الباحث القرآني
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾ "فَصَلَ" مَعْنَاهُ خَرَجَ بِهِمْ. فَصَلْتُ الشَّيْءَ فَانْفَصَلَ، أَيْ قَطَعْتُهُ فَانْقَطَعَ. قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ قَالُوا لَهُ إِنَّ الْمِيَاهَ لَا تَحْمِلُنَا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُجْرِيَ لَنَا نَهَرًا، فَقَالَ لَهُمْ طَالُوتُ: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ. وَكَانَ عَدَدُ الْجُنُودِ- فِي قَوْلِ السُّدِّيِّ- ثَمَانِينَ أَلْفًا. [وَقَالَ وَهْبٌ [[من ج وهـ.]] [: لم يتخلف عنه إلا ذو عُذْرٍ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ. وَالِابْتِلَاءُ الِاخْتِبَارُ. وَالنَّهَرُ وَالنَّهْرُ لُغَتَانِ. وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ السَّعَةِ، وَمِنْهُ النَّهَارُ وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ١ ص ٢٣٩.]]. قَالَ قَتَادَةُ: النَّهَرُ الَّذِي ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهِ هُوَ نَهَرٌ بَيْنَ الْأُرْدُنِ وَفِلَسْطِينَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ "بِنَهَرٍ" بِفَتْحِ الْهَاءِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ "بِنَهَرٍ" بِإِسْكَانِ الْهَاءِ. وَمَعْنَى هَذَا الِابْتِلَاءِ أَنَّهُ اخْتِبَارٌ لَهُمْ، فَمَنْ ظَهَرَتْ طَاعَتُهُ فِي تَرْكِ الْمَاءِ عُلِمَ أَنَّهُ مُطِيعٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَتْهُ شَهْوَتُهُ [فِي الْمَاءِ [[من ج وهـ وز.]]] وَعَصَى الْأَمْرَ فَهُوَ فِي الْعِصْيَانِ فِي الشَّدَائِدِ أَحْرَى، فَرُوِيَ أَنَّهُمْ أَتَوُا النَّهَرَ وَقَدْ نَالَهُمْ عَطَشٌ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْعُذُوبَةِ وَالْحُسْنِ، فَلِذَلِكَ رُخِّصَ لِلْمُطِيعِينَ فِي الْغَرْفَةِ لِيَرْتَفِعَ عَنْهُمْ أَذَى الْعَطَشَ بَعْضَ الِارْتِفَاعِ وَلِيَكْسِرُوا نِزَاعَ النَّفْسِ فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَبَيَّنَ أَنَّ الْغَرْفَةَ كَافَّةٌ ضَرَرَ الْعَطَشِ عِنْدَ الْحَزَمَةِ الصَّابِرِينَ عَلَى شَظَفِ الْعَيْشِ الَّذِينَ هَمُّهُمْ فِي غَيْرِ الرَّفَاهِيَةِ، كَمَا قَالَ عُرْوَةُ:
وَاحْسُوَا قَرَاحَ الْمَاءِ وَالْمَاءُ بَارِدُ
قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "حَسْبُ الْمَرْءِ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ". وقال بَعْضُ مَنْ يَتَعَاطَى غَوَامِضَ الْمَعَانِي: هَذِهِ الْآيَةُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلدُّنْيَا فَشَبَّهَهَا اللَّهُ بِالنَّهَرِ وَالشَّارِبِ مِنْهُ وَالْمَائِلِ إِلَيْهَا وَالْمُسْتَكْثِرِ مِنْهَا، وَالتَّارِكِ لِشُرْبِهِ بِالْمُنْحَرِفِ عَنْهَا وَالزَّاهِدِ فِيهَا، وَالْمُغْتَرِفِ بِيَدِهِ غَرْفَةً بِالْآخِذِ مِنْهَا قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَأَحْوَالُ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ اللَّهِ مُخْتَلِفَةٌ. قُلْتُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْلَا مَا فِيهِ مِنَ التَّحْرِيفِ فِي التَّأْوِيلِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الظَّاهِرِ، لَكِنْ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا. الثَّانِيَةُ- اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ طَالُوتَ كَانَ نَبِيًّا بِقَوْلِهِ: "إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ" وَأَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَلْهَمَهُ، وَجَعَلَ الْإِلْهَامَ ابْتِلَاءً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ. وَمَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا قَالَ: أَخْبَرَهُ نَبِيُّهُمْ شَمْوِيلُ بِالْوَحْيِ حِينَ أَخْبَرَ طَالُوتُ قَوْمَهُ بِهَذَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ هَذَا الِابْتِلَاءُ لِيَتَمَيَّزَ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإِيقَادِ النَّارِ وَالدُّخُولِ فِيهَا تَجْرِبَةً لِطَاعَتِهِمْ، لَكِنَّهُ حَمَلَ مِزَاحَهُ عَلَى تَخْشِينِ الْأَمْرِ الَّذِي كَلَّفَهُمْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي" النِّسَاءِ [[راجع ج ٥ ص ٢٥٨]] " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾ شَرِبَ قِيلَ مَعْنَاهُ كَرَعَ. وَمَعْنَى "فَلَيْسَ مِنِّي" أَيْ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِي فِي هَذِهِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُمْ بِذَلِكَ عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَلَا مَحَالَةَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالْمُجِدُّ وَالْكَسْلَانُ، وَفِي الْحَدِيثِ "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" أَيْ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا عَلَى طَرِيقَتِنَا وَهَدْيِنَا. قَالَ [[هو النابغة الذبياني، يقول هذا لعيينة بن حصن الفزاري، وكان قد دعاه وقومه إلى مقاطعة بنى أسد ونقض حلفهم فأبى عليهم وتوعده بهم، وأراد بالفجور نقض الحلف.
(عن شرح الشواهد).]]: إِذَا حَاوَلْتَ فِي أَسَدٍ فُجُورًا فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي وَهَذَا مَهْيَعٌ [[المهيع: الطريق الواضح الواسع البين.]] فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِابْنِهِ إِذَا سَلَكَ غَيْرَ أُسْلُوبِهِ: لَسْتَ مِنِّي. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ يُقَالُ: طَعِمْتُ الشَّيْءَ أَيْ ذُقْتُهُ. وَأَطْعَمْتُهُ الْمَاءَ أَيْ أَذَقْتُهُ، وَلَمْ يَقُلْ وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْهُ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إِذَا كَرَّرُوا شَيْئًا أَنْ يُكَرِّرُوهُ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَلُغَةُ الْقُرْآنِ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ، فَلَا عِبْرَةَ بِقَدْحِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُقَالُ طَعِمْتُ الْمَاءَ. الْخَامِسَةُ- اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا بِهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ، لِأَنَّ أَدْنَى الذَّوْقِ يَدْخُلُ فِي لَفْظِ الطَّعْمِ، فَإِذَا وَقَعَ النَّهْيُ عَنِ الطَّعْمِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى وُقُوعِ الشُّرْبِ مِمَّنْ يَتَجَنَّبُ الطَّعْمَ، وَلِهَذِهِ الْمُبَالَغَةِ لَمْ يَأْتِ الْكَلَامُ "وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ". السَّادِسَةُ- لَمَّا قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ طَعَامٌ وَإِذَا كَانَ طَعَامًا كَانَ قُوتًا لِبَقَائِهِ وَاقْتِيَاتِ الْأَبْدَانِ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ بِالْمَاءِ مُتَفَاضِلًا وَإِلَى أَجَلٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: هُوَ مِمَّا يُكَالُ ويوزن، فعلى هذا القول لا يجوز عنده التَّفَاضُلِ، وَذَلِكَ عِنْدَهُ فِيهِ رِبًا، لِأَنَّ عِلَّتَهُ فِي الرِّبَا الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَجَلُ، وَعِلَّتُهُ فِي الرِّبَا أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا جنسا.
السَّابِعَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: من قال إن شرب عبد ى فُلَانٌ مِنَ الْفُرَاتِ فَهُوَ حُرٌّ فَلَا يُعْتَقُ إِلَّا أَنْ يَكْرَعَ فِيهِ، وَالْكَرْعُ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ بِفِيهِ مِنَ النَّهَرِ، فَإِنْ شَرِبَ بِيَدِهِ أَوِ اغْتَرَفَ بِالْإِنَاءِ مِنْهُ لَمْ يُعْتَقْ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْكَرْعِ فِي النَّهَرِ وَبَيْنَ الشُّرْبِ بِالْيَدِ. قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ هَيْئَةٍ وَصِفَةٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْ غَرْفٍ بِالْيَدِ أَوْ كَرْعٍ بِالْفَمِ انْطِلَاقًا وَاحِدًا، فَإِذَا وُجِدَ الشُّرْبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لُغَةً وَحَقِيقَةً حَنِثَ، فَاعْلَمْهُ. قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا كَمَا فَرَّقَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَرَعَ فِي الْمَاءِ كُرُوعًا إِذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ وَلَا بِإِنَاءٍ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى "كَرِعَ" بِكَسْرِ الرَّاءِ [يَكْرَعُ [[في هـ وج وز.]]] كَرَعًا. وَالْكَرَعُ: مَاءُ السَّمَاءِ يُكْرَعُ فِيهِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَذَكَرَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى بِرْكَةٍ فَجَعَلْنَا نَكْرَعُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لا تَكْرَعُوا وَلَكِنِ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ ثُمَّ اشْرَبُوا فِيهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ إِنَاءٌ أَطْيَبَ مِنَ الْيَدِ" وَهَذَا نَصٌّ. وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ ضُعِّفَ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ الِاغْتِرَافُ: الْأَخْذُ مِنَ الشَّيْءِ بِالْيَدِ وَبِآلَةٍ، وَمِنْهُ الْمِغْرَفَةُ، وَالْغَرْفُ مِثْلُ الاغتراف. وقرى "غَرْفَةً" بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهِيَ مَصْدَرٌ، وَلَمْ يَقُلْ اغْتِرَافَةً، لِأَنَّ مَعْنَى الْغَرْفِ وَالِاغْتِرَافِ وَاحِدٌ. وَالْغَرْفَةُ المرة الواحدة. وقرى "غُرْفَةً" بِضَمِّ الْغَيْنِ وَهِيَ الشَّيْءُ الْمُغْتَرَفُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْغَرْفَةُ بِالْكَفِّ الْوَاحِدِ وَالْغُرْفَةِ بِالْكَفَّيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كِلَاهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْأَكُفُّ أَنْظَفُ الْآنِيَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَسَنِ:
لَا يَدْلِفُونَ إِلَى مَاءٍ بِآنِيَةٍ ... إِلَّا اغْتِرَافًا مِنَ الْغُدْرَانِ بِالرَّاحِ
الدَّلِيفُ: المشي الرويد.
قُلْتُ: وَمَنْ أَرَادَ الْحَلَالَ الصِّرْفَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ دُونَ شُبْهَةٍ وَلَا امْتِرَاءٍ وَلَا ارْتِيَابٍ فَلْيَشْرَبْ بِكَفَّيْهِ الْمَاءَ مِنَ الْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ الْمُسَخَّرَةِ بالجريان آناء الليل و [آناء [[كذا في هـ وج وفى ز: أطراف.]]] النَّهَارِ، مُبْتَغِيًا بِذَلِكَ مِنَ اللَّهِ كَسْبَ الْحَسَنَاتِ وَوَضْعَ الْأَوْزَارِ وَاللُّحُوقَ بِالْأَئِمَّةِ الْأَبْرَارِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ شَرِبَ بِيَدِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنَاءٍ يُرِيدُ بِهِ التَّوَاضُعَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِعَدَدِ أَصَابِعِهِ حَسَنَاتٍ وهو إناء عيسى بن مريم عليهما السلام إذا طَرَحَ الْقَدَحَ فَقَالَ أُفٍّ هَذَا مَعَ الدُّنْيَا". خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَشْرَبَ عَلَى بُطُونِنَا وَهُوَ الْكَرْعُ، وَنَهَانَا أَنْ نَغْتَرِفَ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ، وَقَالَ: "لَا يَلَغُ أَحَدُكُمْ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ وَلَا يَشْرَبُ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ كَمَا يَشْرَبُ الْقَوْمُ الَّذِينَ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَشْرَبُ بِاللَّيْلِ فِي إِنَاءٍ حَتَّى يُحَرِّكَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِنَاءً مُخَمَّرًا وَمَنْ شَرِبَ بِيَدِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنَاءٍ ... " الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: إِذَا حَدَّثَ بقية عن الثقات فهو ثقة. التاسعة- قوله تعالى: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَرِبُوا عَلَى قَدْرِ يَقِينِهِمْ، فَشَرِبَ الْكُفَّارُ شُرْبَ الْهِيمِ [[الهيم: الإبل التي يصيبها داء فلا تروى من الماء، واحدها أهيم، والأنثى هيماء.]] وَشَرِبَ الْعَاصُونَ دُونَ ذَلِكَ، وَانْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَبَقِيَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَشْرَبْ شَيْئًا وَأَخَذَ بَعْضُهُمُ الْغُرْفَةَ، فأما من شرب فلم يرو، بل برج بِهِ الْعَطَشُ، وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الْمَاءَ فَحَسُنَتْ حَالُهُ وَكَانَ أَجْلَدَ مِمَّنْ أَخَذَ الْغُرْفَةَ. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ﴾ الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى النَّهَرِ، وَ "هُوَ" تَوْكِيدٌ.
(وَالَّذِينَ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى الْمُضْمَرِ فِي "جاوَزَهُ" يُقَالُ: جَاوَزْتُ الْمَكَانَ مُجَاوَزَةً وَجَوَازًا. وَالْمَجَازُ فِي الْكَلَامِ مَا جَازَ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَنَفَذَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: جَازَ مَعَهُ فِي النَّهَرِ أَرْبَعَةُ آلَافِ رَجُلٍ فِيهِمْ مَنْ شَرِبَ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى جَالُوتَ وَجُنُودِهِ وَكَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ كُلُّهُمْ شَاكُونَ فِي السِّلَاحِ رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَبِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُوقِنُونَ بِالْبَعْثِ وَالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ وَهُمْ عدة أهل بَدْرٍ: "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ". وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ مَعَهُ النَّهَرَ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ جُمْلَةً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ نُطِيقُ الْعَدُوَّ مَعَ كَثْرَتِهِمْ! فَقَالَ أُولُو الْعَزْمِ مِنْهُمْ: "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ". قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ كَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا- وَفِي رِوَايَةٍ: وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا- وَمَا جَازَ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾ وَالظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا لَا عِلْمًا، أَيْ قَالَ الَّذِينَ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ مَعَ طَالُوتَ فَيَلْقَوْنَ اللَّهَ شُهَدَاءَ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْقَتْلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً﴾ الْفِئَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَالْقِطْعَةُ مِنْهُمْ، مِنْ فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ وَفَأْيَتُهُ أَيْ قَطَعْتُهُ. وَفِي قَوْلِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ" الْآيَةَ، تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَاسْتِشْعَارٌ لِلصَّبْرِ وَاقْتِدَاءٌ بِمَنْ صَدَّقَ رَبَّهُ. قُلْتُ: هَكَذَا يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ أَنْ نَفْعَلَ؟ لَكِنِ الْأَعْمَالُ الْقَبِيحَةُ وَالنِّيَّاتُ الْفَاسِدَةُ مَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْكَسِرَ الْعَدَدُ الْكَبِيرُ مِنَّا قُدَّامَ الْيَسِيرِ مِنَ الْعَدُوِّ كَمَا شَاهَدْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَذَلِكَ بما كسبت أيدينا! وفى البخاري: وقال أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ. وَفِيهِ مُسْنَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ". فَالْأَعْمَالُ فَاسِدَةٌ وَالضُّعَفَاءُ مُهْمَلُونَ وَالصَّبْرُ قَلِيلٌ وَالِاعْتِمَادُ ضَعِيفٌ وَالتَّقْوَى زَائِلَةٌ!. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ [[راجع ج ٤ ص ٣٢٢.]] "وَقَالَ:" وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا [[راجع ج ٦ ص ١٢٧.]] "وَقَالَ:" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [[راجع ج ١٠ ص ٢٠٢.]] "وَقَالَ:" وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [[راجع ج ١٢ ص ٧٢]] "وَقَالَ:" إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [[راجع ج ٨ ص ٢٣]] ". فَهَذِهِ أَسْبَابُ النَّصْرِ وَشُرُوطُهُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ عِنْدَنَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِينَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مَا أَصَابَنَا وَحَلَّ بِنَا! بَلْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا ذِكْرُهُ، وَلَا مِنَ الدِّينِ إِلَّا رَسْمُهُ لِظُهُورِ الْفَسَادِ وَلِكَثْرَةِ الطُّغْيَانِ وَقِلَّةِ الرَّشَادِ حَتَّى اسْتَوْلَى الْعَدُوُّ شَرْقًا وَغَرْبًا بَرًّا وَبَحْرًا، وَعَمَّتِ الْفِتَنُ وَعَظُمَتِ الْمِحَنُ وَلَا عَاصِمَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ!.
{"ayah":"فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِیكُم بِنَهَرࣲ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَیۡسَ مِنِّی وَمَن لَّمۡ یَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّیۤ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِیَدِهِۦۚ فَشَرِبُوا۟ مِنۡهُ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ قَالُوا۟ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡیَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةࣲ قَلِیلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةࣰ كَثِیرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق