الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾ الآية. وجْهُ اتصال هذه الآية بما قبلها [[ساقط من (ي).]] يظهر بتقدير محذوف يدل عليه باقي الكلام، كأنه [[في (ي) فإنه.]] قيل: فأتاهم التابوت بالصفة التي وُعِدوا فصدقوا؛ لأن قوله: ﴿فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾ بعد تلك [[في (ي) و (ش) (ذلك).]] المنازعة، يدل على أن الآية أتتهم فانقادوا لأجلها [["البحر المحيط" 2/ 263.]]. ومعنى الفصل: القطع [["تفسير الثعلبي" 2/ 1363، "تفسير البغوي" 1/ 301]]. يقال: قولٌ فَصْلٌ، إذا كان يقطع بين الحق والباطل، وفَصَلَ عن المكان، قطعه بالمجاوزة عنه، يقال: فَصَل يَفْصِل فُصُولًا، ومنه قوله: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ﴾ [يوسف: 94]. وفَصَلْتُ اللحم عن العظم فَصْلًا، وفَاصَل الرجل شَريكَه وامْرَأَتَه فِصَالًا [[ينظر "تهذيب اللغة" 3/ 2795، "المفردات" ص 382 - 383، "لسان العرب" 6/ 3423 مادة (فصل).]]. والجنود جمع جند: وكل صنف من الخلق جُنْدٌ على حِدَة، يقال: الجَرَاد أكْثَرُ جنودِ الله [[ينظر: "المفردات" ص 107 - 108، "لسان العرب" 2/ 698. (مادة: جند).]]، ومنه: "الأرواح جنودٌ مجندة" [[الحديث رواه البخاري تعليقًا من رواية عائشة، (3336) كتاب: الأنبياء، باب: الأرواح جنود مجندة، وقال الحافظ في "الفتح" 6/ 369: وصله المصنف في "الأدب المفرد" عن عبد الله بن صالح عن الليث وأخرجه من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - ومسلم (2638) كتاب: البر، باب: الأرواح جنود مجندة.]]. قال السدي: وكانوا يومئذ ثمانين ألف مقاتل [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 2/ 618، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 472.]]. وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ يعنى: قال طالوت. قال وهب [[وهب بن مُنبه اليماني: أبو عبد الله، صاحب القصص والأخبار، كانت له معرفة بأخبار الأوائل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وثَّقه أكثرهم، وضعفه عمرو الفلاس، اختُلف في تاريخ وفاته فقيل سنة 110هـ، وقيل 116هـ، وقيل بينهما، ينظر "وفيات الأعيان" 6/ 35، "طبقات ابن سعد" 5/ 543.]]: إنهم شكوا قلة المياه بينهم وبين عدوهم، وقالوا: إن المياه لا تحملنا، فادع الله سبحانه أن يجري لنا نهرًا، فقال لهم طالوت: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ﴾ [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 2/ 618.]]. وهذا لا يجوز أن يقوله إلّا نبي؛ لأن الله عز وجل عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدًا، إلا من ارتضى من رسول. فيجوز أن طالوت قال ذلك بوحى من الله إليه، فقد قيل: إنه لما مُلِّك عليهم صار نبيًّا، ويجوز أن يكون قال ذلك بإخبار نبيٍّ إياه [[ينظر: "البحر المحيط" 2/ 264.]]. وإنما وقع الابتلاء ليتميز الصادق من الكاذب، فإن طالوت كان لا يعلم بمن له نيةٌ في القتال معه، ومن ليست له نية، فابْتُلُوا بالنهر ليتميَّزَ المحقق من المعذِّر، وذلك النهر: هو نَهْر فِلَسْطين في قول ابن عباس [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 2/ 619، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 473.]] والسدي. وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾، الكناية تعود على النهر في الظاهر، وهو في المعنى للماء. وقوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ مِنِّي﴾ أي: من أهل ديني وطاعتي [["تفسير الثعلبي" 2/ 1366، "تفسير البغوي" 1/ 301.]]، فحذف، ودل (مِنّي) عليه. وقيل: تأويله: ليس معي على عدوي، كقوله عليه السلام: "من غشنا فليس منّا [[أخرجه ابن ماجه (2225) كتاب: التجارات، باب: النهي عن الغش، وأحمد في "المسند" 2/ 50، وأصله في مسلم.]] " أي: ليس من أهل ديننا، وليس [[في (ي) و (ش): (أو ليس).]] هو معنا في حقيقة ديننا [[ينظر: "تفسير القرطبي" 3/ 252.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ طَعْمُ كُلِّ شيء ذوقُه، ومثله التطعُّمُ، يقال: تطعَّمت منه، أي: ذُقْتُه، قال ابن الأنباري: العرب تقول: قد أَطْعَمْتُكَ الماءَ، يراد به: أَذَقْتُكَ، وطعمت الماء أَطْعَمُه، بمعنى: ذقُته أذوقه [[نقله عن ابن الأنباري أبو حيان في "البحر المحيط" 2/ 264.]] [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2193، "المفردات" ص 307، "لسان العرب" 5/ 2675 (مادة: طعم)، وذكر الراغب أن الطعم: تناول الغذاء، قيل: وقد يستعمل في الشراب، كقوله: ومن لم يطعمه فإنه مني. وقال بعضهم: إنما قال: (ومن لم يطعمه) تنبيهًا على أنه محظور عليه أن يشربه إلا غرفة، فإن الماء قد يطعم إذا كان مع شيء يمضع.]]. أنشدنا أبو العباس العَرْجِي [[عبد الله بن عمر بن عبد الله العرجي، وقال في "اللسان" 8/ 4517 (مادة: نقخ): اسمه عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ونسب إلى العَرْج وهو موضع ولد به، كان ينزل بموضع قبل الطائف يقال له: العرج، فنُسب إليه، وكان من الشعراء. ينظر "الشعر والشعراء" 381.]]: فإن شِئْتُ حَرّمْتُ النِّساءَ سِوَاكُمُ ... وإن شِئْت لم أَطْعَم نُقَاخًا ولا بَرْدًا [[البيت نسب لعمر بن أبي ربيعة، ينظر: "ديوانه" ص 95، "اللسان" 8/ 4517 (مادة: نقخ) وروايته: أحرمت. والبرد هنا: الريق.]] أراد: لم أذق. والنُّقَاخُ: الماءُ العَذْب [[قال في "اللسان" 8/ 4516 (مادة: نقخ): والنقاخ: الماء البارد العذب الصافي الخالص الذي يكاد ينقخ الفؤاد ببرده، وقال ثعلب: هو الماء الطيب فقط.]]. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ الاغتراف: الأَخْذُ من الشيء باليدِ أو بآلة كما يُغْتَرَفُ من الماء. والمِغْرَفَةُ: الآلة التي يُغْرَفُ بها، وكذلك الغَرْفُ مثل الاغْتِرَاف [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2656، "المفردات" ص 362، "لسان العرب" 6/ 3242 (مادة: غرف).]]. واختلف القراء في فتح الغين من (غرفة) وضمها [[قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (غَرفة) بالفتح، والباقون بالضم. ينظر "السبعة" لابن مجاهد ص 198.]]. فمن فتح الغين عدَّى الفعل إلى المصدر، والمفعول محذوف في قوله، والمعنى: إلا من اغترف ماءً غَرْفةً. ومن ضم الغين عدَّى الفعل إلى المفعول به، ولم [[في (ي): (ومن).]] يعده إلى المصدر؛ لأن الغُرفَة بالضم: الشيء المُغْتَرف، والماء المغروف، فهذا بمنزلة إلا من اغترف ماء [[في "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 140، عن أبي عمرو: ما كان باليد فهو غَرفة -بالفتح- وما كان بإناء فهو غُرفة -بالضم-، وقال الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 330 - 331: من قال: غرفة كان معناه: غَرفة واحدة باليد، ومن قال: غُرفة كان معناه: مقدار ملء اليد.]]. إلا أن كثيرًا من البغداديين يجعلون هذه الأسماء المشتقة من المصادر بمنزلة المصادر، وُيعْمِلونَها كما يُعْمِلُون المصادر، فيقولون: عجبت من دُهنك لحيتَكَ، ويحتجون بقول القُطامي: وبعد عَطَائِكَ المِائةَ الرَّتَاَعا [[في (ي): (الرباعا).]] [[صدر البيت: أكفرا بعد رد الموت عني ينظر: "ديوان القطامي" ص 41، وفي "الخصائص" 2/ 221، "أمالي ابن الشجري" 2/ 42، "شرح المفصل" 1/ 20، "شرح الشواهد" للعيني 3/ 505، "همع الهوامع" 1/ 188، "مجاز القرآن" لأبي عبيد 2/ 9، "البحر المحيط" 1/ 272.]] فعلى هذا يجوز أن ينتصب الغُرْفة، انتصاب الغَرْفَة. وزعم بعضهم [[في (م): (بعضهم إلى).]] أن الاختيار الضم، لأنه لو جاء على معنى المصدر لمرة واحدة لكان (اغترافة) [[شرح القراءة وتوجيهها منقول من "الحجة" لأبي علي الفارسي 2/ 351 بتصرف، وكذا رجح هذه القراءة الطبري في "تفسيره". قال أبو حيان في "البحر" 2/ 265 معلقًا: وهذا الترجيح الذي يذكره المفسرون والنحويون بين القراءتين لا ينبغي، لأن هذه القراءات كلها صحيحة ومروية ثابتة عن رسول الله ﷺ، ولكل منها وجه ظاهر حسن في العربية، فلا يمكن فيها ترجيح قراءة على قراءة.]]. وليس فيما قال حجة؛ لأنه إذا كان معنى الغرف والاغتراف واحدًا جاز: اغْتِرَافةً [[من قوله: (إذا كان). ساقط من (ش).]]؛ لأنه الأصل، وجاز غَرْفَة لأنه أخف [[ينظر: "الحجة" 2/ 351 - 352، "البحر المحيط" 2/ 265.]]. وقوله تعالى: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ قال المفسرون: قال لهم طالوت: من شرب من النهر وأكثر فقد عصى الله عز وجل وخالف أمره وتعرَّض لعقابه، ومَنِ اغترف غرفة بيده أقنعته، فهجموا على النهر بعد عطش شديد أضر بهم فوقع أكثر أصحاب طالوت في النهر، وأكثروا الشرب، وأطاع قوم قليل عددهم، فلم يزيدوا على الاغتراف، فأما من اغترف كما أمره الله تعالى: قوي قلبه، وصحَّ إيمانه، وعبر النَّهْرَ سالمًا، وكَفَتْه تلك الغرفة الواحدة لشربه ودوابه، والذين شربوا وخالفوا أمر الله عز وجل اسودَّت شفاهُهم، وغلبهم العطش فلم يرووا، وبقوا على شاطئ النهر، وجبنوا عن لقاء العدو [[قوله: (عن لقاء العدو). ساقط من (ي) وفي (ش): (جبنوا من لقاء العدو).]]، ولم يشهدوا الفتح [["تفسير الثعلبي" 2/ 1369، الفخر الرازي في "تفسيره" 6/ 182]]. قالوا: وتلك الغرفة المباحة لم تكن ملء الكف، ولكن المراد بالغرفة أن يغترف مرةً واحدةً بقربةٍ أو جرةٍ وما أشبه ذلك، تكفيه وتكفي دابته، غير أن العصاة انغمسوا في النهر ولم يغترفوا، بل شربوا منه وسقوا دوابهم. وأولئك القليل، الذين لزموا الاغتراف، كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، في أصح الأقاويل [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 621، و"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 475، والثعلبي 2/ 1368.]]؛ لأن النبي ﷺ قال لأصحابه يوم بدر: "أنتم اليوم على عدة أصحاب طالوت حين عبروا النهر، وما جاز معه إلا مؤمن"، قال البراء بن عازب: وكنا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا [[رواه البخاري 3956 - 3959 كتاب: المغازي، باب: عدة أصحاب بدر عن البراء ابن عازب.]]. وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ يقال: جاوزتُ المكان والطريق مجاوزةً وجوازًا، وكذلك جُزْتُ الطريق، فأنا [[في (ي): (وأنا).]] أجوزه جَوازًا ومجَازًا وجُؤُوزًا، وأَجَزْتُ أيضًا مثل جُزْتُ، قال امرؤ القيس: فَلمّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ [[البيت بتمامه: فلما أجزنا ساحة الحي وانْتَحَى ... بنا بَطْنُ خَبْت ذي حِقَافٍ عَقَنْقَل وهو لامرئ القيس في "ديوانه" ص 15، "تهذيب اللغة" 1/ 519، "لسان العرب" 2/ 724 مادة: جوز.]] البيت، والمَجَازُ في الكلام هو ما جاز في الاستعمال، أي: نَفَدَ واستمرَّ على وَجْهِهِ، ومنه يقال: هذا يَجُوزُ. أي: يمرُّ على وجهِه [[في (ش): (على وجهه ومنه يقال: لا يمنعه مانع).]] لا يَمْنَعُه مَانعٌ [[ينظر في (جاز): "تهذيب اللغة" 1/ 519، 520، "المفردات" 110، "لسان العرب" 2/ 724 (مادة: جوز).]]. وقوله تعالى: ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ الطاقة: [مصدرٌ بمنزلة] [[ساقط من (م).]] الإطاقة، يقال: أطقتُ الشيء إطاقةً وطاقةً وطَوْقًا، مثل: أطَعْتُ إطاعةً وطاعةً وطَوْعًا [[كذا في"معاني القرآن" للزجاج 1/ 231، وقوله: (طوقًا وطوعًا) إنما هما مصدران للثلاثي منه، قال الأزهري في "تهذيب اللغة" 3/ 2230: يقال: طاق يطوق طوقًا، وأطاق يطيق إطاقة وطاقة، كما يقال: طاع يطوع طوعًا، فأطاع يطيع إطاعة وطاعة.]]. قال ابن عباس والسدي: يعنى هؤلاء الذين شربوا، وخالفوا أمرَ الله عز وجل، وكانوا أهل شك ونفاق، قالوا: ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ وانصرفوا عن طالوت، ولم يشهدوا قتال جالوت [[أخرجه عنهما بنحوه دون ألفاظه الطبري في "تفسيره" 2/ 622، وذكره البغوي في "تفسيره" 1/ 302.]]. وقال الحسن وقتادة وابن زيد: هم المؤمنون الذين عبروا مع طالوت النهر، ممن ضَعُفَت بصيرتُهم ولم يبلغوا منزلة غيرهم [[نقل ذلك عنهم ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 298.]]. وهذا اختيار الزجاج، لأنه قال: لما رأوا قلتهم قال بعضهم لبعض: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ﴾ يعنى: القليل الذين اغترفوا [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 331.]]. وعلى قول الحسن: هم صلحاء المؤمنين والأماثل منهم. ومعنى يَظُنّون: يَعْلمون وُيوقِنون [[نقله الزجاج عن أهل اللغة في "معاني القرآن" 1/ 331، وينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1370.]]. وذكرنا هذا عند قوله: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [[ينظر: "تفسير البسيط" للواحدي ت/ د: الفوزان.]] [البقرة: 46]. ويجوز أن يكون الظن هاهنا [[ساقط من (ي).]] شكًّا لا علمًا، وله تأويلان: أحدهما: قال الذين يتوهمون أنهم يُقْتلون مع طالوت فيلْقَون الله تعالى شهداء [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 331.]]، فوقوع الشك في القتل لأنهم لم يَيْقَنُوهُ، ولم يدرُوا أيكونُ أم لا؟ والثاني: الذين يظنون أنهم ملاقو ثواب الله فحذف المضاف، وهو كثير. وقوله تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ﴾ قال الفراء: لو ألقيت [[في (م) لعلها: (ألغيت).]] من [[ساقط من (ش).]] ههنا جاز في (فئة) الرفع والنصب والخفض. فمن نصب قال: أصل (كم) الاستفهام [[في (ي) (استفهام).]]، وما بعدها (من) النكرة مُفَسّر كتفسير العدد، فجعل (كم) بمنزلة عدد ينصب ما بعده، نحو: عشرين وثلاثين. ومن خفض قال: طالت صحبة (من) للنكرة في كم [[في (ي) و (ش) (كما).]]، فلما حذفناها أعملنا إرادتها فخفضنا، كقول العرب إذا قيل لأحدهم: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ، يريد بخير. ومن رفع نوى تقديمَ الفعل، كأنه قيل: كم غلبت فئة، وأنشد: كم عَمَّةٍ لك يا جَرِيرُ وخَالةٍ ... فَدْعَاءَ قد حَلَبَتْ عليَّ عِشَاري [[البيت للفرزدق يهجو جريرًا، في "ديوانه" 1/ 361، و"معاني القرآن" للفراء 1/ 169، و"الأشباه والنظائر" 8/ 123، و"أوضح المسالك" 4/ 271. والفَدَع: اعوجاجٌ وعيبٌ في القدم، والعشار: جمع العشراء، وهي الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر.]] قال: يجوز فيه الأَوْجُه الثلاثة، وأنشد في جوازِ الرفعِ قولَ امرئ القيس: تَنُوصُ وكم من دُويها من مَفَازَةٍ ... وكم أرضِ جَدْبٍ [[في (ش): (جذب).]] دونهَا ولصُوصُ [[كذا إلى هنا نقل من "معاني القرآن" للفراء 1/ 168 - 169. وينظر في الإعراب: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 327، "التبيان" 149، "البحر المحيط" 2/ 268.]] [[ورد البيت هكذا: وكم دونها من مهمة ومفازة ... وكم أرضُ جَدْبٍ دونها ولصوصُ والبيت في "ديوانه" ص 91. وفي "معاني القرآن" للفراء 1/ 169 ورد البيت هكذا: تبوص وكم من دونها من مفازة ... وكم أرض جَدْب دونها ولصُوصُ= وقبله قوله: أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص ... فتقصر عنها خطوة أو تبوص تنوص: أي تتحول، فتقصر عنها خطوة، أي تتأخر عنها أو تبوص، البوص السبق والفوت، أي: تسبقها، أي: أنك لا توافقها فى "السير" معها، وهو يخاطب نفسه.]] والفئة: الجماعة، لأنَّ بعضَهم قد فاءَ إلى بعضٍ فصاروا جماعةً، وقال الزجاجُ: أصلُ الفئةِ: من قولهم فأوت رأسَه بالعصا، وفأيْتُ، فالفئةُ فرقةٌ من هذا، كأنها [[في (ي): (كأنه)]] قطعة [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 332، وينظر "تهذيب اللغة" 3/ 2730 مادة (فأى)، قال الأزهري: والفئة، بوزن فعة: الفرقة من الناس، مأخوذ من فأيت رأسه، أي شققته، وكانت في الأصل فئوة بوزن (فعلة) فنقص، وجمع الفئة فئون وفئات. وذكر العكبري في التبيان 149 قولا آخر فقال: وأصل فئة (فيئة)، لأنه من فاء يفيء إذا رجع، فالمحذوف عينها.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ أصل (مع): للمصاحبة [[ينظر: "لسان العرب" 7/ 4234 (مادة: معع).]]، كأنه قال: الله يصحبهم النصر والمعونة [["تفسير الطبري" 2/ 624.]]. ﴿الصَّابِرِينَ﴾ قال عطاء: على طاعة الله، وعن محارمه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب