الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها﴾ يَوْمَئِذٍ مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ: إِذا زُلْزِلَتِ. وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ تُحَدِّثُ أَخْبارَها، أَيْ تُخْبِرُ الْأَرْضُ بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ يَوْمَئِذٍ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ الْإِنْسَانِ، أي يقول الإنسان مالها تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، مُتَعَجِّبًا. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال: (أتدرون ما أخبارها- قالوا الله ورسوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولُ عَمِلَ يَوْمَ كَذَا، كَذَا وَكَذَا. قَالَ: (فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا). قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، قَوْلُهُ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا- تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا زَلْزَلَةُ القيامة. الثَّانِي- تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِمَا أَخْرَجَتْ مِنْ أَثْقَالِهَا، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا زَلْزَلَةُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّهُ قال: (إذا كان أجل العبد بأرض أو ثبته الْحَاجَةُ إِلَيْهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرَهُ قَبَضَهُ اللَّهُ، فَتَقُولُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَبِّ هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِي (. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ١٤ ص ٨٣.]]. الثَّالِثُ: أَنَّهَا تُحَدِّثُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ إِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا؟ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. فَتُخْبِرُ أَنَّ أَمْرَ الدُّنْيَا قَدِ انْقَضَى، وَأَمْرَ الْآخِرَةِ قَدْ أَتَى. فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهَا جَوَابًا لَهُمْ عِنْدَ سُؤَالِهِمْ، وَوَعِيدًا لِلْكَافِرِ، وَإِنْذَارًا لِلْمُؤْمِنِ. وَفِي حَدِيثِهَا بِأَخْبَارِهَا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْلِبُهَا حَيَوَانًا نَاطِقًا، فَتَتَكَلَّمُ بِذَلِكَ. الثَّانِي- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُ فِيهَا الْكَلَامَ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَكُونُ مِنْهَا بَيَانٌ يَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: تُبَيِّنُ أَخْبَارَهَا بِالرَّجَّةِ وَالزَّلْزَلَةِ وَإِخْرَاجِ الْمَوْتَى. (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) أَيْ إِنَّهَا تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِوَحْيِ اللَّهِ لَها، أَيْ إِلَيْهَا. وَالْعَرَبُ تَضَعُ لَامَ الصِّفَةِ مَوْضِعَ (إِلَى). قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ الْأَرْضَ: وَحَى لَهَا الْقَرَارَ فَاسْتَقَرَّتْ ... وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّتْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ: أَوْحى لَها أَيْ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: أَوْحى لَها أَيْ أَمَرَهَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَوْحى لَها أَيْ قَالَ لَهَا. وَقَالَ: سَخَّرَهَا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَوْمَ تَكُونُ الزَّلْزَلَةُ، وَإِخْرَاجُ الْأَرْضِ أَثْقَالَهَا، تُحَدِّثُ الْأَرْضُ أَخْبَارَهَا، مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي، وَمَا عُمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ. (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) أَيْ فِرَقًا، جَمْعُ شَتٍّ. قِيلَ: عَنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ، فَرِيقٌ يَأْخُذُ جِهَةَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ آخَرُ يَأْخُذُ جِهَةَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ، كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [[آية ١٤ سورة الروم]] [الروم: ١٤] يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ» [الروم: ٤٣]. وَقِيلَ: يَرْجِعُونَ عَنِ الْحِسَابِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنَ الحساب. أَشْتاتاً يَعْنِي فِرَقًا فِرَقًا. (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) يَعْنِي ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ. وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَيَلُومُ نَفْسَهُ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَيَقُولُ: لِمَ لَا ازْدَدْتُ إِحْسَانًا؟ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ يَقُولُ: لِمَ لَا نَزَعْتُ عَنِ الْمَعَاصِي (؟ وَهَذَا عِنْدَ مُعَايَنَةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَشْتاتاً مُتَفَرِّقِينَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ عَلَى حِدَةٍ، وَأَهْلُ كُلِّ دِينٍ عَلَى حِدَةٍ. وَقِيلَ: هَذَا الصُّدُورُ، إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ النُّشُورِ، يُصْدَرُونَ أَشْتَاتًا مِنَ الْقُبُورِ، فَيُصَارُ بِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ، لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ، أَوْ لِيُرَوْا جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ، فَكَأَنَّهُمْ وَرَدُوا الْقُبُورَ فَدُفِنُوا فِيهَا، ثُمَّ صَدَرُوا عَنْهَا. وَالْوَارِدُ: الْجَائِي. وَالصَّادِرُ: الْمُنْصَرِفُ. أَشْتاتاً أَيْ يُبْعَثُونَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، مَجَازُهُ: تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا، لِيُرَوْا أَعْمَالَهَمْ. وَاعْتَرَضَ قَوْلُهُ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً مُتَفَرِّقِينَ عَنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ لِيُرَوْا بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ لِيُرِيَهُمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وقتادة والأعرج ونصر ابن عَاصِمٍ وَطَلْحَةُ بِفَتْحِهَا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب