الباحث القرآني

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ، أنهم سمعوا من النبي ﷺ وصف القيامة يوماً، وخوف النار والحساب، فاجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون، فتواثقوا بأن يخصوا أنفسهم، ويترهبوا فنهاهم الله عن ذلك. فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ. قال: حدثنا الفقيه أبو جعفر قال: حدثنا أبو القاسم أحمد بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن مدرك بن قزعة، عن سعيد بن المسيب، قال: جاء عثمان بن مظعون إلى رسول الله ﷺ، وقال: يا رسول الله غلبني حديث النفس، ولا أحب أن أحدث شيئاً حتى أذكر لك، قال ﷺ: «وَمَا تُحَدِّثُكَ نَفْسُكَ يَا عُثْمَانُ» ؟ قال: تحدثني أن أخصي نفسي. قال: «مَهْلاً يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ إِخْصَاءَ أُمَّتِي الصِّيَامُ» قال: يا رسول الله، إن نفسي تحدثني أن أترهب في رؤوس الجبال. فقال: «مَهْلاً يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ تَرْهِيبَ أُمَّتِي، الجُلُوسُ فِي المَسَاجِدِ لانْتِظَارِ الصَّلَوَاتِ» . قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن أسيح في الأرض؟. قال: «مَهْلاً يَا عُثْمَانُ: فَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الغَزْوُ فِي سَبِيلِ الله، وَالحَجُّ وَالعُمْرَةُ» . قال: فإن نفسي تحدثني أن أخرج من مالي كله؟ قال: «مَهْلاً يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ صَدَقَتَكَ يَوْماً بِيَوْمٍ، وَتَكُفُّ نَفْسَكَ وَعِيَالَكَ، وَتَرْحَمُ المَسَاكِينَ، وَاليَتِيمَ، أَفْضَلُ مِنْ ذلك» . فقال: يا رسول الله، فإن نفسي تحدثني أن أطلق خَوْلة. فقال: «مَهْلاً يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ الهِجْرَةَ فِي أُمَّتِي، مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ الله، أَوْ هَاجَرَ إِليَّ فِي حَيَاتِي، أَوْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي، أَوْ مَاتَ وَلَهُ امْرَأَةٌ، أَوِ امْرَأَتَانِ، أَوْ ثَلاثٌ، أَوْ أَرْبَعٌ» قال يا رسول الله فإن نهيتني أن أطلقها، فإن نفسي تحدثني بأن لا أغشاها. قال: «مَهْلاً يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ المُسْلِمَ إِذَا غَشِيَ أَهْلَهُ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ، كَانَ لَهُ وَصِيفاً فِي الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ، فَمَاتَ قَبْلَهُ كَانَ فَرَطاً وَشَفِيعاً يَوْمَ القِيامَةِ. فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ نُوراً يَوْم القِيَامَةِ» . فقال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن لا آكل اللحم. قال: «مَهْلاً يَا عُثْمَانُ، فَإِنِّي أُحِبُّ اللَّحْمَ، وَآكُلُهُ إِذَا وَجَدْتُهُ، وَلَوْ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُطْعِمَنِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لأَطْعَمَنِيهِ» . قال: يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن لا أمسّ الطيب. قال: «مَهْلاً يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بَالطَّيِّبِ غبّاً غبّاً» . وقال: «لا تَتْرُكْهُ يَا عُثْمَانُ، لا تَرْغَبْ عَنْ سُنَّتِي، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ، صَرَفَتِ المَلاَئِكَةُ وَجْهَهُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ القِيَامَةِ» . ونزلت هذه الآية لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ. وَلا تَعْتَدُوا يقول: يعني: لا تحرموا حلاله، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. ويقال: إن محرم ما أحل الله كمُحِلِّ ما حرم الله. ثم قال: وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً من الطعام والشراب، وَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تحرموا ما أحل الله لكم، الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ يعني: إن كنتم مصدقين به، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه. ثم أمرهم الله تعالى بأن يكفروا أيمانهم، لأنه لما حرموا الحلال على أنفسهم، كان ذلك يميناً منهم. ولهذا قال أصحابنا: إذا قال الرجل لشيء حلال: هذا الشيء عليّ حرام يكون ذلك يميناً، فأمرهم الله تعالى بأن يأكلوا، ويحنثوا في أيمانهم، وفي الآية دليل: أن الرجل إذا حلف على شيء، والحنث خير له، ينبغي أن يحنث ويكفر بيمينه. وفيها دليل: أن الكفارة بعد الحنث، لأنه أمرهم بالحنث، بقوله: فكلوا ثم أمرهم بالكفارة وهو قوله تعالى: لاَّ يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ قال ابن عباس: اللغو أن يحلف الرجل على شيء بالله، وهو يرى أنه صادق، وهو فيه كاذب. وهكذا روي عن أبي هريرة أنه كان يقول: لغو اليمين: أن يحلف الرجل على شيء، يظن أنه الذي حلف عليه هو صادق، فإذا هو غير ذلك. وقال الحسن: هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك، وليس هو كذلك. وقال سعيد بن جبير: الرجل يحلف باليمين الذي لا ينبغي أن يحلف بها، يحرم شيئاً هو حلال، فلا يؤاخذه الله بتركه، لكن يؤاخذه الله إن فعل. وقال زيد بن أسلم: هو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا، وأخرجني الله من مالي وولدي، وقالت عائشة: اللغو: هو قول الرجل لا والله، وبلى والله، على شيء لم يعقده قلبه. ثم قال: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم في رواية حفص عَقَّدْتُمُ بالتشديد، وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم، في رواية أبي بكر: عَقَّدْتُمُ بالتخفيف، وقرأ ابن عامر: بِما عَقَّدْتُمُ فمن قرأ: عاقدتم فهو من المعاقدة، والمعاقدة تجري بين الاثنين، وهو أن يحلف الرجل لصاحبه بشيء، ومن قرأ بالتشديد فهو للتأكيد. ومن قرأ بالتخفيف لأن اليمين تكون مرة واحدة. والتشديد تجري في التكرار والإعادة. وروى عبد الرزاق عن بكار بن عبد الله قال: سئل وهب بن منبه عن قوله: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ قال: الأيمان ثلاثة: لغو وعقد وصبر، فأما اللغو: فلا والله، وبلى والله، لا يعقد عليه القلب، وأما العقد: أن يحلف الرجل لا يفعله فيفعله، فعليه الكفارة، وأما الصبر: بأن يحلف على مال ليقتطعه بيمينه، فلا كفارة له. وروى حسين بن عبد الرحمن عن أبي مالك الغفاري قال: الأيمان ثلاثة: يمين تكفر، ويمين لا تكفر، ويمين لا يؤاخذ الله بها. وذكر إلى آخره ثم بيّن كفارة اليمين فقال تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: الغداء والعشاء. وسئل شريح عن الكفارة فقال: الخبز والزيت والخل والطيب. فقال السائل: أرأيت إن أطعمت الخبز واللحم؟ قال: ذلك أرفع طعام أهلك وطعام الناس. وروي عن ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما قالا: لكل مسكين نصف صاع من حنطة يعني: إذا أراد أن يدفع إليهم، وإن أراد أن يطعمهم، فالغداء والعشاء. ثم قال: أَوْ كِسْوَتُهُمْ قال مجاهد: أدناه ثوب وأعلاه ما شئت وقال إبراهيم النخعي: لكل مسكين ثوب وقال الحسن: ثوبان أبيضان ثم قال: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ يعني: يعتق رقبة، ولم يشترط هاهنا المؤمنة، فيجوز الكفارة بالكافرة والمؤمنة، فالرجل بالخيار بين هذه الأشياء الثلاثة، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الطعام ولا الكسوة ولا الرقبة فعليه فَصِيامُ يعني: صيام ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. وروى سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح قال: سئل طاوس عن صيام الكفارة، قال: يفرق. قال له مجاهد كان عبد الله يقرأ: متتابعات، قال طاوس: فهو أيضاً متتابعات. وروى مالك عن حميد، عن مجاهد قال: كان أبي يقرأ فصيام ثلاثة أيام متتابعات في الكفارة اليمين. ثم قال: ذلِكَ يعني: الذي ذكر كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ عن الطعام والكسوة والعتق والصوم، ثم قال: إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ يعني: ليعلم الرجل ما حلف عليه، فليكفر يمينه إذا حنث، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ يعني: أمره ونهيه، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: لكي تشكروا رب هذه النعمة، إذ جعل لكم مخرجاً من أيمانكم بالكفارة، والكفارة في اللغة: هو التغطية يعني: يغطي إثمه. قوله تعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب