قوله عز وجل: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ يعني: هلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كما أنزلت التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى عليهما السلام.
يقول الله تعالى: كَذلِكَ يعني: هكذا أي أنزلناه متفرقاً لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ يعني:
لنحفظ ويقوى به قلبك ونفرحك، فلما دخل قلبه الغم نزلت عليه آية وآيتان، فيفرح بها. ويقال:
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ يعني: ليكون قبوله على المسلمين أسهل، لأنه لو أنزلت الأحكام والشرائع كلها جملة واحدة، شق على المسلمين قبولها، كما شق على بني إسرائيل. ويقال: أنزلناه هكذا لنرسخ القرآن في قلبك، لكي تحفظ الآية والآيتين. ويقال: كَذلِكَ أنزلناه لتحكم عند كل حادثة، وعند كل واقعة، لتقوي به قلبك في ذلك.
ثم قال: وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا يعني: بيناه تبييناً. ويقال: شيء رتل ورتيل إذا كان مبيناً. وقال مجاهد: وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا أي: بعضه على أثر بعض.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: «أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل بعد ذلك جبريل عليه السلام به في عشرين سنة» ، وهو قوله تعالى: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106] .
ثم قال عز وجل: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ يعني: لا يخاصمونك بمثل، مثل قوله: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الفرقان: 32] ثم قال: إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ يعني: أنزلنا عليك جبريل عليه السلام بالقرآن فتخاصمهم به وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً يعني: وأحسن بياناً لترد به خصومهم.
ويقال: معناه ولا يأتونك بحجة، إلا بينا لك في القرآن ما فيه نقض لحجتهم، وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً أي جواباً لهم ويقال: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بما هو أحسن من مثلهم. ويقال: كل نبي إذا قال له قومه قولاً، كان هو الذي يرد عليهم، وأما النبيّ ﷺ كان إذا قالوا له شيئاً، فالله تعالى هو الذي يرد عليهم.
ثم أخبرهم بمستقرهم في الآخرة فقال عز وجل: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ يعني:
يسبحون على وجوههم إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً يعني: منزلاً في النار وضيقاً في الدنيا وَأَضَلُّ سَبِيلًا يعني: أخطأ طريقاً. وذلك أن كفار مكة قالوا: ما كان محمد وأصحابه أولى بهذا الأمر منا، والله إنهم لشر خلق الله، فأنزل الله عز وجل: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ.
وروي في الخبر: «أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أصناف: فصنف على النجائب، وصنف على أرجلهم، وصنف على وجوههم، فقيل: يا رسول الله كيف يحشرون على وجوههم؟ فقال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم، فهو قادر على أن يمشيهم على وجوههم» فذلك قوله» : أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً.
{"ayahs_start":32,"ayahs":["وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ كَذَ ٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَـٰهُ تَرۡتِیلࣰا","وَلَا یَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِیرًا","ٱلَّذِینَ یُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضَلُّ سَبِیلࣰا"],"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ كَذَ ٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَـٰهُ تَرۡتِیلࣰا"}