الباحث القرآني
﴿ونادى أصْحابُ النّارِ أصْحابَ الجَنَّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الماءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَهْوًا ولَعِبًا وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا﴾ [الأعراف: ٥١]
(p-١٤٨)القَوْلُ في نادى وفي أنِ التَّفْسِيرِيَّةِ كالقَوْلِ في: ﴿ونادى أصْحابُ الجَنَّةِ أصْحابَ النّارِ أنْ قَدْ وجَدْنا﴾ [الأعراف: ٤٤] الآيَةَ. وأصْحابُ النّارِ مُرادٌ بِهِمْ مَن كانَ مِن مُشْرِكِي أُمَّةِ الدَّعْوَةِ لِأنَّهُمُ المَقْصُودُ كَما تَقَدَّمَ، ولِيُوافِقَ قَوْلَهُ بَعْدُ ﴿ولَقَدْ جِئْناهم بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ﴾ [الأعراف: ٥٢] .
فِعْلُ الفَيْضِ حَقِيقَتُهُ سَيَلانُ الماءِ وانْصِبابُهُ بِقُوَّةٍ ويُسْتَعْمَلُ مَجازًا في الكَثْرَةِ، ومِنهُ ما في الحَدِيثِ: «ويَفِيضُ المالُ حَتّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ» ويَجِيءُ مِنهُ مَجازٌ في السَّخاءِ ووَفْرَةِ العَطاءِ، ومِنهُ ما في الحَدِيثِ «أنَّهُ قالَ لِطَلْحَةَ: أنْتَ الفَيّاضُ» فالفَيْضُ في الآيَةِ إذا حُمِلَ عَلى حَقِيقَتِهِ كانَ أصْحابُ النّارِ طالِبِينَ مِن أصْحابِ الجَنَّةِ أنْ يَصُبُّوا عَلَيْهِمْ ماءً لِيَشْرَبُوا مِنهُ، وعَلى هَذا المَعْنى حَمَلَهُ المُفَسِّرُونَ، ولِأجْلِ ذَلِكَ جَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَطْفَ ﴿مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ عَطْفًا عَلى الجُمْلَةِ لا عَلى المُفْرَدِ، فَيُقَدَّرُ عامِلٌ بَعْدَ حَرْفِ العَطْفِ يُناسِبُ ما عَدا الماءَ تَقْدِيرُهُ: أوْ أعْطُونا، ونَظَّرَهُ بِقَوْلِ الشّاعِرِ أنْشَدَهُ الفَرّاءُ:
؎عَلَفْتُها تِبْنًا وماءً بَـارِدًا حَتّى شَبَّتْ هَمّالَةً عَيْناها
تَقْدِيرُهُ: عَلَفْتُها تِبْنًا وسَقَيْتُها ماءً بارِدًا، وعَلى هَذا الوَجْهِ تَكُونُ مِن بِمَعْنى بَعْضٍ، أوْ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: شَيْئًا مِنَ الماءِ، لِأنَّ: أفِيضُوا يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ.
ويَجُوزُ عِنْدِي أنْ يُحْمَلَ الفَيْضُ عَلى المَعْنى المَجازِيِّ، وهو سِعَةُ العَطاءِ والسَّخاءِ، مِنَ الماءِ والرِّزْقِ، إذْ لَيْسَ مَعْنى الصَّبِّ بِمُناسِبٍ بَلِ المَقْصُودُ الإرْسالُ والتَّفَضُّلُ، ويَكُونُ العَطْفُ عَطْفَ مُفْرَدٍ عَلى مُفْرَدٍ وهو أصْلُ العَطْفِ، ويَكُونُ سُؤْلُهم مِنَ الطَّعامِ مُماثِلًا لِسُؤْلِهِمْ مِنَ الماءِ في الكَثْرَةِ، فَيَكُونُ في هَذا الحَمْلِ (p-١٤٩)تَعْرِيضٌ بِأنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ أهْلُ سَخاءٍ، وتَكُونُ مِن عَلى هَذا الوَجْهِ بَيانِيَّةً لِمَعْنى الإفاضَةِ، ويَكُونُ فِعْلُ (أفِيضُوا) مُنَزَّلًا مَنزِلَةَ اللّازِمِ، فَتَتَعَلَّقُ مِن بِفِعْلِ أفِيضُوا.
والرِّزْقُ مُرادٌ بِهِ الطَّعامُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿كُلَّما رُزِقُوا مِنها مِن ثَمَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٥] الآيَةَ.
وضَمِيرُ قالُوا لِأصْحابِ الجَنَّةِ، وهو جَوابُهم عَنْ سُؤالِ أصْحابِ النّارِ، ولِذَلِكَ فَصَلَ عَلى طَرِيقَةِ المُحاوَرَةِ.
والتَّحْرِيمُ في قَوْلِهِ ﴿حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ﴾ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْناهُ اللُّغَوِيِّ وهو المَنعُ كَقَوْلِ عَنْتَرَةَ: حَرُمَتْ عَلَيَّ ولَيْتَها لَمْ تَحْرُمِ وقَوْلِهِ ﴿وحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنَّهم لا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٥] .
والمُرادُ بِالكافِرِينَ المُشْرِكُونَ، لِأنَّهم قَدْ عُرِفُوا في القُرْآنِ بِأنَّهُمُ اتَّخَذُوا دِينَهم لَهْوًا ولَعِبًا، وعُرِفُوا بِإنْكارِ لِقاءِ يَوْمِ الحَشْرِ.
وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في مَعْنى اتَّخَذُوا دِينَهم لَهْوًا ولَعِبًا وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا﴾ [الأنعام: ٧٠] في سُورَةِ الأنْعامِ.
وظاهِرُ النَّظْمِ أنَّ قَوْلَهُ ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ﴾ [الأعراف: ٥١] إلى قَوْلِهِ ﴿الحَياةُ الدُّنْيا﴾ [الأعراف: ٥١] هو مِن حِكايَةِ كَلامِ أهْلِ الجَنَّةِ، فَيَكُونُ ﴿اتَّخَذُوا دِينَهم لَهْوًا﴾ [الأعراف: ٥١] إلَخْ صِفَةً لِلْكافِرِينَ.
وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَهْوًا﴾ [الأعراف: ٥١] مُبْتَدَأً عَلى أنَّهُ مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى، وهو يُفْضِي إلى جَعْلِ الفاءِ في قَوْلِهِ ﴿فاليَوْمَ نَنْساهُمْ﴾ [الأعراف: ٥١] داخِلَةً عَلى خَبَرِ المُبْتَدَإ لِتَشْبِيهِ اسْمِ المَوْصُولِ بِأسْماءِ الشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ تَعالى (p-١٥٠)﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكم فَآذُوهُما﴾ [النساء: ١٦] وقَدْ جُعِلَ قَوْلُهُ ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَهْوًا ولَعِبًا﴾ [الأعراف: ٥١] إلى قَوْلِهِ ﴿وما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: ٥١] آيَةً واحِدَةً في تَرْقِيمِ أعْدادِ آيِ المَصاحِفِ ولَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ.
{"ayah":"وَنَادَىٰۤ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِیضُوا۟ عَلَیۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق