الباحث القرآني

﴿وقالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلى شَيْءٍ﴾، قِيلَ: المُرادُ عامَّةُ اليَهُودِ وعامَّةُ النَّصارى، فَهَذا مِنَ الإخْبارِ عَنِ الأُمَمِ السّالِفَةِ، وتَكُونُ ألْ لِلْجِنْسِ، ويَكُونُ في ذَلِكَ تَقْرِيعٌ لِمَن بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الفَرِيقَيْنِ، وتَسْلِيَةٌ لَهُ ﷺ إذْ كَذَّبُوا بِالرُّسُلِ وبِالكُتُبِ قَبْلَهُ. وقِيلَ: المُرادُ يَهُودُ المَدِينَةِ ونَصارى نَجْرانَ، حَيْثُ تَمارَوْا عِنْدَ الرَّسُولِ وتَسابُّوا، وأنْكَرَتِ اليَهُودُ الإنْجِيلَ ونُبُوَّةَ عِيسى، وأنْكَرَتِ النَّصارى التَّوْراةَ ونُبُوَّةَ مُوسى. فَتَكُونُ حِكايَةَ حالٍ، وألْ لِلْعَهْدِ، أوِ المُرادُ بِذَلِكَ رَجُلانِ: رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، يُقالُ لَهُ نافِعُ بْنُ حَرْمَلَةَ، قالَ لِنَصارى نَجْرانَ: لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ، وقالَ رَجُلٌ مِن نَصارى نَجْرانَ لِلْيَهُودِ: لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ، فَيَكُونُ قَدْ نُسِبَ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ، حَيْثُ وقَعَ مِن بَعْضِهِمْ، كَما يُقالُ: قَتَلَ بَنُو تَمِيمٍ فُلانًا، وإنَّما قَتَلَهُ واحِدٌ مِنهم، وذَلِكَ عَلى سَبِيلِ المَجازِ والتَّوَسُّعِ ونِسْبَةِ الحُكْمِ الصّادِرِ مِنَ الواحِدِ إلى الجَمْعِ. وهو طَرِيقٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ العَرَبِ في كَلامِها، (p-٣٥٣)نَثْرِها ونَظْمِها. ولَمّا جَمَعَهم في المَقالَةِ الأُولى، وهي: ﴿وقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلّا مَن كانَ هُودًا أوْ نَصارى﴾ [البقرة: ١١١]، فَصَلَهم في هَذِهِ الآيَةِ، وبَيَّنَ قَوْلَ كُلِّ فَرِيقٍ في الآخَرِ. وعَلى شَيْءٍ: في مَوْضِعِ خَبَرِ لَيْسَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: عَلى شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ في الدِّينِ، فَيَكُونَ مِن بابِ حَذْفِ الصِّفَةِ، نَظِيرُ قَوْلِهِ: ؎لَقَدْ وقَعْتُ عَلى لَحْمٍ أيْ لَحْمٍ مَنِيعٍ، وأنَّهُ لَيْسَ مِن أهْلِكَ، أيْ مِن أهْلِكَ النّاجِينَ؛ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّ كُلًّا مِنهم عَلى شَيْءٍ، أوْ يَكُونَ ذَلِكَ نَفْيًا عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ العَظِيمَةِ، إذْ جَعَلَ ما هُما عَلَيْهِ، وإنْ كانَ شَيْئًا كَلا شَيْءٍ. هَذا والشَّيْءُ يُطْلَقُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَلى المَعْدُومِ والمُسْتَحِيلِ، فَإذا نُفِيَ إطْلاقُ اسْمِ الشَّيْءِ عَلى ما هم عَلَيْهِ، كانَ ذَلِكَ مُبالَغَةً في عَدَمِ الِاعْتِدادِ بِهِ، وصارَ كَقَوْلِهِمْ أقَلُّ مِن لا شَيْءٍ. ﴿وهم يَتْلُونَ الكِتابَ﴾: جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، أيْ وهم عالِمُونَ بِما في كُتُبِهِمْ، تالُونَ لَهُ. وهَذا نَعْيٌ عَلَيْهِمْ في مَقالَتِهِمْ تِلْكَ، إذِ الكِتابُ ناطِقٌ بِخِلافِ ما يَقُولُونَهُ، شاهِدَةٌ تَوْراتُهم بِبِشارَةِ عِيسى ومُحَمَّدٍ - عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ - وصِحَّةُ نُبُوَّتِهِما. وإنْجِيلُهم شاهِدٌ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسى ومُحَمَّدٍ ﷺ إذْ كُتُبُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُها بَعْضًا. وفي هَذا تَنْبِيهٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ في أنَّ مَن كانَ عالِمًا بِالقُرْآنِ، يَكُونُ واقِفًا عِنْدَهُ، عامِلًا بِما فِيهِ، قائِلًا بِما تَضَمَّنَهُ، لا أنْ يُخالِفَ قَوْلَهُ ما هو شاهِدٌ عَلى مُخالَفَتِهِ مِنهُ، فَيَكُونَ في ذَلِكَ كاليَهُودِ والنَّصارى. والكِتابُ هُنا قِيلَ: هو التَّوْراةُ والإنْجِيلُ. وقِيلَ: التَّوْراةُ؛ لِأنَّ النَّصارى تُمَثِّلُها. * * * ﴿كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾: الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ: هم مُشْرِكُو العَرَبِ في قَوْلِ الجُمْهُورِ. وقِيلَ: مُشْرِكُو قُرَيْشٍ. وقالَ عَطاءٌ: هم أُمَمٌ كانُوا قَبْلَ اليَهُودِ والنَّصارى. وقالَ قَوْمٌ: المُرادُ اليَهُودُ، وكَأنَّهُ أُعِيدَ قَوْلُهم: أيْ قالَ اليَهُودُ مِثْلَ قَوْلِ النَّصارى، ونُفِيَ عَنْهُمُ العِلْمُ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ فَجُعِلُوا لا يَعْلَمُونَ. والظّاهِرُ القَوْلُ الأوَّلُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ مِثْلَ ذَلِكَ الَّذِي سَمِعْتَ عَلى ذَلِكَ المِنهاجِ. قالَ الجَهَلَةُ الَّذِينَ لا عِلْمَ عِنْدَهم ولا كِتابَ، كَعَبَدَةِ الأصْنامِ، والمُعَطِّلَةِ ونَحْوِهِمْ قالُوا: لِكُلِّ أهْلِ دِينٍ لَيْسُوا عَلى شَيْءٍ، وهو تَوْبِيخٌ عَظِيمٌ لَهم، حَيْثُ نَظَمُوا أنْفُسَهم - مَعَ عِلْمِهِمْ - في سِلْكِ مَن لا يَعْلَمُ. والظّاهِرُ أنَّ الكافَ مِن كَذَلِكَ في مَحَلِّ نَصْبٍ، إمّا عَلى أنَّها نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: قَوْلًا مِثْلَ ذَلِكَ القَوْلِ، ﴿لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾، أوْ عَلى أنَّهُ مَنصُوبٌ عَلى الحالِ مِنَ المَصْدَرِ المَعْرِفَةِ المُضْمَرِ الدّالِّ عَلَيْهِ قالَ، التَّقْدِيرُ: مِثْلَ ذَلِكَ القَوْلِ قالَهُ، أيْ قالَ القَوْلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، وهَذا عَلى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ. وعَلى الوَجْهَيْنِ تَنْتَصِبُ الكافُ بِقالَ، وانْتَصَبَ عَلى هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ ”مِثْلَ قَوْلِهِمْ“ عَلى البَدَلِ مِن مَوْضِعِ الكافِ. وقِيلَ: يَنْتَصِبُ ”مِثْلَ قَوْلِهِمْ“ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِيَعْلَمُونَ، أيِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ مَقالَةِ اليَهُودِ والنَّصارى، قالُوا مِثْلَ مَقالَتِهِمْ، أيْ تَوافَقَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مَقالاتِ النَّصارى واليَهُودِ مَعَ اليَهُودِ والنَّصارى، في ذَلِكَ أنَّ مَن جَهِلَ قَوْلَ اليَهُودِ والنَّصارى وافَقَهم في مِثْلِ ذَلِكَ القَوْلِ. وجَوَّزُوا أنْ تَكُونَ الكافُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ، والجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرٌ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مِثْلَ ذَلِكَ قالَهُ الَّذِينَ. ولا يَجُوزُ لِقالَ أنْ يَنْصِبَ ”مِثْلَ قَوْلِهِمْ“ نَصْبَ المَفْعُولِ؛ لِأنَّ قالَ قَدْ أخَذَ مَفْعُولَهُ، وهو الضَّمِيرُ المَحْذُوفُ العائِدُ عَلى المُبْتَدَأِ، فَيَنْتَصِبُ إذْ ذاكَ ”مِثْلَ قَوْلِهِمْ“ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لِيَعْلَمُونِ، أيْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ - يَعْنِي اليَهُودَ والنَّصارى - قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ اعْتِقادَ اليَهُودِ والنَّصارى. انْتَهى ما قالُوهُ في هَذا الوَجْهِ، وهو ضَعِيفٌ لِاسْتِعْمالِ الكافِ اسْمًا، وذَلِكَ عِنْدَنا لا يَجُوزُ إلّا في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، مَعَ أنَّهُ قَدْ تُئُوِّلُ ما ورَدَ مِن ذَلِكَ، وأجازَ ذَلِكَ - أعْنِي أنْ تَكُونَ اسْمًا في الكَلامِ، ويُحْذَفَ الضَّمِيرُ العائِدُ عَلى المُبْتَدَأِ المَنصُوبِ بِالفِعْلِ الَّذِي لَوْ قُدِّرَ خُلُوُّهُ مِن ذَلِكَ الضَّمِيرِ لَتَسَلَّطَ عَلى الظّاهِرِ قَبْلَهُ فَنَصَبَهُ، وذَلِكَ نَحْوُ: زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ، نَصُّ أصْحابِنا عَلى أنَّ هَذا الضَّمِيرَ لا يَجُوزُ حَذْفُهُ إلّا في الشِّعْرِ، وأنْشَدُوا:(p-٣٥٤) ؎وخالِدٌ يَحْمَدُ ساداتِنا بِالحَقِّ لا يَحْمَدُ بِالباطِلِ أيْ: يَحْمَدُهُ ساداتُنا. وعَنْ بَعْضِ الكُوفِيِّينَ في جَوازِ حَذْفِ نَحْوِ هَذا الضَّمِيرِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ في النَّحْوِ. * * * ﴿فاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾: أيْ يَفْصِلُ، والفَصْلُ: الحُكْمُ، أوْ يُرِيهِمْ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ عِيانًا، ومَن يَدْخُلُ النّارَ عِيانًا، قالَهُ الزَّجّاجُ، أوْ يُكَذِّبُهم جَمِيعًا ويُدْخِلُهُمُ النّارَ، أوْ يُثِيبُ مَن كانَ عَلى حَقٍّ، ويُعَذِّبُ مَن كانَ عَلى باطِلٍ. وكُلُّها أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ. والظَّرْفانِ والجارُّ الأوَّلِ مَعْمُولانِ لِـ ”يَحْكُمُ“، وفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَخْتَلِفُونَ. وقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ الشَّرِيفَةُ أشْياءَ مِنها: افْتِتاحُها بِحُسْنِ النِّداءِ، وإثْباتُ وصْفِ الإيمانِ لَهم، وتَنْبِيهُهم عَلى تَعَلُّمِ أدَبٍ مِن آدابِ الشَّرِيعَةِ، بِأنْ نُهُوا عَنْ قَوْلِ لَفْظٍ لِإيهامٍ ما، إلى لَفْظٍ أنَصَّ في المَقْصُودِ، وأصْرَحَ في المَطْلُوبِ. ثُمَّ ذَكَرَ ما لِلْمُخالِفِ مِنَ العَذابِ الَّذِي يُذِلُّهُ ويُهِينُهُ. ثُمَّ نَبَّهْ عَلى أنَّ هَذا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ هو خَيْرٌ، وأنَّ الكُفّارَ لا يَوَدُّونَ أنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكم شَيْءٌ مِنَ الخَيْرِ. ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ راجِعًا لِشَهَواتِهِمْ، ولا لِتَمَنِّيهِمْ، بَلْ ذَلِكَ أمْرٌ إلَهِيٌّ يَخْتَصُّ بِهِ مَن يَشاءُ، وأنَّهُ تَعالى هو صاحِبُ الفَضْلِ الواسِعِ. ولَمّا كانَ صَدْرُ الآيَةِ فِيهِ انْتِقالٌ مِن لَفْظٍ إلى لَفْظٍ، وأنَّ الثّانِيَ صارَ أنَصَّ في المَقْصُودِ بَيَّنَ أنَّ ما يَفْعَلُهُ اللَّهُ تَعالى مِنَ النَّسْخِ، فَإنَّما ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ مِنهُ، فَيَأْتِي بِأفْضَلَ مِمّا نَسَخَ أوْ بِما ماثَلَهُ. وأنَّ مَن كانَ قادِرًا عَلى كُلِّ شَيْءٍ، فَلَهُ التَّصَرُّفُ بِما يُرِيدُ مَن نَسْخٍ وغَيْرِهِ. ونَبَّهَ المُخاطَبَ عَلى عِلْمِهِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، وبِمُلْكِهِ الشّامِلِ لِسائِرِ المَخْلُوقاتِ، وإنَّما نَحْنُ ما لَنا مِن دُونِهِ مِن مانِعٍ يَمْنَعُنا مِنهُ. فَمَن يَنْصُرُنا مِن بَأْسِ اللَّهِ إنْ جاءَنا، ثُمَّ أنْكَرَ عَلى مَن تَعَلَّقَتْ إرادَتُهُ بِأنْ يَسْألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُؤالًا غَيْرَ جائِزٍ، كَسُؤالاتِ قَوْمِ مُوسى لَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ مَن آثَرَ الكُفْرَ عَلى الإيمانِ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ قَصْدِ المَنهَجِ. ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ الكَثِيرَ مِن أهْلِ الكِتابِ يَوَدُّونَ ارْتِدادَكم، وأنَّ الحامِلَ لَهم عَلى ذَلِكَ الحَسَدُ. ثُمَّ أُمِرُوا بِالمُوادَعَةِ والصَّفْحِ، وغَيّا ذَلِكَ بِأمْرِ اللَّهِ، فَإذا أتى أمْرُ اللَّهِ ارْتَفَعَ الأمْرُ بِالعَفْوِ والصَّفْحِ. ثُمَّ اخْتَتَمَ الآيَةَ بِذِكْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى عَلى كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأنَّ قَبْلَهُ وعْدًا بِتَغْيِيرِ حالٍ، فَناسَبَ ذَلِكَ ذِكْرُ القُدْرَةِ. ثُمَّ أمَرَهم بِما يَقْطَعُ عَنْهم تَلَفُّتَ أقْوالِ الكُفّارِ، وهي الصَّلاةُ والزَّكاةُ، وأخْبَرَ أنَّ ما قَدَّمْتُمُوهُ مِنَ الخَيْرِ فَإنَّهُ لا يَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ، بَلْ تَجِدُوهُ مَذْخُورًا لَكم. ثُمَّ اخْتَتَمَ ذَلِكَ حَيْثُ نَبَّهَ عَلى أنَّ ما عُمِلَ مِنَ الخَيْرِ هو عِنْدَ اللَّهِ، بِذِكْرِ صِفَةِ البَصَرِ الَّتِي تَدُلُّ عَلى مُشاهَدَةِ الأشْياءِ ومُعايَنَتِها. ثُمَّ نَعى عَلى اليَهُودِ والنَّصارى مِن دَعْواهم أنَّهم مُخْتَصُّونَ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، وأنَّ ذَلِكَ أُكْذُوبَةٌ مِن أكاذِيبِهِمُ المَعْرُوفَةِ، وأنَّهم طُولِبُوا بِإقامَةِ البُرْهانِ عَلى دَعْوى الِاخْتِصاصِ. ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ مَنِ انْقادَ ظاهِرًا وباطِنًا لِلَّهِ تَعالى فَلَهُ أجْرُهُ وهو آمِنٌ، فَلا يَخافُ مِمّا يَأْتِي ولا يَحْزَنُ عَلى ما مَضى. ثُمَّ أخَذَ يَذْكُرُ مَقالاتِ النَّصارى واليَهُودِ بَعْضِهِمْ في بَعْضٍ، وأنَّها مَقالَةُ مَن أظْهَرَ التَّبَرُّؤَ مِمّا جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وأفْصَحَتْ عَنْهُ الكُتُبُ المُنَزَّلَةُ، وذَلِكَ كُلُّهُ عَلى جِهَةِ العِنادِ، لِأنَّهم تالُونَ لِلْكُتُبِ عالِمُونَ بِما انْطَوَتْ عَلَيْهِ، فَصارُوا في الحَياةِ الدُّنْيا عَلى مِثْلِ حالِهِمْ في الآخِرَةِ. كَما أخْبَرَ تَعالى عَنْهم بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ ويَلْعَنُ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ [العنكبوت: ٢٥] . ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ مَقالَتَهم تِلْكَ، وإنْ كانُوا عالِمِينَ، فَهي مُماثِلَةٌ لِمَقالَةِ مَن لا يَعْلَمُ، ثُمَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِالوَعِيدِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الحُكْمَ وفَصْلَ الباطِلِ مِنَ الحَقِّ، وأنَّهُ تَعالى هو المُتَوَلِّي ذَلِكَ لِيُجازِيَهم عَلى كُفْرِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب