وقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر السرائر، وهي القلوب؛ فإنَّ الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عاملَ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملةَ المسلمين؛ حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم ( ٢٥٨٤ / ٦٣)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.]]، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أنَّ فلانًا منافقٌ وفلانًا منافقٌ، لكن العمل في الدنيا على الظاهر، ويومَ القيامة على الباطن.
﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ أي: تُختبَر، وهذا كقوله: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾ [العاديات ٩]، ولهذا يجب علينا يا إخواني، يجب علينا العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، عملُ الجوارح علامةٌ ظاهرةٌ، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أَخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن الخوارج يخاطب الصحابةَ يقول: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ» يعني أنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة، لكن قلوبهم خاليةٌ والعياذ بالله، لا يتجاوز الإسلامُ حناجرهم «يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٥ / ١٤٨) واللفظ له، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]]. فعلينا أيُّها الإخوة أنْ نعتني بالقلوب وإصلاحِها وأعمالِها وعقائدِها واتجاهاتِها؛ قال الحسن البصري رحمه الله: «واللهِ ما سَبَقهم أبو بكرٍ بصلاةٍ ولا صومٍ، وإنما سَبَقهم بما وَقَرَ في قلبه من الإيمان»[[قال العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ١٩٠): ذكره في الإحياء بلفظ: «ما فَضَلَكُم»، وقال مخرِّجه العراقي: لم أجده مرفوعًا، وهو عند الحكيم الترمذي وأبي يعلى عن عائشة، وأحمد بن منيعٍ عن أبي بكر، كلاهما مرفوع، وقال في النوادر: إنَّه من قول بكر بن عبد الله المزني.]]. والإيمان إذا وقَرَ في القلب حَمَل الإنسانَ على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسانَ على إصلاح قلبه، فعلينا أيها الإخوة أنْ نعتني بقلوبنا وإصلاحها وتخليصها من شوائب الشركِ، والبِدَعِ، والحقدِ، والبَغْضاءِ، وكراهةِ ما أنزل الله على رسوله، وكراهةِ الصحابة رضي الله عنهم، وغيرِ ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه.
{"ayah":"یَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَاۤىِٕرُ"}