الباحث القرآني

* اللغة: (الرفث) بفتحتين: كلام يقع وقت الجماع بين الرجال والنساء، يستقبح ذكره في وقت آخر، وأطلق على الجماع للزومه له غالبا، وفي المصباح: «رفث في منطقه رفثا من باب طلب، ويرفث بالكسر لغة. والرفث: النكاح لقوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم» . وفي الأساس واللسان: وقيل: الرفث بالفرج الجماع، وباللسان المواعدة للجماع، وبالعين الغمز للجماع. والأصل في تعدية الرفث بالباء، وانما جاءت تعدية في الآية بإلى لتضمينه معنى الإفضاء. (تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) : تخونون أنفسكم وتنقصونها حظها من الخير، واشتقاق الاختيان من الخيانة كالاكتساب من الكسب وفيه زيادة وشدّة. * الإعراب: (وَإِذا) الواو استئنافية والجملة استئنافية مسوقة لبيان أنه سبحانه يجيب كل من دعاه (سَأَلَكَ) فعل ماض والكاف مفعوله (عِبادِي) فاعل والجملة في محل جر بالاضافة (عَنِّي) الجار والمجرور متعلقان بسألك (فَإِنِّي) الفاء رابطة لجواب وان واسمها (قَرِيبٌ) خبرها والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (أُجِيبُ) فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا والجملة الفعلية خبر ثان (دَعْوَةَ) مفعول به (الدَّاعِ) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة، وقد جرت عادة القراء على إسقاط الياء من الداع ودعاني لأنها لم تثبت لها صورة عندهم في المصحف، فمن القراء من أسقطها تبعا للرسم وقفا ووصلا، ومنهم من أثبتها في الحين ومنهم من أثبتها وصلا وحذفها وقفا (إِذا) الظرف متعلق بأجيب (دَعانِ) الجملة في محل جر بالاضافة (فَلْيَسْتَجِيبُوا) الفاء الفصيحة واللام لام الأمر ويستجيبوا فعل مضارع مجزوم بلام الأمر أي فليطلبوا إجابتي لأن السين والتاء في استفعل للطلب، والمعنى فليستجيبوا إلي بالطاعة، يقال منه: استجبت له واستجبته بمعنى أجبته قال: وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب (لِي) الجار والمجرور متعلقان بيستجيبوا (وَلْيُؤْمِنُوا بِي) عطف على قوله فليستجيبوا لي (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) لعلّ واسمها، وجملة الرجاء حالية (أُحِلَّ) فعل ماض مبني للمجهول (لَكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بأحل (لَيْلَةَ الصِّيامِ) الظرف ظاهر الكلام أنه متعلق بأحل، وقد أعربه الكثيرون كذلك، وفيه أن الإحلال ثابت قبل ذلك الوقت، فالأولى تقديره بمحذوف مدلول عليه بلفظ الرفث، أي أن ترفثوا، ولم نعلقه بالرفث لأن فيه تقديم معمول الصلة المفهومة من ال على الموصول (الرَّفَثُ) نائب فاعل لأحل (إِلى نِسائِكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بالرفث وجملة أحل وما تلاها مستأنفة مسوقة لإزالة اللبس. وإيضاح ذلك أنه كان في مستهل الأمر إذا أفطر الرجل حلّ له الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد قلبها. فإذا صلاها أو رقد حرم عليه ذلك إلى الليلة القابلة. ثم إن عمر بن الخطاب واقع أهله بعد صلاة العشاء الآخرة، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، وأخبره بما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام: ما كنت جديرا بذلك يا عمر. فنزلت (هُنَّ) ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ (لِباسٌ) خبر (لَكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لباس والجملة مفسرة لا محل لها لبيان سبب الإحلال (وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) عطف على سابقتها (عَلِمَ اللَّهُ) الجملة تعليل لسبب نزول الآية (أَنَّكُمْ) أن واسمها (كُنْتُمْ) فعل ماض ناقص والتاء اسمها (تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) الجملة الفعلية خبر كنتم. وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي علم (وَعَفا عَنْكُمْ) عطف على جملة علم الله (فَالْآنَ) عطف على محذوف مقدر أي فتبتم فتاب عليكم والآن ظرف زمان متعلق بباشروهنّ (بَاشِرُوهُنَّ) فعل أمر وفاعل ومفعول به (وَابْتَغُوا) عطف على باشروهن (ما) اسم موصول في محل نصب مفعول به (كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها صلة ما (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) الواو استئنافية مسوقة لتعميم الحكم، نزلت في صرمة بن قبس، وذلك أنه كان يعمل في أرض له وهو صائم، فلما أمسى رجع إلى أهله فقال: هل عندك من طعام؟ فقالت: لا، وأخذت تصنع له طعاما، فأخذه النوم من التعب، فكره أن يأكل خوفا من الله، فأصبح صائما مجهودا في عمله مكدودا، فلم يكد ينتصف النهار حتى غشي عليه، فلما أفاق أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما وقع، فنزلت الآية (حَتَّى) حرف غاية وجر (يَتَبَيَّنَ) فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى، والمصدر المنسبك من أن والفعل متعلقان بكلوا (لَكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بيتبين (الْخَيْطُ) فاعل (الْأَبْيَضُ) صفة، وهو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود (مِنَ الْخَيْطِ) الجار والمجرور متعلقان بيتبين، وجاز تعليق الحرفين بفعل واحد وإن اتحد لفظاهما لاختلاف معنييهما (الْأَسْوَدِ) صفة (مِنَ الْفَجْرِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال، أي حال كون الأبيض هو الفجر. روى البخاري ومسلم عن عدي ابن حاتم قال: لما نزلت عمدت إلى عقال أسود وعقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، وجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار. وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب البلاغة. (ثُمَّ أَتِمُّوا) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي، وأتموا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل (الصِّيامِ) مفعول به (إِلَى اللَّيْلِ) الجار والمجرور متعلقان بأتموا (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ) الواو عاطفة، ولا ناهية، وتباشروهن فعل مضارع مجزوم بلا (وَأَنْتُمْ) الواو للحال، وأنتم مبتدأ (عاكِفُونَ) خبر (فِي الْمَساجِدِ) جار ومجرور متعلقان بعاكفون والجملة الاسمية حالية (تِلْكَ) اسم إشارة مبتدأ (حُدُودُ اللَّهِ) خبر ومضاف إليه وجملة تلك استئنافية (فَلا تَقْرَبُوها) الفاء الفصيحة، ولا ناهية، وتقربوها فعل مضارع مجزوم بلا، أي إذا شئتم السلامة بأنفسكم فانتهوا ولا تقربوها، فقد كان بعضهم يخرج وهو معتكف ويجامع امرأته ويعود والجملة استئنافية (كَذلِكَ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف مفعول مطلق أو حال (يُبَيِّنُ اللَّهُ) فعل مضارع وفاعله (آياتِهِ) مفعول به والجملة استئنافية (لِلنَّاسِ) الجار والمجرور متعلقان بيبين (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لعل واسمها، وجملة يتقون خبرها، وجملة الرجاء حالية. * البلاغة: 1- الكناية في قوله: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» لأن اللباس ما يكون بجسم الإنسان، والرجل والمرأة إذ يشتمل كل واحد منهما على الآخر ويعتنقان يشبهان اللباس المشتمل عليهما. قال النابغة الجعدي: إذا ما الضجيع ثنى عطفها ... تثنت عليه فكانت لباسا نماذج من الكناية: وقد تقدم ذكر الكناية ونزيد هنا الموضوع بسطا فنقول: إن الغرض من الكناية تنزيه اللسان عما لا يليق ذكره، والكناية عنه بأرشق لفظ، ولكل كناية غرض، والأغراض لا عداد لها، ولهذا كان غور الكناية لا يسبر فمن أمتعها قول الشريف الرضيّ: برد السّوار لها فأحميت القلائد بالعناق أي أنه لما برد سوارها، آخر الليل، علمت أن نسمة الفجر طلعت، فأحميت قلائدها بالعناق كي تصير القلائد مكذبة لما أشار إليه السوار من طلوع الفجر المؤذن بالفراق، فعدل عن التصريح بذلك إلى برد السوار لينقل الذهن إلى هبوب نسمة الفجر المؤذنة بالفراق والداعية له، وقد اشتهرت الكناية في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام تصوّنا منه وترفعا، فمما جاء من هذا الديباج قوله: «إن امرأة كانت فيمن كان قبلنا، وكان لها ابن عمّ يحبها فراودها عن نفسها، فامتنعت عليه، حتى إذا أصابتها شدة فجاءت إليه تسأله فراودها، فمكنته من نفسها، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة قالت له: لا يحلّ لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فقام عنها وتركها» وهذه كناية واقعة موقعها. ومن ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رويدك سوقك بالقوارير» يريد بذلك النساء فكنّى عنهن بالقوارير، وذلك أنه كان في بعض أسفاره، وغلام أسود اسمه أنجشة يحدو فقال له: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير. ومن الكناية أيضا في هذه الآية قوله: «فالآن باشروهن» والمباشرة في قول الجمهور الجماع، وقيل الجماع فما دونه. وهو مشتقّ من تلاصق البشرتين، فيدخل فيه المعانقة والملامسة. 2- التشبيه البليغ فقد شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق بالخيط الأبيض الممدود، وما يمتدّ من غبش الليل بالخيط الأسود الممدود، وهو تشبيه مألوف كثيرا. ولو لم يذكر من الفجر لكان استعارة تصريحية، ولكن ذكر المشبّه أعاده إلى التشبيه البليغ المحذوف الأداة. 3- الطباق لأنه طابق بين الأبيض والأسود، أما ذكر بقية الألوان فيسمى تدبيجا كقول أبي تمام: تردّى ثياب الموت حمرا فما دجا ... لها الليل إلا وهي من سندس خضر * الفوائد: «حتّى» في الكلام على ثلاثة أنواع: 1- تكون لانتهاء الغاية، فتجر الأسماء على معنى، كقوله تعالى: سلام هي حتى مطلع الفجر» وتنصب الافعال بأن مضمرة بعدها كالآية. 2- وتكون عاطفة. 3- وتكون حرف ابتداء يبتدأ بها الكلام كقول المتنبي: هو الجد حتى تفضل العين أختها ... وحتى يكون اليوم لليوم سيد فرفع الفعلين بعدها لأنها ابتدائية. وسيأتي مزيد من أبحاث (حَتَّى) التي لا تنتهي، فقد كان الفراء يقول عند احتضاره: أموت وفي قلبي شيء من حتى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب