الباحث القرآني
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهم وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾
جُمْلَةُ ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا تَأْوِيلَهُ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا، لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿ولَقَدْ جِئْناهم بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٥٢] يُثِيرُ سُؤالَ مَن يَسْألُ: فَماذا يُؤَخِّرُهم عَنِ التَّصْدِيقِ بِهَذا الكِتابِ المَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفاتِ ؟ وهَلْ أعْظَمُ مِنهُ آيَةً عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ ؟ فَكانَ قَوْلُهُ ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ كالجَوابِ عَنْ هَذا السُّؤالِ، الَّذِي يَجِيشُ في نَفْسِ السّامِعِ.
والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ ولِذَلِكَ جاءَ بَعْدَهُ الِاسْتِثْناءُ.
ومَعْنى يَنْظُرُونَ يَنْتَظِرُونَ مِنَ النَّظْرَةِ بِمَعْنى الِانْتِظارِ، والِاسْتِثْناءُ مِن عُمُومِ الأشْياءِ المُنْتَظَراتِ، والمُرادُ المُنْتَظَراتُ مِن هَذا النَّوْعِ وهو الآياتُ، أيْ (p-١٥٤)ما يَنْتَظِرُونَ آيَةً أعْظَمَ إلّا تَأْوِيلَ الكِتابِ، أيْ إلّا ظُهُورَ ما تَوَعَّدَهم بِهِ، وإطْلاقُ الِانْتِظارِ هُنا اسْتِعارَةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ: شَبَّهُ حالَ تَمَهُّلِهِمْ إلى الوَقْتِ الَّذِي سَيَحِلُّ عَلَيْهِمْ فِيهِ ما أوْعَدَهم بِهِ القُرْآنُ بِحالِ المُنْتَظِرِينَ، وهم لَيْسُوا بِمُنْتَظِرِينَ ذَلِكَ إذْ هم جاحِدُونَ وُقُوعَهُ، وهَذا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلّا السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهم بَغْتَةً﴾ [محمد: ١٨] وقَوْلِهِ ﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إلّا مِثْلَ أيّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ﴾ [يونس: ١٠٢] والِاسْتِثْناءُ عَلى حَقِيقَتِهِ ولَيْسَ مِن تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِما يُشْبِهُ ضِدَّهُ لِأنَّ المَجازَ في فِعْلِ يَنْظُرُونَ فَقَطْ.
والقَصْرُ إضافِيٌّ، أيْ بِالنِّسْبَةِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن أغْراضِ نِسْيانِهِمْ وجُحُودِهِمْ بِالآياتِ، وقَدْ مَضى القَوْلُ في نَظِيرِ هَذا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨] في سُورَةِ الأنْعامِ.
والتَّأْوِيلُ تَوْضِيحُ وتَفْسِيرُ ما خَفِيَ، مِن مَقْصِدِ كَلامٍ أوْ فِعْلٍ وتَحْقِيقُهُ. قالَ تَعالى ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٨] وقالَ ﴿هَذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِن قَبْلُ﴾ [يوسف: ١٠٠] وقالَ ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] وقَدْ تَقَدَّمَ اشْتِقاقُهُ ومَعْناهُ في المُقَدِّمَةِ الأُولى مِن مُقَدِّماتِ هَذا التَّفْسِيرِ، وضَمِيرُ تَأْوِيلِهِ عائِدٌ إلى (كِتابٍ) مِن قَوْلِهِ ولَقَدْ ﴿جِئْناهم بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ﴾ [الأعراف: ٥٢] .
وتَأْوِيلُهُ وُضُوحُ مَعْنى ما عَدُّوهُ مُحالًا وكَذِبًا، مِنَ البَعْثِ والجَزاءِ ورِسالَةِ رَسُولٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى ووَحْدانِيَّةِ الإلَهِ والعِقابِ، فَذَلِكَ تَأْوِيلُ ما جاءَ بِهِ الكِتابُ أيْ تَحْقِيقُهُ ووُضُوحُهُ بِالمُشاهَدَةِ، وما بَعْدَ العَيانِ بَيانٌ.
وقَدْ بَيَّنَتْهُ جُمْلَةُ ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ﴾ إلَخْ، فَلِذَلِكَ فَصَّلَتْ، لِأنَّها تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي قَبْلَها مَنزِلَةَ البَيانِ لِلْمُرادِ مِن تَأْوِيلِهِ، وهو التَّأْوِيلُ الَّذِي سَيَظْهَرُ يَوْمَ القِيامَةِ، فالمُرادُ بِاليَوْمِ يَوْمُ القِيامَةِ، بِدَلِيلِ تَعَلُّقِهِ بُقُولِهِ ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ﴾ الآيَةَ فَإنَّهم لا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ ولا يَقُولُونَهُ إلّا يَوْمَ القِيامَةِ.
(p-١٥٥)وإتْيانُ تَأْوِيلِهِ مَجازٌ في ظُهُورِهِ وتَبَيُّنِهِ بِعَلاقَةِ لُزُومِ ذَلِكَ لِلْإتْيانِ. والتَّأْوِيلُ مُرادٌ بِهِ ما بِهِ ظُهُورُ الأشْياءِ الدّالَّةِ عَلى صِدْقِ القُرْآنِ، فِيما أخْبَرَهم وما تَوَعَّدَهم.
و﴿الَّذِينَ نَسُوهُ﴾ هُمُ المُشْرِكُونَ، وهم مُعادُ ضَمِيرِ يَنْظُرُونَ فَكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: يَقُولُونَ، إلّا أنَّهُ أُظْهِرَ بِالمَوْصُولِيَّةِ لِقَصْدِ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم نَسُوهُ وأعْرَضُوا عَنْهُ وأنْكَرُوهُ، تَسْجِيلًا مُرادًا بِهِ التَّنْبِيهُ عَلى خَطَئِهِمْ والنَّعْيُ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم يَجُرُّونَ بِإعْراضِهِمْ سُوءَ العاقِبَةِ لِأنْفُسِهِمْ.
والنِّسْيانُ مُسْتَعْمَلٌ في الإعْراضِ والصَّدِّ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذا﴾ [الأعراف: ٥١] .
والمُضافُ إلَيْهِ المُقَدَّرُ المُنْبِئُ عَنْهُ بِناءُ (قَبْلُ) عَلى الضَّمِّ: هو التَّأْوِيلُ أوِ اليَوْمُ، أيْ مِن قَبْلِ تَأْوِيلِهِ، أوْ مِن قَبْلِ ذَلِكَ اليَوْمِ، أيْ في الدُّنْيا. والقَوْلُ هُنا كِنايَةٌ عَنِ العِلْمِ والِاعْتِقادِ، لِأنَّ الأصْلَ في الأخْبارِ مُطابَقَتُها لِاعْتِقادِ المُخْبِرِ، أيْ يَتَبَيَّنُ لَهُمُ الحَقَّ ويُصَرِّحُونَ بِهِ.
وهَذا القَوْلُ يَقُولُهُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ اعْتِرافًا بِخَطَئِهِمْ في تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ ﷺ وما أخْبَرَ بِهِ عَنِ الرُّسُلِ مِن قَبْلِهِ، ولِذَلِكَ جَمَعَ الرُّسُلَ هُنا، مَعَ أنَّ الحَدِيثَ عَنِ المُكَذِّبِينَ مُحَمَّدًا ﷺ، وذَلِكَ لِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ضَرَبَ لَهُمُ الأمْثالَ بِالرُّسُلِ السّابِقِينَ، وهم لَمّا كَذَّبُوهُ جَرَّأهم تَكْذِيبُهُ عَلى إنْكارِ بِعْثَةِ الرُّسُلِ ﴿إذْ قالُوا ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١] أوْ لِأنَّهم مُشاهِدُونَ يَوْمَئِذٍ ما هو عِقابُ الأُمَمِ السّابِقَةِ عَلى تَكْذِيبِ رُسُلِهِمْ، فَيَصْدُرُ عَنْهم ذَلِكَ القَوْلُ عَنْ تَأثُّرٍ بِجَمِيعِ ما شاهَدُوهُ مِنَ التَّهْدِيدِ الشّامِلِ لَهم ولِمَن عَداهم مِنَ الأُمَمِ.
وقَوْلُهم ﴿قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ﴾ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في الإقْرارِ بِخَطَئِهِمْ في تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وإنْشاءٌ لِلْحَسْرَةِ عَلى ذَلِكَ، وإبْداءُ الحَيْرَةِ فِيما ذا (p-١٥٦)يَصْنَعُونَ، ولِذَلِكَ رَتَّبُوا عَلَيْهِ وفَرَّعُوا بِالفاءِ قَوْلَهم ﴿فَهَلْ لَنا مِن شُفَعاءَ﴾ إلى آخِرِهِ.
والِاسْتِفْهامُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا يَقُولُهُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ، لَعَلَّ أحَدَهم يُرْشِدُهم إلى مُخَلِّصٍ لَهم مِن تِلْكَ الوَرْطَةِ، وهَذا القَوْلُ يَقُولُونَهُ في ابْتِداءِ رُؤْيَةِ ما يُهَدِّدُهم قَبْلَ أنْ يُوقِنُوا بِانْتِفاءِ الشُّفَعاءِ المَحْكِيِّ عَنْهم في قَوْلِهِ تَعالى فَما لَنا مِن شافِعِينَ ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلًا في التَّمَنِّي. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا في النَّفْيِ، عَلى مَعْنى التَّحَسُّرِ والتَّنَدُّمِ، و(مِن) زائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، عَلى جَمِيعِ التَّقادِيرِ، فَتُفِيدُ تَوْكِيدَ العُمُومِ في المُسْتَفْهَمِ عَنْهُ، لِيُفِيدَ أنَّهم لا يَسْألُونَ عَمَّنْ تَوَهَّمُوهم شُفَعاءَ مِن أصْنامِهِمْ، إذْ قَدْ يَئِسُوا مِنهم، كَما قالَ تَعالى ﴿وما نَرى مَعَكم شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهم فِيكم شُرَكاءُ﴾ [الأنعام: ٩٤] بَلْ هم يَتَساءَلُونَ عَنْ أيِّ شَفِيعٍ يَشْفَعُ لَهم، ولَوْ يَكُونُ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - الَّذِي ناصَبُوهُ العَداءَ في الحَياةِ الدُّنْيا، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى، في سُورَةِ المُؤْمِنِ ﴿فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ [غافر: ١١] .
وانْتَصَبَ فَيَشْفَعُوا عَلى جَوابِ الِاسْتِفْهامِ، أوِ التَّمَنِّي، أوِ النَّفْيِ.
(والشُّفَعاءُ) جَمْعُ شَفِيعٍ وهو الَّذِي يَسْعى بِالشَّفاعَةِ، وهم يُسَمُّونَ أصْنامَهم شُفَعاءَ قالَ تَعالى ﴿ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] .
وتَقَدَّمَ مَعْنى الشَّفاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا يُقْبَلُ مِنها شَفاعَةٌ﴾ [البقرة: ٤٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خُلَّةٌ ولا شَفاعَةٌ﴾ [البقرة: ٢٥٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ وعِنْدَ قَوْلِهِ ﴿مَن يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً﴾ [النساء: ٨٥] في سُورَةِ النِّساءِ.
وعَطَفَ فِعْلَ نُرَدُّ بِـ أوْ عَلى مَدْخُولِ الِاسْتِفْهامِ، فَيَكُونُ الِاسْتِفْهامُ عَنْ أحَدِ الأمْرَيْنِ، لِأنَّ أحَدَهُما لا يَجْتَمِعُ مَعَ الآخَرِ، فَإذا حَصَلَتِ الشَّفاعَةُ فَلا حاجَةَ إلى الرَّدِّ، وإذا حَصَلَ الرَّدُّ اسْتُغْنِيَ عَنِ الشَّفاعَةِ.
(p-١٥٧)وإذْ كانَتْ جُمْلَةُ ﴿لَنا مِن شُفَعاءَ﴾ واقِعَةً في حَيِّزِ الِاسْتِفْهامِ، فالَّتِي عُطِفَتْ عَلَيْها تَكُونُ واقِعَةً في حَيِّزِ الِاسْتِفْهامِ، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ رَفْعُ الفِعْلِ المُضارِعِ في القِراءاتِ المَشْهُورَةِ، ورَفْعُهُ بِتَجَرُّدِهِ عَنْ عامِلِ النَّصْبِ وعامِلِ الجَزْمِ، فَوَقَعَ مَوْقِعَ الِاسْمِ كَما قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ تَبَعًا لِلْفَرّاءِ، فَهو مَرْفُوعٌ بِنَفْسِهِ مِن غَيْرِ احْتِياجٍ إلى تَأْوِيلِ الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، بِرَدِّها إلى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ، بِتَقْدِيرِ: هَلْ يَشْفَعُ لَنا شُفَعاءُ كَما قَدَّرَهُ الزَّجّاجُ، لِعَدَمِ المُلْجِئِ إلى ذَلِكَ، ولِذَلِكَ انْتَصَبَ: فَنَعْمَلَ في جَوابِ نُرَدُّ كَما انْتَصَبَ فَيَشْفَعُوا في جَوابِ ﴿فَهَلْ لَنا مِن شُفَعاءَ﴾ .
والمُرادُ بِالعَمَلِ في قَوْلِهِمْ فَنَعْمَلُ ما يَشْمَلُ الِاعْتِقادَ، وهو الأهَمُّ، مِثْلُ اعْتِقادِ الوَحْدانِيَّةِ والبَعْثِ وتَصْدِيقِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، لِأنَّ الِاعْتِقادَ عَمَلُ القَلْبِ، ولِأنَّهُ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثارٌ عَمَلِيَّةٌ، مِن أقْوالٍ وأفْعالٍ وامْتِثالٍ. والمُرادُ بِالصِلَةِ في قَوْلِهِ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ ما كانُوا يَعْمَلُونَهُ مِن أُمُورِ الدِّينِ بِقَرِينَةِ سِياقِ قَوْلِهِمْ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ أيْ فَنَعْمَلُ ما يُغايِرُ ما صَمَّمْنا عَلَيْهِ بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - .
وجُمْلَةُ ﴿قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا تَذْيِيلًا وخُلاصَةً لِقِصَّتِهِمْ، أيْ فَكانَ حاصِلُ أمْرِهِمْ أنَّهم خَسِرُوا أنْفُسَهم مِنَ الآنِ وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ.
والخَسارَةُ مُسْتَعارَةٌ لِعَدَمِ الِانْتِفاعِ بِما يُرْجى مِنهُ النَّفْعُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢] في سُورَةِ الأنْعامِ، وقَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾ [الأعراف: ٩] في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ. والمَعْنى: أنَّ ما أقْحَمُوا فِيهِ نُفُوسَهم مِنَ الشِّرْكِ والتَّكْذِيبِ قَدْ تَبَيَّنَ أنَّهُ مُفْضٍ بِهِمْ إلى تَحَقُّقِ الوَعِيدِ فِيهِمْ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُ ما تَوَعَّدَهم بِهِ القُرْآنُ، فَبِذَلِكَ تَحَقَّقَ أنَّهم خَسِرُوا أنْفُسَهم مِنَ الآنِ، وإنْ كانُوا لا يَشْعُرُونَ.
(p-١٥٨)وأمّا قَوْلُهُ ﴿وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ فالضَّلالُ مُسْتَعارٌ لِلْعَدَمِ طَرِيقَةُ التَّهَكُّمِ شَبَّهَ عَدَمَ شُفَعائِهِمُ المَزْعُومِينَ بِضَلالِ الإبِلِ عَنْ أرْبابِها تَهَكُّمًا عَلَيْهِمْ، وهَذا التَّهَكُّمُ مَنظُورٌ فِيهِ إلى مُحاكاةِ ظَنِّهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ المَحْكِيِّ عَنْهم في قَوْلِهِ قَبْلُ: ﴿قالُوا ضَلُّوا عَنّا﴾ [الأعراف: ٣٧] .
و(ما) مِن قَوْلِهِ ﴿ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ مَوْصُولَةٌ، ما صَدَّقَها الشُّفَعاءُ الَّذِينَ كانُوا يَدْعُونَهم مِن دُونِ اللَّهِ، وحُذِفَ عائِدُ الصِّلَةِ المَنصُوبُ، أيْ ما كانُوا يَفْتَرُونَهُ، أيْ يُكَذِّبُونَهُ إذْ يَقُولُونَ ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا﴾ [يونس: ١٨]، وهم جَمادٌ لا حَظَّ لَهم في شُئُونِ العُقَلاءِ حَتّى يَشْفَعُوا، فَهم قَدْ ضَلُّوا عَنْهم مِنَ الآنِ ولِذَلِكَ عَبَّرَ بِالمُضِيِّ لِأنَّ الضَّلالَ المُسْتَعارَ لِلْعَدَمِ مُتَحَقِّقٌ مِن ماضِي الأزْمِنَةِ.
{"ayah":"هَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِیلَهُۥۚ یَوۡمَ یَأۡتِی تَأۡوِیلُهُۥ یَقُولُ ٱلَّذِینَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَاۤءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاۤءَ فَیَشۡفَعُوا۟ لَنَاۤ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَیۡرَ ٱلَّذِی كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق