الباحث القرآني

وهي مَدَنِيَّةٌ في قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، ومَكِّيَّةٌ في قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وعَطاءٍ، وجابِرٍ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ نَزَلَتْ إذا زُلْزِلَتْ بِالمَدِينَةِ. وأخْرَجَ أحْمَدُ، وأبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: «أتى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: أقْرِئْنِي يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: اقْرَأْ ثَلاثًا مِن ذَواتِ الرّاءِ، فَقالَ الرَّجُلُ: كَبِرَ سِنِّي، واشْتَدَّ قَلْبِي، وغَلُظَ لِسانِي، قالَ: اقْرَأْ ثَلاثًا مِن ذَواتِ حم، فَقالَ مِثْلَ مَقالَتِهِ الأُولى، فَقالَ: اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ المُسَبِّحاتِ، فَقالَ مِثْلَ مَقالَتِهِ الأُولى، وقالَ: ولَكِنْ أقْرِئْنِي يا رَسُولَ اللَّهِ سُورَةً جامِعَةً، فَأقْرَأهُ ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ حَتّى فَرَغَ مِنها، قالَ الرَّجُلُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا أزِيدُ عَلَيْها، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ، أفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ» . وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن قَرَأ ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ﴾ عُدِلَتْ لَهُ بِنِصْفِ القُرْآنِ، ومَن قَرَأ: ﴿قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ﴾ عُدِلَتْ لَهُ بِثُلُثِ القُرْآنِ، ومَن قَرَأ: ﴿قُلْ ياأيُّها الكافِرُونَ﴾ عُدِلَتْ لَهُ بِرُبُعِ القُرْآنِ» . وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ الضُّرَيْسِ، ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا زُلْزِلَتْ تَعْدِلُ نِصْفَ القُرْآنِ، و﴿قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ، و﴿قُلْ ياأيُّها الكافِرُونَ﴾ تَعْدِلُ رُبُعَ القُرْآنِ» . قالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلّا مِن حَدِيثِ يَمانِ بْنِ المُغِيرَةِ. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أنَسٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لِرَجُلٍ مِن أصْحابِهِ: هَلْ تَزَوَّجْتَ يا فُلانُ ؟ قالَ: لا واللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ، ولا عِنْدِي ما أتَزَوَّجُ بِهِ، قالَ: ألَيْسَ مَعَكَ ﴿قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ﴾ قالَ بَلى، قالَ: ثُلُثُ القُرْآنِ، قالَ: ألَيْسَ مَعَكَ ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ﴾ قالَ بَلى، قالَ: رُبُعُ القُرْآنِ، قالَ: ألَيْسَ مَعَكَ ﴿قُلْ ياأيُّها الكافِرُونَ﴾ ؟ قالَ بَلى، قالَ: رُبُعُ القُرْآنِ، قالَ: ألَيْسَ مَعَكَ ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ﴾ قالَ بَلى، قالَ: رُبُعُ القُرْآنِ، تَزَوَّجْ» . قالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن قَرَأ في لَيْلَةٍ إذا زُلْزِلَتْ كانَ لَهُ عِدْلُ نِصْفِ القُرْآنِ» . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ أيْ إذا حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً، وجَوابُ الشَّرْطِ: تُحَدِّثُ، والمُرادُ تُحَرِّكُها عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ فَإنَّها تَضْطَرِبُ حَتّى يَتَكَسَّرَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْها. قالَ مُجاهِدٌ: وهي النَّفْخَةُ الأُولى لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ﴾ ﴿تَتْبَعُها الرّادِفَةُ﴾ [النازعات: ٧، ٦] وذَكَرَ المَصْدَرَ لِلتَّأْكِيدِ ثُمَّ أضافَهُ إلى الأرْضِ فَهو مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى فاعِلِهِ، والمَعْنى: زِلْزالُها المَخْصُوصُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ ويَقْتَضِيهِ جِرْمُها وعِظَمُها. قَرَأ الجُمْهُورُ زِلْزالَها بِكَسْرِ الزّايِ، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ، وعِيسى بِفَتْحِها، وهُما مَصْدَرانِ بِمَعْنًى، وقِيلَ المَكْسُورُ مَصْدَرٌ والمَفْتُوحُ اسْمٌ. قالَ القُرْطُبِيُّ: والزَّلْزالُ بِالفَتْحِ مَصْدَرٌ كالوَسْواسِ والقَلْقالِ. ﴿وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ أيْ ما في جَوْفِها مِنَ الأمْواتِ والدَّفائِنِ، والأثْقالُ جَمْعُ ثِقْلٍ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ، والأخْفَشُ: إذا كانَ المَيِّتُ في بَطْنِ الأرْضِ فَهو ثِقْلٌ لَها، وإذا كانَ فَوْقَها فَهو ثِقْلٌ عَلَيْها. قالَ مُجاهِدٌ: أثْقالُها: مَوْتاها تُخْرِجُهم في النَّفْخَةِ الثّانِيَةِ، وقَدْ قِيلَ لِلْإنْسِ والجِنِّ الثَّقَلانِ، وإظْهارُ الأرْضِ في مَوْضِعِ الإضْمارِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيرِ. ﴿وقالَ الإنْسانُ ما لَها﴾ أيْ قالَ كُلُّ فَرْدٍ مِن أفْرادِ الإنْسانِ ما لَها زُلْزِلَتْ ؟ لِما يَدْهَمُهُ مِن أمْرِها ويَبْهَرُهُ مِن خَطْبِها، وقِيلَ المُرادُ بِالإنْسانِ: الكافِرُ، وقَوْلُهُ: " ما لَها " مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وفِيهِ مَعْنى التَّعْجِيبِ: أيْ أيُّ شَيْءٍ لَها، أوْ لِأيِّ شَيْءٍ زُلْزِلَتْ وأخْرَجَتْ أثْقالَها ؟ . وقَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ بَدَلٌ مَن إذا، والعامِلُ فِيهِما قَوْلُهُ: ﴿تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ العامِلُ في إذا مَحْذُوفًا والعامِلُ في يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ، والمَعْنى: يَوْمَ إذا زُلْزِلَتْ وأخْرَجَتْ تُخْبِرُ بِأخْبارِها وتُحَدِّثُهم بِما عُمِلَ عَلَيْها مِن خَيْرٍ وشَرٍّ، وذَلِكَ إمّا بِلِسانِ الحالِ حَيْثُ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ دَلالَةً ظاهِرَةً، أوْ بِلِسانِ المَقالِ، بِأنْ يُنْطِقَها اللَّهُ سُبْحانَهُ. وقِيلَ هَذا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وقالَ الإنْسانُ ما لَها﴾ أيْ قالَ ما لَها ﴿تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾ مُتَعَجِّبًا مِن ذَلِكَ، وقالَ يَحْيى بْنُ سَلامٍ: تُحَدِّثُ أخْبارَها بِما أخْرَجَتْ مِن أثْقالِها، وقِيلَ تُحَدِّثُ بِقِيامِ السّاعَةِ، وأنَّها قَدْ أتَتْ وأنَّ الدُّنْيا قَدِ انْقَضَتْ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: تُبَيِّنُ أخْبارَها بِالرَّجْفَةِ والزَّلْزَلَةِ وإخْراجِ المَوْتى، ومَفْعُولُ تُحَدِّثُ الأوَّلُ مَحْذُوفٌ والثّانِي هو أخْبارُها: أيْ تُحَدِّثُ الخَلْقَ أخْبارَها. ﴿بِأنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها﴾ مُتَعَلِّقٌ بِتُحَدِّثُ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِنَفْسِ أخْبارِها، وقِيلَ الباءُ زائِدَةٌ، وأنَّ وما في حَيِّزِها بَدَلٌ مِن أخْبارِها، وقِيلَ الباءُ سَبَبِيَّةٌ: أيْ بِسَبَبِ إيحاءِ اللَّهِ إلَيْها. قالَ الفَرّاءُ: تُحَدِّثُ أخْبارَها بِوَحْيِ اللَّهِ وإذْنِهِ لَها، واللّامُ في أوْحى لَها بِمَعْنى إلى وإنَّما أثَّرَتْ عَلى إلى لِمُوافَقَةِ الفَواصِلِ، والعَرَبُ تَضَعُ لامَ الصِّفَةِ مَوْضِعَ إلى، كَذا قالَ أبُو عُبَيْدَةَ. وقِيلَ إنَّ أوْحى يَتَعَدّى بِاللّامِ تارَةً، وبِإلى أُخْرى، وقِيلَ إنَّ اللّامَ عَلى بابِها مِن كَوْنِها لِلْعِلَّةِ، والمُوحى إلَيْهِ مَحْذُوفٌ، وهو المَلائِكَةُ، والتَّقْدِيرُ: أوْحى إلى المَلائِكَةِ لِأجْلِ الأرْضِ: أيْ لِأجْلِ ما يَفْعَلُونَ فِيها، والأُولى أوْلى. ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتًا﴾ الظَّرْفُ إمّا بَدَلٌ مِن يَوْمَئِذٍ (p-١٦٤٦)الَّذِي قَبْلَهُ، وإمّا مَنصُوبٌ بِمُقَدَّرٍ هو اذْكُرْ، وإمّا مَنصُوبٌ بِما بَعْدَهُ، والمَعْنى: يَوْمَ إذْ يَقَعُ ما ذُكِرَ يَصْدُرُ النّاسُ مِن قُبُورِهِمْ إلى مَوْقِفِ الحِسابِ أشْتاتًا: أيْ مُتَفَرِّقِينَ، والصَّدْرُ: الرُّجُوعُ وهو ضِدُّ الوُرُودِ، وقِيلَ يَصْدُرُونَ مِن مَوْضِعِ الحِسابِ إلى الجَنَّةِ أوِ النّارِ، وانْتِصابُ أشْتاتًا عَلى الحالِ: والمَعْنى: أنَّ بَعْضَهم آمِنٌ وبَعْضَهم خائِفٌ، وبَعْضَهم بِلَوْنِ أهْلِ الجَنَّةِ وهو البَياضُ، وبَعْضَهم بِلَوْنِ أهْلِ النّارِ وهو السَّوادُ، وبَعْضَهم يَنْصَرِفُ إلى جِهَةِ اليَمِينِ وبَعْضَهم إلى جِهَةِ الشَّمالِ، مَعَ تَفَرُّقِهِمْ في الأدْيانِ واخْتِلافِهِمْ في الأعْمالِ ﴿لِيُرَوْا أعْمالَهُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِيَصْدُرُ، وقِيلَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ: أيْ تُحَدِّثُ أخْبارَها بِأنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها لِيُرَوْا أعْمالَهم ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتًا﴾ . قَرَأ الجُمْهُورُ لِيُرَوْا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وهو مِن رُؤْيَةِ البَصَرِ: أيْ لِيُرِيَهُمُ اللَّهُ أعْمالَهم. وقَرَأ الحَسَنُ والأعْرَجُ وقَتادَةُ، وحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ، وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ، ورُوِيَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَنْ نافِعٍ، والمَعْنى: لِيَرَوْا جَزاءَ أعْمالِهِمْ. ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ أيْ وزْنَ. نَمْلَةٍ، وهي أصْغَرُ ما يَكُونُ مِنَ النَّمْلِ. قالَ مُقاتِلٌ: فَمَن يَعْمَلُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ يَوْمَ القِيامَةِ في كِتابِهِ فَيَفْرَحْ بِهِ. وكَذَلِكَ مَن يَعْمَلْ في الدُّنْيا ﴿مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَسُوؤُهُ، ومِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠] . وقالَ بَعْضُ أهْلِ اللُّغَةِ: إنَّ الذَّرَّةَ هو أنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ بِيَدِهِ عَلى الأرْضِ فَما عَلِقَ مِنَ التُّرابِ فَهو الذَّرَّةُ، وقِيلَ الذَّرُّ ما يُرى في شُعاعِ الشَّمْسِ مِنَ الهَباءِ، والأوَّلُ أوْلى، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ: ؎مِنَ القاصِراتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ مِنَ الذَّرِّ فَوْقَ الأِتْبِ مِنها لَأثَّرا و" مِنَ " الأُولى عِبارَةٌ عَنِ السُّعَداءِ، و" مِن " الثّانِيَةُ عِبارَةٌ عَنِ الأشْقِياءِ. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ مِن خَيْرٍ مِن كافِرٍ يَرَ ثَوابَهُ في الدُّنْيا وفي نَفْسِهِ ومالِهِ وأهْلِهِ ووَلَدِهِ حَتّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيا، ولَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ مِن شَرٍّ مِن مُؤْمِنٍ يَرَ عُقُوبَتَهُ في الدُّنْيا في مالِهِ ونَفْسِهِ وأهْلِهِ ووَلَدِهِ حَتّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيا، ولَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَرٌّ، والأوَّلُ أوْلى. قالَ مُقاتِلٌ: نَزَلْتُ في رَجُلَيْنِ كانَ أحَدُهُما يَأْتِيهِ السّائِلُ فَيَسْتَقِلُّ أنْ يُعْطِيَهُ التَّمْرَةَ والكَسْرَةَ، وكانَ الآخَرُ يَتَهاوَنُ بِالذَّنْبِ اليَسِيرِ ويَقُولُ: إنَّما أوْعَدَ اللَّهُ النّارَ عَلى الكافِرِينَ. قَرَأ الجُمْهُورُ يَرَهُ في المَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ الهاءِ وصْلًا وسُكُونِها وقْفًا، وقَرَأ هِشامٌ بِسُكُونِها وصْلًا ووَقْفًا، ونَقَلَ أبُو حَيّانَ عَنْ هِشامٍ، وأبِي بَكْرٍ سُكُونَها، وعَنْ أبِي عَمْرٍو ضَمَّها مُشْبَعَةً، وباقِي السَّبْعَةِ بِإشْباعِ الأُولى وسُكُونِ الثّانِيَةِ، وفي هَذا النَّقْلِ نَظَرٌ، والصَّوابُ ما ذَكَرْنا. وقَرَأ الجُمْهُورُ يَرَهُ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ في المَوْضِعَيْنِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ عُمَرَ، والحَسَنُ والحُسَيْنُ ابْنا عَلِيٍّ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وأبُو حَيْوَةَ، وعاصِمٌ، والكِسائِيُّ في رِوايَةٍ عَنْهُما والجَحْدَرِيُّ، والسُّلَمِيُّ، وعِيسى عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِما: أيْ يُرِيهِ اللَّهُ إيّاهُ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ " يَراهُ " عَلى تَوَهُّمِ أنَّ " مَن " مَوْصُولَةٌ، أوْ عَلى تَقْدِيرِ الجَزْمِ بِحَذْفِ الحَرَكَةِ المُقَدَّرَةِ في الفِعْلِ. وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ قالَ: تَحَرَّكَتْ مِن أسْفَلِها ﴿وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ قالَ: المَوْتى ﴿وقالَ الإنْسانُ ما لَها﴾ قالَ: الكافِرُ يَقُولُ ما لَها ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾ قالَ: قالَ لَها رَبُّكَ قُولِي ﴿بِأنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها﴾ قالَ: أوْحى لَها ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتًا﴾ قالَ: مِن كُلٍّ مِن هاهُنا وهاهُنا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ ﴿وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ قالَ: الكُنُوزُ والمَوْتى. وأخْرَجَ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَقِيءُ الأرْضُ أفْلاذَ كَبِدِها أمْثالَ الأُسْطُوانِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، فَيَجِيءُ القاتِلُ فَيَقُولُ في هَذا قَتَلْتُ، ويَجِيءُ القاطِعُ فَيَقُولُ في هَذا قَطَعْتُ رَحِمِي، ويَجِيءُ السّارِقُ فَيَقُولُ في هَذا قَطَعْتُ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلا يَأْخُذُونَ مِنهُ شَيْئًا» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ والنَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾ قالَ: أتَدْرُونَ ما أخْبارُها ؟ قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فَإنَّ أخْبارَها أنَّ تَشْهَدَ عَلى كُلِّ عَبْدٍ وأمَةٍ بِما عَمِلَ عَلى ظَهْرِها، تَقُولُ عَمِلَ كَذا وكَذا، فَهَذا أخْبارُها» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إنَّ الأرْضَ لَتَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ بِكُلِّ عَمَلٍ عُمِلَ عَلى ظَهْرِها، وقَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ حَتّى بَلَغَ ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ الخَرَشِيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «تَحَفَّظُوا مِنَ الأرْضِ فَإنَّها أُمُّكم، وإنَّهُ لَيْسَ مِن أحَدٍ عامٍلٍ عَلَيْها خَيْرًا أوْ شَرًّا إلّا وهي مُخْبِرَةٌ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ والحاكِمُ في تارِيخِهِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أنَسٍ قالَ: «بَيْنَما أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ ﴿ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ فَرَفَعَ أبُو بَكْرٍ يَدَهُ وقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَراءٍ ما عَمِلْتُ مِن مِثْقالِ ذَرَّةٍ مِن شَرٍّ، فَقالَ: يا أبا بَكْرٍ أرَأيْتَ ما تَرى في الدُّنْيا مِمّا تَكْرَهُ فَبِمَثاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ ويُدَّخَرُ لَكَ مَثاقِيلُ ذَرِّ الخَيْرِ حَتّى تُوَفّاهُ يَوْمَ القِيامَةِ» . وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ راهَوَيْهِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي أسْماءَ قالَ: «بَيْنا أبُو بَكْرٍ يَتَغَدّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ ﴿ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ فَأمْسَكَ أبُو بَكْرٍ وقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما عَمِلْنا مِن شَرٍّ رَأيْناهُ ؟ فَقالَ: ما تَرَوْنَ مِمّا تَكْرَهُونَ فَذاكَ مِمّا تُجْزَوْنَ ويُؤَخَّرُ الخَيْرُ لِأهْلِهِ في الآخِرَةِ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ جَرِيرٍ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ قالَ: «أُنْزِلَتْ ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ (p-١٦٤٧)وأبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قاعِدٌ فَبَكى، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما يُبْكِيكَ يا أبا بَكْرٍ ؟ قالَ: يُبْكِينِي هَذِهِ السُّورَةُ، فَقالَ: لَوْلا أنَّكم تُخْطِئُونَ وتُذْنِبُونَ فَيُغْفَرُ لَكم لَخَلَقَ اللَّهُ قَوْمًا يُخْطِئُونَ ويُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهم» . وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أجْرٌ، ولِرَجُلٍ سِتْرٌ، وعَلى رَجُلٍ وِزْرٌ» الحَدِيثَ، وقالَ: «وسُئِلَ عَنِ الحُمُرِ فَقالَ: ما أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيها إلّا هَذِهِ الآيَةُ الجامِعَةُ الفاذَّةُ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ ﴿ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب