الباحث القرآني
قوله: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ إلى قوله ﴿إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾ البرق: مخاريق من حديد بأيد(ي) الملائكة تضرب بها. هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال مجاهد: الملائكة تضرب بأجنحتها، فمن ذلك البرق. وقد تقدم شرح هذا بأشبع من هذا. فالمعنى: الله يريكم البرق خوفاً للمسافر من أذاه، وطمعاً للمقيم لينتفع (به)، والبرق هنا على قول ابن عباس: الماء.
وقيل: الآية مخصوصة، والمعنى: خوفاً لمن لا يحتاج إليه كمصر، وشبهها التي لا تحتاج إلى المطر. وكونه فيها ضر عليها، "وطمعاً" لمن يحتاج إليه، ويرجو الانتفاع به.
وقيل: الآية على العموم لكل من خاف، أو طمع.
وقيل: المعنى: خوفاً من الصواعق (وطمعاً بالمطر).
"وقال الضحاك: أما الخوف فما يرسل الله معه من الصواعق"، وأما الطمع فما نرجو فيه من الغيث.
ثم قال (تعالى): ﴿وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ﴾: بالمطر، أي: ويثير السحاب الثقال بالمطر، وبيديه. يقال: أنشأ الله السحاب أبداه، والسحاب: جمع سحابة. ولذلك قال (الثقال) ولو كان موحداً لقال: الثقيل.
ثم قال (تعالى): ﴿وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾ قال مجاهد: الرعد: ملك يزجر السحاب.
وقال أبو صالح: الرعد (ملك) يسبح.
وقال شهر بن حوشب: الرعد: ملك موكل بالسحاب، يسوقه كما يسوق الحادي الإبل. فكلما خالفته سحابة صاح (بها)، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه. فذلك الصواعق الذي رأيتم.
وقال ابن عباس: الرعد: ملك اسمه (الرعد)، (وهو) الذي تسمعون صوته. وكان ابن عباس إذا سمع الرعد قال: سبحان الذي سبحت له. وكان يقول: الرعد: ملك ينعق بالغيث، كما ينعق الراعي بغنمه.
وروى مجاهد، عن ابن عباس (أنه قال): الرعد (اسم ملك) وصوته هذا تسبيحه، فإذا اشتد زجره للسحاب اضطرب السحاب من خوفه فيحتك. فتخرج الصواعق من فيه.
وسئل علي رضي الله عنه عن الرعد: فقال: هو ملك، وسئل عن البرق، (فقال): مخاريق بأيدي الملائكة تزجر السحاب.
وعن الضحاك أنه قال: الذي يسمع تسبيح الملك، واسمه الرعد.
قال مجاهد: الرعد: ملك يزجر السحاب بصوته.
وعن ابن عباس، رضي الله عنه أن الرعد: ريح يختنق تحت السحاب، فتتصاعد فيكون منها ذلك الصوت.
وعنه أيضاً أنه، قال: البرق: ملك يتراءى. وأكثر المفسرين على أنه ملك كما تقدم.
(وكان النبي ﷺ، إذا سمع الرعد الشديد، قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك). وهذا الدعاء يدل على أنه صوت ملك.
(وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ، كان يقول إذا سمع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده): فهذا يدل على أن الرعد ملك.
وكان ابن عباس، وعلي (رضي الله عنهما) يقولان إذا سمعا الرعد: سبحان من سبحت له، فهذا يدل على أنه ملك.
* * *
ومعنى ﴿وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾: أي: "يعظم الله ويمجده، ويثنى عليه بصفاته. وحكي عن العرب سبحان من يسبح الرعد بحمده، يريدون (من) فأقعوا (ما)، مكان "مَنْ".
* * *
ثم قال: ﴿وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾: أي: وتسبح الملائكة من خيفته، أي: من رهبته.
وروي أن خوف الملائكة ليس كخوف بني آدم، لأن طائفة من الملائكة ساجدون، منذ خلقوا، باكون، ومنهم طائفة يسبحون ويهللون، لا يعرف أحدهم من على يمينه، ولا من على شماله، ولا يشغلهم عن عبادة الله، (عز وجل) شيء.
قال الله عز وجل عن الملائكة: ﴿يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠]: فعلى قدر أعمالهم واجتهادهم، كذلك خوفهم.
* * *
وقوله: ﴿وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ﴾: الصاعقة من النار التي تخرج من فم الرعد إذا غضب، فقد تقدم ذكرها بأشبع من هذا في سورة البقرة.
وهذه الآية نزلت في يهودي جاء إلى النبي ﷺ فقال له: أخبرني عن ربك: من أي شيء هو؟ من لؤلؤ أو ياقوت. فجاءت صاعقة، فأخذته فأنزل الله عز وجل: ﴿وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ﴾.
ودل على هذا القول قوله: ﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ﴾: فالضمير في "هم" لليهودي، وجمع لأن له أتباعاً على قوله ومذهبه.
وروي أنها نزلت في رجل من فراعنة العرب، وهو أربد، وجه إليه النبي ﷺ، يدعوه إلى الله، فقال: وما الله؟ أمِنْ ذهب هو أم مِنْ فضةٍ؟ أمْ مِن نُحاس؟ فأخبر النبي عليه السلام بذلك. فدعاه ثانية، فبينما النبي عليه السلام يراجع الكافر في الدعاء إلى الله سبحانه، إذ بعث الله سَحَابَةً بِحُيال رأس الكافر، فرعدت، فوقعت منها صاعقة، فذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ﴾ الآية.
وقال قتادة: (أنكر رجل) القرآن، وكذب النبي ﷺ، فأنزل الله، (عز وجل) عليه صاعقة، فأهلكته، فنزلت الآية فيه.
وقال ابن جريج: نزلت في أَرْبَد أخي لبيد بن ربيعة، هَمَّ هو، وعامر بن الطفيل بقتل النبي ﷺ. فبعث الله تعالى عليه صاعقة فاحترق.
ومعنى قوله: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ﴾ قال علي (بن أبي طالب) عليه السلام: "شديد الأخذ".
وقال مجاهد: (رحمه الله): "شديد القوة".
وقال قتادة (رحمة الله عليه): المحال: "القوة والحيلة".
وقال ابن عباس (رضوان الله عليه): "شديد الحَوْل".
وقال الحسن: (نضر الله وجهه): شديد المكر، من قولهم: مَحَل به: إذا مكر به، ومن جعله من الحوْل، والحيلة، فالأشبه بقراءته أن يقرأ بفتح الميم، لأن الحيلة لا يأتي مصدرها إلا بفتح الميم نحو: محالة، ومنه قولهم: "المرء يعجز لا محالة". وبه قرأ الأعرج فأما من كسر الميم فهو مصدر من: "ماحلت فلاناً، مماحلة، ومحالاً، فالمماحلة بعيدة المعنى من الحيلة.
فإذا جعلته من الحول فوزنه "مِفْعَلٌ"، وأصله "مِحْوَل" ثم قلبت حركة الواو على الحاء، وقلبت الواو ألفاً كاعتلال "مقال" و "محال". وإن جعلته من "مُحال" فوزنه "فُعال" لا اعتلال فيه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ﴾ وهي شهادة ألا إله إلا الله، قاله ابن عباس، وقتادة.
وقال علي رضي الله عنه: هي التوحيد.
وقال ابن زيد رحمه الله: هي لا إله إلا الله، ليست تنبغي لأحد إلا الله.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ الآية: أي: والآلهة التي يدعوها المشركون من دون الله (سبحانه) لا تجيب من دعاها بشيء من النفع، والضر، ولا ينتفع بها إلا كما ينتفع الذي يبسط كفيه إلى الماء. ليأتيه من غير أن يرفعه، فلا هو ببالغ فاه، ولا نافعه كذلك. هذه الآلهة التي يدعون هؤلاء العرب. فضرب المثل لمن طلب ما لا يبلغه بالقابض على الماء.
قال علي، رضي الله عنه "معناه": كالرجل العطشان مد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه، وما هو ببالغه، ولا نافعه، كذلك هذا الذي يدعو من دون الله.
وقال مجاهد (رضي الله عنه) معناه: يدعو الماء بلسانه، ويشير إليه بيده، فلا يأتيه أبداً، أي: فهذا الذي يدعو من دون الله، هو الوثن، وهذا الحجر لا يستجيب له بشيء أبداً، ولا يسوق إليه خيراً، ولا يدفع عنه شراً: كمثل هذا (الذي) بسط ذراعيه إلى الماء ﴿لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ (وما) يبلغ فاه أبداً.
وروي عن ابن عباس أن المعنى: هذا الذي يدعو الآلهة، كمثل من بسط كفيه إلى الماء، ليتناول خياله فيه، وما هو ببالغه أبداً، ولا يأخذه.
وقيل المعنى: إن هؤلاء الذين يعبدون الآلهة لا ينتفعون بها، إلا كما ينتفع من بسط كفيه إلى الماء يدعوه ليأتيه، وهو لا يأتيه أبداً، ولا ينتفع به. فكذلك لا ينتفع بعبادة الآلهة. وهذا كله ضرب مثلاً لمن يعبد غير الله، جل ذكره.
(وقيل معنى): مثل من يعبد الأصنام كمثل من يفيض على الماء، ليبلغ فاه، فلا يحصل له نفع من ذلك.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["هُوَ ٱلَّذِی یُرِیكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَیُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ","وَیُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ مِنۡ خِیفَتِهِۦ وَیُرۡسِلُ ٱلصَّوَ ٰعِقَ فَیُصِیبُ بِهَا مَن یَشَاۤءُ وَهُمۡ یُجَـٰدِلُونَ فِی ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِیدُ ٱلۡمِحَالِ","لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا یَسۡتَجِیبُونَ لَهُم بِشَیۡءٍ إِلَّا كَبَـٰسِطِ كَفَّیۡهِ إِلَى ٱلۡمَاۤءِ لِیَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَـٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَاۤءُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ إِلَّا فِی ضَلَـٰلࣲ"],"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی یُرِیكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَیُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق