الباحث القرآني
وهذه نعمة أخرى عظيمة من نعم الله - تعالى - على الإنسان، وهي تفضيل الإنسان على غيره.
واعلم أنه ليس المراد من الكرمِ في المالِ. وعدَّاه بالتضعيف، وهو من كرم بالضَّم ك «شَرُفَ» ، قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: كلُّ شيءٍ يأكل بفيه إلاَّ ابن آدم يأكل بيديه.
وروي عنه أنه قال: بالعقل.
وقال الضحاك: بالنُّطق والتَّمييز.
وقال عطاء: بتعديل القامة، وامتدادخا.
وينبغي أن يشترط مع هذا شرطٌ، وهو طول العمر، مع استكمال القوَّة العقليَّة والحسيَّة والحركيَّة، وإلاَّ فالأشجار أطول قامة من الإنسانِ، والدَّوابُّ منكبَّة على وجوهها.
وقيل: بحسنِ الصورة؛ كقوله تعالى: ﴿فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر: 64] ولما ذكر خلقه للإنسان، قال: ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ [المؤمنون: 14] وقال جلَّ ذكره ﴿صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً﴾ [البقرة: 138] .
وتأمَّل عضواً واحداً من أعضاء الإنسان، وهو العين، فخلق الحدقة سوداء، ثم أحاط بذلك السَّواد بياض العين، ثم أحاط بذلك البياض سواد الأشفار، ثم أحاط بذلك السواد بياض الأجفان، ثم خلق فوق بياض الجفن سواد الحاجبين، ثم خلق فوق سواد الحاجببين بياض الجبهة، ثمَّ خلق فوق بياض الجبهة سواد الشَّعر.
وقيل: الرِّجال باللحى، والنِّساء بالذَّوائب.
وقيل: بأن سخَّر لهم سائر الأشياء.
وقال بعضهم: من كرامات الآدميِّ أن آتاه الله الخطَّ.
وتحقيق الكلام: أن العلم الذي يقدر الإنسانُ على استنباطه يكون قليلاً، فإذا أودعه في كتابٍ، جاء الإنسان الثاني، واستعان بذلك الكتاب، ضمَّ إليه من عند نفسه آخر، ثم لا يزالون يتعاقبون، ويضمُّ كلُّ متأخرٍ مباحث كثيرة إلى علم المتقدِّمين، فكثرت العلومُ، وانتهتِ المباحثُ العقليَّة، والمطالب الشرعيَّة إلى أقصى الغايات، وأكمل النهايات، وهذا لا يتأتَّى إلا بواسطةِ الخطِّ، ولهذه الفضيلة؛ قال تعالى: ﴿اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم الذى عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 3 - 5] .
وقال بعضهم: إنَّ المخلوقاتِ أربعة أقسامٍ:
قسم حصلت له القوَّة العقليَّة الحكميَّة، ولم تحصل له القوَّة الشهواتيَّة، وهم الملائكة - صلوات الله عليهم - وقسمٌ بالعكس، وهم البهائم، وقسم خلا عن القسمين، وهم النباتُ والجمادات، وقسم حصل النوعان فيه، وهو الإنسان، ولا شكَّ أنَّ الإنسان؛ لكونه مستجمعاً للقوَّة العقلية، والقوى الشهوانيَّة، والبهيميَّة والنفسيَّة والسبعيَّة يكون أفضل من البهيمة والسَّبع، وهو أيضاً أفضل من الخالي عن القوتين؛ كالنبات والجمادات، وإذا ثبت ذلك، ظهر أنَّ الله تعالى فضَّل الإنسان على أكثر أقسام المخلوقات.
وأيضاً: الموجود: إمَّا أن يكون أزليًّا وأبدياً معاً، وهو الله تبارك وتعالى.
وإمَّا ألاَّ يكون أزليًّا ولا أبديًّا، وهم عالم الدنيا مع ما فيه من المعادن، والنبات، والحيوان، وهذا أخسُّ الأقسام، وإمَّا أن يكون أزليًّا، ولا يكون أبديًّا، وهو الممتنعُ الوجود؛ لأنَّ ما ثبت قدمه، امتنع عدمهُ، وإمَّا ألاَّ يكون أزليًّا، ولكنَّه يكون أبديًّا، وهو الإنسان، والملك، وهذا القسمُ أشرف من الثاني والثالث، وذلك يقتضي كون الإنسان أشرف من أكثر المخلوقات.
ثمَّ قال تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البر والبحر﴾ .
قال ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: في البرِّ على الخيل والبغالِ والحميرِ والإبلِ، وفي البحر على السُّفُن.
﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات﴾ يعني لذيذ الطَّعام والمشارب، ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ .
واعلم أنَّه قال في أوَّل الآية ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ .
وقال في آخرها: ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ﴾ ولا بدَّ من الفرق بين التكريم والتفضيل، وإلا لزم التَّكرار، والأقرب أن يقال: إنه تعالى فضَّل الإنسان على سائرِ الحيوانات بأمور خلقيَّة طبعيَّة ذاتيَّة؛ كالعقل، والنطق، والخطِّ، والصورة الحسنة، والقامة المديدة، ثم إنه تعالى عرضه بواسطة العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقَّة، والأخلاق الفاضلة، فالأول: هو التكريم، والثاني: هو التفضيل.
فصل
ظاهرُ الآية يدلُّ على أنَّه فضَّلهم على كثيرٍ من خلقه، لا على الكلِّ، فقال قومٌ: فضِّلوا على جميع الخلق، لا على الملائكة، وهذا قول ابن عباس، واختيارُ الزجاج على ما رواهُ الواحديُّ في «البسيط» .
وقال الكلبيُّ: فضِّلوا على جميع الخلائف كلِّهم، إلاَّ على طائفةٍ من الملائكة: جبريل، ميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت - صلوات الله عليهم أجمعين - وأشباههم.
وقال قوم: فضِّلوا على جميع الخلق، وعلى الملائكةِ كلِّهم، وقد يوضع الأكثر موضع الكلِّ؛ كقوله سبحانه ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين﴾ [الشعراء: 221] إلى قوله: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ [الشعراء: 223] أي: كلُّهم.
وروى جابرٌ يرفعه: قال «لمَّا خلق الله - عزَّ وجلَّ - آدم، وذريَّته، قالت الملائكة: يا ربُّ، خلقتهم يَأكلُونَ، ويَشْرَبُونَ، ويَنكِحُونَ، فاجعلْ لهمُ الدُّنْيَا، ولنَا الآخِرةَ، فقال تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي، ونفخت فيه من روحي، كمن قلت له: كن فكان» .
والأولى أن يقال: عوامُّ الملائكة أفضل من عوامِّ المؤمنين، وخواصُّ المؤمنين أفضل من خواصِّ الملائكة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أولئك هُمْ خَيْرُ البرية﴾ [البينة: 7] .
ورُوِيَ عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: «المُؤمِنُ أكْرَمُ على الله مِنَ المَلائِكَةِ الَّذينَ عِندَهُ» رواه البغويُّ وأورده الواحدي في «البسيط» .
واحتجَّ القائلون بتفضيل الملائكة على البشر على الإطلاق بهذه الآية.
قال ابن الخطيب: وهو في الحقيقة تمسُّكٌ بدليل الخطاب، وتقريره أن يقال: تخصيص الكثير بالذكر يدلُّ على أنَّ الحال في القليل بالضدِّ، وذلك تمسُّك بدليل الخطاب.
{"ayah":"۞ وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِیۤ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَفَضَّلۡنَـٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِیرࣲ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق