الباحث القرآني

ولَمّا كانَ قَدْ قَدَّمَ في تِلْكَ أنَّهُ عَمَّ بِرِسالَتِهِ جَمِيعَ الخَلائِقِ، وخَتَمَ بِالإنْذارِ عَلى تَكْذِيبِهِمْ في تَخَلُّفِهِمْ، مَعَ إزاحَةِ جَمِيعِ العِلَلِ، نَفى كُلَّ خَلَلٍ، وكانَ ذَلِكَ مِمّا يَقْتَضِي شِدَّةَ أسَفِهِ ﷺ عَلى المُتَخَلِّفِينَ كَما هو مِن مَضْمُونِ، ﴿إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذا القُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠] عَلى ما تَقَدَّمَ، وذَلِكَ لِما عِنْدَهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ مِن مَزِيدِ الشَّفَقَةِ، وعَظِيمِ الرَّحْمَةِ، قالَ تَعالى يُسَلِّيهِ، ويُزِيلُ مِن أسَفِهِ ويُعَزِّيهِ، عَلى سَبِيلِ الِاسْتِئْنافِ، مُشِيرًا إلى أنَّهُ لا نَقْصَ في إنْذارِهِ ولا في كِتابِهِ الَّذِي يُنْذِرُ بِهِ يَكُونُ سَبَبًا لِوُقُوفِهِمْ عَنِ الإيمانِ. وإنَّما السَّبَبُ في ذَلِكَ مَحْضُ إرادَةِ اللَّهِ تَعالى: ﴿لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ﴾ أيْ: مُهْلِكُها غَمًّا، وقاتِلُها أسَفًا، مِن بَخَعَ الشّاةَ (p-٧)إذا بالَغَ في ذَبْحِها حَتّى قَطَعَ البِخاعَ، بِكَسْرِ المُوَحَّدَةِ، وهو عِرْقٌ باطِنٌ في الصُّلْبِ وفي القَفا، وذَلِكَ أقْصى حَدِّ الذّابِحِ، [وهُوَ] غَيْرُ النُّخاعِ بِتَثْلِيثِ النُّونِ فَإنَّهُ الخَيْطُ الأبْيَضُ في جَوْفِ الفَقارِ، ”أنْ“ أيْ: لِأجْلِ أنْ ”لا يَكُونُوا“ [أيْ: كَوْنًا كَأنَّهُ جِبِلَّةٌ لَهُمْ] ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: راسِخِينَ في الإيمانِ، فَكانَ كَأنَّهُ قِيلَ: هَذا الكِتابُ في غايَةِ البَيانِ في نَفْسِهِ والإبانَةِ لِلْغَيْرِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ أنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إلّا البَلاغُ، أتَخافُ وتُشْفِقُ عَلى نَفْسِكَ مِنَ الهَلاكِ غَمًّا وتَأسُّفًا عَلى عَدَمِ إيمانِهِمْ والحالُ أنّا لَوْ شِئْنا لَهَدَيْناهم طَوْعًا أوْ كَرْهًا، والظّاهِرُ أنَّ جُمْلَةَ الإشْفاقِ في مَوْضِعِ حالٍ مِنِ اسْمِ الإشارَةِ كَما أنَّ الآيَةَ الَّتِي بَعْدَها في مَوْضِعِ الحالِ مِنها، أيْ: نَحْنُ نُشِيرُ إلى الآياتِ المُبَيِّنَةِ لِمُرادِنا فِيهِمْ والحالُ أنَّكَ -لِمَزِيدِ حِرْصِكَ عَلى نَفْعِهِمْ- بِحالٍ يُشْفِقُ فِيها عَلَيْكَ مَن لا يَعْلَمُ الغَيْبَ مِن أنْ تَقْتُلَ نَفْسَكَ غَمًّا لِإبائِهِمُ الإيمانَ والحالُ أنّا لَوْ شِئْنا أتَيْناهم بِما يَقْهَرُهم ويُذِلُّهم لِلْإيمانِ وغَيْرِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب