الباحث القرآني
﴿وقالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلى شَيْءٍ﴾ المُرادُ يَهُودُ المَدِينَةِ، ووَفْدُ نَصارى نَجْرانَ تَمارَوْا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وتَسابُّوا، وأنْكَرَتِ اليَهُودُ الإنْجِيلَ، ونُبُوَّةَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وأنْكَرَ النَّصارى التَّوْراةَ ونُبُوَّةَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَألْ في المَوْضِعَيْنِ لِلْعَهْدِ، وقِيلَ: المُرادُ عامَّةُ اليَهُودِ وعامَّةُ النَّصارى، وهو مِنَ الإخْبارِ عَنِ الأُمَمِ السّالِفَةِ، وفِيهِ تَقْرِيعٌ لِمَن بِحَضْرَتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وتَسْلِيَةٌ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، إذْ كَذَّبُوا بِالرُّسُلِ، والكُتُبِ قَبْلَهُ، فَألْ في المَوْضِعَيْنِ لِلْجِنْسِ، والأوَّلُ هو المَرْوِيُّ في أسْبابِ النُّزُولِ، وعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ القائِلُ كُلَّ واحِدٍ مِن آحادِ الطّائِفَتَيْنِ، وهو الظّاهِرُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ (p-361)المُرادُ بِذَلِكَ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ يُقالُ لَهُ نافِعُ بْنُ حَرْمَلَةَ، ورَجُلٌ مِن نَصارى نَجْرانَ، ونِسْبَةُ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ حَيْثُ وقَعَ مِن بَعْضِهِمْ، وهي طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ العَرَبِ في نَظْمِها ونَثْرِها، وهَذا بَيانٌ لِتَضْلِيلِ كُلِّ فَرِيقٍ صاحِبَهُ بِخُصُوصِهِ إثْرَ بَيانِ تَضْلِيلِهِ كُلَّ مَن عَداهُ عَلى وجْهِ العُمُومِ، (وعَلى شَيْءٍ) خَبَرُ لَيْسَ، وهو عِنْدَ بَعْضٍ مِن بابِ حَذْفِ الصِّفَةِ، أيْ شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ في الدِّينِ، لِأنَّهُ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ كُلًّا مِنهُما عَلى شَيْءٍ، والأوْلى عَدَمُ اعْتِبارِ الحَذْفِ، وفي ذَلِكَ مُبالَغَةٌ عَظِيمَةٌ، لِأنَّ الشَّيْءَ كَما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلامُ سِيبَوَيْهِ، ما يَصِحُّ أنْ يُعْلَمَ، ويُخْبَرَ عَنْهُ، فَإذا نُفِيَ مُطْلَقًا كانَ ذَلِكَ مُبالَغَةً في عَدَمِ الِاعْتِدادِ بِما هم عَلَيْهِ، وصارَ كَقَوْلِهِمْ: أقَلُّ مِن لا شَيْءَ، ﴿وهم يَتْلُونَ الكِتابَ﴾ حالٌ مِنَ الفَرِيقَيْنِ بِجَعْلِهِما فاعِلَ فِعْلٍ واحِدٍ، لِئَلّا يَلْزَمَ إعْمالُ عامِلَيْنِ في مَعْمُولٍ واحِدٍ، أيْ قالُوا ذَلِكَ وهم عالِمُونَ بِما في كُتُبِهِمُ النّاطِقَةِ بِخِلافِ ما يَقُولُونَ، وفي ذَلِكَ تَوْبِيخٌ لَهُمْ، وإرْشادٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إلى أنَّ مَن كانَ عالِمًا بِالقُرْآنِ لا يَنْبَغِي أنْ يَقُولَ خِلافَ ما تَضَمَّنَهُ، والمُرادُ مِنَ الكِتابِ الجِنْسُ فَيَصْدُقُ عَلى التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ التَّوْراةُ لِأنَّ النَّصارى تَمْتَثِلُها أيْضًا.
﴿كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ وهم مُشْرِكُو العَرَبِ في قَوْلِ الجُمْهُورِ، وقِيلَ: مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، وقِيلَ: هم أُمَمٌ كانُوا قَبْلَ اليَهُودِ والنَّصارى، وأمّا القَوْلُ بِأنَّهُمُ اليَهُودُ، وأُعِيدَ قَوْلُهم مِثْلَ قَوْلِ النَّصارى، ونُفِيَ عَنْهُمُ العِلْمُ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، فالظّاهِرُ أنَّهُ قَوْلُ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، والكافُ مِن (كَذَلِكَ) في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَنصُوبٍ (بِقالَ) مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أيْ قَوْلًا مِثْلَ قَوْلِ اليَهُودِ والنَّصارى، ﴿قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ويَكُونُ ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ عَلى هَذا مَنصُوبًا (بِيَعْلَمُونَ)، والقَوْلُ بِمَعْنى الِاعْتِقادِ، أوْ يُقالُ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، أوْ بَدَلٌ مِن مَحَلِّ الكافِ، وقِيلَ: (كَذَلِكَ)، مَفْعُولٌ بِهِ، (ومِثْلَ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، والمَقْصُودُ تَشْبِيهُ المَقُولِ بِالمَقُولِ في المُؤَدّى والمَحْصُولِ، وتَشْبِيهُ القَوْلِ بِالقَوْلِ في الصُّدُورِ عَنْ مُجَرَّدِ التَّشَهِّي والهَوى والعَصَبِيَّةِ، وجَوَّزُوا أنْ تَكُونَ الكافُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ، والجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرُهُ والعائِدُ مَحْذُوفٌ، أيْ قالَهُ، (ومِثْلَ) صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أوْ مَفْعُولُ (يَعْلَمُونَ)، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَفْعُولُ (قالَ) لِأنَّهُ قَدِ اسْتَوْفى مَفْعُولَهُ واعْتُرِضَ هَذا بِأنَّ حَذْفَ العائِدِ عَلى المُبْتَدَإ الَّذِي لَوْ قُدِّرَ خُلُوُّ الفِعْلِ عَنِ الضَّمِيرِ لَنَصَبَهُ مِمّا خَصَّهُ الكَثِيرُ بِالضَّرُورَةِ، ومَثَّلُوا لَهُ بِقَوْلِهِ:
؎وخالِدٌ يَحْمَدُ ساداتِنا بِالحَقِّ لا تُحْمَدُ بِالباطِلِ
وقِيلَ: عَلَيْهِ وعَلى ما قَبْلَهُ أنَّ اسْتِعْمالَ الكافِ اسْمًا، وإنْ جَوَّزَهُ الأخْفَشُ إلّا أنَّ جَماعَةً خَصُّوهُ بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ، مَعَ أنَّهُ قَدْ يُؤَوَّلُ ما ورَدَ مِنهُ فِيهِ عَلى أنَّهُ لا يَخْفى ما في تَوْجِيهِ التَّشْبِيهَيْنِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ اللُّغَوِيَّةِ مِنَ التَّكَلُّفِ والخُرُوجِ عَنِ الظّاهِرِ، ولَعَلَّ الأوْلى أنْ يُجْعَلَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ إعادَةً لِقَوْلِهِ تَعالى (كَذَلِكَ) لِلتَّأْكِيدِ والتَّقْرِيرِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهو جَزاؤُهُ﴾ وبِهِ قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ (كَذَلِكَ) لَيْسَتْ لِلتَّشْبِيهِ هُنا بَلْ لِإفادَةِ أنَّ هَذا الأمْرَ عَظِيمٌ مُقَرَّرٌ، وقَدْ نَقَلَ الوَزِيرُ عاصِمُ بْنُ أيُّوبَ في شَرْحِ قَوْلِ زُهَيْرٍ:
؎كَذَلِكَ خَيْمُهم ولِكُلِّ قَوْمٍ ∗∗∗ إذا مَسَّتْهُمُ الضَّرّاءُ خَيْمُ
عَنِ الإمامِ الجُرْجانِيِّ: إنَّ كَذَلِكَ تَأْتِي لِلتَّثْبِيتِ، إمّا لِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، وإمّا لِخَبَرٍ مُتَأخِّرٍ، وهي نَقِيضُ كَلّا، لِأنَّ كَلّا تَنْفِي، وكَذَلِكَ تُثْبِتُ، ومِثْلُهُ ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ المُجْرِمِينَ﴾ وفي شَرْحِ المِفْتاحِ الشَّرِيفِيِّ: إنَّهُ لَيْسَ المَقْصُودُ مِنَ التَّشْبِيهاتِ هي المَعانِي الوَضْعِيَّةُ فَقَطْ، إذْ تَشْبِيهاتُ البُلَغاءِ قَلَّما تَخْلُو مِن مَجازاتٍ وكِناياتٍ، فَنَقُولُ: إنّا رَأيْناهم يَسْتَعْمِلُونَ كَذا وكَذا، لِلِاسْتِمْرارِ تارَةً نَحْوَ: عَدَلَ زَيْدٌ في قَضِيَّةِ فُلانٍ كَذا، وهَكَذا أيُّ عَدْلٍ مُسْتَمِرٍّ، وقالَ الحَماسِيُّ:
؎(p-362)هَكَذا يَذْهَبُ الزَّمانُ ويَفْنى الـ ∗∗∗ عِلْمُ فِيهِ ويَدْرُسُ الأثَرُ
نَصَّ عَلَيْهِ التَّبْرِيزِيُّ في شَرْحِ الحَماسَةِ، ولَهُ شَواهِدُ كَثِيرَةٌ، وقالَ في شَرْحِ قَوْلِ أبِي تَمّامٍ:
؎كَذا فَلْيَجِلَّ الخَطْبُ ولْيَفْدَحِ الأمْرُ
إنَّهُ لِلتَّهْوِيلِ والتَّعْظِيمِ، وهو في مَصْدَرِ القَصِيدَةِ لَمْ يَسْبِقْ ما يُشَبَّهُ بِهِ، وسَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وإنَّما جُعِلَ قَوْلُ أُولَئِكَ مُشَبَّهًا بِهِ لِأنَّهُ أقْبَحُ إذِ الباطِلُ مِنَ العالِمِ أقْبَحُ مِنهُ مِنَ الجاهِلِ، وبَعْضُهم يَجْعَلُ التَّشْبِيهَ عَلى حَدِّ: ﴿إنَّما البَيْعُ مِثْلُ الرِّبا﴾ وفِيهِ مِنَ المُبالَغَةِ والتَّوْبِيخِ عَلى التَّشَبُّهِ بِالجُهّالِ ما لا يَخْفى، وإنَّما وُبِّخُوا وقَدْ صَدَقُوا إذْ كِلا الدِّينَيْنِ بَعْدَ النَّسْخِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأنَّهم لَمْ يَقْصِدُوا ذَلِكَ، وإنَّما قَصَدَ كُلُّ فَرِيقٍ إبْطالَ دِينِ الآخَرِ مِن أصْلِهِ، والكُفْرَ بِنَبِيِّهِ وكِتابِهِ، عَلى أنَّهُ لا يَصِحُّ الحُكْمُ بِأنَّ كِلا الدِّينَيْنِ بَعْدَ النَّسْخِ لَيْسَ بِشَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ، لِأنَّ المُتَبادِرَ مِنهُ أنْ لا يَكُونَ كَذَلِكَ في حَدِّ ذاتِهِ، وما لا يُنْسَخُ مِنهُما حَقٌّ واجِبُ القَبُولِ والعَمَلِ، فَيَكُونُ شَيْئًا مُعْتَدًّا بِهِ في حَدِّ ذاتِهِ، وإنْ يَكُنْ شَيْئًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، لِأنَّهُ لا انْتِفاعَ بِما لَمْ يُنْسَخْ مَعَ الكُفْرِ بِالنّاسِخِ.
﴿فاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أيْ بَيْنَ اليَهُودِ والنَّصارى لا بَيْنَ الطَّوائِفِ الثَّلاثَةِ لِأنَّ مَساقَ النَّظْمِ لِبَيانِ حالِ تَيْنِكَ الطّائِفَتَيْنِ، والتَّعَرُّضُ لِمَقالَةِ غَيْرِهِمْ لِإظْهارِ كَمالِ بُطْلانِ مَقالِهِمْ، والحُكْمُ الفَصْلُ والقَضاءُ وهو يَسْتَدْعِي جارَيْنِ فَيُقالُ: حَكَمَ القاضِي في هَذِهِ الحادِثَةِ بِكَذا، وقَدْ حُذِفَ هُنا أحَدُهُما اخْتِصارًا وتَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ بِما يُقْسَمُ لِكُلِّ فَرِيقٍ ما يَلِيقُ بِهِ مِنَ العَذابِ، والمُتَبادِرُ مِنَ الحُكْمِ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ أنْ يُحْكَمَ لِأحَدِهِما بِحَقٍّ دُونَ الآخَرِ، فَكَأنَّ اسْتِعْمالَهُ بِما ذُكِرَ مَجازٌ، وقالَ الحَسَنُ: المُرادُ بِالحُكْمِ بَيْنَ هَذَيْنِ الفَرِيقَيْنِ تَكْذِيبُهم وإدْخالُهُمُ النّارَ، وفي ذَلِكَ تَشْرِيكٌ في حُكْمٍ واحِدٍ، وهو بَعِيدٌ عَنْ حَقِيقَةِ الحُكْمِ، (ويَوْمَ) مُتَعَلِّقٌ (بِيَحْكُمُ)، وكَذا ما بَعْدَهُ، ولا ضَيْرَ لِاخْتِلافِ المَعْنى وفِيهِ مُتَعَلِّقٌ (بِيَخْتَلِفُونَ)، لا (بِكانُوا)، وقُدِّمَ عَلَيْهِ لِلْمُحافَظَةِ عَلى رُؤُوسِ الآيِ
* * *
ومِن بابِ الإشارَةِ في الآياتِ: ﴿ما نَنْسَخْ مِن آيَةٍ﴾ أيْ ما نُزِيلُ مِن صِفاتِكَ شَيْئًا عَنْ دِيوانِ قَلْبِكَ أوْ نُخْفِيهِ بِإشْراقِ أنْوارِنا عَلَيْهِ، إلّا ونَرْقُمُ فِيهِ مِن صِفاتِنا الَّتِي لا تَظُنُّ قابِلِيَّتَكَ لِما يُشارِكُها في الِاسْمِ، والَّتِي تَظُنُّ وُجُودَ ما لا يُشارِكُها فِيكَ، ﴿ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ﴾ عالَمِ الأرْواحِ وأرْضِ الأجْسادِ، وهو المُتَصَرِّفُ فِيهِما بِيَدِ قُدْرَتِهِ بَلِ العَوالِمُ عَلى اخْتِلافِها ظاهِرُ شُئُونِ ذاتِهِ ومَظْهَرُ أسْمائِهِ وصِفاتِهِ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ غَيْرُهُ يَنْصُرُكم ويَلِيكُمْ، ﴿أمْ تُرِيدُونَ أنْ تَسْألُوا رَسُولَكُمْ﴾ العَقْلِ مِنَ اللَّذّاتِ الدَّنِيَّةِ، والشَّهَواتِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَما سُئِلَ مُوسى القَلْبُ مِن قَبْلُ، ومَن يَتَبَدَّلِ الظُّلْمَةَ بِالنُّورِ فَقَدْ ضَلَّ الطَّرِيقَ المُسْتَقِيمَ، وقالَتِ اليَهُودُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ المَعْهُودَةَ عِنْدَهُمْ، وهي جَنَّةُ الظّاهِرِ وعالَمُ المُلْكِ الَّتِي هي جَنَّةُ الأفْعالِ وجَنَّةُ النَّفْسِ إلّا مَن كانَ هُودًا وقالَتِ النَّصارى لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ المَعْهُودَةَ عِنْدَهُمْ، وهي جَنَّةُ الباطِنِ وعالَمُ المَلَكُوتِ الَّتِي هي جَنَّةُ الصِّفاتِ وجَنَّةُ القَلْبِ إلّا مَن كانَ نَصْرانِيًّا، ولِهَذا قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: لَنْ يَلِجَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ مَن لَمْ يُولَدْ مَرَّتَيْنِ، تِلْكَ أمانِيُّهُمْ، أيْ غايَةُ مَطالِبِهِمُ الَّتِي وقَفُوا عَلى حَدِّها واحْتَجَبُوا بِها عَمّا فَوْقَها، قُلْ هاتُوا دَلِيلَكُمُ الدّالَّ عَلى نَفْيِ دُخُولِ غَيْرِكم إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دَعْواكُمْ، بَلِ الدَّلِيلُ دَلَّ عَلى نَقِيضِ مُدَّعاكُمْ، فَإنَّ مَن أسْلَمَ وجْهَهُ وخَلَّصَ ذاتَهُ مِن جَمِيعِ لَوازِمِها وعَوارِضِها لِلَّهِ تَعالى بِالتَّوْحِيدِ الذّاتِيِّ عِنْدَ المَحْوِ الكُلِّيِّ، وهو مُسْتَقِيمٌ في أحْوالِهِ بِالبَقاءِ بَعْدَ الفَناءِ مُشاهِدٌ رَبَّهُ في أعْمالِهِ، راجِعٌ مِنَ الشُّهُودِ الذّاتِيِّ إلى مَقامِ الإحْسانِ الصِّفاتِيِّ الَّذِي هو المُشاهَدَةُ لِلْوُجُودِ الحَقّانِيِّ، فَلَهُ أجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ أيْ ما ذَكَرْتُمْ مِنَ الجَنَّةِ، وأصْفى، لِاخْتِصاصِهِ بِمَقامِ العِنْدِيَّةِ الَّتِي حُجِبْتُمْ عَنْها، ولَهم زِيادَةٌ عَلى ذَلِكَ هي عَدَمُ خَوْفِهِمْ مِنِ احْتِجابِ الذّاتِ، وعَدَمُ حُزْنِهِمْ عَلى ما فاتَهم مِن جَنَّةِ الأفْعالِ والصِّفاتِ الَّتِي حُجِبْتُمْ بِالوُقُوفِ عِنْدَها، وقالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ لِاحْتِجابِهِمْ بِالباطِنِ عَنِ الظّاهِرِ، وقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ (p-363)اليَهُودُ عَلى شَيْءٍ لِاحْتِجابِهِمْ عَنِ الباطِنِ بِالظّاهِرِ، وهم يَتْلُونَ الكِتابَ وفِيهِ ما يُرْشِدُهم إلى رَفْعِ الحِجابِ، ورُؤْيَةِ حَقِّيَّةِ كُلِّ مَذْهَبٍ في مَرْتَبَتِهِ، كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ المَراتِبَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، فَخَطَّأ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنهُمُ الفِرْقَةَ الأُخْرى، ولَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الإرادَةِ الكَوْنِيَّةِ، والإرادَةِ الشَّرْعِيَّةِ، ولَمْ يَعْرِفُوا وجْهَ الحَقِّ في كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِن مَراتِبِ الوُجُودِ، فاللَّهُ تَعالى الجامِعُ لِجَمِيعِ الصِّفاتِ عَلى اخْتِلافِ مَراتِبِها وتَفاوُتِ دَرَجاتِها يَحْكُمُ بَيْنَهم بِالحَقِّ في اخْتِلافاتِهِمْ يَوْمَ قِيامِ القِيامَةِ الكُبْرى وظُهُورِ الوَحْدَةِ الذّاتِيَّةِ، وتَجَلِّي الرَّبِّ بِصُوَرِ المُعْتَقَداتِ، حَتّى يُنْكِرُونَهُ، فَلا يَسْجُدُ لَهُ إلّا مَن لَمْ يُقَيِّدْهُ سُبْحانَهُ حَتّى بِقَيْدِ الإطْلاقِ،
{"ayah":"وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ لَیۡسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَیۡسَتِ ٱلۡیَهُودُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَهُمۡ یَتۡلُونَ ٱلۡكِتَـٰبَۗ كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡۚ فَٱللَّهُ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق