الباحث القرآني

﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ لَمّا أمَرَهم سُبْحانَهُ بِتَرْكِ الضَّلالِ والإضْلالِ، والتِزامِ الشَّرائِعِ، وكانَ ذَلِكَ شاقًّا عَلَيْهِمْ لِما فِيهِ مِن فَواتِ مَحْبُوبِهِمْ، وذَهابِ مَطْلُوبِهِمْ عالَجَ مَرَضَهم بِهَذا الخِطابِ، والصَّبْرُ حَبْسُ النَّفْسِ عَلى ما تَكْرَهُ، وقَدَّمَهُ عَلى الصَّلاةِ لِأنَّها لا تَكْمُلُ إلّا بِهِ، أوْ لِمُناسَبَتِهِ لِحالِ المُخاطَبِينَ (p-249)أوْ لِأنَّ تَأْثِيرَهُ كَما قِيلَ في إزالَةِ ما لا يَنْبَغِي، وتَأْثِيرُ الصَّلاةِ في حُصُولِ ما يَنْبَغِي، ودَرْءُ المَفاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلى جَلْبِ المَصالِحِ، واللّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالصَّبْرِ نَوْعٌ مِنهُ، وهو الصَّوْمُ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ مَعَ الصَّلاةِ، والِاسْتِعانَةُ بِالصَّبْرِ عَلى المَعْنى الأوَّلِ لِما يَلْزَمُهُ مِنَ انْتِظارِ الفَرَجِ، والنُّجْحِ تَوَكُلًّا عَلى مَن لا يُخَيِّبُ المُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ، ولِذا قِيلَ: الصَّبْرُ مِفْتاحُ الفَرَجِ، وبِهِ عَلى المَعْنى الثّانِي لِما فِيهِ مِن كَسْرِ الشَّهْوَةِ وتَصْفِيَةِ النَّفْسِ، المُوجِبَيْنِ لِلِانْقِطاعِ إلى اللَّهِ تَعالى، المُوجِبِ لِإجابَةِ الدُّعاءِ، وأمّا الِاسْتِعانَةُ بِالصَّلاةِ فَلِما فِيها مِن أنْواعِ العِبادَةِ مِمّا يُقَرِّبُ إلى اللَّهِ تَعالى قُرْبًا يَقْتَضِي الفَوْزَ بِالمَطْلُوبِ، والعُرُوجَ إلى المَحْبُوبِ، وناهِيكَ مِن عِبادَةٍ تُكَرَّرُ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرّاتٍ، يُناجِي فِيها العَبْدُ عَلّامَ الغُيُوبِ، ويَغْسِلُ بِها العاصِي دَرَنَ العُيُوبِ، وقَدْ رَوى حُذَيْفَةُ «أنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إذا حَزَنَهُ أمْرٌ صَلّى،» ورَوى أحْمَدُ «أنَّهُ إذا حَزَنَهُ أمْرٌ فَزِعَ إلى الصَّلاةِ،» وحَمْلُ الصَّلاةِ عَلى الدُّعاءِ في الآيَةِ، وكَذا في الحَدِيثِ لا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ، وأبْعَدُ مِنهُ كَوْنُ المُرادِ بِالصَّبْرِ الصَّبْرَ عَلى الصَّلاةِ. ﴿وإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلا عَلى الخاشِعِينَ﴾ الضَّمِيرُ لِلصَّلاةِ كَما يَقْتَضِيهِ الظّاهِرُ، وتَخْصِيصُها بِرَدِّ الضَّمِيرِ إلَيْها لِعِظَمِ شَأْنِها، واسْتِجْماعِها ضُرُوبًا مِنَ الصَّبْرِ، ومَعْنى كِبَرِها ثِقَلُها وصُعُوبَتُها عَلى مَن يَفْعَلُها عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَبُرَ عَلى المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهم إلَيْهِ﴾ والِاسْتِثْناءُ مُفَرَّغٌ أيْ كَبِيرَةٌ عَلى كُلِّ أحَدٍ إلّا عَلى الخاشِعِينَ، وهُمُ المُتَواضِعُونَ المُسْتَكِينُونَ، وأصْلُ الخُشُوعِ الإخْباتُ، ومِنهُ الخَشَعَةُ بِفَتَحاتٍ الرَّمْلُ المُتَطامِنُ، وإنَّما لَمْ تَثْقُلْ عَلَيْهِمْ لِأنَّهم عارِفُونَ بِما يَحْصُلُ لَهم فِيها، مُتَوَقِّعُونَ ما ادُّخِرَ مِن ثَوابِها، فَتَهُونُ عَلَيْهِمْ ولِذَلِكَ قِيلَ: مَن عَرَفَ ما يَطْلُبُ هانَ عَلَيْهِ ما يَبْذُلُ، ومَن أيْقَنَ بِالخُلْفِ جادَ بِالعَطِيَّةِ، وجُوِّزَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلى الِاسْتِعانَةِ عَلى حَدِّ ﴿اعْدِلُوا هو أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ ورَجَحَ بِالشُّمُولِ، وما يُقالُ: إنَّ الِاسْتِعانَةَ لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ لا طائِلَ تَحْتَهُ، فَإنَّ الِاسْتِعانَةَ بِالصَّلاةِ أخَصُّ مِن فِعْلِ الصَّلاةِ لِأنَّها أداؤُها عَلى وجْهِ الِاسْتِعانَةِ بِها عَلى الحَوائِجِ، أوْ عَلى سائِرِ الطّاعاتِ لِاسْتِجْرارِها ذَلِكَ، وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن أُسْلُوبِ: ﴿واللَّهُ ورَسُولُهُ أحَقُّ أنْ يُرْضُوهُ﴾ وقَوْلُهُ: ؎إنَّ شَرْخَ الشَّبابِ والشَّعْرَ الأسْ ودَ ما لَمْ يُعاصِ كانَ جُنُونا والتَّأْنِيثُ مِثْلُهُ في قَوْلِهِ تَعالى عَلى رَأْيٍ: ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ ولا يُنْفِقُونَها﴾ أوِ المُرادُ كُلُّ خَصْلَةٍ مِنها، وقِيلَ: الضَّمِيرُ راجِعٌ إلى المَذْكُوراتِ المَأْمُورِ بِها، والمَنهِيِّ عَنْها، ومَشَقَّتُها عَلَيْهِمْ ظاهِرَةٌ، وهو أقْرَبُ مِمّا قالَهُ الأخْفَشُ مِن رُجُوعِهِ إلى إجابَةِ الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والبَعِيدُ بَلِ الأبْعَدُ عَوْدُهُ إلى الكَعْبَةِ المَفْهُومَةِ مِن ذِكْرِ الصَّلاةِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب