الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾ [الأنعام ٢] لما ذكر خلق السماوات والأرض ثنّى بخلقنا نحن، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾، والطين هو التراب المبلول بالماء أو المخلوط بالماء، وهو معروف، وذلك بخلق أصلنا، وهو آدم، أما الإنسان فقد خُلق من ماء مهين من النطفة، لكن آدم خُلق من طين.
﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾ [الأنعام ٢] أي: قدَّر أجلًا انقضى وانتهى.
﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ [الأنعام ٢] ﴿مُسَمًّى﴾ أي: معلوم عند الله، وهنا الأفضل أن تقف ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾، ولا تصل؛ لأن الوصل قد يُشعِر بالتناقض؛ وجهه أن الأول: منصوب ﴿قَضَى أَجَلًا﴾، والثاني: مرفوع، والحكم أيضًا مختلف كما سيتبين -إن شاء الله- في الفوائد.
﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ عند الله؛ وهو قيام الساعة، فإن هذا مما يختص الله به عز وجل، قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب ٦٣] وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ [الأعراف ١٨٧]، هذا عند الله لا أحد يعلمه، ولا أحد يعلم عن انقضائه، أما الأجل الأول فنحن نعرف انقضاءه إذا وجدنا الرجل أنشأه الله، ثم أماته انقضى الأجل أو لا؟
قضى الله أجله وعرفناه، لكن الأجل المسمى المعلوم عند الله عز وجل يختص الله بعلمه.
﴿ثُمَّ﴾ أي: بعد أن عرفتم أنكم خُلقتم من طين، وأن الآجال تنقضي بعلم منكم وأجل آخر غير معلوم بعد هذا ﴿تَمْتَرُونَ﴾، والامتراء هو الشك أي: تشكون في البعث، فانظر الآن كيف ذكر في الآيات الأولى شرك هؤلاء بربهم؛ يعني الكفار، ثم ذكر نوعًا آخر، وهو الكفر باليوم الآخر؛ لأن الشك فيما يجب فيه اليقين كفر.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن بني آدم حادث بعد أن لم يكن، من أين تؤخذ؟
من قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [البقرة ٢٩]، وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان ١] ﴿هَلْ﴾ بمعنى (قد)، فمن عمره عشرون سنة هو قبل إحدى وعشرين سنة، نعم، لم يكن شيئًا مذكورًا فأوجده الله، ففيه دليل على حدوث بني آدم، وأنهم مخلوقون من العدم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أصل بني آدم، وأنهم من الطين، والطين من أين؟ من الأرض، وقد قال الله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه ٥٥].
فإن قال قائل: ما الجمع بين هذه الآية وبين قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ﴾ [الحجر ٢٦] وقوله تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الروم ٢٠]؟
فالجمع بينهما سهل؛ وذلك أن أصل بني آدم تراب صُبَّ عليه الماء فصار طينًا، بقي زمنًا مدة طويلة فصار صلصالًا؛ لأنه يسود، وإذا صُنع منه الشيء صار صلصالًا له صوت، إذا ضربته بأصبعك صار له صوت، فلا خلاف ولا تناقض.
واعلم أنه لا يمكن أن يقع التناقض بين دليلين قطعيين أبدًا؛ لأنه لو وُجد تعارض بينهما لم يكونا قطعيين؛ لأن القطعي؛ يعني أن غيره لا يمكن، فلا يمكن التعارض بين دليلين قطعيين أبدًا، لا في القرآن، ولا في السنة، ولا فيما بين القرآن والسنة، ولا بين الأدلة العقلية والنقلية، هذا لا يمكن؛ لأنه لو تصورنا هذا فأحدهما قطعًا غير صحيح؛ إذ إن الدليلين القطعيين النسبة بينهما التناقض والنقيضان أيش؟ لا يجتمعان ولا يرتفعان، لا بد من وجود أحدهما، ولا يمكن أن يجتمعا، ولا أن يتفقا.
فإذا تراءى لك التعارض بين دليلين قطعيين فاعلم أن الخطأ من فهمك، وأنه يمكن الجمع بينهما، وإما ألا يكون أحدهما قطعيًّا، ويكون الحكم لأيش؟ للقطعي، أما إذا كانا ظنيين فيمكن التعارض، وحينئذٍ يُنظر للترجيح.
إذا كان في القرآن ما ظاهره التعارض على وجه قطعي فاعلم أن هذا أيش؟ لا يمكن أبدًا، فإما أن تكون الدلالة غير قطعية، وإما أن يكون الحكم منسوخًا، أما أن يبقى الحكم والدلالة قطعية في الآيتين مثلًا فإن ذلك لا يمكن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحكم لله عز وجل وحده؛ لقوله: ﴿قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾، ولا أحد يُغيّر في هذه الآجال.
* ومن فوائدها: أن من مات مقتولًا فقد مات بأجله الذي قدّره الله له؛ لأن الله قضى، لا يقال: لولا أنه قُتل لم يمت، هذا مستحيل؛ لأن الله قضى أن يموت بالقتل؛ فهو مقتول بأجل.
لو قال قائل: لولا أن هذا الرجل قتل مثلًا الساعة الثانية عشرة من النهار لأمكن أن يتغدى الساعة الواحدة، ماذا نقول؟
نقول: لا يمكن أبدًا؛ لأن الله قضى هكذا، فلا بد أن يقع، فكل ميت ميت بأيش؟ بأجله المقدر له، ما يتقدم ولا يتأخر، لكن السبب قد يتقدم ويتأخر بحسب نظر الإنسان.
كما أن طول العمر بصلة الرحم أيضًا مقضي، لا يمكن أن نقول: لو كان هذا عاقًّا لمات قبل أن يموت إذا كان واصلًا ليش؟ لأننا قلنا: إن الله قدر أن يكون واصلًا، وأن يتأخر عمره، قضى الله أجلًا، ولا يمكن أن يتأخر.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الأجل المعلوم -الذي هو الساعة- عند الله عز وجل، لا أحد يصل إلى العلم به، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين؛ حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأله جبريل، وجبريل أفضل الملائكة، ومحمد أفضل البشر، سأله عن الساعة فقال: «مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]]. فإذا كان هذان الرسولان الكريمان لا يعلمان متى الساعة، فَمَن دونهما من باب أولى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: النداء بالبلاهة والغفلة لأولئك القوم الذين عرفوا أصلهم ومنشأهم فيمترون ويشكون في الأجل المسمى عند الله وهو يوم القيامة.
في سورة الجاثية احتج الذين ينكرون البعث و﴿قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية ٢٥]، فماذا تقولون في هذه الدعوى؟
غير صحيحة؛ لأن الذين أخبروا بالقيامة ما قالوا: الآن يبعثون، لم يأتِ الوقت بعد، لكن هذا من باب التشبيه الذي يُقصد به إضلال الخلق.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن طِینࣲ ثُمَّ قَضَىٰۤ أَجَلࣰاۖ وَأَجَلࣱ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق