ، وحامَّةُ الرَّجُلِ: خاصَّتُهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الحَمِيمُ مِن الِاحْتِمامِ، وهو الِاهْتِمامُ، وهو الَّذِي يُهِمُّهُ ما أهَمَّكَ؛ أوْ مِنَ الحامَّةِ بِمَعْنى الخاصَّةِ، وهو الصَّدِيقُ الخالِصُ. ﴿طسم﴾ ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ ﴿لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ألّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿إنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهم لَها خاضِعِينَ﴾ ﴿وما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إلّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿أوَلَمْ يَرَوْا إلى الأرْضِ كَمْ أنْبَتْنا فِيها مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿وإذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أنِ ائْتِ القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ ألا يَتَّقُونَ﴾ ﴿قالَ رَبِّ إنِّي أخافُ أنْ يُكَذِّبُونِ﴾ ﴿ويَضِيقُ صَدْرِي ولا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأرْسِلْ إلى هارُونَ﴾ ﴿ولَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ ﴿قالَ كَلّا فاذْهَبا بِآياتِنا إنّا مَعَكم مُسْتَمِعُونَ﴾ ﴿فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أنْ أرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ . (p-٥)هَذِهِ السُّورَةُ كُلُّها مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجُمْهُورِ إلّا أرْبَعَ آياتٍ مِن: ﴿والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٤] إلى آخِرِ السُّورَةِ، وقالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وعَطاءٌ وقَتادَةُ. وقالَ مُقاتِلٌ: ﴿أوَلَمْ يَكُنْ لَهم آيَةً﴾ [الشعراء: ١٩٧] الآيَةَ، مَدَنِيَّةٌ. ومُناسَبَةُ أوَّلِها لِآخِرِ ما قَبْلَها أنَّهُ قالَ - تَعالى -: ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] ذَكَرَ تَلَهُّفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى كَوْنِهِمْ لَمْ يُؤْمِنُوا، وكَوْنِهِمْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ، لَمّا جاءَهم. ولَمّا أوْعَدَهم في آخِرِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] أوْعَدَهم في أوَّلِ هَذِهِ فَقالَ في إثْرِ إخْبارِهِ بِتَكْذِيبِهِمْ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الأنعام: ٥] . وتِلْكَ إشارَةٌ إلى آياتِ السُّورَةِ، أوْ آياتِ القُرْآنِ. وأمالَ فَتْحَةَ الطّاءِ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ وباقِي السَّبْعَةِ: بِالفَتْحِ؛ وحَمْزَةُ بِإظْهارِ نُونِ ”سِينْ“، وباقِي السَّبْعَةِ بِإدْغامِها؛ وعِيسى بِكَسْرِ المِيمِ مِن طسم هُنا وفي القَصَصِ، وجاءَ كَذَلِكَ عَنْ نافِعٍ. وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: ط س م؛ مَقْطُوعٌ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ. وتَكَلَّمُوا عَلى هَذِهِ الحُرُوفِ بِما يُشْبِهُ اللُّغْزَ والأحاجِيِّ، فَتَرَكْتُ نَقْلَهُ؛ إذْ لا دَلِيلَ عَلى شَيْءٍ مِمّا قالُوهُ. (والكِتابِ المُبِينِ) هو القُرْآنُ، هو بَيِّنٌ في نَفْسِهِ ومُبِينٌ غَيْرَهُ مِنَ الأحْكامِ والشَّرائِعِ وسائِرِ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ، أوْ مُبِينٌ إعْجازُهُ وصِحَّةُ أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ. وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ﴿باخِعٌ نَفْسَكَ﴾ في أوَّلِ الكَهْفِ. (ألّا يَكُونُوا) أيْ لِئَلّا يُؤْمِنُوا، أوْ خِيفَةَ أنْ لا يُؤْمِنُوا. وقَرَأ قَتادَةُ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: ”باخِعُ نَفْسِكَ“ عَلى الإضافَةِ. ﴿إنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ﴾ دَخَلَتْ ”إنْ“ عَلى ”نَشَأْ“ وإنْ لِلْمُمْكِنِ، أوِ المُحَقَّقِ المُنْبَهِمِ زَمانُهُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ما في الشَّرْطِ مِنَ الإبْهامِ هو في هَذِهِ الآيَةِ في حَيِّزِنا، وأمّا اللَّهُ - تَعالى - فَقَدْ عُلِمَ أنَّهُ لا يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ آيَةَ اضْطِرارٍ، وإنَّما جَعَلَ اللَّهُ آياتِ الأنْبِياءِ والآياتِ الدّالَّةَ عَلَيْهِ مُعَرَّضَةً لِلنَّظَرِ والفِكْرِ، لِيَهْتَدِيَ مَن سَبَقَ في عِلْمِهِ هُداهُ، ويَضِلَّ مَن سَبَقَ ضَلالُهُ، ولِيَكُونَ لِلنَّظْرَةِ كَسْبٌ بِهِ يَتَعَلَّقُ الثَّوابُ والعِقابُ، وآيَةُ الِاضْطِرارِ تَدْفَعُ جَمِيعَ هَذا أنْ لَوْ كانَتْ. انْتَهى. ومَعْنى ”آيَةً“: أيْ مُلْجِئَةً إلى الإيمانِ يَقْهَرُ عَلَيْهِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةِ هارُونَ عَنْهُ: إنْ يَشَأْ يُنَزَّلْ، عَلى الغَيْبَةِ، أيْ إنْ يَشَأِ اللَّهُ يُنَزِّلْ، وفي المَصاحِفِ: لَوْ شِئْنا لَأنْزَلْنا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: فَظَلَّتْ، ماضِيًّا بِمَعْنى المُسْتَقْبَلِ، لِأنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى يُنَزِّلْ. وقَرَأ طَلْحَةُ: فَتُظَلَّلْ، وأعْناقُهم. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): كَيْفَ صَحَّ مَجِيءُ خاضِعِينَ خَبَرًا عَنِ الأعْناقِ ؟ قُلْتُ: أصْلُ الكَلامِ: فَظَلُّوا لَها خاضِعِينَ، فَأُقْحِمَتِ الأعْناقُ لِبَيانِ مَوْضِعِ الخُشُوعِ، وتُرِكَ الكَلامُ عَلى أصْلِهِ كَقَوْلِهِمْ: ذَهَبْتُ أهْلَ اليَمامَةِ، كانَ الأهْلُ غَيْرَ مَذْكُورٍ. انْتَهى. وقالَ مُجاهِدٌ، وابْنُ زَيْدٍ، والأخْفَشُ: جَماعاتُهم، يُقالُ: جاءَنِي عُنُقٌ مِنَ النّاسِ، أيْ جَماعَةٌ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎إنَّ العِراقَ وأهْلَهُ ∗∗∗ عُنُقٌ إلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتا وقِيلَ: أعْناقُ النّاسِ: رُؤَساؤُهم، (p-٦)ومُقَدِّمُوهم شُبِّهُوا بِالأعْناقِ، كَما قِيلَ: لَهُـمُ الـرُّءُوسُ والنَّـواصِي والصُّـدُورُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎فِي مَحْفِلٍ مِن نَواصِي الخَيْلِ مَشْهُودِ وقِيلَ: أُرِيدَ الجارِحَةُ. فَقالَ ابْنُ عِيسى: هو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ أصْحابُ الأعْناقِ. ورُوعِيَ هَذا المَحْذُوفُ في قَوْلِهِ: (خاضِعِينَ) حَيْثُ جاءَ جَمْعًا لِلْمُذَكَّرِ العاقِلِ، أوْ لا حَذْفَ، ولَكِنَّهُ اكْتَسى مِن إضافَتِهِ لِلْمُذَكَّرِ العاقِلِ وصْفَهُ، فَأُخْبِرَ عَنْهُ إخْبارَهُ، كَما يَكْتَسِي المُذَكَّرُ التَّأْنِيثَ مِن إضافَتِهِ إلى المُؤَنَّثِ في نَحْوِ: ؎كَما شَرِقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدَّمِ أوْ لا حَذْفَ، ولَكِنَّهُ لَمّا وُضِعَتْ لِفِعْلٍ لا يَكُونُ إلّا مَقْصُودًا لِلْعاقِلِ وهو الخُضُوعُ، جُمِعَتْ جَمْعَهُ كَما جاءَ: ﴿أتَيْنا طائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] . وقَرَأ عِيسى، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: خاضِعَةً. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينا وفي بَنِي أُمَيَّةَ، سَتَكُونُ لَنا عَلَيْهِمُ الدَّوْلَةُ، فَتَذِلُّ أعْناقُهم بَعْدَ مُعاوِيَةَ، ويَلْحَقُهم هَوانٌ بَعْدَ عِزٍّ. ﴿وما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ . تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ في الأنْبِياءِ. (إلّا كانُوا) جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، أيْ إلّا يَكُونُوا عَنْها. وكانَ يَدُلُّ ذَلِكَ أنَّ دَيْدَنَهم وعادَتَهُمُ الإعْراضُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ خُولِفَ بَيْنَ الألْفاظِ والغَرَضُ واحِدٌ، وهو الإعْراضُ ؟ قُلْتُ: كانَ قَبْلَ حِينٍ أعْرَضُوا عَنِ الذِّكْرِ، فَقَدْ كَذَّبُوا بِهِ، وحِينَ كَذَّبُوا بِهِ، فَقَدْ خَفَّ عَلَيْهِمْ قَدْرُهُ وصارَ عُرْضَةَ الِاسْتِهْزاءِ بِالسُّخْرِيَةِ، لِأنَّ مَن كانَ قابِلًا لِلْحَقِّ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، كانَ مُصَدِّقًا بِهِ لا مَحالَةَ، ولَمْ يُظَنَّ بِهِ التَّكْذِيبُ. ومَن كانَ مُصَدِّقًا بِهِ، كانَ مُوَقِّرًا لَهُ. انْتَهى. (فَسَيَأْتِيهِمْ) وعِيدٌ بِعَذابِ الدُّنْيا، كَيَوْمِ بَدْرٍ، وعَذابِ الآخِرَةِ. ولَمّا كانَ إعْراضُهم عَنِ النَّظَرِ في صانِعِ الوُجُودِ، وتَكْذِيبُ ما جاءَتْهم بِهِ رُسُلُهُ - مِن أعْظَمِ الكُفْرِ، وكانُوا يَجْعَلُونَ الأصْنامَ آلِهَةً، نَبَّهَ - تَعالى - عَلى قُدْرَتِهِ، وأنَّهُ الخالِقُ المُنْشِئُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا إلى الأرْضِ﴾ ؟ والزَّوْجُ: النَّوْعُ. وقِيلَ: الشَّيْءُ وشَكْلُهُ. وقِيلَ: أبْيَضُ وأسْوَدُ وأحْمَرُ وأصْفَرُ وحُلْوٌ وحامِضٌ. وقالَ الفَرّاءُ: الزَّوْجُ: اللَّوْنُ. والكَرِيمُ: الحَسَنُ، قالَهُ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ. وقِيلَ: ما يَأْكُلُهُ النّاسُ والبَهائِمُ. وقِيلَ: الكَثِيرُ المَنفَعَةِ. وقِيلَ: الكَرِيمُ صِفَةً لِكُلِّ ما يُرْضى ويُحْمَدُ. وجْهٌ كَرِيمٌ: مَرْضِيٌّ في حُسْنِهِ وجَمالِهِ؛ وكِتابٌ كَرِيمٌ: مَرْضِيٌّ في مَعانِيهِ وفَوائِدِهِ. وقالَ: حَتّى يَشُقَّ الصُّفُوفَ مِن كَرَمِهِ، أيْ مِن كَوْنِهِ مَرْضِيًّا في شَجاعَتِهِ وبَأْسِهِ، ويُرادُ الأشْياءُ الَّتِي بِها قِوامُ الأُمُورِ، والأغْذِيَةُ والنَّباتاتُ، ويَدْخُلُ في ذَلِكَ الحَيَوانُ؛ لِأنَّهُ عَنِ اثْنَيْنِ. قالَ - تَعالى -: ﴿واللَّهُ أنْبَتَكم مِنَ الأرْضِ نَباتًا﴾ [نوح: ١٧] . قالَ الشَّعْبِيُّ: النّاسُ مِن نَباتِ الأرْضِ، فَمَن صارَ إلى الجَنَّةِ فَهو كَرِيمٌ، ومَن صارَ إلى النّارِ فَبِضِدِّ ذَلِكَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): ما مَعْنى الجَمْعِ بَيْنَ ”كَمْ و“ كُلِّ ”؟ ولَوْ قِيلَ: أنْبَتْنا فِيها مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ. (قُلْتُ): دَلَّ“ كُلِّ ”عَلى الإحاطَةِ بِأزْواجِ النَّباتِ عَلى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، و“ كَمْ ”عَلى أنَّ هَذا المُحِيطَ مُتَكاثِرٌ مُفْرِطُ الكَثْرَةِ ؟ فَهَذا مَعْنى الجَمْعِ، وبِهِ نَبَّهَ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ. انْتَهى. وأفْرَدَ (لَآيَةً) وإنْ كانَ قَدْ سَبَقَ ما دَلَّ عَلى الكَثْرَةِ في الأزْواجِ - وهو كَمْ - وعَلى الإحاطَةِ بِالعُمُومِ في الأزْواجِ، لِأنَّ المُشارَ إلَيْهِ واحِدٌ، وهو الإنْباتُ، وإنِ اخْتَلَفَتْ مُتَعَلَّقاتُهُ، أوْ أُرِيدَ أنَّ في كُلِّ واحِدٍ مِن تِلْكَ الأزْواجِ لَآيَةً. ﴿وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ تَسْجِيلٌ عَلى أكْثَرِهِمْ بِالكُفْرِ. ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ أيِ الغالِبُ القاهِرُ. ولَمّا كانَ المَوْضِعُ مَوْضِعَ بَيانِ القُدْرَةِ، قَدَّمَ صِفَةَ العِزَّةِ عَلى صِفَةِ الرَّحْمَةِ. فالرَّحْمَةُ إذا كانَتْ عَنْ قُدْرَةٍ، كانَتْ أعْظَمَ وقْعًا، والمَعْنى: أنَّهُ عَزَّ في نِقْمَتِهِ مِنَ الكُفّارِ ورَحِمَ مُؤْمِنِي كُلِّ أُمَّةٍ. ولَمّا ذَكَرَ تَكْذِيبَ قُرَيْشٍ بِما جاءَهم مِنَ الحَقِّ وإعْراضَهم عَنْهُ، ذَكَرَ قِصَّةَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وما قاسى مَعَ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ مَسْلاةً لِما كانَ يَلْقاهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مِن كُفّارِ قُرَيْشٍ. وإذْ كانَتْ قُرَيْشٌ قَدِ اتَّخَذَتْ آلِهَةً مِن دُونِ اللَّهِ، وكانَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ قَدِ اتَّخَذُوهُ إلَهًا، وكانَ أتْباعُ مِلَّةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - هُمُ المُجاوِرُونَ مَن آمَنَ بِالرَّسُولِ، بَدَأ بِقِصَّةِ مُوسى، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَأْتِي ذِكْرُهُ مِنَ القَصَصِ. والعامِلُ في إذْ، قالَ (p-٧)الزُّجاجُ: اتْلُ مُضْمَرَةٌ، أيِ اتْلُ هَذِهِ القِصَّةَ فِيما يَتْلُو إذْ نادى، ودَلِيلُ ذَلِكَ ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ إبْراهِيمَ﴾ [الشعراء: ٦٩] إذْ. وقِيلَ: العامِلُ اذْكُرْ، وهو مِثْلُ واتْلُ، ومَعْنى نادى: دَعا. وقِيلَ: أمْرٌ. وأنْ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وأنْ تَكُونَ تَفْسِيرِيَّةً، وسَجَّلَ عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ، لِظُلْمِ أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ، وظُلْمِ بَنِي إسْرائِيلَ بِالِاسْتِعْبادِ، وذَبْحِ الأوْلادِ، و﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ قِيلَ: بَدَلٌ مِن ﴿القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ والأجْوَدُ أنْ يَكُونَ عَطْفَ بَيانٍ؛ لِأنَّهُما عِبارَتانِ يَعْتَقِبانِ عَلى مَدْلُولٍ واحِدٍ؛ إذْ كُلُّ واحِدٍ عَطَفَ البَيانَ وسَوَّغَهُ - مُسْتَقِلٌّ بِالإسْنادِ. ولَمّا كانَ“ القَوْمَ الظّالِمِينَ ”يُوهِمُ الِاشْتِراكَ، أتى عَطْفُ البَيانِ بِإزالَتِهِ، إذْ هو أشْهَرُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ:“ ألا يَتَّقُونَ ”، بِالياءِ عَلى الغَيْبَةِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَسارٍ، وشَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ، وحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وأبُو قِلابَةَ: بِتاءِ الخِطابِ، عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ إلَيْهِمْ إنْكارًا وغَضَبًا عَلَيْهِمْ، وإنْ لَمْ يَكُونُوا حاضِرِينَ، لِأنَّهُ مُبَلِّغُهم ذَلِكَ ومُكافِحُهم. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْناهُ قُلْ لَهم، فَجَمَعَ في هَذِهِ العِبارَةِ مِنَ المَعانِي نَفْيَ التَّقْوى عَنْهم، وأمْرَهم بِالتَّقْوى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): بِمَ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ: ﴿ألا يَتَّقُونَ﴾ ؟ (قُلْتُ): هو كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ أتْبَعَهُ - عَزَّ وجَلَّ - إرْسالَهُ إلَيْهِمْ لِلْإنْذارِ والتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ تَعْجِيبًا لِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِن حالِهِمُ الَّتِي سَعَتْ في الظُّلْمِ والعَسْفِ، ومِن أمْنِهِمُ العَواقِبَ وقِلَّةِ خَوْفِهِمْ وحَذَرِهِمْ مِن أيّامِ اللَّهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ“ ألا يَتَّقُونَ ”حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في الظّالِمِينَ، أيْ يَظْلِمُونَ غَيْرَ مُتَّقِينَ اللَّهَ وعِقابَهُ، فَأُدْخِلَتْ هَمْزَةُ الإنْكارِ عَلى الحالِ. انْتَهى. وهَذا الِاحْتِمالُ الَّذِي أوْرَدَهُ خَطَأٌ فاحِشٌ لِأنَّهُ جَعَلَهُ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في“ الظّالِمِينَ ”، وقَدْ أعْرَبَ هو ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ عَطْفَ بَيانٍ، فَصارَ فِيهِ الفَصْلُ بَيْنَ العامِلِ والمَعْمُولِ بِأجْنَبِيٍّ بَيْنَهُما، لِأنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: (ائْتِ) والَّذِي زَعَمَ أنَّهُ حالٌ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ“ الظّالِمِينَ ”، وذَلِكَ لا يَجُوزُ أيْضًا لَوْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُما بِقَوْلِهِ: قَوْمَ فِرْعَوْنَ. لَمْ يَجُزْ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ حالًا، لِأنَّ ما بَعْدَ الهَمْزَةِ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِما قَبْلَها. وقَوْلُكَ: جِئْتَ أمُسْرِعًا ؟ عَلى أنْ يَكُونَ“ أمُسْرِعًا ”حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في“ جِئْتَ ”لا يَجُوزُ، فَلَوْ أضْمَرْتَ عامِلًا بَعْدَ الهَمْزَةِ جازَ. وقُرِئَ: بِفَتْحِ النُّونِ وكَسْرِها، التَّقْدِيرُ: أفَلا يَتَّقُونَنِي ؟ فَحُذِفَتْ نُونُ الرَّفْعِ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ اكْتِفاءً بِالكَسْرَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: في“ ألا يَتَّقُونِ ”بِالياءِ وكَسْرِ النُّونِ وجْهٌ آخَرُ، وهو أنْ يَكُونَ المَعْنى: ألا يا ناسُ اتَّقُونِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ألا يَسْجُدُوا﴾ [النمل: ٢٥] . انْتَهى. يَعْنِي: وحُذِفَ ألِفُ“ يا ”خَطًّا ونُطْقًا لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وهَذا تَخْرِيجٌ بَعِيدٌ. والظّاهِرُ أنَّ“ ألا ”لِلْعَرْضِ المُضَمَّنِ الحَضَّ عَلى التَّقْوى، وقَوْلُ مَن قالَ: إنَّها لِلتَّنْبِيهِ لا يَصِحُّ، وكَذَلِكَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: إنَّها لِلنَّفْيِ دَخَلَتْ عَلَيْها هَمْزَةُ الإنْكارِ. ولَمّا كانَ فِرْعَوْنُ عَظِيمَ النَّخْوَةِ حَتّى ادَّعى الإلَهِيَّةَ، كَثِيرَ المَهابَةِ، قَدْ أُشْرِبَتِ القُلُوبُ الخَوْفَ مِنهُ خُصُوصًا مَن كانَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، قالَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿إنِّي أخافُ أنْ يُكَذِّبُونِ﴾ . وقَرَأ الجُمْهُورُ:“ ويَضِيقُ ”،“ ولا يَنْطَلِقُ ”بِالرَّفْعِ فِيهِما عَطْفًا عَلى أخافُ. فالمَعْنى: إنَّهُ يُفِيدُ ثَلاثَ عِلَلٍ: خَوْفَ التَّكْذِيبِ، وضِيقَ الصَّدْرِ، وامْتِناعَ انْطِلاقِ اللِّسانِ. وقَرَأ الأعْرَجُ، وطَلْحَةُ، وعِيسى، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وأبُو حَيْوَةَ، وزائِدَةُ، عَنِ الِأعْمَشِ، ويَعْقُوبُ: بِالنَّصْبِ فِيهِما عَطْفًا عَلى“ يُكَذِّبُونِ ”، فَيَكُونُ التَّكْذِيبُ وما بَعْدَهُ يَتَعَلَّقُ بِالخَوْفِ. وحَكى أبُو عَمْرٍو الدّانِيُّ، عَنِ الأعْرَجِ: أنَّهُ قَرَأ بِنَصْبِ:“ ويَضِيقَ ”، ورَفْعِ:“ ولا يَنْطَلِقُ ”، وعَدَمُ انْطِلاقِ اللِّسانِ هو بِما يَحْصُلُ مِنَ الخَوْفِ وضِيقِ الصَّدْرِ، لِأنَّ اللِّسانَ إذْ ذاكَ يَتَلَجْلَجُ ولا يَكادُ يُبِينُ عَنْ مَقْصُودِ الإنْسانِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَدْ يَكُونُ عَدَمُ انْطِلاقِ اللِّسانِ بِالقَوْلِ لِغُمُوضِ المَعانِي الَّتِي تُطْلَبُ لَها ألْفاظٌ مُحَرَّرَةٌ، فَإذا كانَ هَذا في وقْتِ ضِيقِ الصَّدْرِ، لَمْ يَنْطَلِقِ اللِّسانُ. ﴿فَأرْسِلْ إلى هارُونَ﴾ مَعْناهُ يُعِينُنِي ويُؤازِرُنِي، وكانَ هارُونُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَصِيحًا واسِعَ الصَّدْرِ، فَحُذِفَ بَعْضُ المُرادِ مِنَ القَوْلِ، إذْ باقِيهِ دالٌّ عَلَيْهِ. انْتَهى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَعْنى ﴿فَأرْسِلْ إلى هارُونَ﴾ أرْسِلْ إلَيْهِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - واجْعَلْهُ نَبِيًّا، وأْزُرْنِي بِهِ، (p-٨)واشْدُدْ بِهِ عَضُدِي؛ وهَذا كَلامٌ مُخْتَصَرٌ، وقَدْ أحْسَنَ في الِاخْتِصارِ حَيْثُ قالَ: ﴿فَأرْسِلْ إلى هارُونَ﴾ فَجاءَ بِما يَتَضَمَّنُ مَعْنى الِاسْتِثْناءِ. وقَوْلُهُ: ﴿إنِّي أخافُ﴾ إلى آخِرِهِ، بَعْدَ أنْ أمَرَهُ اللَّهُ بِأنْ يَأْتِيَ القَوْمَ الظّالِمِينَ، لَيْسَ تَوَقُّفًا فِيما أمَرَهُ اللَّهُ - تَعالى - بِهِ، ولَكِنَّهُ طَلَبٌ مِنَ اللَّهِ أنْ يُعَضِّدَهُ بِأخِيهِ، حَتّى يَتَعاوَنا عَلى إنْفاذِ أمْرِهِ تَعالى، وتَبْلِيغِ رِسالَتِهِ، مَهَّدَ قَبْلَ طَلَبِ ذَلِكَ عُذْرَهُ ثُمَّ طَلَبَ. وطَلَبُ العَوْنِ دَلِيلٌ عَلى القَبُولِ لا عَلى التَّوَقُّفِ والتَّعَلُّلِ، ومَفْعُولُ“ أرْسِلْ ”مَحْذُوفٌ. فَقِيلَ: جِبْرِيلُ، كَما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وفي الخَبَرِ أنَّ اللَّهَ أرْسَلَ مُوسى إلى هارُونَ، وكانَ هارُونُ بِمِصْرَ حِينَ بَعَثَ اللَّهُ مُوسى نَبِيًّا بِالشّامِ. قالَ السُّدِّيُّ: سارَ بِأهْلِهِ إلى مِصْرَ، فالتَقى بِهارُونَ وهو لا يَعْرِفُهُ فَقالَ: أنا مُوسى، فَتَعارَفا؛ وأمَرَهُما أنْ يَنْطَلِقا إلى فِرْعَوْنَ لِأداءِ الرِّسالَةِ، فَصاحَتْ أُمُّهُما لِخَوْفِها عَلَيْهِما، فَذَهَبا إلَيْهِ. ﴿ولَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ أيْ قِبَلِي قَوَدُ ذَنْبٍ، أوْ عُقُوبَةٍ، وهو قَتْلُهُ القِبْطِيَّ الكافِرَ خَبّازَ فِرْعَوْنَ بِالوَكْزَةِ الَّتِي وكَزَها، أوْ سَمّى تَبِعَةَ الذَّنْبِ ذَنْبًا، كَما سَمّى جَزاءَ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً. ولَيْسَ قَوْلُ مُوسى ذَلِكَ تَلَكُّأً في أداءِ الرِّسالَةِ، بَلْ قالَ ذَلِكَ اسْتِدْفاعًا لِما يَتَوَقَّعُهُ مِنهم مِنَ القَتْلِ، وخافَ أنْ يُقْتَلَ قَبْلَ أداءِ الرِّسالَةِ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ: كَلّا، وهي كَلِمَةُ الرَّدْعِ، ثُمَّ وعَدَهُ - تَعالى - بِالكَلاءَةِ والدَّفْعِ.“ وكَلّا ”رَدٌّ لِقَوْلِهِ: ﴿إنِّي أخافُ﴾ أيْ لا تَخَفْ ذَلِكَ، فَإنِّي قَضَيْتُ بِنَصْرِكَ وظُهُورِكَ. وقَوْلُهُ: (فاذْهَبا) أمْرٌ لَهُما بِخِطابٍ لِمُوسى فَقَطْ، لِأنَّ هارُونَ لَيْسَ بِمُكَلَّمٍ بِإجْماعٍ، ولَكِنَّهُ قالَ لِمُوسى: ﴿اذْهَبْ أنْتَ وأخُوكَ﴾ [طه: ٤٢] . قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جَمْعَ اللَّهُ لَهُ الِاسْتِجابَتَيْنِ مَعًا في قَوْلِهِ: ﴿كَلّا فاذْهَبا﴾ لِأنَّهُ اسْتَدْفَعَهُ بَلاءَهم، فَوَعَدَهُ الدَّفْعَ بِرَدْعِهِ عَنِ الخَوْفِ، والتَمَسَ المُؤازَرَةَ بِأخِيهِ، فَأجابَهُ بِقَوْلِهِ: اذْهَبْ، أيِ اذْهَبْ أنْتَ والَّذِي طَلَبْتَهُ هارُونَ. (فَإنْ قُلْتَ): عَلامَ عَطَفَ قَوْلَهُ اذْهَبا ؟ (قُلْتُ): عَلى الفِعْلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلّا، كَأنَّهُ قِيلَ: ارْتَدِعْ يا مُوسى عَمّا تَظُنُّ، فاذْهَبْ أنْتَ وهارُونُ بِآياتِنا، يَعُمُّ جَمِيعَ ما بَعَثَهُما اللَّهُ بِهِ، وأعْظَمُ ذَلِكَ العَصا، وبِها وقَعَ العَجْزُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ولا خِلافَ أنَّ مُوسى هو الَّذِي حَمَّلَهُ اللَّهُ أمْرَ النُّبُوَّةِ وكَلَّفَها، وأنَّ هارُونَ كانَ نَبِيًّا رَسُولًا مُعِينًا لَهُ ووَزِيرًا. انْتَهى. ومَعَكم، قِيلَ: مِن وضْعِ الجَمْعِ مَوْضِعَ المُثَنّى، أيْ مَعَكُما. وقِيلَ: هو عَلى ظاهِرِهِ مِنَ الجَمْعِ، والمُرادُ مُوسى وهارُونُ ومَن أُرْسِلا إلَيْهِ. وكانَ شَيْخُنا الأُسْتاذُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُرَجِّحُ أنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِصُورَةِ الجَمْعِ المُثَنّى، والخِطابُ لِمُوسى وهارُونَ فَقَطْ، قالَ: لِأنَّ لَفْظَهُ مَعَ تَبايُنِ مَن يَكُونُ كافِرًا، فَإنَّهُ لا يُقالُ اللَّهُ مَعَهُ. وعَلى أنَّهُ أُرِيدَ بِالجَمْعِ التَّثْنِيَةُ، حَمَلَهُ سِيبَوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكَأنَّهُما لِشَرَفِهِما عِنْدَ اللَّهِ، عامَلَهُما في الخِطابِ مُعامَلَةَ الجَمْعِ، إذْ كانَ ذَلِكَ جائِزًا أنْ يُعامَلَ بِهِ الواحِدُ لِشَرَفِهِ وعَظَمَتِهِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: (مُسْتَمِعُونَ) اهْتِبالًا، لَيْسَ في صِيغَةِ“ سامِعُونَ ”، وإلّا فَلَيْسَ يُوصَفُ اللَّهُ - تَعالى - بِطَلَبِ الِاسْتِماعِ، وإنَّما القَصْدُ إظْهارُ التَّهَمُّمِ لِيَعْظُمَ أُنْسُ مُوسى، أوْ يَكُونُ المَلائِكَةُ بِأمْرِ اللَّهِ إيّاها تَسْتَمِعُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿مَعَكم مُسْتَمِعُونَ﴾ مِن مَجازِ الكَلامِ، يُرِيدُ أنا لَكُما ولِعَدُوِّكُما كالنّاصِرِ الظَّهِيرِ لَكُما عَلَيْهِ إذا حَضَرَ واسْتَمَعَ ما يَجْرِي بَيْنَكُما وبَيْنَهُ، فَأظْهَرَكُما وغَلَّبَكُما وكَسَرَ شَوْكَتَهُ عَنْكُما ونَكَّسَهُ. انْتَهى. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعَهُ مُتَعَلِّقًا بِـ“ مُسْتَمِعُونَ ”، وأنْ يَكُونَ خَبَرًا و“ مُسْتَمِعُونَ ”خَبَرٌ ثانٍ. والمَعِيَّةُ هُنا مَجازٌ، وكَذَلِكَ الِاسْتِماعُ، لِأنَّهُ بِمَعْنى الإصْغاءِ، ولا يَلْزَمُ مِن الِاسْتِماعِ السَّماعُ، تَقُولُ: أسْمَعَ إلَيْهِ، فَما سَمِعَ واسْتَمَعَ إلَيْهِ، فَسَمِعَ كَما قالَ: ﴿اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقالُوا إنّا سَمِعْنا﴾ [الجن: ١] وأفْرَدَ رَسُولَ هُنا ولَمْ يُثَنِّ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿إنّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧] إمّا لِأنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنى الرِّسالَةِ، فَجازَ أنْ يَقَعَ مُفْرَدًا خَبَرَ المُفْرِدِ فَما فَوْقَهُ، وإمّا لِكَوْنِهِما ذَوِي شَرِيعَةٍ واحِدَةٍ، فَكَأنَّهُما رَسُولٌ واحِدٌ. وأُرِيدَ بِقَوْلِهِ: أنا أوْ كُلُّ واحِدٍ مِنّا رَسُولٌ. و﴿رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ فِيهِ رَدٌّ عَلَيْهِ، وأنَّهُ مَرْبُوبٌ لِلَّهِ - تَعالى -، بادَهَهُ بِنَقْضِ ما كانَ أبْرَمَهُ مِنَ ادِّعاءِ الأُلُوهِيَّةِ، ولِذَلِكَ أنْكَرَ فَقالَ: وما رَبُّ العالَمِينَ والمَعْنى إلَيْكَ (وأنْ أرْسِلْ) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ تَفْسِيرِيَّةً لِما في رَسُولٍ مِن مَعْنى القَوْلِ، وأنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وأرْسَلَ بِمَعْنى (p-٩)أطْلَقَ وسَرَّحَ، كَما تَقُولُ: أرْسَلْتُ الحَجَرَ مِن يَدِي، وأرْسَلْتُ الصَّقْرَ. وكانَ مُوسى مَبْعُوثًا إلى فِرْعَوْنَ في أمْرَيْنِ: إرْسالِ بَنِي إسْرائِيلَ لِيَزُولَ عَنْهُمُ العُبُودِيَّةُ، والإيمانِ بِاللَّهِ، وبُعِثَ بِالعِباداتِ والشَّرْعِ إلى بَنِي إسْرائِيلَ وإرْسالُهم مَعَهُما كانَ إلى فِلَسْطِينَ، وكانَتْ مَسْكَنَ مُوسى وهارُونَ. ﴿قالَ ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا ولِيدًا ولَبِثْتَ فِينا مِن عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ ﴿وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ ﴿قالَ فَعَلْتُها إذًا وأنا مِنَ الضّالِّينَ﴾ ﴿فَفَرَرْتُ مِنكم لَمّا خِفْتُكم فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿وتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أنْ عَبَّدْتَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الشعراء: ٢٢] ﴿قالَ فِرْعَوْنُ وما رَبُّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٢٣] ﴿قالَ رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢٤] ﴿قالَ لِمَن حَوْلَهُ ألا تَسْتَمِعُونَ﴾ [الشعراء: ٢٥] ﴿قالَ رَبُّكم ورَبُّ آبائِكُمُ الأوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ٢٦] ﴿قالَ إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكم لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧] ﴿قالَ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما بَيْنَهُما إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الشعراء: ٢٨] ﴿قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَهًا غَيْرِي لَأجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: ٢٩] ﴿قالَ أوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ٣٠] ﴿قالَ فَأْتِ بِهِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ٣١] ﴿فَألْقى عَصاهُ فَإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ﴾ [الشعراء: ٣٢] ﴿ونَزَعَ يَدَهُ فَإذا هي بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ﴾ [الشعراء: ٣٣] . (p-١٠)ويُرْوى أنَّهُما انْطَلَقا إلى بابِ فِرْعَوْنَ، ولَمْ يُؤْذَنْ لَهُما سَنَةً، حَتّى قالَ البَوّابُ: إنَّ هُنا إنْسانًا يَزْعُمُ أنَّهُ رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ، فَقالَ لَهُ: ائْذَنْ لَهُ لَعَلَّنا نَضْحَكُ مِنهُ. فَأدَّيا إلَيْهِ الرِّسالَةَ، فَعَرَفَ مُوسى فَقالَ لَهُ: ﴿ألَمْ نُـرَبِّكَ فِينا ولِيدًا﴾ وفي الكَلامِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ المَعْنى تَقْدِيرُهُ: فَأتَيا فِرْعَوْنَ، فَقالا لَهُ ذَلِكَ. ولَمّا بادَهَهُ مُوسى بِأنَّهُ رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ، وأمَرَهُ بِإرْسالِ بَنِي إسْرائِيلَ مَعَهُ، أخَذَ يَسْتَحْقِرُهُ ويَضْرِبُ عَنِ المُرْسَلِ وعَمّا جاءَ بِهِ مِن عِنْدِهِ، ويُذَكِّرُهُ بِحالَةِ الصِّغَرِ والمَنِّ عَلَيْهِ بِالتَّرْبِيَةِ. والوَلِيدُ الصَّبِيُّ، وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، أُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنَ الوِلادَةِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ: مِن عُمْرِكَ، بِإسْكانِ المِيمِ، وتَقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلافِ في كَمِّيَّةِ هَذِهِ السِّنِينَ في طه. وقَرَأ الجُمْهُورُ: فَعْلَتَكَ، بِفَتْحِ الفاءِ، إذْ كانَتْ وكْزَةً واحِدَةً، والشَّعْبِيُّ: بِكَسْرِ الفاءِ، يُرِيدُ الهَيْئَةَ، لِأنَّ الوَكْزَةَ نَوْعٌ مِنَ القَتْلِ. عَدَّدَ عَلَيْهِ نِعْمَةَ التَّرْبِيَةِ ومَبْلَغَهُ عِنْدَهُ مَبْلَغَ الرِّجالِ، حَيْثُ كانَ يَقْتُلُ نُظَراءَهُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، وذَكَّرَهُ ما جَرى عَلى يَدِهِ مِن قَتْلِ القِبْطِيِّ، وعَظَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ﴾ لِأنَّ هَذا الإبْهامَ، بِكَوْنِهِ لَمْ يُصَرِّحْ أنَّها القَتْلُ، تَهْوِيلٌ لِلْواقِعَةِ وتَعْظِيمُ شَأْنٍ. ﴿وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا، أيْ قَتَلْتَهُ وأنْتَ إذْ ذاكَ مِنَ الكافِرِينَ، فافْتَرى فِرْعَوْنُ بِنِسْبَةِ هَذِهِ الحالِ إلَيْهِ إذْ ذاكَ، والأنْبِياءُ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - مَعْصُومُونَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إخْبارًا مُسْتَأْنَفًا مِن فِرْعَوْنَ، حَكَمَ عَلَيْهِ بِأنَّهُ مِنَ الكافِرِينَ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي لِي عَلَيْكَ مِنَ التَّرْبِيَةِ والإحْسانِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ؛ أوْ مِنَ الكافِرِينَ بِي في أنَّنِي إلَهُكَ، قالَهُ الحَسَنُ؛ أوْ مِنَ الكافِرِينَ بِاللَّهِ لِأنَّكَ كُنْتَ مَعَنا عَلى دِينِنا هَذا الَّذِي تَعِيبُهُ الآنَ، قالَهُ السُّدِّيُّ. ﴿قالَ فَعَلْتُها إذًا﴾ إجابَةُ مُوسى عَنْ كَلامِهِ الأخِيرِ المُتَضَمِّنِ لِلْقَتْلِ، إذْ كانَ الِاعْتِذارُ فِيهِ أهَمَّ مِنَ الجَوابِ في ذِكْرِ النِّعْمَةِ بِالتَّرْبِيَةِ، لِأنَّهُ فِيهِ إزْهاقُ النَّفْسِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إذَنْ صِلَةٌ في الكَلامِ وكَأنَّها بِمَعْنى حِينَئِذٍ. انْتَهى. ولَيْسَ بِصِلَةٍ، بَلْ هي حَرْفُ مَعْنًى. وقَوْلُهُ وكَأنَّها بِمَعْنى حِينَئِذٍ، يَنْبَغِي أنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ تَفْسِيرَ مَعْنًى، إذْ لا يَذْهَبُ أحَدٌ إلى أنَّ إذَنْ تُرادِفُ - مِن حَيْثُ الإعْرابَ - حِينَئِذٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): إذًا جَوابٌ وجَزاءٌ مَعًا، والكَلامُ وقَعَ جَوابًا لِفِرْعَوْنَ، فَكَيْفَ وقَعَ جَزاءً ؟ (قُلْتُ): قَوْلُ فِرْعَوْنَ: ﴿وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ﴾ فِيهِ مَعْنى: إنَّكَ جازَيْتَ نِعْمَتِي بِما فَعَلْتَ؛ فَقالَ لَهُ مُوسى: نَعَمْ فَعَلْتُها، (p-١١)مُجازِيًا لَكَ تَسْلِيمًا لِقَوْلِهِ، كَأنَّ نِعْمَتَهُ كانَتْ عِنْدَهُ جَدِيرَةً بِأنْ تُجازى بِنَحْوِ ذَلِكَ الجَزاءِ. انْتَهى. وهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ مِن أنَّ إذًا جَوابٌ وجَزاءٌ مَعًا، هو قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، لَكِنَّ الشُّرّاحَ فَهِمُوا أنَّها قَدْ تَكُونُ جَوابًا وجَزاءً مَعًا، وقَدْ تَكُونُ جَوابًا فَقَطْ دُونَ جَزاءٍ. فالمَعْنى اللّازِمُ لَها هو الجَوابُ، وقَدْ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ جَزاءً. وحَمَلُوا قَوْلَهُ: ﴿فَعَلْتُها إذًا﴾ مِنَ المَواضِعِ الَّتِي جاءَتْ فِيها جَوابًا بِالآخَرِ، عَلى أنَّ بَعْضَ أئِمَّتِنا تَكَلَّفَ هُنا كَوْنَها جَزاءً وجَوابًا، وهَذا كُلُّهُ مُحَرَّرٌ فِيما كَتَبْناهُ في“ إذَنْ ”في شَرْحِ التَّسْهِيلِ، وإنَّما أرَدْنا أنْ نَذْكُرَ أنَّ ما قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ لَيْسَ هو الصَّحِيحَ، ولا قَوْلُ الأكْثَرِينَ. ﴿وأنا مِنَ الضّالِّينَ﴾ قالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْناهُ مِنَ الجاهِلِينَ، بِأنَّ وكْزَتِي إيّاهُ تَأْتِي عَلى نَفْسِهِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مِنَ النّاسِينَ، ونَزَعَ لِقَوْلِهِ: ﴿أنْ تَضِلَّ إحْداهُما﴾ [البقرة: ٢٨٢] . وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وابْنِ عَبّاسٍ: وأنا مِنَ الجاهِلِينَ، ويَظْهَرُ أنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلضّالِّينَ، لا قِراءَةٌ مَرْوِيَّةٌ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنَ الفاعِلِينَ فِعْلَ أُولِي الجَهْلِ، كَما قالَ يُوسُفُ لِإخْوَتِهِ: ﴿إذْ أنْتُمْ جاهِلُونَ﴾ [يوسف: ٨٩] أوِ المُخْلِصِينَ، كَمَن يَقْتُلُ خَطَأً مِن غَيْرِ تَعَمُّدٍ لِلْقَتْلِ، أوِ الذّاهِبِينَ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ. انْتَهى. وقِيلَ: مِنَ الضّالِّينَ، يَعْنِي عَنِ النُّبُوَّةِ، ولَمْ يَأْتِنِي عَنِ اللَّهِ فِيهِ شَيْءٌ، فَلَيْسَ عَلَيَّ فِيما فَعَلْتُهُ في تِلْكَ الحالَةِ تَوْبِيخٌ. ومِن غَرِيبِ ما شُرِحَ بِهِ أنَّ مَعْنى ﴿وأنا مِنَ الضّالِّينَ﴾ أيْ مِنَ المُحِبِّينَ لِلَّهِ، وما قَتَلْتُ القِبْطِيَّ إلّا غَيْرَةً لِلَّهِ. قِيلَ: والضَّلالُ يُطْلَقُ ويُرادُ بِهِ المَحَبَّةُ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ لَفي ضَلالِكَ القَدِيمِ﴾ [يوسف: ٩٥] أيْ في مَحَبَّتِكَ القَدِيمَةِ. وجُمِعَ ضَمِيرُ الخِطابِ في“ مِنكم ”و“ خِفْتُكم ”بِأنْ كانَ قَدْ أُفْرِدَ في:“ تَمُنُّها ”و“ عَبَّدْتَ ”، لِأنَّ الخَوْفَ والفِرارَ لَمْ يَكُونا مِنهُ وحْدَهُ، وإنَّما مِنهُ ومِن مِلَّتِهِ المَذْكُورَيْنِ قَبْلَ ﴿أنِ ائْتِ القَوْمَ الظّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ وهم كانُوا قَوْمًا يَأْتَمِرُونَ لِقَتْلِهِ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ المَلَأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ﴾ [القصص: ٢٠] . وقَرَأ الجُمْهُورُ: لَمّا حَرْفَ وُجُوبٍ لِوُجُوبٍ، عَلى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، وظَرْفًا بِمَعْنى حِينَ، عَلى مَذْهَبِ الفارِسِيِّ. وقَرَأ حَمْزَةُ في رِوايَةِ:“ لِما ”بِكَسْرِ اللّامِ وتَخْفِيفِ المِيمِ، أيْ بِخَوْفِكم. وقَرَأ عِيسى:“ حُكُمًا " بِضَمِّ الكافِ؛ والجُمْهُورُ: بِالإسْكانِ. والحُكْمُ: النُّبُوَّةُ. ﴿وجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ دَرَجَةٌ ثانِيَةٌ لِلنُّبُوَّةِ، فَرُبَّ نَبِيٍّ لَيْسَ بِرَسُولٍ. وقِيلَ: الحُكْمُ: العِلْمُ والفَهْمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب