الباحث القرآني

﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ حِكايَةٌ لِاقْتِراحِهِمُ الخاصِّ بِالقرآن الكَرِيمِ بَعْدَ حِكايَةِ اقْتِراحِهِمْ في حَقِّهِ ﷺ والقائِلُونَ هُمُ القائِلُونَ أوَّلًا، وإيرادُهم بِعُنْوانِ الكُفْرِ لِذَمِّهِمْ بِهِ والإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ. ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن﴾ التَّنْزِيلُ هَهُنا مُجَرَّدٌ عَنْ مَعْنى التَّدْرِيجِ كَما في في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتابًا مِنَ السَّماءِ﴾، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ الدَّلالَةُ عَلى كَثْرَةِ المُنَـزَّلِ في نَفْسِهِ، أيْ: هَلّا أُنْزِلَ كُلُّهُ ﴿جُمْلَةً واحِدَةً﴾ كالكُتُبِ الثَّلاثَةِ، وبُطْلانِ هَذِهِ الكَلِمَةِ الحَمْقاءِ مِمّا لا يَكادُ يَخْفى عَلى أحَدٍ فَإنَّ الكُتُبَ المُتَقَدِّمَةَ لَمْ يَكُنْ شاهِدَ صِحَّتِها ودَلِيلَ كَوْنِها مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى إعْجازُها، وأمّا القرآن الكَرِيمُ فَبَيِّنَةُ صِحَّتِهِ آيَةُ كَوْنِهِ مِن عِنْدَ اللَّهِ تَعالى نَظْمُهُ المُعْجِزُ الباقِي عَلى مَرِّ الدُّهُورِ المُتَحَقَّقِ في كُلِّ جُزْءٍ مِن أجْزائِهِ المُقَدَّرَةِ بِمِقْدارِ أقْصَرِ السُّورِ حَسَبَما وقَعَ بِهِ التَّحَدِّي، ولا رَيْبَ في أنَّ ما يَدُورُ عَلَيْهِ فَلَكُ الإعْجازِ هو المُطابَقَةُ لِما تَقْتَضِيهِ الأحْوالُ ومِن ضَرُورَةِ تَغَيُّرِها وتَجَدُّدِها تَغَيُّرُ ما يُطابِقُها حَتْمًا عَلى أنَّ فِيهِ فَوائِدَ جَمَّةً أُشِيرَ إلى بَعْضٍ مِنها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ﴾ فَإنَّهُ اسْتِئْنافٌ وارِدٌ مِن جِهَتِهِ تَعالى لِرَدِّ مَقالِهِمُ الباطِلَةِ (p-216)وَبَيانِ الحِكْمَةِ في التَّنْـزِيلِ التَّدْرِيجِيِّ، ومَحَلُّ الكافِ النَّصْبُ عَلى أنَّها صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مُؤَكِّدٍ لِمُضْمَرٍ مُعَلَّلٍ بِما بَعْدَهُ وذَلِكَ إشارَةٌ إلى ما يُفْهَمُ مِن كَلامِهِمْ، أيْ: مِثْلُ ذَلِكَ التَّنْزِيلُ المُفَرَّقُ الَّذِي قَدَحُوا فِيهِ واقْتَرَحُوا خِلافَهُ ونَزَلْناهُ لا تَنْـزِيلًا مُغايِرًا لَهُ لِنُقَوِّيَ بِذَلِكَ التَّنْزِيلِ المُفَرَّقِ فُؤادَكَ، فَإنَّ فِيهِ تَيْسِيرًا لِحِفْظِ النَّظْمِ وفَهْمِ المَعانِي وضَبْطِ الأحْكامِ والوُقُوفِ عَلى تَفاصِيلِ ما رُوعِيَ فِيها مِنَ الحِكَمِ والمَصالِحِ المُبَيِّنَةِ عَلى المُناسَبَةِ عَلى أنَّها مَنُوطَةٌ بِأسْبابِها الدّاعِيَةِ إلى شَرْعِها ابْتِداءً أوْ تَبْدِيلًا بِالنَّسْخِ مِن أحْوالِ المُكَلَّفِينَ، وكَذَلِكَ عامَّةُ ما ورَدَ في القرآن المَجِيدِ مِنَ الأخْبارِ وغَيْرِها مُتَعَلِّقَةٌ بِأُمُورٍ حادِثَةٍ مِنَ الأقاوِيلِ والأفاعِيلِ، ومِن قَضِيَّةِ تَجَدُّدِها تَجَدُّدُ ما يَتَعَلَّقُ بِها كالِاقْتِراحاتِ الواقِعَةِ مِنَ الكَفَرَةِ الدّاعِيَةِ إلى حِكايَتِها وإبْطالِها وبَيانِ ما يَؤُولُ إلَيْهِ حالُهم في الآخِرَةِ عَلى أنَّهم في هَذا الِاقْتِراحِ كالباحِثِ عَنْ حَتْفِهِ بِظِلْفِهِ، حَيْثُ أُمِرُوا بِالإتْيانِ بِمِثْلِ نَوْبَةِ مَن نُوَبِ التَّنْزِيلِ فَظَهَرَ عَجْزُهم عَنِ المُعارَضَةِ وضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ فَكَيْفَ لَوْ تُحُدُّوا بِكُلِّهِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلا﴾ عَطْفٌ عَلى ذَلِكَ المُضْمَرِ، وتَنْكِيرُ "تَرْتِيلًا" لِلتَّفْخِيمِ، أيْ: كَذَلِكَ نَزَّلْناهُ ورَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا بَدِيعًا لا يُقادَرُ قَدْرُهُ. ومَعْنى تَرْتِيلِهِ تَفْرِيقُهُ آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، قالَهُ النَّخَعِيُّ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: بَيَّنّاهُ بَيانًا فِيهِ تَرْتِيلٌ وتَثْبِيتٌ. وقالَ السُّدِّيُّ: فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا. وقالَ مُجاهِدٌ: جَعَلْنا بَعْضَهُ في إثْرِ بَعْضٍ. وقِيلَ: هو الأمْرُ بِتَرْتِيلِ قِراءَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلا﴾، وقِيلَ: قَرَأْناهُ عَلَيْكَ بِلِسانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ شَيْئًا فَشَيْئًا في عِشْرِينَ أوْ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ سَنَةً عَلى تُؤَدَةٍ وتَمَهُّلٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب