الباحث القرآني
(p-٤٥١)قوله عزّ وجلّ:
﴿لَخَلْقُ السَماواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِن خَلْقِ الناسِ ولَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَما يَسْتَوِي الأعْمى والبَصِيرُ والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ ولا المُسِيءُ قَلِيلا ما تَتَذَكَّرُونَ﴾ ﴿إنَّ الساعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ولَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكم إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عن عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَخَلْقُ السَماواتِ والأرْضِ﴾ الآيَةُ تَوْبِيخٌ لِهَؤُلاءِ الكَفَرَةِ المُتَكَبِّرِينَ، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: مَخْلُوقاتُ اللهِ تَعالى أكْبَرُ وأجَلُّ قَدْرًا مِن خَلْقِ البَشَرِ، فَما لِأحَدٍ مِنهم يَتَكَبَّرُ عَلى خالِقِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الكَلامُ في مَعْنى البَعْثِ والإعادَةِ، فَأعْلَمَ تَعالى أنَّ الَّذِي خَلَقَ السَماواتِ والأرْضِ قَوِيٌّ قادِرٌ عَلى خَلْقِ الناسِ تارَةً أُخْرى، و"الخَلْقُ" - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ. وقالَ النَقّاشُ: المَعْنى: مِمّا يَخْلُقُ الناسُ؛ إذْ هم في الحَقِيقَةِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا، فالخَلْقُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن خَلْقِ الناسِ﴾ مُضافٌ إلى الفاعِلِ عَلى هَذا التَأْوِيلِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ﴾ يَقْتَضِي أنَّ الأقَلَّ مِنهم يَعْلَمُ ذَلِكَ، ولِذَلِكَ مَثَّلَ الأكْثَرَ الجاهِلَ بِالأعْمى، والأقَلَّ العالِمَ بِالبَصِيرِ، وجَعَلَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ يُعادِلُهم قَوْلُهُ: ﴿المُسِيءُ﴾، وهو اسْمُ جِنْسٍ يَعُمُّ المُسِيئِينَ. وأخْبَرَ تَعالى أنَّ هَؤُلاءِ لا يَسْتَوُونَ، فَكَذَلِكَ الأكْثَرُ الجُهَلاءُ مِنَ الناسِ لا يَسْتَوُونَ مَعَ الأقَلِّ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ.
وقَرَأ أكْثَرُ القُرّاءِ، والأعْرَجُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ والحَسَنُ: [يَتَذَكَّرُونَ] بِالياءِ عَلى الكِنايَةِ عَنِ الغائِبِ، وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وقَتادَةُ، وطَلْحَةُ، وعِيسى، وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ: "تَتَذَكَّرُونَ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ عَلى المُخاطَبَةِ، والمَعْنى: قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ. ثُمَّ جَزَمَ تَعالى الإخْبارَ بِأنَّ الساعَةَ آتِيَةٌ، وهي القِيامَةُ المُتَضَمِّنَةُ لِلْبَعْثِ مِنَ القُبُورِ، والحِسابِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعالى، واقْتِرانِ الجَمْعِ إلى الجَنَّةِ وإلى النارِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا رَيْبَ فِيها﴾ أيْ في ذاتِها ونَفْسِها، وإنْ وُجِدَ مِنَ العالَمِ مَن يَرْتابُ فِيها فَلَيْسَتْ فِيها في نَفْسِها رِيبَةٌ.
(p-٤٥٢)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ آيَةُ تَفَضُّلٍ ونِعْمَةٍ ووَعْدٍ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالإجابَةِ عِنْدَ الدُعاءِ، وهَذا الوَعْدُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ المَشِيئَةِ لِمَن شاءَ تَعالى، لا أنَّ الِاسْتِجابَةَ عَلَيْهِ حَتْمٌ لِكُلِّ داعٍ، لا سِيَّما لِمَن تَعَدّى في دُعائِهِ، فَقَدْ «عابَ رَسُولُ اللهِ ﷺ دُعاءَ الَّذِي قالَ: اللهُمَّ أعْطِنِي القَصْرَ الأبْيَضَ الَّذِي عن يَمِينِ الجَنَّةِ.» وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنى [ادْعُونِي]: اعْبُدُونِي، و[أسْتَجِبْ] مَعْناهُ: بِالثَوابِ والنَصْرِ، ويَدُلُّ عَلى هَذا التَأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عن عِبادَتِي﴾، ويُحْتَجُّ لَهُ لِحَدِيثِ النُعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ أنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ: « "الدُعاءُ هو العِبادَةُ"،» وقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: المَعْنى: وحِّدُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، وقِيلَ لِلثَّوْرِيِّ: ادْعُ اللهَ تَعالى فَقالَ: إنَّ تَرْكَ الذُنُوبِ هو الدُعاءُ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، "سَيَدْخُلُونَ" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الخاءِ، وقَرَأ نافِعٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ عامِرٍ، والحَسَنُ، وشَيْبَةُ: [سَيَدْخُلُونَ] بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الخاءِ، واخْتَلَفَ عن أبِي عَمْرُو، وعن عاصِمٍ، و"الداخِرُ": هو الصاغِرُ الذَلِيلُ.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["لَخَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ","وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِیرُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِیۤءُۚ قَلِیلࣰا مَّا تَتَذَكَّرُونَ","إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَـَٔاتِیَةࣱ لَّا رَیۡبَ فِیهَا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ","وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ"],"ayah":"وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق