الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ .
نَهى اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ سَيَفْعَلُ شَيْئًا في المُسْتَقْبَلِ إلّا مُعَلِّقًا ذَلِكَ عَلى مَشِيئَةِ (p-٢٥٣)اللَّهِ الَّذِي لا يَقَعُ شَيْءٌ في العالَمِ كائِنًا ما كانَ إلّا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وعَلا، فَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ﴾ [الكهف: ٢٣]، أيْ: لا تَقُولَنَّ لِأجْلِ شَيْءٍ تَعْزِمُ عَلى فِعْلِهِ في المُسْتَقْبَلِ إنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ الشَّيْءَ غَدًا.
والمُرادُ بِالغَدِ: ما يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمانِ لا خُصُوصُ الغَدِ. ومِن أسالِيبِ العَرَبِيَّةِ إطْلاقُ الغَدِ عَلى المُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمانِ؛ ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎وَأعْلَمُ عِلْمَ اليَوْمِ والأمْسِ قَبْلَهُ ولَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ ما في غَدٍ عَمُ
يَعْنِي أنَّهُ لا يَعْلَمُ ما يَكُونُ في المُسْتَقْبَلِ، إذْ لا وجْهَ لِتَخْصِيصِ الغَدِ المُعَيَّنِ بِذَلِكَ، وقَوْلُهُ: ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٢٤]، إلّا قائِلًا في ذَلِكَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ، أيْ: مُعَلِّقًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، أوْ لا تَقُولَنَّهُ إلّا بِإنْ شاءَ اللَّهُ، أيْ: إلّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وهو في مَوْضِعِ الحالِ، يَعْنِي إلّا مُتَلَبِّسًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ قائِلًا إنْ شاءَ اللَّهُ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وغَيْرُهُ.
وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: «أنَّ اليَهُودَ قالُوا لِقُرَيْشٍ: سَلُوا مُحَمَّدًا ﷺ عَنِ الرُّوحِ، وعَنْ رَجُلٍ طَوّافٍ في الأرْضِ، ) يَعْنُونَ ذا القَرْنَيْنِ (، وعَنْ فِتْيَةٍ لَهم قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ في الزَّمانِ الماضِي، يَعْنُونَ أصْحابَ الكَهْفِ، فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”سَأُخْبِرُكم غَدًا عَمّا سَألْتُمْ عَنْهُ“، ولَمْ يَقُلْ إنْ شاءَ اللَّهُ، فَلَبِثَ عَنْهُ الوَحْيُ مُدَّةً، قِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. فَأحْزَنَهُ تَأخُّرُ الوَحْيِ عَنْهُ، ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْهِ الجَوابَ عَنِ الأسْئِلَةِ الثَّلاثَةِ، قالَ في الرُّوحِ: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي﴾ الآيَةَ [الإسراء: ٨٥]، وقالَ في الفِتْيَةِ ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأهم بِالحَقِّ﴾ الآياتِ [الكهف: ١٣] إلى آخِرِ قِصَّتِهِمْ، وقالَ في الرَّجُلِ الطَّوّافِ: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأتْلُو عَلَيْكم مِنهُ ذِكْرًا﴾» [الكهف: ٨٣] الآياتِ إلى آخِرِ قِصَّتِهِ.
فَإذا عَرَفْتَ مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ وسَبَبَ نُزُولِها، وأنَّ اللَّهَ عاتَبَ نَبِيَّهُ فِيها عَلى عَدَمِ قَوْلِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ، لَمّا قالَ لَهم ”سَأُخْبِرُكم غَدًا“، فاعْلَمْ أنَّهُ دَلَّتْ آيَةٌ أُخْرى بِضَمِيمَةِ بَيانِ السُّنَّةِ لَها عَلى أنَّ اللَّهَ عاتَبَ نَبِيَّهُ سُلَيْمانَ عَلى عَدَمِ قَوْلِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ، كَما عاتَبَ نَبِيَّهُ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى ذَلِكَ، بَلْ فِتْنَةُ سُلَيْمانَ بِذَلِكَ كانَتْ أشَدَّ؛ فَقَدْ أخْرَجَ الشَّيْخانِ في صَحِيحَيْهِما مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «قالَ سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ عَلَيْهِما وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ: لَأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلى سَبْعِينَ امْرَأةً - وفي رِوايَةٍ تِسْعِينَ امْرَأةً، وفي رِوايَةٍ مِائَةِ امْرَأةٍ - تَلِدُ كُلُّ امْرَأةٍ مِنهُنَّ غُلامًا يُقاتِلُ في سَبِيلِ اللَّهِ ”، فَقِيلَ لَهُ - وفي رِوايَةٍ قالَ لَهُ المَلِكُ:“ قُلْ إنْ شاءَ اللَّهُ ”فَلَمْ يَقُلْ، فَطافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَلِدْ مِنهُنَّ إلّا امْرَأةٌ واحِدَةٌ نِصْفَ (p-٢٥٤)إنْسانٍ؛ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:“ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قالَ إنْ شاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وكانَ دَرْكًا لِحاجَتِهِ»، وفي رِوايَةٍ: ”وَلَقاتَلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسانًا أجْمَعُونَ“ ا هـ.
فَإذا عَلِمْتَ هَذا فاعْلَمْ أنَّ هَذا الحَدِيثَ الصَّحِيحَ بَيَّنَ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وألْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ الآيَةَ [ص: ٣٤]، وأنَّ فِتْنَةَ سُلَيْمانَ كانَتْ بِسَبَبِ تَرْكِهِ قَوْلَهُ ”إنْ شاءَ اللَّهُ“، وأنَّهُ لَمْ يَلِدْ مِن تِلْكَ النِّساءِ إلّا واحِدَةً نِصْفَ إنْسانٍ، وأنَّ ذَلِكَ الجَسَدَ الَّذِي هو نِصْفُ إنْسانٍ هو الَّذِي أُلْقِيَ عَلى كُرْسِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَألْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ الآيَةَ، فَما يَذْكُرُهُ المُفَسِّرُونَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ﴾ الآيَةَ، مِن قِصَّةِ الشَّيْطانِ الَّذِي أخَذَ الخاتَمَ وجَلَسَ عَلى كُرْسِيِّ سُلَيْمانَ، وطَرَدَ سُلَيْمانَ عَنْ مُلْكِهِ؛ حَتّى وجَدَ الخاتَمَ في بَطْنِ السَّمَكَةِ الَّتِي أعْطاها لَهُ مَن كانَ يَعْمَلُ عِنْدَهُ بِأجْرٍ مَطْرُودًا عَنْ مُلْكِهِ، إلى آخِرِ القِصَّةِ، لا يَخْفى أنَّهُ باطِلٌ لا أصْلَ لَهُ، وأنَّهُ لا يَلِيقُ بِمَقامِ النُّبُوَّةِ. فَهي مِنَ الإسْرائِيلِيّاتِ الَّتِي لا يَخْفى أنَّها باطِلَةٌ.
والظّاهِرُ في مَعْنى الآيَةِ هو ما ذَكَرْنا، وقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ عَلَيْهِ في الجُلَّةِ، واخْتارَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَلَا تَقُولَنَّ لِشَا۟یۡءٍ إِنِّی فَاعِلࣱ ذَ ٰلِكَ غَدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق