الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ﴾ .
بَيَّنَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الكَفّارَ، إذا عايَنُوا الحَقِيقَةَ يَوْمَ القِيامَةِ يُقِرُّونَ بِأنَّ الرُّسُلَ جاءَتْ بِالحَقِّ، ويَتَمَنَّوْنَ أحَدَ أمْرَيْنِ: أنْ يَشْفَعَ لَهم شُفَعاءُ فَيُنْقِذُوهم، أوْ يُرَدُّوا إلى الدُّنْيا لِيُصَدِّقُوا الرُّسُلَ، ويَعْمَلُوا بِما يُرْضِي اللَّهَ، ولَمْ يُبَيِّنْ هُنا هَلْ يَشْفَعُ لَهم أحَدٌ ؟ وهَلْ يُرَدُّونَ ؟ وماذا يَفْعَلُونَ لَوْ رُدُّوا ؟ وهَلِ اعْتِرافُهم ذَلِكَ بِصِدْقِ الرُّسُلِ يَنْفَعُهم ؟ ولَكِنَّهُ تَعالى بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ في مَواضِعَ أُخَرَ، فَبَيَّنَ: أنَّهم لا يَشْفَعُ لَهم أحَدٌ بُقُولِهِ: ﴿فَما لَنا مِن شافِعِينَ﴾ الآيَةَ [الشعراء: ١٠٠]، وقَوْلِهِ: ﴿فَما تَنْفَعُهم شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾ [المدثر: ٤٨]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى﴾ [الأنبياء: ٢٨] مَعَ قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧]،
• وقَوْلِهِ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ \ [التوبة: ٩٦] ٣٠، وبَيَّنَ أنَّهم لا يُرَدُّونَ في مَواضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ،
• كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ تَرى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا إنّا مُوقِنُونَ﴾ ﴿وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ولَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٢، ١٣]
فَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ﴾ الآيَةَ، دَلِيلٌ عَلى أنَّ النّارَ وجَبَتْ لَهم، فَلا يُرَدُّونَ، ولا يُعْذَرُونَ، وقَوْلُهُ: ﴿وَهم يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ أوَلَمْ نُعَمِّرْكم ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧] .
فَصَرَّحَ بِأنَّهُ قَطَعَ عُذْرَهم في الدُّنْيا؛ بِالإمْهالِ مُدَّةً يَتَذَكَّرُونَ فِيها؛ وإنْذارِ الرُّسُلِ، (p-١٧)وَهُوَ دَلِيلٌ عَلى عَدَمِ رَدِّهِمْ إلى الدُّنْيا مَرَّةً أُخْرى، وأشارَ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِن قَبْلُ ما لَكم مِن زَوالٍ﴾ [إبراهيم: ٤٤]، جَوابًا
• لِقَوْلِهِمْ: أخِّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُّسُلَ،
• وقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكم بِأنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ وحْدَهُ كَفَرْتُمْ وإنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾ [غافر: ١٢]، بَعْدَ قَوْلِهِ تَعالى عَنْهم: ﴿فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ [غافر: ١١]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَتَراهم يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ الآيَةَ [الشورى: ٤٥]، بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن ولِيٍّ مِن بَعْدِهِ وتَرى الظّالِمِينَ لَمّا رَأوُا العَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِن سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤٤]،
• وقَوْلِهِ هُنا ﴿قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٥٣]،
بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَهَلْ لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدُّ﴾ الآيَةَ.
فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى عَدَمِ الرَّدِّ إلى الدُّنْيا، وعَلى وُجُوبِ العَذابِ، وأنَّهُ لا مَحِيصَ لَهم عَنْهُ.
وَبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّهم لَوْ رُدُّوا لَعادُوا إلى الكُفْرِ والطُّغْيانِ؛ وهو قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٢٨]، وفي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى أنَّهُ تَعالى يَعْلَمُ المَعْدُومَ المُمْكِنَ الَّذِي سَبَقَ في عِلْمِهِ أنَّهُ لا يُوجَدُ كَيْفَ يَكُونُ لَوْ وُجِدَ، فَهو تَعالى يَعْلَمُ أنَّهم لا يُرَدُّونَ إلى الدُّنْيا مَرَّةً أُخْرى، ويَعْلَمُ هَذا الرَّدَّ الَّذِي لا يَكُونُ لَوْ وقَعَ كَيْفَ يَكُونُ، كَما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾، ويَعْلَمُ أنَّ المُتَخَلِّفِينَ مِنَ المُنافِقِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ لا يَحْضُرُونَها؛ لِأنَّهُ هو الَّذِي ثَبَّطَهم عَنْها لِحِكْمَةٍ كَما بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهم فَثَبَّطَهُمْ﴾ الآيَةَ [التوبة: ٤٦]، وهو يَعْلَمُ هَذا الخُرُوجَ الَّذِي لا يَكُونُ لَوْ وقَعَ كَيْفَ يَكُونُ كَما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكم ما زا دُوكم إلّا خَبالًا ولَأوْضَعُوا خِلالَكم يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ﴾ الآيَةَ [التوبة: ٤٧]، ونَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ رَحِمْناهم وكَشَفْنا ما بِهِمْ مِن ضُرٍّ لَلَجُّوا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٥]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَبَيَّنَ في مَواضِعَ أُخَرَ أنَّ اعْتِرافَهم هَذا بِقَوْلِهِمْ: ﴿قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ﴾ لا يَنْفَعُهم كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١١]، وقَوْلِهِ: ﴿قالُوا بَلى ولَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذابِ عَلى الكافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١]، ونَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. \ ٥
{"ayah":"هَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِیلَهُۥۚ یَوۡمَ یَأۡتِی تَأۡوِیلُهُۥ یَقُولُ ٱلَّذِینَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَاۤءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاۤءَ فَیَشۡفَعُوا۟ لَنَاۤ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَیۡرَ ٱلَّذِی كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق