الباحث القرآني
.
وقد حام أكثر المفسرين حول معنى هذه الآية، وما أوردوا ما يشفي.
فراجع أقوالهم تجدها لا تشفي عليلا، ولا تروي غليلا.
الآية معناها أجل وأعظم مما فسروها به. ولم يتفطنوا لوجه الإضراب ب «بل» ولا للأمر الذي بدا لهم، وكانوا يخفونه وظنوا أن الذي بدا لهم هو العذاب. فلما لم يروا ذلك ملتئما مع قوله (ما كانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ) قدروا مضافا محذوفا، وهو خبر ما كانوا يخفون من قبل، فدخل عليهم أمر آخر، لا جواب لهم عنه.
وهو: أن القوم لم يكونوا يخفون شركهم وكفرهم، بل كانوا يظهرونه، ويدعون إليه، ويحاربون عليه. ولما علموا أن هذا ورد عليهم، قالوا: إن القوم في بعض موارد القيامة ومواطنها أخفوا شركهم وجحدوه، وقالوا: واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ فلما وقفوا على النار بدا لهم جزاء ذلك الذي أخفوه.
قال الواحدي: وعلى هذا أهل التفسير.
ولم يصنع أرباب هذا القول شيئا. فإن السياق والإضراب ب «بل» والإخبار عنهم بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وقولهم «والله ربنا ما كنا مشركين» لا يلتئم بهذا الذي ذكروه. فتأمله.
وقالت طائفة، منهم الزجاج: «بل» لاتباع ما أخفاه عنهم الرؤساء، من أمر البعث.
وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير، وفيه من التكليف ما ليس بخاف.
وأجود من هذا: ما فهمه المبرد من الآية، قال: كأن كفرهم لم يكن باديا لهم، إذا خفيت عليهم مضرته.
ومعنى كلامه: أنهم لما خفيت عليهم مضرة عاقبته ووباله، فكأنه كان خفيا عنهم، لم تظهر لهم حقيقته. فلما عاينوا العذاب ظهرت لهم حقيقته وشره.
قال: وهذا كما تقول لمن كنت حدثته في أمر قبل: قد ظهر لك الآن ما كنت قلت لك. وقد كان ظاهرا له قبل هذا. ولا يسهل أن يعبر عن كفرهم وشركهم الذي كانوا ينادون به على رؤوس الأشهاد ويدعون إليه كل حاضر وباد بأنهم كانوا يخفونه، لخفاء عاقبته عنهم. ولا يقال لمن أظهر الظلم والفساد، وقتل النفوس وسعى في الأرض بالفساد: إنه أخفى ذلك، لجهله بسوء عاقبته، وخفائها عليه.
فمعنى الآية - والله أعلم بما أراد من كلامه -: أن هؤلاء المشركين لما وقفوا على النار، وعاينوها وعلموا أنهم داخلوها، تمنوا أنهم يردون إلى الدنيا فيؤمنون بالله وآياته، ولا يعودون إلى تكذيب رسله. فأخبر سبحانه أن الأمر ليس كذلك، وأنهم ليس في طبائعهم ولا سجاياهم الإيمان بل سجيتهم الكفر والشرك والتكذيب وأنهم لو ردوا لكانوا بعد الرد كما كانوا قبله. وأخبر أنهم كاذبون في زعمهم: أنهم لو ردوا لآمنوا وصدقوا.
فإذا تقرر مقصود الآية ومرادها تبين معنى الإضراب ب «بل» وتبين معنى الذي بدا لهم، والذي كانوا يخفونه، والحامل لهم على قولهم: «يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا» فالقوم كانوا يعلمون أنهم في الدنيا على باطل، وأن الرسل صدقوهم فيما بلغوهم عن الله، وتيقنوا ذلك وتحققوه، ولكنهم أخفوه ولم يظهروه بينهم، بل تواصوا بكتمانه. فلم يكن الحامل لهم على تمني الرجوع والإيمان معرفة ما لم يكونوا يعرفونه من صدق الرسل، فإنهم كانوا يعلمون ذلك ويخفونه. وظهر لهم يوم القيامة ما كانوا ينطوون عليه من علمهم أنهم على باطل، وأن الرسل على الحق، فعاينوا ذلك عيانا، بعد أن كانوا يكتمونه ويخفونه. فلو ردوا لما سمحت نفوسهم بالإيمان، ولعادوا إلى الكفر والتكذيب. فإنهم لم يتمنوا الإيمان لعلمهم يومئذ أنه هو الحق، وأن الشرك باطل. وإنما تمنوه لما عاينوا العذاب الذي لا طاقة لهم باحتماله. وهذا كمن كان يخفي محبة شخص ومعاشرته، وهو يعلم أن حبه باطل، وأن الرشد في عدوله عنه. فيقال له: إن اطلع عليك وليه عاقبك، وهو يعلم ذلك ويكابر، ويقول: بل محبته ومعاشرته هي الصواب، فلما أخذه وليه ليعاقبه على ذلك وتيقن العقوبة، تمنى أن يعفى من العقوبة وأنه لا يجتمع به بعد ذلك وفي قلبه من محبته والحرص على معاشرته ما يحمله على المعاودة بعد معاينة العقوبة، بل بعد أن مسته العقوبة وأنهكته. فظهر له عند العقوبة ما كان يخفي من معرفته بخطئه، وصواب ما نهاه عنه. ولو رد لعاد لما نهى منه.
وتأمل مطابقة الإضراب لهذا المعنى، وهو نفي قولهم: إنا لو رددنا لآمنا وصدقنا. لأنه ظهر لنا الآن أن ما قاله الرسل هو الحق، أي ليس كذلك، بل كنتم تعلمون ذلك وتعرفونه، وكنتم تخفونه، فلم يظهر لكم شيء جديد لتكونوا عالمين به لتعذروا، بل ظهر لكم ما كان معلوما، وكنتم تتواصون بإخفائه وكتمانه. والله أعلم.
{"ayahs_start":27,"ayahs":["وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذۡ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ یَـٰلَیۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ یُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"],"ayah":"وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذۡ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ یَـٰلَیۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق