قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ﴾ أي بالمطر. "وَالسَّحابِ" جَمْعٌ، وَالْوَاحِدَةُ سَحَابَةٌ، وَسُحُبٌ وَسَحَائِبُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا.
(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) قَدْ مَضَى فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ١ ص ٢١٦ فما بعد.]] الْقَوْلُ فِي الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالصَّوَاعِقِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ بَيَانُ كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُقُوبَةِ لَيْسَ عَنْ عَجْزٍ، أَيْ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ فِي السَّمَاءِ خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ، فَإِنَّهُ يَخَافُ أَذَاهُ لما ينال مِنَ الْمَطَرِ وَالْهَوْلِ وَالصَّوَاعِقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَذىً مِنْ مَطَرٍ﴾[[راجع ج ٥ ص ٣٧٢.]] [النساء: ١٠٢] وَطَمَعًا لِلْحَاضِرِ أَنْ يَكُونَ عَقِبَهُ مَطَرٌ وَخِصْبٌ، قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: خَوْفًا مِنْ صَوَاعِقِ الْبَرْقِ، وَطَمَعًا فِي غَيْثِهِ الْمُزِيلِ لِلْقَحْطِ. "وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ" قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ بِالْمَاءِ. "وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ" مَنْ قَالَ إِنَّ الرَّعْدَ صَوْتُ السَّحَابِ فَيُجَوِّزُ أَنْ يُسَبِّحَ الرَّعْدُ بِدَلِيلِ خَلْقِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَدَلِيلُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ: "وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ" فَلَوْ كَانَ الرَّعْدُ مَلَكًا لَدَخَلَ فِي جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ. وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ مَلَكٌ قَالَ: مَعْنَى. "مِنْ خِيفَتِهِ" مِنْ خِيفَةِ اللَّهِ، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ. قال ابن عباس: إن الملائكة خَائِفُونَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَ كَخَوْفِ ابْنِ آدَمَ، لَا يَعْرِفُ وَاحِدُهُمْ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ، لَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ، وَعَنْهُ قَالَ: الرَّعْدُ مَلَكٌ يَسُوقُ السَّحَابَ، وَإِنَّ بُخَارَ الْمَاءِ لَفِي نُقْرَةِ إِبْهَامِهِ، وَإِنَّهُ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ، وَإِنَّهُ يُسَبِّحُ اللَّهَ، فَإِذَا سَبَّحَ الرَّعْدُ لَمْ يَبْقَ مَلَكٌ فِي السَّمَاءِ إِلَّا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّسْبِيحِ، فَعِنْدَهَا يَنْزِلُ الْقَطْرُ، وَعَنْهُ أَيْضًا كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتُ لَهُ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: سُبْحَانَهُ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا وَعِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ شَدِيدٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَلَكٌ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَعَنْ يَمِينِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى يَمِينِهِ وَسَبَّحَ سَبَّحَ الْجَمِيعُ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، وَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى يَسَارِهِ وَسَبَّحَ سَبَّحَ الْجَمِيعُ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ.
(وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ)
ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُجَاهِدٍ: نَزَلَتْ فِي يَهُودِيٍّ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَخْبِرْنِي! من أي شي رَبُّكَ، أَمِنْ لُؤْلُؤٍ أَمْ مِنْ يَاقُوتٍ؟ فَجَاءَتْ صَاعِقَةٌ فَأَحْرَقَتْهُ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي بَعْضِ كُفَّارِ الْعَرَبِ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ طَوَاغِيتَ الْعَرَبِ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ نَفَرًا يَدْعُونَهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي عَنْ رَبِّ مُحَمَّدٍ مَا هُوَ، وَمِمَّ هُوَ، أَمِنْ فِضَّةٍ أَمْ مِنْ حَدِيدٍ أَمْ نُحَاسٍ؟ فَاسْتَعْظَمَ الْقَوْمُ مَقَالَتَهُ، فَقَالَ: أُجِيبُ مُحَمَّدًا إِلَى رَبٍّ لَا يَعْرِفُهُ! فَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهِ مِرَارًا وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا، فَبَيْنَا النَّفَرُ يُنَازِعُونَهُ وَيَدْعُونَهُ إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم، فَرَعَدَتْ وَأَبْرَقَتْ وَرَمَتْ بِصَاعِقَةٍ، فَأَحْرَقَتِ الْكَافِرَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَرَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَقْبَلَهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: احْتَرَقَ صَاحِبُكُمْ، فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ؟ قَالُوا: أَوْحَى اللَّهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ. "وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ". ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْقُشَيْرِيِّ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ، وَسَيَأْتِي. وَقِيلَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَرْبَدَ بْنِ رَبِيعَةَ أَخِي لَبِيَدِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَفِي عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَقْبَلَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيَّانِ يُرِيدَانِ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسٌ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلَا الْمَسْجِدَ، فَاسْتَشْرَفَ النَّاسُ لِجَمَالِ عَامِرٍ وَكَانَ أَعْوَرَ، وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، فَقَالَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ، فَقَالَ: "دَعْهُ فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ" فَأَقْبَلَ حَتَّى قام عليه فقال، يا محمد مالي إِنْ أَسْلَمْتُ؟ فَقَالَ: "لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ". قَالَ: أَتَجْعَلُ لِيَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ إِلَيَّ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ يَشَاءُ". قَالَ: أَفَتَجْعَلُنِي عَلَى الْوَبَرِ وَأَنْتَ عَلَى الْمَدَرِ؟ قَالَ: "لَا". قَالَ: فَمَا تَجْعَلُ لِي؟ قَالَ: "أَجْعَلُ لَكَ أَعِنَّةِ الْخَيْلِ تَغْزُو عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ الله". قال: أو ليس لِي أَعِنَّةُ الْخَيْلِ الْيَوْمَ؟ قُمْ مَعِي أُكَلِّمْكَ، فَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ عَامِرٌ أَوْمَأَ إِلَى أَرْبَدَ: إِذَا رَأَيْتَنِي أُكَلِّمُهُ فَدُرْ مِنْ خَلْفِهِ وَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ، فَجَعَلَ يُخَاصِمُ النَّبِيَّ ﷺ وَيُرَاجِعُهُ، فَاخْتَرَطَ أَرْبَدُ مِنْ سَيْفِهِ شِبْرًا ثُمَّ حَبَسَهُ اللَّهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى سَلِّهِ، وَيَبِسَتْ يَدُهُ عَلَى سَيْفِهِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ صَاعِقَةً فِي يَوْمٍ صَائِفٍ صَاحٍ فَأَحْرَقَتْهُ، وَوَلَّى عَامِرٌ هَارِبًا وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! دَعَوْتَ رَبَّكَ عَلَى أَرْبَدَ حَتَّى قَتَلْتَهُ، وَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا جُرْدًا، وَفِتْيَانًا مُرْدًا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "يَمْنَعُكَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَبْنَاءُ قَيْلَةَ" يَعْنِي الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ، فَنَزَلَ عَامِرٌ بَيْتَ امْرَأَةٍ سَلُولِيَّةٍ، وَأَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَئِنْ أَصْحَرَ [[أصحر الرجل: إذا خرج الى الصحراء.]] لِي مُحَمَّدٌ وَصَاحِبُهُ- يُرِيدُ مَلَكَ الْمَوْتِ- لَأَنْفَذْتُهُمَا بِرُمْحِي، فَأَرْسَلَ اللَّهُ مَلَكًا فَلَطَمَهُ بِجَنَاحِهِ فَأَذْرَاهُ [[أذراه: قلعه ورمى به.]] فِي التُّرَابِ، وَخَرَجَتْ عَلَى رُكْبَتِهِ غُدَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي الْوَقْتِ، فَعَادَ إِلَى بَيْتِ السَّلُولِيَّةِ وَهُوَ يَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ، ثُمَّ رَكِبَ عَلَى فَرَسِهِ فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِهِ. وَرَثَى لَبِيَدُ بْنَ رَبِيعَةَ أَخَاهُ أَرْبَدَ فَقَالَ:
يَا عَيْنُ هَلَّا بَكَيْتِ أَرْبَدَ إِذْ قُمْ ... نَا وَقَامَ الْخُصُومُ فِي كَبَدِ [[كبد: شدة وعناء.]]
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفِ وَلَا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالْأَسَدِ
فَجَعَنِي الرَّعْدُ وَالصَّوَاعِقُ بِالْفَا ... رِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجِدِ [[النجد: السريع الإجابة.]]
وَفِيهِ قَالَ:
إِنَّ الرَّزِيَّةَ لَا رَزِيَّةَ مِثْلُهَا ... فِقْدَانُ كُلِّ أَخٍ كَضَوْءِ الْكَوْكَبِ
يَا أَرْبَدَ الْخَيْرِ الْكَرِيمِ جُدُودُهُ ... أَفْرَدْتَنِي أَمْشِي بِقَرْنٍ أَعْضَبِ [[قرن أعضب: مكسور.]]
وَأَسْلَمَ لَبِيَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. مَسْأَلَةٌ- رَوَى أَبَانُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تَأْخُذُ الصَّاعِقَةُ ذَاكِرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ يَقُولُ:" سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وهو على كل شي قَدِيرٍ فَإِنْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَعَلَيَّ دِيَتُهُ [[في العبارة سقط والذي في تفسير البغوي: عن ابن عباس: من سمع صوت الرعد فقال. الحديث ثم قال: فإن أصابته صاعقة فعلى ديته. محققه.]] ". وَذَكَرَ الْخَطِيبُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَنَا رَعْدٌ وَبَرْدٌ، فَقَالَ لَنَا كَعْبٌ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الرَّعْدَ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ثَلَاثًا عُوفِيَ مِمَّا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الرَّعْدِ، فَفَعَلْنَا فَعُوفِينَا، ثُمَّ لَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا بَرَدَةٌ [[البرد (بالتحريك): حب الغمام.]] قَدْ أَصَابَتْ أَنْفَهُ فَأَثَّرَتْ بِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذَا؟ قَالَ بَرَدَةٌ أَصَابَتْ أَنْفِي فَأَثَّرَتْ، فَقُلْتُ: إِنَّ كَعْبًا حِينَ سَمِعَ الرَّعْدَ قَالَ لَنَا: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الرَّعْدَ سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ثَلَاثًا عُوفِيَ مِمَّا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الرَّعْدِ، فَقُلْنَا فَعُوفِينَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَفَلَا قُلْتُمْ لَنَا حَتَّى نَقُولَهَا؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ١ ص ٢١٦ فما بعد.]].
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ﴾ يَعْنِي جِدَالَ الْيَهُودِيِّ حِينَ سَأَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: مِنْ أي شي هو؟ قال مُجَاهِدٌ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: جِدَالُ أَرْبَدَ فِيمَا هَمَّ بِهِ مِنْ قَتْلِ النَّبِيِّ ﷺ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ، "وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ" حَالًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا. وَرَوَى أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ إِلَى عَظِيمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: أَخْبِرْنِي عَنْ إِلَهِكَ هَذَا؟ أَهُوَ مِنْ فِضَّةٍ أَمْ مِنْ ذَهَبٍ أَمْ مِنْ نُحَاسٍ؟ فَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمُهُ، فَقَالَ: "ارْجِعْ إِلَيْهِ فَادْعُهُ" فَرَجَعَ إِلَيْهِ وَقَدْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، وَعَادَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ نَزَلَ: "وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ".
(وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: "الْمِحالِ" الْمَكْرُ، وَالْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ التَّدْبِيرُ بِالْحَقِّ. النَّحَّاسُ: الْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ إِيصَالُ الْمَكْرُوهِ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ. وَرَوَى ابْنُ الْيَزِيدِيِّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ "وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ" أَيِ النِّقْمَةِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: "الْمِحالِ" أَيِ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ. وَالْمَحْلُ: الشِّدَّةُ، الْمِيمُ أَصْلِيَّةٌ، وما حلت فُلَانًا مِحَالًا أَيْ قَاوَيْتُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَيُّنَا أَشَدُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: "الْمِحالِ" الْعُقُوبَةُ وَالْمَكْرُوهُ. وقال ابن عرفة: "الْمِحالِ" الجدال، يقال: ما حل عَنْ أَمْرِهِ أَيْ جَادَلَ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَيْ شَدِيدُ الْكَيْدِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحِيلَةِ، جُعِلَ مِيمُهُ كَمِيمِ الْمَكَانِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْكَوْنِ، ثُمَّ يُقَالُ: تَمَكَّنْتُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: غَلِطَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْمِيمَ فِيهِ زَائِدَةٌ، بَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْحَرْفَ عَلَى مِثَالِ فِعَالٍ أَوَّلُهُ مِيمٌ مَكْسُورَةٌ فَهِيَ أَصْلِيَّةٌ، مِثْلُ: مِهَادٌ وَمِلَاكٌ وَمِرَاسٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْحُرُوفِ. وَمِفْعَلٌ إِذَا كَانَتْ من بنات الثلاثة فإنه يجئ بِإِظْهَارِ الْوَاوِ [[أي والياء في ذوات الياء كالمعير والمزيل. كما في اللسان.]] مِثْلَ: مِزْوَدٌ وَمِحْوَلٌ وَمِحْوَرٌ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْحُرُوفِ، وَقَالَ [[أي الأزهري كما في اللسان مادة "محل".]]: وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ- "وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ" بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ الْحَوْلُ، ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِمَعْنَاهَا، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: أَوَّلُهَا- شَدِيدُ الْعَدَاوَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَثَانِيهَا- شَدِيدُ الْحَوْلِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَثَالِثُهَا- شَدِيدُ الْأَخْذِ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَرَابِعُهَا- شَدِيدُ الْحِقْدِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَخَامِسُهَا- شَدِيدُ الْقُوَّةِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَسَادِسُهَا- شَدِيدُ الْغَضَبِ، قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. وَسَابِعُهَا- شَدِيدُ الْهَلَاكِ بِالْمَحْلِ، وَهُوَ الْقَحْطُ، قَالَهُ الْحَسَنُ أَيْضًا. وَثَامِنُهَا- شَدِيدُ الْحِيلَةِ، قَالَهُ قتادة. وقال أبو عبيدة معمر: الْمِحَالُ وَالْمُمَاحَلَةُ الْمُمَاكَرَةُ وَالْمُغَالَبَةُ، وَأَنْشَدَ لِلْأَعْشَى:
فَرْعُ نَبْعٍ يَهْتَزُّ فِي غُصْنِ الْمَجْ ... دِ كَثِيرُ الندى شديد المحال
وَقَالَ آخَرُ [[هو ذو الرمة، والبيت من قصيدة يمدح بها بلال بن أبى بردة بن أبى موسى. واللبس: الاختلاط. والشغازب، قال الأصمعي: الشغزبية ضرب من الحيلة في الصراع، وهو أن يدخل الرجل بين رجلي صاحبه فيصرعه، والمعنى: فكل رجل من القوم أعد له حجة وكيدا.]]:
وَلَبَّسَ بَيْنَ أَقْوَامٍ فَكُلٌّ ... أَعَدَّ لَهُ الشَّغَازِبَ وَالْمِحَالَا
وَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:
لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكَ [[الحلال (بالكسر): القوم المقيمون المتجاورون، يريد بهم سكان الحرم. ويروى: غدوا: الغدو أصل الغدو وهو اليوم الذي يأتي بعد يومك فحذفت لامه. اللسان. ويروى: أبدأ محالك. البحر.]]
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَا ... لُهُمْ عَدْوًا مِحَالَكَ
{"ayahs_start":12,"ayahs":["هُوَ ٱلَّذِی یُرِیكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَیُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ","وَیُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ مِنۡ خِیفَتِهِۦ وَیُرۡسِلُ ٱلصَّوَ ٰعِقَ فَیُصِیبُ بِهَا مَن یَشَاۤءُ وَهُمۡ یُجَـٰدِلُونَ فِی ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِیدُ ٱلۡمِحَالِ"],"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی یُرِیكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَیُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ"}