الباحث القرآني
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام ٢٧].
أولًا: ﴿لَوْ﴾ شرطية، وهي حرف وجود لوجود، أو امتناع لامتناع؟
ننظر ﴿لَوْ تَرَى﴾ لرأيت الجواب محذوفًا، تقديره: لو ترى إذ وقفوا على النار لرأيت أمرًا فظيعًا عظيمًا جسيمًا، فالجواب محذوف، إذا قلت: لو جاء زيد لجاء عمرو، هنا حرف امتناع لامتناع، لو قلت: لما جاء زيد جاء عمرو، فهذا حرف وجود لوجود، ولو قلت: لولا زيد لجاء عمرو؛ امتناع لوجود، إذن تقاسمت هذه الثلاث: الوجود والعدم.
وقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو لكل من يتأتّى خطابه؛ أي: لو ترى أيها الرائي ﴿إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾، وُقفوا عليها؛ أي: أوقفتهم الملائكة؛ لأنهم هم نفسهم لا يريدون النار، لكن يوقفون عليها اضطرارًا توقفهم الملائكة كما قال عز وجل: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور ١٣]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ [الملك ٨] ﴿إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾، والنار هي الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين كما قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٣١].
فقالوا: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام ٢٧] قالوا بألسنتهم أو بقلوبهم؟ الأصل أن القول باللسان، بصوت وحرف.
وقولهم: ﴿يَا لَيْتَنَا﴾ ﴿يَا﴾ هذه للتنبيه، وليست حرف نداء، وإنما قلنا ذلك؛ لأن (ليت) حرف لا يصح أن يُنادَى، هذا هو الأسهل والأقرب.
وقيل: إن (يا) حرف نداء، والمنادى محذوف، ويُقدّر بحسب ما يقتضيه السياق، فهنا يُقدر بقول: يا ربنا ليتنا نُردّ، لكن ما قلناه أولًا أصح؛ لأنه أيسر ولا يحتاج إلى تقدير، وإذا دار الكلام بين أن يكون فيه شيء مُقدّر أو لا فإنا نأخذ بالثاني؛ لأنه الأصل.
﴿لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ (ليت) للتمني، والتمني يكون في المحال وفي الصعب، في المحال كقول الشاعر:
؎أَلَا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْمًا ∗∗∗ فَأُخْبِرَهُ بِمَا فَعَلَالْمَشِيـــــــــــــــــــــــــــبُ
هذا محال، في العسير قوله:
؎أَلَا لَيْتَ مَا هَذَا الْحَمَامَ لَنَا ∗∗∗ إِلَى حَمَـــــــــــــــامَتِنَا وَنِصْفَهُفَقَدِ
هذا عسير.
وكقول الفقير: ليت لي مالًا فأتصدق منه، هذا ليس بمحال لكنه عسير.
هنا: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ تمني محال أو تمني عسير؟ تمني محال؛ لأنه لا يمكن أن يردوا إلى الدنيا، مع أنهم لو ردوا لكان الأمر خلاف ما قالوه.
﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ هذه داخلة في ضمن التمني. ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ كذلك، تمنوا ثلاثة أشياء:
الأول: الرد إلى الدنيا.
الثاني: ألا يكذبوا بآيات الله.
الثالث: أن يكونوا من المؤمنين. ولهذا جاءت ﴿لَا نُكَذِّبَ﴾ بالنصب؛ لأن (الواو) هنا (واو المعية)، فالثاني مع الأول، وكذلك ﴿نَكُونَ﴾ جاءت بالنصب؛ لأن (الواو) أيش؟ (واو المعية)، فالثاني مع الأول، تمنوا هذا كله ثلاثة أشياء، ولكنهم كاذبون فيما قالوا؛ لذلك قال الله عز وجل: ﴿بلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام ٢٨].
* طالب: نزلت في أبي طالب معنى ﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ بمعنى أنه يدافع عن النبي ﷺ ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ أي: أنه لا يؤمن.
* الشيخ: لا، هذا غلط عظيم؛ لأن الآية في سياق الذم للنهي عنه والنأي عنه، ومعلوم أن الدفاع عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس ذمًّا، بل هو محمود، لا، هذا غلط لكن شاف الصورة تشبه حال أبي طالب فظنها كذلك، وهذا من تحريف القرآن، والذم منصبّ على الأمرين.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام ٢٧، ٢٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ وما قبلها أخذنا فوائدها.
﴿وَلَوْ تَرَى﴾ الخطاب إما للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو لكل من يبلغه هذا الخطاب فقالوا: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾.
قلنا: في قوله: ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ قراءتان: قراءة بالرفع وقراءة بالنصب، فعلى قراءة النصب تكون (الواو) واو المعية؛ يعني: أنهم تمنوا أنهم يردون، ولا يكذبون بآيات الله، وعلى قراءة الرفع تكون داخلة في قوله: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ أي: مقول القول؛ والمعنى: يقولون: يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا، فتكون (الواو) عاطفة على الجملة السابقة، فقالوا: لا نكذب بآيات ربنا، والأول أبلغ وهو قراءة النصب ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عطف عليها.
* في هذه الآية فوائد؛ منها: شدة ندم الكافرين إذا وُقِفوا على نار جهنم؛ لكونهم يتمنون أمرًا لا يمكن أن يكون.
* ومنها: إثبات النار؛ وهي الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، وقد جاء في الكتاب والسنة من أصناف العذاب فيها ما هو معلوم لكثير من الناس.
* ومنها: إثبات القول للناس بعد البعث، وأن الإنسان بعد البعث يقول ويفعل كما يقول في الدنيا ويفعل.
* ومنها: إقرار هؤلاء بآيات الله عز وجل؛ لقولهم: ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾.
* ومنها أيضًا: إقرارهم بأنهم ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم تمنوا أن يكونوا مؤمنين، ولكن هذا لا ينفع؛ إذ قد انتهى كل شيء.
* ومنها: جواز حذف المعلوم، والمعنى: جوازه لغة، وفي هذا يقول ابن مالك رحمه الله:
؎وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ∗∗∗ تَقُولُ زَيْدٌ عِنْدَ مَنْ عِنْدَكُمَا
(وحذف ما يعلم جائز) ليس في المبتدأ والخبر فقط، بل في المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، وفي كل كلام، فما هو المقدَّر؟ أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، لرأيت أمرًا عظيمًا، هذا الجواب.
{"ayah":"وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذۡ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ یَـٰلَیۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق