الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فِعْلَ ذَلِكَ رَبَّكم لِيَقْضِيَ بَيْنَ عِبادِهِ بِالعَدْلِ فَيَدْخُلُ المُحْسِنُ الجَنَّةَ نُصْرَةً [لَهُ]، والمُسِيءُ النّارَ خِذْلانًا وإهانَةً لَهُ، لَمّا بَرَزَ بِهِ وعْدُهُ مِن أنَّهُ يَنْصُرُ رُسُلَهُ وأتْباعَهم في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ، (p-٩٩)وقالَ لِعِبادِهِ كُلِّهِمْ: آمَنُوا لِأُسَلِّمَكم مِن غَوائِلِ تِلْكَ الدّارِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وقالَ رَبُّكُمُ﴾ أيِ: المُحْسِنُ إلَيْكم بِهِدايَتِكم ووَعْدِكُمُ النُّصْرَةَ: ﴿ادْعُونِي﴾ أيِ: اسْتَجِيبُوا لِي بِأنْ تَعْبُدُونِي وحْدِي فَتَسْألُونِي ما وعَدْتُكم بِهِ مِنَ النُّصْرَةِ عَلى وجْهِ العِبادَةِ، وهَذا مَعْنى قَوْلِهِ ﷺ «الدُّعاءُ هو العِبادَةُ» فَقَدْ حَصَرَ الدُّعاءَ في العِبادَةِ سَواءٌ كانَتْ بِدُعاءٍ أوْ صَلاةٍ أوْ غَيْرِهِما، فَمَن [كانَ] عابِدًا خاضِعًا لِلَّهِ تَعالى بِسُؤالٍ أوْ غَيْرِهِ كانَتْ عِبادَتُهُ دُعاءً، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: ”وحِّدُونِي أغْفِرْ لَكُمْ“. وعَنِ الثَّوْرِيِّ أنَّهُ قِيلَ لَهُ: ”ادْعُ، فَقالَ: إنَّ تَرْكَ الذُّنُوبِ هو الدُّعاءُ“. ﴿أسْتَجِبْ﴾ أيْ: أوْجَدَ الإجابَةَ إيجادًا عَظِيمًا كَأنَّهُ مِمَّنْ يَطْلُبُ ذَلِكَ بِغايَةِ الرَّغْبَةِ فِيهِ. ﴿لَكُمْ﴾ في الدُّنْيا أيْ: بِإيجادِ ما دَعَوْتُمْ بِهِ، أوْ كَشْفِ مِثْلِهِ مِنَ الضُّرِّ، أوِ ادِّخارِهِ في الآخِرَةِ، لِيَظْهَرَ الفَرْقُ بَيْنَ مَن لَهُ الدَّعْوَةُ ومَن لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ في الدُّنْيا ولا في الآخِرَةِ، ولا تَتَّكِلُوا عَلى ما سَبَقَ بِهِ الوَعْدُ فَتَتْرُكُوا الدُّعاءَ فَتَتْرُكُوا العِبادَةَ الَّتِي الدُّعاءُ مُخُّها، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ (p-١٠٠)لِما خُلِقَ لَهُ، قالَ القُشَيْرِيُّ، وقِيلَ: الدُّعاءُ مِفْتاحُ الإجابَةِ، وأسْنانُهُ لُقْمَةُ الحَلالِ - انْتَهى - والآيَةُ بِمَعْنى آيَةِ البَقَرَةِ ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة: ١٨٦] ولَمّا كانَ السَّبَبُ في تَرْكِ الدُّعاءِ في العادَةِ الكِبْرُ، فَكانَ كَأنَّهُ قِيلَ: ولا تَتْرُكُوا دُعائِي تَكُونُوا مُسْتَكْبِرِينَ، عَلَّلَهُ تَرْهِيبًا في طَيِّهِ تَرْغِيبٌ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أيْ: يُوجِدُونَ الكِبْرَ، ودَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالدُّعاءِ العِبادَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿عَنْ عِبادَتِي﴾ أيْ: عَنِ الِاسْتِجابَةِ لِي فِيما دَعَوْتُ إلَيْهِ مِنَ العِبادَةِ بِالمُجادَلَةِ في آياتِي والإعْراضِ عَنْ دُعائِي في جَمِيعِ ما يَنُوبُهم في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ ﴿سَيَدْخُلُونَ﴾ بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ ﴿جَهَنَّمَ﴾ فَتَلْقاهم جَزاءً عَلى كِبْرِهِمْ بِالتَّجَهُّمِ والعَبُوسَةِ والكَراهَةِ ﴿داخِرِينَ﴾ أيْ: صاغِرِينَ حَقِيرِينَ ذَلِيلِينَ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ الدُّعاءَ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِهِ ثانِيًا، والعِبادَةَ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِها أوَّلًا. و[لَمّا] خَتَمَ ذَلِكَ أيْضًا بِأمْرِ السّاعَةِ، زادَ في الدَّلالَةِ عَلَيْهِ وعَلى الفِعْلِ بِالِاخْتِيارِ والحِكْمَةِ الَّتِي لا يُسَوِّغُ مَعَها إهْمالُ الخَلْقِ مِن غَيْرِ حِسابٍ، في دارِ ثَوابٍ وعِقابٍ، بَعْدَ الإتْقانِ لِدارِ العَمَلِ بِالخَطَإ والصَّوابِ، فَقالَ مُعَلِّلًا مُفْتَتِحًا بِالِاسْمِ الأعْظَمِ الَّذِي لا يَتَخَيَّلُ [أنَّ] المُسَمّى بِهِ (p-١٠١)يُهْمِلُ المُتَكَبِّرِينَ عَلَيْهِ مَعَ الإبْلاغِ في الإحْسانِ إلَيْهِمْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب