الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وإذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: ١٨٦].
بعدَ أنْ ذكَرَ اللهُ أحكامَ الصيامِ للناسِ، عطفَ عليها بالواوِ خطابًا خاصًّا للنبيِّ ﷺ، مِن بابِ تعظيمِ المُرسِلِ للرسولِ، وأنّ العملَ بالأحكامِ السابقةِ له جزاءٌ يتحرّاهُ كلُّ عاملٍ، فأجاب اللهُ عن السؤالِ الذي يَرِدُ في ذِهْنِ العامِلِينَ، وأنّ اللهَ يَطَّلِعُ على العملِ عن قُرْبٍ، ويُحْصِيهِ قليلَهُ وكثيرَهُ، ويُجازي عليه.
والإجابةُ مقابِلةٌ للدعاءِ في الآيةِ، والدعاءُ محمولٌ على النوعَيْنِ:
الأوَّل: دعاءُ العبادةِ، والمرادُ به: الصيامُ وما يتعلَّقُ به مِن أعمالِ بِرٍّ مِن قراءةِ القرآنِ والصلاةِ، والصَّدَقةِ والذِّكْرِ، والإجابةُ هنا القَبُولُ للمُخْلِصِ الصادقِ المُتَّبِعِ بالثوابِ العظيمِ عندَ اللهِ سبحانَهُ.
وشرطُ القَبُولِ والإثابةِ على العملِ الصالحِ: هو العملُ بأمرِ اللهِ كما أرادَ اللهُ، وذلك لقولِه: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾، والاستجابةُ للهِ طاعتُهُ، بامتثالِ أوامرِه، واجتنابِ نواهيه، قاله مجاهدٌ والربيعُ، وابنُ جُرَيْجٍ وابنُ المبارَكِ[[«تفسير الطبري» (٣/٢٢٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (١/٣١٥).]].
الثّاني: دعاءُ المسألةِ، وهو الذي تُختَمُ به الأعمالُ غالبًا بطَلَبِ القَبُولِ والاستغفارِ من النَّقْصِ، وما يسبِقُ العبادةَ ويصاحِبُها مِن دعاءٍ للهِ بطلبِ العَوْنِ والتسديدِ يدخُلُ في هذا النوعِ.
وقد جعَلَ اللهُ السؤالَ في الآيةِ بمعنى الدعاءِ، فقال: ﴿وإذا سَأَلَكَ عِبادِي﴾، ثمَّ قال: ﴿دَعْوَةَ الدّاعِ﴾.
استحبابُ الدعاءِ عند ختامِ الأعمالِ:
وقد أخذَ بعضُ الأئمةِ مِن الآيةِ استحبابَ الدُّعاءِ عندَ ختامِ العملِ الصالحِ، وخاصَّةً الصيامَ، وهذا يؤيِّدُه الأحاديثُ الواردةُ في البابِ في دعاءِ الصائمِ عندَ فِطْرِه، وهي ـ مع ضَعْفِها ـ يقترِنُ بعضُها ببعضٍ، فيؤكِّدُ بعضُها بعضًا، والأصولُ دالَّةٌ على استحبابِ الدعاءِ بالقَبُولِ عَقِبَ العملِ سِرًّا، وذلك لأنّ الأصلَ في الدعاءِ السِّرُّ، لقولِهِ تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥]، ولقولِه في الآيةِ: ﴿فَإنِّي قَرِيبٌ﴾ قرينةً على استحبابِ دعاءِ السِّرِّ، فالسرُّ والعلَنُ عندَ اللهِ سواءٌ، والإسرارُ أقربُ إلى الإخلاصِ، فاللهُ يُحِبُّ دعاءَ الخَفاءِ، لأنّه لا يُناجِيهِ منفرِدًا إلاَّ مَن هو موقِنٌ بقُرْبِه.
والذِّكْرُ العامُّ والدعاءُ بعدَ العباداتِ مستحَبٌّ، شرَعَهُ اللهُ في كثيرٍ مِن العباداتِ، كالصلاةِ ـ وكذلك الصيامُ هنا ـ والحجِّ، كما في قولِهِ: ﴿فَإذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٠٠].
وفي الآيةِ: دليلٌ على أنّ إجابةَ اللهِ للداعي العابِدِ المُتَّبِعِ أقربُ من العاصي المخالِفِ، ولذا قال: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾، أي: فإنِ استجابوا بالطاعةِ، أجبتُهم، وكلَّما كان الإنسانُ للهِ أقرَبَ، كان أحْرى بإجابةِ الدعاءِ.
وحمَلَ بعضُ السلفِ قولَه تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ على الدُّعاءِ، أي: فلْيَدْعوني، قاله أنَسُ بنُ مالكٍ[[ينظر: «تفسير ابن أبي حاتم» (١/٣١٥).]].
وإجابةُ اللهِ لعبدِهِ كما يراهُ اللهُ صالحًا لعبدِهِ في عاجلِهِ وآجِلِهِ، لا كما يراهُ العبدُ، فاللهُ لا يعجِّلُ للناسِ الشرَّ لو سألوه إيّاه: ﴿ولَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالخَيْرِ لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ﴾ [يونس: ١١]، فكيف لو سألَ الإنسانُ خيرًا وهو يؤولُ إلى شرٍّ؟!
فاللهُ يَعْلَمُ ما لا يعلمُهُ العبدُ، فقد يُحجَبُ الإنسانُ إجابةَ شيءٍ بعَيْنِهِ يُريدُهُ لأنّه لا يدري حالَهُ معه، فيعوِّضُهُ اللهُ بلطفِه ورحمتِهِ بغيرِه، وأمّا الاستجابةُ عندَ توافُرِ شروطِها، فهي قطعيَّةٌ بهذا المعنى، وليستْ قطعيَّةً بالإجابةِ بما يُريدُ العبدُ بعينِهِ، وذلك يبيِّنُهُ قولُهُ تعالى: ﴿فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شاءَ﴾ [الأنعام: ٤١]، فقيَّدَ الكشفَ بمشيئتِهِ التي تكونُ فوقَ مشيئةِ العبدِ، ومشيئتُهُ سبحانه تتبَعُ علمَهُ وحِكْمتَهَ.
ورُوِيَ مِن غيرِ وجهٍ: أنّ سببَ نزولِ قولِه: ﴿وإذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ﴾ أنّ سائلًا سألَ النبيَّ ﷺ، فقال: يا محمَّدُ، أقريبٌ ربُّنا فنُناجِيَهُ، أم بعيدٌ فنُنادِيَهُ؟ فأنزَلَ اللَّهُ: ﴿وإذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ﴾، الآيةَ، أخرجَهُ ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ، مِن حديثِ جريرٍ، عن عَبْدَةَ السِّجِسْتانيِّ، عن الصُّلْبِ بنِ حَكِيمٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، به[[«تفسير الطبري» (٣/٢٢٢ ـ ٢٢٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (١/٣١٤).]].
ورُوِيَ من مُرْسَلِ الحسَنِ وعطاءٍ، وهي ضعيفةٌ.
مشروعيَّةُ دعاء الصائم عند فطْرِهِ:
وأخذَ بعضُهم مِن هذه الآيةِ: مشروعيَّةَ الدعاءِ عندَ الفِطْرِ، لأنّ اللهَ تعالى ذكَرَ الدعاءَ بعدَ ذِكْرِ أحكامِ الصيامِ والفِطْرِ، والدعاءُ عندَ الفِطْرِ مستفيضٌ مشتهِرٌ في عملِ السلفِ، وقد جاءتْ فيه أحاديثُ مرفوعةٌ لا يخلو أكثرُها مِن ضَعْفٍ.
روى الطَّبَرانيُّ، من حديثِ داودَ بنِ الزِّبْرِقانِ، عن شُعْبةَ، عن ثابتٍ، عن أنَسِ بنِ مالكٍ، أنّ النبيَّ ﷺ كان يقولُ: (اللَّهُمَّ، لَكَ صُمْتُ، وعَلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ) [[أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (٧٥٤٩) (٧/٢٩٨)، و«المعجم الصغير» (٩١٢) (٢/١٣٣).]]، وداودُ متروكُ الحديثِ.
ورواهُ الطبرانيُّ والدّارَقُطْنيُّ، مِن حديثِ عبدِ الملكِ بنِ هارونَ بنِ عنترةَ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ، قال: كان النبيُّ ﷺ: إذا أفطَرَ، قال: (اللَّهُمَّ، لَكَ صُمْنا، وعَلى رِزْقِكَ أفْطَرْنا، فَتَقَبَّلْ مِنّا، إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) [[أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١٢٧٢٠) (١٢/١٤٦)، والدارقطني في «سننه» (٢٢٨٠) (٣/١٥٦).]].
وعبدُ الملكِ بنُ هارونَ بنِ عنترةَ منكَرُ الحديثِ.
وجاء عندَ أبي داودَ في «المراسيلِ»، و«السنن»، ورواهُ البيهقيُّ أيضًا، مِن حديثِ حُصَيْنٍ، عن مُعاذِ بنِ زُهْرةَ، وهو مِن التابعينَ، مُرسَلًا، عن رسولِ اللهِ ﷺ، وهو مرسلٌ صحيحٌ[[أخرجه أبو داود في المراسيل (٩٩) (ص١٢٤)، و«السنن» (٢٣٥٨) (٢/٣٠٦)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٤/٢٣٩).]].
وأمثَلُ شيءٍ: ما رواهُ أبو داودَ في «السُّننِ»، مِن حديثِ الحُسَيْنِ بنِ واقدٍ، عن مروانَ بنِ سالمٍ المقفَّعِ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، مرفوعًا: (ذَهَبَ الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وثَبَتَ الأْجْرُ، إنْ شاءَ اللهُ) [[أخرجه أبو داود (٢٣٥٧) (٢/٣٠٦).]].
وصحَّ عن الربيعِ بنِ خُثَيْمٍ، وهو تابعيٌّ ـ كما رواهُ ابنُ فُضَيْلٍ في كتابِه «الدعاء» ـ: أنّه كان يَدْعُو عندَ فِطْرِهِ[[«الدعاء» لمحمد بن فضيل الضبي (٦٧) (ص٢٣٨).]].
{"ayah":"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق