قوله: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ﴾ الآية.
(معنى الآية): أن الله أباح أكل الطيبات التي تشتهيها الأنفس، وألا يحرمها أحد على نفسه، ثم نهاهم عن الاعتداء، وهو تعدي الحدود التي (قد) حرمت.
وهذه [الآية] نزلت في أبي بكر وعمر (وعثمان) وعلي وابن مسعود وغيرهم، اجتمعوا في (دار) عثمان بن مظعون على أن يَجُبُّوا أنفسهم، وأن يعتزلوا النساء، ولا يأكلوا لحماً ولا دسماً وأن يلبسوا المسوح، ولا يأكلوا من الطعام إلا القوت، وأن يسيحوا في الأرض كهيئة الرهبان، فبلغ ذلك النبي عليه السلام، فأتى عثمان بن مظعون في منزله فلم يجده ولا [إياهم]، فقال لامرأة عثمان أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟، فقالت: ما هو يا رسول الله؟، فأخبرها، فكرهت أن تكذب رسول الله ﷺ، وكرهت أن تبدي على زوجها، فقالت: يا رسول الله، إن كان عثمان أخبرك فقد صدقك، فقال لها: [قولي] لزوجك وأصحابه - إذا رجعوا -: إن رسول الله يقول لكم: إني آكل وأشرب، وآكل اللحم والدسم، وأنام وأصلي، وآتي النساء، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني. ثم انصرف. فلما رجع عثمان وأصحابه أخبرتهم امرأته بما أمرها (به) رسول الله، فجاء عثمان إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله [حَدَّثَتْني] نفسي فلم أحب أن أحدث شيئاً حتى أذكر لك، فقال (له النبي ﷺ: (و) ما تحدثك به نفسك يا عثمان؟، قال: تحدثني أن أختصي. قال: مهلاً يا عثمان، فإن خصاء أمتي الصيام. فقال: (يا) رسول الله، فإن نفسي تحدثني أن أترهب في رؤوس الجبال. فقال: مهلاً يا عثمان، فإن ترهب أمتي الجلوس في المسجد لانتظار الصلوات. فقال: يا رسول الله (فإن نفسي) تحدثني أن أسيح [في الأرض] قال: مهلاً يا عثمان، فإن سياحة أمتي الغزو في سبيل الله والحج والعمرة. قال: يا رسول الله، فإن نفسي تحدثني أن أخرج من مالي كله. قال: مهلاً يا عثمان، فإن صدقتك يوماً بيوم، وتكف عيالك وترحم المسكين واليتيم فتعطهما أفضل لك. فقال: يا رسول الله، فإن نفسي تحدثني أن أطلق خولة [بنت خويلد] امرأتي، قال: مهلاً يا عثمان، فإن الهجرة في أمتي من هجر ما حرم الله، وهاجر في حياتي، وزار قبري بعد مماتي، أو مات وله امرأة أو امرأتان أو ثلاث أو أربع. قال: فإن نفسي تحدثني بأن لا أغشى النساء. قال: مهلاً يا عثمان، فإن الرجل، المسلم إذا غشي أهله أو ما ملكت يمينه، فإنه لم يكن له من وقعته تلك ولد، كان له وصيف في الجنة، وإن كان (له) ولد من وقعته فمات قبله، كان له فرطاً وشفيعاً يوم القيامة، وإن مات بعده كان له نوراً يوم القيامة.
قال: يا رسول الله، فإن نفسي تحدثني بأن لا آكل اللحم. قال: مهلاً يا عثمان، فأنا أحب اللحم وآكله إذا وجدته، ولو سألت [ربي أن] يطعمنيه (في) كل يوم لأطعمنيه. قال: يا رسول الله: فإن نفسي تحدثني ألا أمس الطيب. قال: مهلاً يا عثمان، فإن جبريل أمرني بالطيب غباً، لا ترغب عن سنتي، [فمن] رغب عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب، ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة. فقام رسول الله ﷺ (وغلّظ) فيهم المقالة وقال: إنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع. اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم يستقم لكم، فنزلت: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ﴾ إلى ﴿مُؤْمِنُونَ﴾.
والاعتداء "ها" هنا هو ما نووا من جب أنفسهم، نهو عن ذلك، قاله السدي. وقيل: هو ما نووا من التحريم على أنفسهم. وقال الحسن: معنى: ﴿لاَ تَعْتَدُوۤاْ﴾ إلى ﴿مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾. وأصل الاعتداء: التجاوز إلى ما لا يحل.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحَرِّمُوا۟ طَیِّبَـٰتِ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ"}