الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلى شَيْءٍ وهم يَتْلُونَ الكِتابَ كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا جَمَعَهم في الخَبَرِ الأوَّلِ فَصَّلَهم في هَذِهِ الآيَةِ، وبَيَّنَ قَوْلَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنهم في الآخَرِ، وكَيْفَ يُنْكِرُ كُلُّ طائِفَةٍ دِينَ الأُخْرى، وهَهُنا مَسائِلُ:
(p-٨)المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ﴾ أيْ: عَلى شَيْءٍ يَصِحُّ ويُعْتَدُّ بِهِ، وهَذِهِ مُبالَغَةٌ عَظِيمَةٌ، وهو كَقَوْلِهِمْ: أقَلُّ مِن لا شَيْءَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ ياأهْلَ الكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ﴾ [المائدة: ٦٨]، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ قالُوا ذَلِكَ مَعَ أنَّ الفَرِيقَيْنِ كانا يُثْبِتانِ الصّانِعَ وصِفاتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وذَلِكَ قَوْلٌ فِيهِ فائِدَةٌ ؟ قُلْنا: الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهم لَمّا ضَمُّوا إلى ذَلِكَ القَوْلِ الحَسَنِ قَوْلًا باطِلًا يُحْبِطُ ثَوابَ الأوَّلِ، فَكَأنَّهم ما أتَوْا بِذَلِكَ الحَقِّ.
الثّانِي: أنْ يُخَصَّ هَذا العامُّ بِالأُمُورِ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيها، وهي ما يَتَّصِلُ بِبابِ النُّبُوّاتِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: رُوِيَ أنَّ وفْدَ نَجْرانَ لَمّا قَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أتاهم أحْبارُ اليَهُودِ فَتَناظَرُوا حَتّى ارْتَفَعَتْ أصْواتُهم، فَقالَتِ اليَهُودُ: ما أنْتُمْ عَلى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وكَفَرُوا بِعِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - والإنْجِيلِ، وقالَتِ النَّصارى لَهم نَحْوَهُ، وكَفَرُوا بِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - والتَّوْراةِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِيمَن هُمُ الَّذِينَ عَناهُمُ اللَّهُ تَعالى، أهُمُ الَّذِينَ كانُوا مِن بَعْثَةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ أوْ في زَمَنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ؟ والظّاهِرُ الحَقُّ أنَّهُ لا دَلِيلَ في الظّاهِرِ عَلَيْهِ، وإنْ كانَ الأوْلى أنْ يُحْمَلَ عَلى كُلِّ اليَهُودِ وكُلِّ النَّصارى بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، ولا يَجِبُ لِما نُقِلَ في سَبَبِ الآيَةِ أنَّ يَهُودِيًّا خاطَبَ النَّصارى بِذَلِكَ فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ - أنْ لا يُرادَ بِالآيَةِ سِواهُ، إذا أمْكَنَ حَمْلُهُ عَلى ظاهِرِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿وقالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ﴾ يُفِيدُ العُمُومَ، فَما الوَجْهُ في حَمْلِهِ عَلى التَّخْصِيصِ، ومَعْلُومٌ مِن طَرِيقَةِ اليَهُودِ والنَّصارى أنَّهم مُنْذُ كانُوا فَهَذا قَوْلُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنهُما في الآخَرِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهم يَتْلُونَ الكِتابَ﴾ فالواوُ لِلْحالِ، والكِتابُ لِلْجِنْسِ، أيْ: قالُوا ذَلِكَ، وحالُهم أنَّهم مِن أهْلِ العُلُومِ والتِّلاوَةِ لِلْكُتُبِ، وحَقُّ مَن حَمَلَ التَّوْراةَ أوِ الإنْجِيلَ أوْ غَيْرَهُما مِن كُتُبِ اللَّهِ وآمَنَ بِهِ - أنْ لا يَكْفُرَ بِالباقِي؛ لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الكِتابَيْنِ مُصَدِّقٌ لِلثّانِي، شاهِدٌ لِصِحَّتِهِ، فَإنَّ التَّوْراةَ مُصَدِّقَةٌ بِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، والإنْجِيلَ مُصَدِّقٌ بِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ فَإنَّهُ يَقْتَضِي أنَّ مَن تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ عالِمًا لِكَيْ يَصِحَّ هَذا الفَرْقُ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهم مَعَ المَعْرِفَةِ والتِّلاوَةِ، إذا كانُوا يَخْتَلِفُونَ هَذا الِاخْتِلافَ فَكَيْفَ حالُ مَن لا يَعْلَمُ، واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الواقِعَةَ بِعَيْنِها قَدْ وقَعَتْ في أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَإنَّ كُلَّ طائِفَةٍ تُكَفِّرُ الأُخْرى مَعَ اتِّفاقِهِمْ عَلى تِلاوَةِ القُرْآنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَن هُمُ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ عَلى وُجُوهٍ:
أوَّلُها: أنَّهم كُفّارُ العَرَبِ الَّذِينَ قالُوا: إنَّ المُسْلِمِينَ لَيْسُوا عَلى شَيْءٍ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ إذا كانَ قَوْلُ اليَهُودِ والنَّصارى وهم يَقْرَءُونَ الكُتُبَ لا يَنْبَغِي أنْ يُقْبَلَ ويُلْتَفَتَ إلَيْهِ، فَقَوْلُ كُفّارِ العَرَبِ أوْلى أنْ لا يُلْتَفَتَ إلَيْهِ.
وثانِيها: أنَّهُ إذا حَمَلْنا قَوْلَهُ: ﴿وقالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ﴾ عَلى الَّذِينَ كانُوا حاضِرِينَ في زَمانِ مُحَمَّدٍ ﷺ حَمَلْنا قَوْلَهُ: ﴿كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ عَلى عَوامِّهِمْ، فَصْلًا بَيْنَ خَواصِّهِمْ وعَوامِّهِمْ، والأوَّلُ أقْرَبُ؛ لِأنَّ كُلَّ اليَهُودِ والنَّصارى دَخَلُوا في الآيَةِ، فَمَن مُيِّزَ عَنْهم بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ يَجِبُ أنْ يَكُونَ غَيْرَهم.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ فَفِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: قالَ الحَسَنُ: يُكَذِّبُهم جَمِيعًا ويُدْخِلُهُمُ النّارَ.
وثانِيها: حُكْمُ الِانْتِصافِ مِنَ الظّالِمِ المُكَذِّبِ لِلْمَظْلُومِ المُكَذَّبِ.
وثالِثُها: يُرِيهِمْ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ عِيانًا، ومَن يَدْخُلُ النّارَ عِيانًا، وهو قَوْلُ الزَّجّاجِ.
ورابِعُها: يَحْكُمُ بَيْنَ المُحِقِّ والمُبْطِلِ فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ لَیۡسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَیۡسَتِ ٱلۡیَهُودُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَهُمۡ یَتۡلُونَ ٱلۡكِتَـٰبَۗ كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ مِثۡلَ قَوۡلِهِمۡۚ فَٱللَّهُ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق