الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ الآية، قال الضحاك: سأل بعض الصحابة النبي ﷺ: أقريب ربُنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 333، وكذا البغوي 1/ 205، وروى الطبري 2/ 158، وابن أبي حاتم 1/ 314، وأبو الشيخ في "العظمة" 2/ 535 وغيرهم: عن أبي الصلت بن حكيم عن أبيه عن جده، بمثل حديث الضحاك، وذكر في "الدر المنثور" 1/ 352: أنه رواه البغوي في معجمه، وابن مردويه، قال أحمد شاكر: وهذا الحديث ضعيف جدا، منهار الإسناد بكل حال. حاشية "تفسير الطبري" 2/ 158، وعزاه السيوطي في "الدر" 1/ 352 من حديث أبي بنحوه إلى سفيان بن عيينة في "تفسيره"، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على الزهد من طريق سفيان عن أبي.]]. وقال الحسن سأل أصحاب النبي ﷺ [[من قوله: (أقريب ..) ساقطة من (ش).]] فقالوا: أين ربنا؟ فأنزل الله هذه الآية [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 73، وعنه الطبري في "تفسيره" 2/ 158، وإسناده صحيح إلى الحسن، لكنه ضعيف لإرساله كما ذكر ذلك أحمد شاكر في تعليقه على الطبري. وعزاه السيوطي في "الدر" 1/ 352 من حديث أنس بنحوه إلى ابن مردويه.]]. وقوله تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: من أوليائي وأهل طاعتي [[تقدم الحديث عن هذه الرواية.]]. وقال أهل المعاني: يريد قربَه بالعلم، كما قال: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: 7]، وقال: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: 4]، يريد بالعلم [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 334، "الدر المصون" 2/ 289، وقد بين شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 5/ 247، 460 أن ما نطق به الكتاب والسنة من قرب الرب من عابديه وداعيه هو مقيد لا مطلق لجميع الخلق، وذكر رحمه الله أن قرب الله ودنوه من بعض مخلوقاته لا يستلزم أن تخلو ذاته من فوق العرش، بل هو فوق العرش ويقرب من خلقه كيف يشاء، كما قال ذلك من قال من السلف، وهذا كقربه من عبده موسى لما كلمه من الشجرة، وينظر أيضا: "مجموع الفتاوى" 6/ 13، و"النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" للشيخ عبد الله المحمود 2/ 735 - 751. وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرحه للعقيدة الواسطية" 460 ما خلاصته: اعلم أن من العلماء من قسم قرب الله إلى قسمين، كالمعية، وقال: القرب الذي مقتضاه الإحاطة قرب عام، والقرب الذي مقتضاه الإجابة والإثابة قرب خاص، ومنهم من يقول. إن القرب خاص فقط، مقتض لإجابة الداعي وإثابة العابد، ولا ينقسم، مستدلين بهذه الآية، وبقوله ﷺ: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد". رواه مسلم (482) كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، وهذا اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وقد أورد على قولهما: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ وقوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾، وهاتان عامتان في المؤمن والكافر، وأجيب بأن القرب فيهما إنما هو للملائكة، ألا ترى أنه قال بعد الأولى: إذ يتلقى المتلقيان، وهما من الملائكة، وقال في الثانية: ولكن لا تبصرون، أي: لا تبصرون الملائكة وهم حاضرون لقبض الروح.]]. وقوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ قال ابن عباس: أَتَقَبَّل عبادةَ من عَبَدَني وَوَحَّدني [[هذه من رواية عطاء، وقد تقدم الحديث عنها.]]. ويصحُّ حملُ الإجابة على القبول إذا حملت الدعاء على العبادة، والدعاءُ ضُرُوبٌ، فما كان توحيدًا وثناءً على الله، كقولك: يا الله لا إله إلا أنت، وقولك: ربنا لك الحمد يكون عبادة، لأنك دعوت الله ثم وحدته وأثنيت عليه، ولهذا يسمى دعاءً، ولما سمى العبادة دعاءً سمى القبول إجابةً؛ ليتجانس اللفظ، ومثله كثير في كلام العرب [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 255 بتصرف، وذكر ضربين آخرين: أحدهما: مسألة الله العفو والرحمة. وثانيهما: هو مسألته من الدنيا. كقولك: اللهم ارزقني مالا وولدا. وينظر: "البحر المحيط" 1/ 47.]]. وقال ابن الأنباري: ﴿أُجِيبُ﴾ هاهنا معناه: أسمع؛ لأنه أَخْبَر عن قُرْبه تعالى، وظاهر القُرْب يدل على السماع لا على الإجابة، والإجابة قد تكون في بعض المواضع بمعنى السماع؛ لأنها تترتب على السماع، فسمى السماعَ إجابةً، كما تقول: دعوت من لا يجيب، أي: دعوت من لا يسمع. قال الشاعر: منزلة صَمَّ صداها وعَفَتْ ... أرسُمُها إن سُئلتْ لم تُجبِ [[البيت بلا نسبة في "لسان العرب"1/ 618، 2/ 1152.]] أراد: لم تَسْمَع، فنفى الإجابة؛ لأن نفيها يدل على نفي السمع، وكما جعلوا الإجابة بمعنى السمع جعلوا السمع بمعنى الإجابة، فيقال: سمع الله لمن حمده، يراد به: أَجَابه. وأنشد أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي: دعوتُ الله حتى خِفْتُ أن لا ... يكونَ اللهُ يَسْمَعُ ما أقولُ [[البيت لسمير بن الحارث الضبي في "تاج العروس" 11/ 227 (سمع)، وفي "نوادر أبي زيد" ص 124.]] أرأد: يجيب، وإنما قام أحدهما مقام الآخرة لأنهما يترتبان في الوجود [[ينظر: "تفسير البغوي" 1/ 206، "البحر المحيط" 1/ 47.]]. وقال السدي: ما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، فإما أن عجل له في الدنيا، وإما ادّخر [[في (ش): (أخر).]] له في الآخرة، أو دفع به عنه مكروهًا [[رواه الطبري عنه في "تفسيره" 2/ 159، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 314.]]. و ﴿أُجِيبُ﴾ موضعه نصبٌ [[في (ش): (نصبًا).]] على الحَال، تأويله: فإني قريبٌ مجيبًا دعوةَ الداعي، فلما كان مستقبلًا رفع بما في أوله، ويجوز أن يكون مستأنفًا منقطعا مما قبله، ويجوز أن يكون محمولًا على ﴿قَرِيبٌ﴾. تأويله: فإني قريبٌ مجيب، فلما كان في لفظ الاستقبال رفع بالألف، وتأويله الرفع على النعت لقريب [[ينظر: "البحر المحيط" 2/ 45، وذكر أيضا إعرابًا آخر، وهو أن أجيب خبر بعد خبر.]]. وقوله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ أي: فليجيبوني بالطاعة وتصديق الرسل. وأجاب واستجاب بمعنى [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 159، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 315، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 255، "تفسير الثعلبي" 2/ 335.]]. قال كعب الغنوي [[هو: كعب بن سعد بن عمرو الغنوي، من بني غنى، شاعر جاهلي حلو الديباجة يقال له: كعب الأمثال، لكثرة ما في شعره من الأمثال، أكثر شعره في رثاء أخ له قتل في حرب ذي قار قال عنه الأصمعي بين أصحاب المراثي: ليس في الدنيا مثله. وقد رد الزركلي وعبد العزيز الميمني قولَ الغدادي والبكري: إنه شاعر == إسلامي. توفي نحو10 ق هـ. ينظر: "سمط اللائي" 772، "الأعلام" 5/ 227، "جمهرة أشعار العرب" ص 250.]]: وداعٍ دَعَا يا [[في (ش): (دعانا).]] مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدى ... فلم يَسْتَجِبْه عندَ ذَاك مُجِيْبُ [[البيت في "الأصمعيات" ص 96، "الأمالي" لأبي علي 2/ 151 "مجاز القرآن" 1/ 67 "لسان العرب" 1/ 283 (جوب).]] قال أهل المعاني: الإجابة من العبد لله تعالى: الطاعة، وإجابة كلِّ شيء على وفق السؤال، والله تعالى تَعَبَّدَنا بالطاعة، فالإجابة منّا له أن نطيعه، يقال: سأل فلان فلانًا شيئًا فلم يكن له عنده إجابة، أي: إعطاء لأن سؤاله كان استعطاءً، ويقال: أجابت السماء بالمطر، إذا أرسلت المطر، وأجابت الأرضُ بالنبات إذا أنبتت [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 159، "تفسير الثعلبي" 2/ 336، "البحر المحيط" 2/ 47.]]، قال زهير: وغيثٍ من الوسمي حُوٍّ تِلاعُه ... أجابت روابيه النِّجَاءَ هَوَاطِلُه [[البيت في "ديوانه" ص 127. و"المخصص" لابن سيده 10/ 190، "تفسير الثعلبي" 2/ 336، والوسمي: أول المطر، وحُوّ: تضرب إلى السواد من شدة خضرة نبتها، والتلاع: مسيل ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، والروابي: ما ارتفع من الأرض، وهواطله: مواطره، والهطل: مطر لين ليس بالشديد ينظر: "الديوان بشرح ثعلب" ص 127.]]. وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ أي: ليكونوا على رجاء من إصابة الرشد [[ينظر: "البحر المحيط" 2/ 47.]]. وقال ابن عباس: لكي يرشدوا [[هذا من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها.]]، ويقال: رَشِدَ يَرشَدُ ورشَدَ يَرْشُدُ: إذا أصاب الرشد، وهو نقيض الغي [[ينظر: "المفردات" للراغب ص 202، وقال: وقال بعضهم: الرَّشَد أخص من الرُّشْد، فإن الرشد يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، والرَّشَد يقال في الأمور الأخروية لا غير، والراشد والرشيد يقال فيهما جميعا.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب