الباحث القرآني

ثم قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بعقولهم. وقال الضحاك: كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بالعقل والتمييز. ويقال: إن الله تعالى خلق نبات الأرض والأشجار وجعل فيها، لأنه ينمو ويزداد بنفسه ما دام فيه الروح، فإذا يبس خرج منه وانقطع نماؤه وزيادته. وخلق الدواب وجعل لهن زيادة روح تطلب بها رزقها، وتسمع منه الصوت. وخلق بني آدم وجعل لهم زيادة روح، يعقلون بها ويميزون ويعلمون. وخلق الأنبياء وجعل لهم زيادة روح، يبصرون بها الملائكة ويأخذون بها الوحي ويعرفون أمر الآخرة. ثم قال: وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على الرطوبة أي على ظهر الدواب، وفي البحر على اليبوسة وهي السفن وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، أي: الحلال ويقال: من نبات الحبوب والفواكه والعسل، وجعل رزق البهائم التبن والشوك. وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا، يعني: على الجن والشياطين والبهائم. وروي عن ابن عباس أنه قال: «فضلوا على الخلائق كلهم غير طائفة من الملائكة: جبريل وميكاييل وإسرافيل وأشباههم منهم» ، وروي عن أبي هريرة أنه قال: «المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده» . قوله عز وجل: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، أي: بكتابهم، ويقال بداعيهم الذي دعاهم في الدنيا إلى ضلالة أو هدى، يدعى إمامهم قبلهم وقال أبو العالية: بِإِمامِهِمْ أي بأعمالهم، وقال مجاهد: بنبيهم. وقال الحسن: بكتابهم الذي فيه أعمالهم. فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ، أي: يقرءون حسناتهم ويعطون ثواب حسناتهم. وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا، يعني: لا يمنعون من ثواب أعمالهم مقدار الفتيل، وهو ما فتلته من الوسخ بين أصبعيك. ثم قال الله تعالى: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى، أي من كان في هذه النعم أعمى، يعني: لم يعلم أنها من الله، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى عن حجته، وَأَضَلُّ سَبِيلًا يعني: أضلّ عن حجته. قال مجاهد: مَنْ كانَ فِي هذِهِ الدنيا أَعْمى عن الحجة فهو فى الاخرة أعمى عن الحجة وَأَضَلُّ سَبِيلًا، أي أخطأ طريقاً، وقال قتادة: مَنْ كانَ فِي هذِهِ الدنيا أَعْمى عمَّا عاين من نعم الله وخلقه ومن عجائب الله، فَهُوَ فِى الاخرة التي هي غائبة عنه ولم يرها أعمى. وقال مقاتل: فيه تقديم ومعناه وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا. ومن كان عن هذه النعم أعمى، فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة أعمى. وقال الزجاج: معناه إذا عمي في الدنيا وقد تبين له الهدى وجعل إليه التوبة وضله عن رشده، فهو في الآخرة لا يجد متاباً ولا مخلصاً مما هو فيه، فهو أشد عمًى وأضلّ سبيلاً أي أضل طريقاً، لأنه لا يجد طريقاً إلى الهداية فقد حصل على عمله. وذكر عن الفراء أنه قال: تأويله من كان في هذه النعم التي ذكرتها أعمى، لا يعرف فضلها ولا يشكر عليها وهي محسوسة، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى يعني: أشد شكاً في الذي هو غائب عنه في الآخرة من الثواب والعقاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب