الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنادى﴾ قِيلَ: إِذَا صَارَ أَهْلُ الْأَعْرَافِ إِلَى الْجَنَّةِ طَمِعَ أَهْلُ النَّارِ فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا إِنَّ لَنَا قَرَابَاتٍ فِي الْجَنَّةِ فَأْذَنْ لَنَا حَتَّى نَرَاهُمْ وَنُكَلِّمَهُمْ. وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا يَعْرِفُونَهُمْ لسواد وجوههم. فيقولون: (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) فَبَيَّنَ أَنَّ ابْنَ آدَمَ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَذَابِ. (قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) يَعْنِي طَعَامَ الْجَنَّةِ وَشَرَابَهَا. وَالْإِفَاضَةُ التَّوْسِعَةُ، يُقَالُ: أَفَاضَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ. الثَّانِيَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الْمَاءُ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى أَهْلِ النَّارِ حِينَ اسْتَغَاثُوا بِأَهْلِ الْجَنَّةِ "أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ سَعْدًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ [[في ك: أي الأعمال.]] أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (الْمَاءُ). وَفِي رِوَايَةٍ: فَحَفَرَ بِئْرًا فَقَالَ: (هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ). وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ). وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَسْقِيَ عَنْهَا الْمَاءَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ فَعَلَيْهِ بِسَقْيِ الْمَاءِ. وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَ الَّذِي سَقَى الْكَلْبَ، فَكَيْفَ بِمَنْ سَقَى رَجُلًا مُؤْمِنًا مُوَحِّدًا وَأَحْيَاهُ. روى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فإذ كَلْبٌ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ [[أي أثنى عليه أو قبل عمله ذلك، أو أظهر ما جازاه به عند ملائكته. (عن شرح القسطلاني).]] لَهُ فَغَفَرَ لَهُ (. قالوا: يا رسول الله، وألنا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ قَالَ:) فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ [[روايه البخاري وأحمد وابن ماجة "في كل ذات كبد حراء أجر".]] أَجْرٌ". وَعَكْسُ هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ [[خشاش الأرض (مثلثة الخاء): هوامها وحشراتها.]] الْأَرْضِ (. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ (وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ يُوجَدُ الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ لَا يُوجَدُ الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهَا (. خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي السُّنَنِ. الثَّالِثَةُ- وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ، وَأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ" لَا حَقَّ لَكُمْ فِيهَا. وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: (بَابُ مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ) وَأَدْخَلَ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الْإِبِلِ عَنِ الْحَوْضِ). قَالَ الْمُهَلَّبُ: لَا خِلَافَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ أَحَقُّ بِمَائِهِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب