الباحث القرآني
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ [غافر ٥٩] هذه الجملة مؤكدة بمؤكدين هما (إن) و(اللام) ثم أُكِّد هذا التأكيد بقوله وهو تأكيد معنوي والأول تأكيد لفظي ﴿لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ ﴿رَيْبَ﴾ (شك) ﴿فِيهَا﴾ أي: في إتيانها ووقوعها، والمراد بالساعة اليوم الذي يُبعث فيه الناس، وسمي ساعة؛ لأن الناس يُطلقون الساعة على الأمر الذي يَدْهى الناس، ويفجعهم حتى لا يشعرون به، والريب فسره المؤلف بالشك، وهو تفسير قريب لكنك تجد فرقًا يسيرًا لطيفًا بينهما؛ أي: بين الريب والشك، وهو أن الريب شك باضطراب وتردد.
فقول القائل: ارتاب، ليس بالتحديد كقوله: شك، بل الارتياب يحمل قلقًا واضطرابًا فهو إذن أخص من الشك، فكل ريب شك، وليس كل شك ريبًا لكن العلماء رحمهم الله يُفسِّرون الشيء بمقاربه، لكن الناس يفسرون الشيء بما يقاربه.
وقوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [غافر ٥٩] لا يؤمنون بأيش؟ بإتيان الساعة؛ ولهذا أُكِّد لهم إتيانها، ولما كان أكثر الناس لا يؤمنون بها كان أكثر الناس كافرين؛ لأن الإيمان بالساعة له أثر عظيم في تحقيق الإيمان، فإن مَنْ لم يؤمن بالساعة لا يعمل لأي شيء يعمل وهو لا يؤمن بيوم الحساب؟ ومن آمن بيوم الحساب كان حريصًا على أن ينجو من وبال هذا اليوم.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر ٥٩، ٦٠] لما ذكر الساعة ذكر ما يكون به الوقاية من وبالها وهو دعاء الله، فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي﴾ وأتى بالجملة بصيغة الغَيْبة تعظيمًا له عز وجل ﴿قَالَ رَبُّكُمُ﴾ ولم يقل: أقول، أو قلنا، أو ما أشبه ذلك تعظيمًا لله.
﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ﴿ادْعُونِي﴾ أمر و﴿أَسْتَجِبْ﴾ جوابه، جواب الطلب، والدعوة هنا تشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة، فدعاء المسألة أن يقول الإنسان: يا ربِّ اغفر لي، ودعاء العبادة أن يتعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع، وإنما كانت العبادة دعاءً؛ لأنها متضمنة لطلب الإنسان النجاة من النار، ودخول الجنة، أليس كذلك؟ لو سألت كل عابد: لماذا تعبد الله؟ قال: أريد أن أنجو من النار وأدخل في رحمة الله، إذن فهو متضمن للدعاء بلسان الحال.
وقوله: ﴿أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ نفسرها في مقابل دعاء المسألة بأعطكم ما سألتم ونفسرها بدعاء العبادة؛ بالقبول يعني أتقبل منكم فاستجابة الله تعالى لدعاء المسألة أن يعطي السائل ما سأل واستجابته لدعاء العبادة أن يتقبل من العابد، قال المفسر: (أي اعبدوني أُثبْكم بقرينة ما بعده)، وهذا التفسير بناءً على ما سمعتم بماذا تصفونه؟ بالقُصور، يعتبر تفسيرًا قاصرًا، وأما ما بعده فليس قرينة لتخصيصه بهذا، بل نقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر ٦٠] تدل على أن الدعاء عبادة؛ لأنه قال: ﴿ادْعُونِي﴾، ثم قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾. ولا شك أن الذي يستكبر عن دعاء الله، ويرى أنه غني عن الله وليس محتاجًا إليه لا شك أنه مستحق لهذا الوعيد؛ وهو أنه سيدخل جهنم صاغرًا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ هذا من جملة المقول ﴿سَيَدْخُلُونَ﴾ (بفتح الياء وضم الخاء وبالعكس) اعكس ﴿يُدْخَلُونَ﴾ وهما قراءتان سبعيتان صحيحتان.
﴿جَهَنَّمَ﴾ اسم للنار، وهو اسم مُعرَّب، وأصله على ما قيل: (كَهَنَّام)، وقيل: بل هو عربي، والنون فيه زائدة، وأصله من (الْجُهْمَة) يعني الظُّلْمة، وأيًّا كان فهو علم على النار، أجارنا الله وإياكم منها.
وقوله: ﴿دَاخِرِينَ﴾ صاغرين، الداخر: الصاغر.
نعود إلى فوائد الآيتين الكريمتين؛ الأولى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ [غافر ٥٩].
* من فوائدها: ثبوت قيام الساعة ثبوتًا مؤكدًا؛ لقوله: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ [غافر ٥٩].
* ومن فوائدها: التحذير من إهمال هذه الساعة، وعدم العمل لها؛ لقوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
* ومن فوائدها: وجوب الإيمان بالبعث.
ومن فوائدها: وجوب الإيمان بالبعث؛ لأنه خبر من الله مؤكد، وكل أخبار الله تعالى صدق، وكل وعد الله حق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: النهي عن الارتياب في هذه الساعة؛ لأن قوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الكهف ٢١] يحتمل أن يكون خبرًا مجردًا للتأكيد ويحتمل أن يكون خبرًا بمعنى النهي؛ أي: فلا ترتابوا فيها، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة ٢] فإن فيه تفسيرين:
الأول: أنه خبر محض، والثاني: أنه خبر بمعنى النهي؛ أي: لا ترتابوا فيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أكثر الناس لا يؤمنون بهذه الساعة وينكرونها يقولون: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس ٧٨]، ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية ٢٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على كلمة مشهورة، بل إبطال الكلمة المشهورة؛ وهو أن الإنسان إذا مات قالوا: عاد إلى مثواه الأخير، فإن هذه جملة باطلة؛ لأن القبر ليس المثوى الأخير، المثوى الأخير هو الجنة أو النار، أما القبر فإنه زيارة، معبر، كما أن الدنيا معبر كذلك القبر معبر، ولهذا سمع أعرابي قارئًا يقرأ قول الله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر ١، ٢] فقال الأعرابي: والله ما الزائر بمقيم، وإن هناك شيئًا وراء القبور؛ منين استنبط: ﴿زُرْتُمُ﴾، الزائر يبقى مدة ثم يرتحل.
إذن إذا سمعنا من يقول: إن هذا دفن في مثواه الأخير. أو ما أشبه ذلك، فإننا ننكر عليه، ونقول: اعدل عن هذه الكلمة؛ لأنها كلمة مضمونها لو اعتقده القائل لكان كافرًا.
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر ٦٠] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات القول لله عز وجل، وهذا القول هل هو قول نفسي لا يظهر أو هو قول ظاهر؟ الثاني، قول ظاهر؛ لأن القول النفسي إذا أُريد قُيِّد، كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ [المجادلة ٨]، ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾ [آل عمران ١٥٤]، فإذا أُطلق القول صار المراد به الكلام المسموع، وهذا قول السلف وأئمة الخلف؛ أن الله يتكلم ويقول بقول مسموع وبحرف؛ لأن ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر ٦٠] هذه كلمات مركبة من حروف أو لا؟ إذن يتكلم بحرف وصوت عز وجل.
وقول من قال: إن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، وأن ما يُسمع عبارة عن كلام الله، خلقه الله ليسمعه الناس، وإلا فإن كلامه ما في نفسه فقط. باطل؛ أي: هذا قول باطل؛ لأننا إذا فسرنا القول بهذا صار معناه العلم وليس القول.
والآن نريد أن نقارن بين قولين: قول يقول: ما في المصحف فهو كلام الله مخلوق. وقول آخر يقول: ما في المصحف فهو عبارة عن كلام الله مخلوق، أيهما أقرب إلى الصواب؟
* طلبة: الأول.
* الشيخ: الأول، الأول قول الجهمية والمعتزلة، والثاني قول الأشاعرة، فتبيَّن الآن أن قول المعتزلة والجهمية في كلام الله خير من قول الأشاعرة، مع أن الأشاعرة يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة، وكيف يكون هذا؟ إذن نثبت من هذه الآية القول لله، والقول لا يكون إلا بنطق مسموع وبحروف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عظمة الرب وتعاظمه، من قوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ﴾ [غافر ٦٠]، فإن هذه الصيغة تدل على عظمة القائل عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الربوبية لله، وهي تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة.
فالعامة: الشاملة للخلق، وهي تربية الخلق بالنعم، وتغذيتهم بالنعم، والخاصة: هي تربية عباد الله المؤمنين حيث رباهم الله عز وجل على ما يُحِب.
وقد اجتمع النوعان في قوله تعالى عن السحرة -سحرة آل فرعون-: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢] أيهما العامة؟ الأول (رب العالمين)، ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ خاصة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب دعاء الله أو استحباب دعاء الله؟
* طلبة: وجوب دعاء الله.
* الشيخ: من أين تأخذها؟ من قوله: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ لأنها تتضمن: لا تدعوا غيري.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الله تكفل ووعد الداعي بأنه مُجاب لقوله: ﴿أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، فإن قال قائل: ندعو كثيرًا ولا نرى إجابة، ونعمل كثيرًا ولا نحس بقبول، فما الجواب؟
الجواب أن نقول: الأسباب لا تؤثر إلا إذا وجدت محلًّا قابلًّا، أرأيتم السكين إذا قَدَدْتَ بها اللحم ينقطع أو لا؟ ينقطع، إذا قددت بها الحديد لا ينقطع، مع أنها في اللحم بَتَّارة وفي الحديد ما تعمل شيئًا، فالسبب لا بد أن يكون له محل قابل، وإلا فلا أثر له، ففي العبادة يعبد الإنسان ربه ولا يشعر بالقبول لوجود سبب يمنع ذلك؛ إما فوات شرط أو ركن أو واجب، أو حدوث مُفْسد، أليس كذلك؟ وإلا لو أنا أقمنا العبادات على ما طُلِب منا لوجدنا لها أثرًا ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت ٤٥]، من مِنا يشعر إذا صلى بكراهة الفحشاء والمنكر؟ والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلماذا لا نشعر بهذا؟ لأننا مقصرون.
في الدعاء دائمًا ندعو الله عز وجل ولا نرى إجابة، فنقول فيها كما قلنا في الأول: إن السبب لا بد له من محل قابل، فإذا دعا الإنسان ربه لكن قد فاته شيء من آداب الدعاء الواجبة أو المستحبة، أو وُجد مانع يمنع من قبول الدعاء، فليس الخلل في الدعاء، بل الخلل في الداعي والمحل.
ولنضرب مثلًا بإنسان دعا وهو لا يشعر بالافتقار إلى الله عز وجل، ولا يشعر بالفرار إلى الله، فهذا دعاؤه ناقص جدًّا، إذا قلت: رب اغفر لي مثلًا، لا بد أن تشعر أن هناك ذنوبًا تحتاج إلى مغفرة، وأنك في أشد ما يكون من الضرورة إلى مغفرة هذه الذنوب؛ لأن هذه الذنوب إذا لم تُغفر فيا ويلك، ذنب مع ذنب يكون كبيرة، ولهذا نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن مُحقرات الذنوب، وقال: «إِنَّ مَثَلَهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضًا فَأَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعُودٍ، فَجَمَعُوا حَطَبًا كثيرًا وَأَضْرَمُوا نَارًا كَبِيرَةً»[[أخرج أحمد (٢٦٧٩ / ٨) عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله ﷺ قال: «إياكم ومحَقَّرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه»، وإن رسول الله ﷺ ضرب لهن مثلًا: كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق، فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادًا، فأججوا نارًا، وأنضجوا ما قذفوا فيها.]]، مع أن الواحد منهم أتى بعود واحد، فالمهم أنك لا بد أن تشعر حين الدعاء أنك في غاية الضرورة إلى الله عز وجل.
ثانيًا: من الآداب التي فَقْدُها سبب لمنع الإجابة أن يكون عندك شك في استجابة الله لدعائك، مثل أن تستعظم المدعو به، تستعظمه تقول: هذا ما هو حاصل، فهذا غلط، هذا مما يمنع الإجابة، ولهذا «نهى النبي ﷺ عن قول القائل: اللهم اغفر لي إن شِئْتَ، وقال: «لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ»[[أخرج مسلم (٣٨١٧) بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ، قال: «إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه».]].
كذلك أيضًا من أسباب منع الإجابة أن يدعو الإنسان بإثم أو قطيعة رحم، فيدعو بإثم مثل أن يدعو على شخص لا يستحق الدعاء عليه، فهذا إثم، كأن يدعو على ولي أمر أساء في مسألة من المسائل، فيقول: اللهم لا توفقه وما أشبه ذلك، اعتداء في الدعاء، إذا رأيت ولي أمر صغيرًا كان أو كبيرًا أخطأ فليس علاجه أن تقول: اللهم لا توفقه، علاجه أن تقول: اللهم وفقه، يصلح ويصلح الله به، هذا من الاعتداء في الدعاء الذي لا يُقبل؛ من الاعتداء في الدعاء قطيعة الرحم، أن تدعو بقطيعة رحم أيضًا لا يُقبل، دعاء الظالم على مظلومه؟
* طالب: لا يقبل.
* الشيخ: ليش؟ لأنه إثم.
رابعًا: من موانع القبول أكل الحرام، أكل الحرام من موانع القبول؛ «لأن النبي ﷺ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب » -كل هذه الوجوه الأربعة من أسباب إجابة الدعاء- «ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، قال النبي ﷺ: «فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»[[أخرجه مسلم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، هذه كلها تمنع أو تحول بين الإنسان وبين قبول دعائه واستجابة الله له.
فإذا لم يوجد موانع، وكان المحل صالحًا وقابلًا، بقي عاد ما فوق ذلك، السبب الآن وافٍ ومتوفر، لكن بقي شيء وراء ذلك وهو مشيئة الله عز وجل،« قد يدفع الله عن الإنسان من الشر ما هو أعظم مما طلب، وقد يجيب ما طلب، وقد يدخر ذلك له أجرًا يوم القيامة » كما جاء في الحديث[[أخرج الترمذي (٣٦٠٤) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يُعَجَّل في الدنيا، وإما أن يُدَّخر له في الآخرة، وإما أن يُكَفَّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل». قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعجل؟ قال: يقول: «دعوت ربي فما استجاب لي».]]، وإلا فنحن واثقون غاية الثقة من صدق قوله تعالى: ﴿أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وأنه لا بد أن يكون، وأظن أنه لا يُمكننا أن نكمل بقية الفوائد، فلنقتصر على هذا، نعم.
* طالب: أحسن الله إليكم، هل ما يقوم بالقلب أو بالنفس يُسَمَّى قولًا يا شيخ؟
* الشيخ: لا، إلا إذا قُيد، فقيل: قال في نفسه؛ «مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٦٩)، ومسلم (١٢٧ / ٢٠١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
* الطالب: قول الأشاعرة: ما يقوم بالنفس، هل كلامهم صحيح هذا؟
* الشيخ: لا، غير صحيح، هذا كلام باطل، ولهذا الآن وازنَّا بين قولهم وبين قول المعتزلة، فصار قول المعتزلة أقرب إلى الصواب منهم؛ لأنهم يقولون: هذا اللي في المصحف كلام الله مخلوق، وهو كلام الله حقيقة لكنه مخلوق، وأولئك يقولون: مخلوق وعبارة عن كلام الله.
* طالب: أحسن الله إليكم، قول عمر رضي الله عنه: لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، يقصد (...)؟
* الشيخ: إي نعم، يقصد أن الإنسان قد لا تتوفر له أسباب القبول، وأنتم الآن حاسبوا أنفسكم، هل أنت إذا كنت في الصلاة وقلت: رب اغفر لي وارحمني بين السجدتين، هل تشعر بأن هناك ذنوبًا ثقيلة تسأل الله الخلاص منها؟ أو أنها كلمة تقولها لتأتي بالواجب، الواقع أننا إذا حاسبنا أنفسنا وجدنا عندنا نقصًا عظيمًا، الإنسان إذا دعا الله عز وجل بمجرد دعاء الله يستنير قلبه؛ لأن الدعاء عبادة، ولكن نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، هذه تأتي إن شاء الله بالفوائد.
* طالب: لماذا لا نقول إن الله عز وجل (...).
* الشيخ: لا؛ لأن هناك ضوابط كما سمعتم؛ أكل الحرام، إذا دعا بإثم أو قطيعة رحم، إذا كان قلبًا غافلًا لاهيًا، إذا شك في الأمر، هناك ضوابط معروفة من الشرع.
* الطالب: (...).
* الشيخ: اقرأ اللي بعدها: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة ١٨٦].
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، هل استجاب لله في آداب الدعاء وفي غيره؟ يجب أن تعلموا جميعًا أن الإطلاقات في موضع لا بد أن تُقَيَّد بما دل على التقييد في موضع آخر؛ لأن الشريعة واحدة، خرجت من مشكاة واحدة.
* طالب: قلنا: إن الإنسان لا يتعرض للدعاء حتى يفهم الدعاء، فمثلًا إنسان يكون عارفًا أن هذا الشيء صعب عليه..
* الشيخ: صعب على من؟
* الطالب: عليه هو.
* الشيخ: عليه هو؟! هو لو كان سهلًا عليه ما احتاج إلى الدعاء، يفعله.
* الطالب: يدعو به؟
* الشيخ: يدعو، إلا الاعتداء في الدعاء هذا ما يُقبل، لو قال: اللهم إني أسألك أن تجعلني من الرسل الكرام، ويش نقول؟
* طلبة: اعتداء.
* الشيخ: هذا اعتداء في الدعاء، اللهم اجعلني لا أذنب ذنبًا، عدوان في الدعاء، أو يقول: اللهم إني أسألك أن تقلب هذا المسجد من ذهب وزمرد، الله على كل شيء قدير، كن فيكون، لكن هذا خلاف العادة، وهو أيضًا في الغالب لا فائدة منه.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذا ممكن، ما فيه شيء، الله يجعلك كسيبويه في النحو، وكابن تيمية في العلم، آمين، ونحن إن شاء الله، يقولون إنه سُمِع واحد يطوف بالكعبة، فسمعه شخص وهو يقول: اللهم إني أسالك نحوًا كنحو ابن هشام، وفقهًا كفقه شيخ الإسلام، الله علة كل شيء قدير.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر ٦٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر ٦٠] هذه الآية سبق الكلام عليها، أليس كذلك؟ وذكرنا فوائدها.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ في هذا وعد الله سبحانه وتعالى لكل داعٍ أن يستجيب له، ولكن لا بد من شروط أظننا ذكرناها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الذين يستكبرون عن عبادة الله سيدخلون جهنم على وجه الذل والصغار لقوله: ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.
* ومن فوائدها: أن الجزاء من جنس العمل؛ يعني العقوبة تقابل الجرم؛ لأنهم لما استكبروا في الدنيا أُدخلوا النار صاغرين في الآخرة ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات النار لقوله: ﴿جَهَنَّمَ﴾.
* ومن فوائدها: أن الدعاء من العبادة؛ لقوله: ﴿ادْعُونِي﴾ ثم قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَـَٔاتِیَةࣱ لَّا رَیۡبَ فِیهَا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ","وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ"],"ayah":"وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق