الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أيْ لَذائِذَ ذَلِكَ وما تَمِيلُ إلَيْهِ القُلُوبُ مِنهُ كَأنَّهُ لَمّا تَضَمَّنَ ما سَلَفَ مِن مَدْحِ النَّصارى عَلى الرَّهْبانِيَّةِ تَرْغِيبَ المُؤْمِنِينَ في كَسْرِ النَّفْسِ ورَفْضِ الشَّهَواتِ عَقَّبَ سُبْحانِهِ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنِ الإفْراطِ في هَذا البابِ أيْ لا تَمْنَعُوها أنْفُسَكم كَمَنعِ التَّحْرِيمِ، وقِيلَ: لا تَلْتَزِمُوا تَحْرِيمَها بِنَحْوِ يَمِينٍ، وقِيلَ: لا تَقُولُوا حَرَّمْناها عَلى أنْفُسِنا مُبالَغَةً مِنكم في العَزْمِ عَلى تَرْكِها تَزَهُّدًا مِنكُمْ، وكَوْنُ المَعْنى لا تُحَرِّمُوها عَلى غَيْرِكم بِالفَتْوى والحُكْمِ مِمّا لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فَقَدْ رُوِيَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَلَسَ يَوْمًا فَذَكَّرَ النّاسَ ووَصَفَ القِيامَةَ فَرَقَّ النّاسُ وبَكَوْا واجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم في بَيْتِ عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ الجُمَحِيِّ وهم عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ وأبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وأبُو ذَرٍّ الغِفارِيُّ وسالِمٌ مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ والمِقْدادُ بْنُ الأسْوَدِ وسَلْمانُ الفارِسِيُّ ومَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ وصاحِبُ البَيْتِ واتَّفَقُوا عَلى أنْ يَصُومُوا النَّهارَ ويَقُومُوا اللَّيْلَ ولا يَنامُوا عَلى الفُرُشِ ولا يَأْكُلُوا اللَّحْمَ ولا الوَدِكَ ولا يَقْرَبُوا النِّساءَ والطِّيبَ ويَلْبَسُوا المُسُوحَ ويَرْفُضُوا الدُّنْيا ويَسِيحُوا في الأرْضِ وهَمَّ بَعْضُهم أنْ يَجُبَّ مَذاكِيرَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأتى دارَ عُثْمانَ فَلَمْ يُصادِفْهُ فَقالَ لَأمْرَأتْهُ أمِّ حَكِيمٍ: أحَقٌّ ما بَلَغَنِي عَنْ زَوْجِكِ وأصْحابِهِ فَكَرِهَتْ أنْ تُنْكِرَ إذْ سَألَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وكَرِهَتْ أنْ تُبْدِيَ عَلى زَوْجِها فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كانَ أخْبَرَكَ عُثْمانُ فَقَدْ صَدَقَكَ وانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمّا دَخَلَ عُثْمانُ فَأخْبَرَتْهُ أتى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ هو وأصْحابُهُ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَهم: أُنْبِئْتُ أنَّكُمُ اتَّفَقْتُمْ عَلى كَذا وكَذا قالَ: نَعَمْ يا رَسُولَ اللَّهِ وما أرَدْنا إلّا الخَيْرَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: إنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ ثُمَّ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”إنَّ لِأنْفُسِكم عَلَيْكم حَقًّا فَصُومُوا وأفْطِرُوا وقُومُوا ونامُوا فَإنِّي أقُومُ وأنامُ وأصُومُ وأُفْطِرُ وآكُلُ اللَّحْمَ والدَّسَمَ وآتِي النِّساءَ فَمَن رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي“ ثُمَّ جَمَعَ النّاسَ وخَطَبَهم فَقالَ: ”ما بالُ أقْوامٍ حَرَّمُوا النِّساءَ والطَّعامَ والطِّيبَ والنَّوْمَ وشَهَواتِ الدُّنْيا، أما إنِّي لَسْتُ آمُرُكم أنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا فَإنَّهُ لَيْسَ في دِينَيْ تُرْكُ اللَّحْمِ والنِّساءِ ولا اتِّخاذُ الصَّوامِعِ وإنَّ سِياحَةَ أُمَّتِي الصَّوْمُ ورَهْبانِيَّتَهُمُ الجِهادُ، اعْبُدُوا اللَّهَ تَعالى ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وحُجُّوا واعْتَمِرُوا وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وصُومُوا رَمَضانَ واسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ لَكم فَإنَّما هَلَكَ مَن قَبْلَكم بِالتَّشْدِيدِ شَدَّدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ فَأُولَئِكَ بَقاياهم في الدِّيارِ والصَّوامِعِ“ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ»
ورُوِيَ عَنْ أبِي عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وبِلالٍ وعُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ؛ فَأمّا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ فَإنَّهُ حَلَفَ أنْ لا يَنامَ بِاللَّيْلِ أبَدًا إلّا ما شاءَ اللَّهُ تَعالى، وأمّا بِلالٌ (p-9)فَحَلَفَ أنْ لا يُفْطِرَ بِالنَّهارِ أبَدًا، وأمّا عُثْمانُ فَإنَّهُ حَلَفَ أنْ لا يَنْكِحَ أبَدًا. ورُوِيَ أيْضًا غَيْرُ ذَلِكَ ولَمْ نَقِفْ عَلى رِوايَةٍ فِيها ما يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا التَّحْرِيمَ كانَ عَلى الغَيْرِ بِالفَتْوى والحُكْمِ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ هَذا القائِلُ. ومَعَ هَذا يُبْعِدُهُ ما يَأْتِي بَعْدُ مِنَ الأمْرِ بِالأكْلِ. ولا يُنافِي هَذا النَّهْيُ أنَّ اللَّهَ تَعالى مَدَحَ النَّصارى بِالرَّهْبانِيَّةِ فَرُبَّ مَمْدُوحٍ بِالنِّسْبَةِ إلى قَوْمٍ مَذْمُومٍ بِالنِّسْبَةِ إلى آخَرِينَ
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَعْتَدُوا﴾ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ السّابِقِ أيْ لا تَتَعَدُّوا حُدُودَ ما أحَلَّ سُبْحانَهُ لَكم إلى ما حَرَّمَ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَيْكم أوْ نَهْىٌ عَنْ تَحْلِيلِ الحَرامِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ تَحْرِيمِ الحَلالِ فَيَكُونُ تَأْسِيسًا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنِ الإسْرافِ في الحَلالِ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ أنَّ المُرادَ: لا تَجُبُّوا أنْفُسَكُمْ، ولا يَخْفى أنَّ الجَبَّ فَرْدٌ مِن أفْرادِ الِاعْتِداءِ وتَجاوُزِ الحُدُودِ، والحَمْلُ عَلى الأعَمِّ أعَمُّ فائِدَةً
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ في مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِما قَبْلَهُ، وقَدْ تَقَدَّمَتِ الإشارَةُ إلى أنَّ نَفْيَ مَحَبَّةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ لِشَيْءٍ مُسْتَلْزِمٌ لِبُغْضِهِ لَهُ لِعَدَمِ الواسِطَةِ في حَقِّهِ تَعالى
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحَرِّمُوا۟ طَیِّبَـٰتِ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق