الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كَثْرَةِ اعْتِرَاضِ الْكُفَّارِ وَتَعَنُّتِهِمْ، وَكَلَامِهِمْ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ، حَيْثُ قَالُوا: ﴿لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ أَيْ: هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، كَمَا نَزَلَتِ الْكُتُبُ قَبْلَهُ، كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ. فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أُنْزِلَ مُنَجَّمًا فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ وَالْحَوَادِثِ، وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ لِتَثْبِيتِ [[في أ: "ليثبت"]] قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ كَمَا قَالَ: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٠٦] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا﴾ . قَالَ قَتَادَةُ: وَبَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: وَفَسَّرْنَاهُ تَفْسِيرًا. ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾ أَيْ: بِحُجَّةٍ وَشُبْهَةٍ ﴿إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ أَيْ: وَلَا يَقُولُونَ قَوْلًا يُعَارِضُونَ بِهِ الْحَقَّ، إِلَّا أَجَبْنَاهُمْ [[في أ: "جئناهم".]] بِمَا هُوَ الْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَبْيَنُ وَأَوْضَحُ وأفصحُ مِنْ مَقَالَتِهِمْ. قَالَ [[في ف: "ثنا".]] سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾ أَيْ: بِمَا يَلْتَمِسُونَ بِهِ عَيْبَ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ ﴿إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ أَيْ: إِلَّا نَزَلَ جِبْرِيلُ مِنَ اللَّهِ بِجَوَابِهِمْ. ثُمَّ فِي هَذَا اعْتِنَاءٌ كَبِيرٌ؛ لِشَرَفِ الرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [[في ف: "عليه وسلامه".]] ، حَيْثُ كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، لَيْلًا وَنَهَارًا، سَفَرًا وَحَضَرًا، فَكُلُّ مَرَّةٍ كَانَ يَأْتِيهِ الْمَلَكُ بِالْقُرْآنِ كَإِنْزَالِ كِتَابٍ مِمَّا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَهَذَا الْمَقَامُ أَعْلَى [[في أ: "لعلي".]] وأجلُّ، وَأَعْظَمُ مَكَانَةً مِنْ سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. فَالْقُرْآنُ أشرف كتاب أنزله الله، ومحمد، صلوات اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، أَعْظَمُ نَبِيٍّ أَرْسَلَهُ اللَّهُ وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْقُرْآنِ الصِّفَتَيْنِ مَعًا، فَفِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى أُنْزِلَ جُمْلَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا [[في أ: "من السماء الدنيا".]] ثُمَّ نُزِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْأَرْضِ مُنَجَّمًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ وَالْحَوَادِثِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ ، وَقَوْلُهُ ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٠٦] [[النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٧٢) .]] . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ سُوءِ حَالِ الْكُفَّارِ فِي مَعَادِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَشْرِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، فِي أَسْوَأِ الْحَالَاتِ وَأَقْبَحِ الصِّفَاتِ: ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلا﴾ ، وَفِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ أَنْ يُمشِيَه عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [[صحيح البخاري برقم (٤٧٦٠) وصحيح مسلم برقم (٢٨٠٦) .]] وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] [[زيادة من ف.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب