الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [فاطر ٥] النداء موجه في عموم الناس، كل الناس، المؤمن والكافر، قال: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾. قال المؤلف: (بالبعث وغيره). وصدق فكل ما وعد الله به فإنه حق سواء البعث أو العقاب أو الثواب أو النصر أو الخذلان أو غير ذلك مما وعد الله به فإنه حق.
﴿حَقٌّ﴾ هما بمعنى صدق وثابت فهو باعتبار الإخبار به صدق وأنه سيكون، وباعتبار وقوعه؟
* طالب: عدم.
* الشيخ: ما هو عدم، ثابت، باعتبار وقوعه ثابت ولا بد، فالحق هنا بمعنى الصادق من حيث الخبر به، الواقع من حيث ثبوته، وأنه أمر كائن لا محالة، ليس وعد الله عز وجل كوعد غيره، قد..
والنهي هنا مؤكد بالنون ﴿تَغُرَّنَّكُمُ﴾ [فاطر ٥]، وهذا تأكيد (...) فلا تغركم؛ أي: تخدعنكم، وهذا مُفرع على ما قبله؛ لأن الإنسان الذي تخدعه الدنيا يكون إيمانه بوعد الله تعالى ضعيفًا، إذ أن الدنيا تلهيه وتخدعه حتى ينجرف وراءها، وقوله: ﴿الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ لا شك أن ما فيه الآن حياة وضده الموت، وهي (دنيا) اسم تفضيل، مذكره؟
* طالب: دني.
* الشيخ: لا.
* طلبة: أدنى.
* الشيخ: أدنى، مثل: عليا وأعلى، سميت دنيا لوجهين: الأول: أنها متقدمة عن الآخرة، فهي أدنى إلى الناس من الآخرة، ولهذا سُميت الحياة الأولى، وسُميت دنيا أيضًا من دُنوذِّ مرتبتها، فهي دانية بمعنى قريبة؛ لأنها هي الأولى، وهي دانية؛ بمعنى دنو المرتبة؛ لأن ما فيها من النعيم إن قُدر فإنه منغص تنغيصًا مستقبلًا أو تنغيصًا حاضرًا؟ تنغيصًا حاضرًا؛ لأن نفس النعيم الذي تنعم به في الدنيا لا بد أن يُشاب بكدر كما قال الشاعر:
؎فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ ويَوْمٌ نُسَرْ
وهذا لو تأملته لوجدته كذلك، كل يوم في الأسبوع ناظر نفسك، يومًا تكون مستأنسًا منبسطًا ومسرورًا، ويومًا تغتم، ويومًا يجيك أشياء خارجية تفرحك، ويومًا آخر بالعكس، ثم لو قُدّر أن صفوها خلا من ذلك؛ يعني لم يُشب بأذى، فإن المستقبل ينغص عليك هذا الصفاء، كما قال الشاعر:
؎لَا طِيبَ لِلْعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً ∗∗∗ لَذَّاتُــــهُ بِـــادِّكَارِ الْمَــــــــــوْتِوَالْهَــــــــــــرَمِ
فلا بد من أحد أمرين؛ إما موت عاجل وإما هرم مُفند، فالإنسان إذا كبر -إذا قُدر أن الله تعالى مد له في العمر- فإنه يرجع إلى حاله الأولى ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ [النحل ٧٠]، يرجع إلى حاله الأولى، يسقط تمييزه، ويكون أشدَّ من الصبي، يعني كونه عالة على غيره أشد من كون الصبي عالة على غيره؛ لأن الصبي ما عنده عقل وتمييز، وغاية ما هنالك أنه يصيح، نعم، يدلِّله بشيء يلعب به ويسكت، لكن هذا الهرم عنده الشيء من التمييز تجده يصرخ على أهله مثلًا، يصرخ عليهم، يزعق عليهم، ويصيح، ويقول: كيف تنسون حاجتي (...) شاب، وأكد عليكم وأجيب لكم الطعام والشراب، واليوم تنسون (...) أكثر، نعم.
ثم هو أيضًا ثقيل، الصبي يقدر الواحد يحمله على يده ويمشي به يمينًا ويسارًا حتى يسكت، لكن هذا مُشكل، لذلك إذا تذكر الإنسان أنه إما أن يموت أو يصل إلى هذه الحال فمهما كان عيشه فسوف؟
* الطلبة: يتنغص.
* الشيخ: يتنغص، ولهذا نقول: هذه الحياة دنيا، مأخوذة منين؟ من دنو الزمن، ودنو؟
* الطلبة: المرتبة.
* الشيخ: المرتبة والقدر.
الحياة الدنيا ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [فاطر ٥] عن الإيمان بذلك؛ أي: بوعد الله، وما أكثر الذين غفلوا عن وعد الله، وما أكثر الذين اعتمدوا على الأسباب الظاهرة فنسوا الأسباب التي وراءها.
كثير من الناس يقول: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج ٤٠] كيف إن الله ينصر المسلمين وهم بهذه القلة، على أعدائهم الكفار وهم بهذه الكثرة وبهذه القوة، كيف هذا يكون؟ فيعتمد على الحياة الدنيا وعلى الأسباب المادية دون ما وراءها، والواجب علينا أن نؤمن بوعد الله، فالله جعل الوعد أن ينصر من ينصره، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النور ٥٥] يقول قائل: كيف إن الله يستخلفني في الأرض وعندنا الروس وعندنا الأمريكان وعندنا الإنجليز وغيرهم من الأمم القوية الكثيرة؟ أيش معنى هذا؟ ويش الجواب على ذلك؟
الجواب: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ لا تغرك الدنيا حتى في النصر، أسباب النصر ليست هي المادة فقط، بل هناك شيء وراءها وهو قوة العزيز عز وجل ﴿إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج ٤٠].
(﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ﴾ في حلمه وإمهاله ﴿الْغَرُورُ﴾ الشيطان) يعني: لا يخدعكم أيضًا من وَصْفُه الخداع، ولهذا جاء بوصف الغرور، و(غَرور) فَعول صفة مشبهة؛ لأن غروره كان وصفًا لازمًا له لزوم الوجوب، و(الغَرور) غير (الغُرور) بالضم، (الغُرور) بالضم مصدر، و(الغَرور) صفة مشبهة دالة على المعنى، و(...) به المعنى، فالغَرور إذن هو الشيطان، أي الشياطين الإنس ولّا الجن؟
* طالب: كلهم.
* الشيخ: نعم، كلهم جميعًا، من شياطين الجن من يَغُر، وهو معروف، هو الشيطان الذي يلقي في قلبك ما يحتال، ومن شياطين الإنس أيضًا من يَغُر، وهم جلساء السوء الذين يأتون الإنسان، فيدخلون فيه كما يدخل الماء في المدر أو النار في الفحم، ما يدري يدخلون دخولا بحيث يكون كالنائم أو كالـميت بين يدي الغاسل، فالله عز وجل حذرنا من هؤلاء ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾.
قال المؤلف: (في حلمه وإمهاله) صحيح أن الإنسان قد يغتر بالله في حلمه وإمهاله، فيقول لنفسه: لو كنت على خطأ لعاقبني الله، وما دام الله عز وجل يرزقني ويعافيني فهذا دليل على أني على حق، لكن هذا من الأماني الباطلة التي حذر عنها رسول الله ﷺ، فقال: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِي»[[أخرجه الترمذي (٢٤٥٩)، وابن ماجه (٤٢٦٠) من حديث شداد بن أوس، بدون زيادة: الأماني.]]، وهذا الحديث وإن كان فيه ما فيه من حيث الصحة لكن معناه صحيح بلا شك، فإن الكيس الحازم هو الذي يعمل لما بعد الموت، قال: ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ أي: لا يخدعنكم بالله في حلمه وإمهاله، وغير ذلك مما يتعلق بأفعاله وأحكامه ﴿لَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ أي: الخادع، وهو الشيطان.
قوله: (الشيطان)، هذا اسم للشيطان اللي هو إبليس، وهو مشتق من (شاط يشيط) إذا غضب، أو من (شَطَن يَشْطِن) إذا بَعُد، والوصفان ثابتان للشيطان؛ لأنه عنده طيش وسوء تصرف كالغضبان، كالذي يشيط غضبًا، وهو أيضًا شاطن؛ أي: بعيد عن رحمة الله عز وجل، فإن الله تعالى لعنه، قال: ﴿إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [ص ٧٨]، وقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [فاطر ٦]، ﴿عَدُوٌّ﴾ هذه -كما ترون- مؤكدة بـ﴿إِنَّ﴾ واللام؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: واللام ولّا لا؟
* الطلبة: (...) جار ومجرور..
* الشيخ: هذه جار ومجرور (...)، ﴿لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ ولم يقل: إن الشيطان عدوكم؛ لثبوت هذه العداوة، ﴿لَكُمْ عَدُوٌّ﴾، ولهذا أتى بالجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر، فـ﴿عَدُوٌّ﴾ مبتدأ مؤخر، و﴿لَكُمْ﴾ خبر مقدم، تقديم الخبر هنا يفيد الحصر؛ يعني كأنه ليس عدوًّا إلا لكم، كأنه قال: ليس عدوًّا إلا لكم، ومعلوم أن من انحصرت عداوته في شخص فإنه يجب عليه أن يحترز منه أكثر وأكثر، وقوله: ﴿عَدُوٌّ﴾ على وزن فعول فهي صفة مشبهة، والعدو ضد الولي، فإذا كان الولي هو الناصر المتولي لأمرك المعتني به، فالعدو هو الخائن الذي لا يهمه أمرك، فالشيطان عدو.
يقول الله عز وجل: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عدوًّا﴾ [فاطر ٦] لما أكد أنه عدو لنا أكد على ذلك، قال: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عدوًّا﴾ والفاء هنا يسمونها فاء التفريع؛ أي: فبسبب ثبوت كونه عدوًّا اتخذوه عدوًّا؛ يعني: اجعلوه عدوًّا لكم بحيث تنفرون منه نفوركم من الأعداء، فإذا قال قائل: ما الذي يدلنا على عداوته أو كيف نتخذه عدوًّا؟ الجواب: نتخذه عدوًّا بكراهته وبغضه، وبعدم الانصياع لأمره ووسوسته؛ لأنه هو كما قال الله عنه: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة ٢٦٨]، هو لا يأمر إلا بالفحشاء والسوء ومعصية الله عز وجل، فإذا أحسست من نفسك أنك تهوى المعصية فاعلم أن هذا من إملاء إبليس، من إملاء الشيطان، فيجب عليك أن تنفر من هذا؛ لأن هذا صادر من عدو لك لا يريد إلا إضرارك وخذلانك، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر ٦].
قال المؤلف: (﴿فَاتَّخِذُوهُ عدوًّا﴾ بطاعة الله، ولا تطيعوه) يعني: أطيعوا الله ولا تطيعوا الشيطان، وأنتم إذا أطعتم الله فإن هذا أعظم سلاح يغيظ هذا الشيطان اللي هو عدو لكم، فإذا أطعت الله عز وجل فإنك بذلك تغيظ الشيطان وتدحره وتذله، كما أنك تذل أوليائه أيضًا وتغيظهم، قال الله عز وجل: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ [الفتح ٢٩] إلى أن قال: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح ٢٩] فهؤلاء القوم بصفتهم المذكورة يغيظون الكفار، والكفار أولياء الشيطان، وإذا كانوا يغيظون الكفار فإنهم يغيظون أيضًا الشيطان، فأعظم شيء لإغاظة الشيطان هو أن تقوم بطاعة الله عز وجل، يُروي «أن الشيطان يقول عن بني آدم: أهلكتهم بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله وبالاستغفار»[[أخرجه أبو يعلى برقم (١٣٦) من حديث أبي بكرعن النبي ﷺ، قال: «عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار فأكثروا منهما فإن إبليس قال أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون أنهم مهتدون».]]، فالتوحيد وسؤال المغفرة لا شك أنه يغيظ الشيطان.
(يقول عز وجل: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ﴾ [فاطر ٦] أتباعه في الكفر ﴿لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر ٦] النار الشديدة).
﴿إِنَّمَا يَدْعُو﴾ (إنما) أداة حصر تفيد إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما سواه؛ يعني ما يدعو حزبه إلا لهذا العمل بأن يكونوا من أصحاب السعير، واللام في قوله: ﴿لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ اللام هذه للعهد؛ يعني يدعو حزبه للشر والفحشاء؛ لأجل أن يكونوا من أصحاب السعير، وقول المؤلف: (﴿حِزْبَهُ﴾ أتباعه في الكفر).
قد يُقال: إن فيه قصورًا؛ لأن حزب الشيطان الحزب المطلق لا شك أنهم كفار، لكن من عصى الله عز وجل ولو لم يكن كافرًا في معصية من المعاصي فله من حزبية الشيطان بقدر ما عصى الله، لكن الحزب المطلق هم الكفار قال: ﴿لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ يعني: من أصحاب النار، والسعير هو النار الشديدة، وإنما يدعوهم لذلك؛ لأنه لما غوى -والعياذ بالله- وتكبر عن طاعة الله ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف ١٦]، ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر ٣٩].
لما خُذل -والعياذ بالله- وطُرد وصار غاويًا حرص على أن يكون له أتباع في غيه، وهذا أمر مشاهد، أهل الحق يودون أن يكون لهم أتباع في الحق، وأهل الباطل يودون أن يكون لهم أتباع في الباطل، فالشيطان -والعياذ بالله- لما كان من أصحاب النار أحب أن يكون الناس -أي: بني آدم- أن يكون الناس كلهم من أصحاب النار، هؤلاء الذرية ذرية آدم ولّا لا؟ وشقاء إبليس إنما كان لتركه السجود لآدم، فلا جرم أن يضلل ذريته، وأن يحاول بكل ما يستطيع إغواءهم حتى يكونوا من أصحاب النار.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [فاطر ٧] ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مبتدأ خبره جملة ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، والعذاب العقوبة، وأتى بالجملة الاسمية لتحقق أو لثبوت هذا العذاب واستمراره؛ لأن الكافرين مخلدون في نار جهنم، والـ﴿شَدِيدٌ﴾ بمعنى القوي.
وأما غيرهم قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [فاطر ٧]، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الإيمان محله القلب؛ أي: صدقوا بما يجب الإيمان به مع القبول والإذعان، انتبه، والإيمان ليس مجرد التصديق، بل هو تصديق مقرون بقبول وإذعان، قبول لما آمن به، وإذعان يقتضيه هذا الإيمان، أما مجرد التصديق فليس إيمانًا، ولو شئتم لضربنا مثلًا بأبي طالب، فإن أبا طالب كان مصدقًا للنبي ﷺ ولكنه لم يقبل ولم يذعن فلم ينفعه هذا التصديق.
فـ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: صدقوا بما يجب الإيمان به تصديقًا مستلزمًا للقبول والإذعان، وأما قوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فلا بد من العمل الصالح حتى يتم الإيمان ويتحقق ويتبين.
العمل الصالح، قال العلماء: هو الذي كان خالصًا صوابًا، خالصًا لله، صوابًا في موافقة شريعة الله، وهذا التعريف يعم هذه الكلمة وغيرها، فما كان خالصًا لله موافقًا لشريعته فهو صالح، وما لم يكن كذلك فهو فاسد، فلو فقد الإخلاص من العمل لم يكن صالحًا، ولو وجد الإخلاص لكن لم يكن على وفق الشريعة لم يكن صالحًا.
وعلى هذا فالأعمال البدعية وإن أخلص فيها صاحبها ليست صالحة، والأعمال الشرعية إذا شاركها الرياء وإراءة الخلق لم تكن صالحة.
وقوله: ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هذه تتكرر في القرآن كثيرًا، وهي -على ما قاله النحويون- من باب حذف المنعوت ووجود النعت للدلالة عليه؛ لأن الأصل: وعملوا الأعمال الصالحات.
﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ ففي ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ذكر عملين لهم، وذكر لهم جزاءين، الذين كفروا ذكر عملًا واحدًا وجزاءً واحدًا ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [فاطر ٧] العمل الكفر، والجزاء العذاب الشديد، أما ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فهذان عملان، والجزاء ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ مغفرة لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ على أعمالهم الصالحات، والمغفرة هي صرف الذنب والتجاوز عنه؛ لأنها مأخوذة من المغفر وهو ما يستر به الرأس للوقاية من السهام، وهذا لا يكون إلا إذا كان قويًا يمنع، وليست الـمغفرة مجرد الستر؛ لأن مجرد الستر والعقوبة ليس بمغفرة، بل لا بد من أمرين: الستر وعدم الـمؤاخذة، وقوله: ﴿وَأَجْرٌ﴾ الأجر الثواب الذي يُجازى به العامل، حتى الأجرة مثلًا إذا استأجرت رجلًا يعمل لك عملًا وأعطيته أجرة فهذا أجر، وسمى الله عز وجل الثواب أجرًا؛ لأنه لا بد أن يناله العامل، فهو كأجرة المستأجر أو كأجرة الأجير، فلا بد أن يناله العامل، وهذا كقوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة ٢٤٥]، فسُمى العمل لله قرضًا؛ لأن القرض يجب الإيفاء به، فمثل هذه الآيات تدل على أن الله عز وجل أوجب على نفسه أن يثيب العامل، وقوله: ﴿أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ كبير في حجمه أو كبير في معناه؟
* الطلبة: الجميع.
* الشيخ: الجميع؛ لأن الإنسان في الجنة أدناهم منزلة من ينظر إلى ملكه مسيرة ألفي عام، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، وهذا لا شك أنه كبير واسع، وكذلك في المعنى؛ لأنه دائم وثابت، قال: (هذا بيان ما لموافقي الشيطان وما لمخالفيه) (موافقي الشيطان) من هم؟
* طلبة: الذين كفروا.
* الشيخ: الذين كفروا، ومخالفوه؟ الذين آمنوا وعملوا الصالحات، إذن يجب علينا أن نتخذ الشيطان عدوًّا بالإيمان والعمل الصالح.
قال المؤلف: (ونزل في أبي جهل وغيره ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ [فاطر ٨]) إلى آخره، أبو جهل كان يُسَمى في الجاهلية أبا الحكم؛ يعني أنه ذو حكمة وعقل وروية، لكنه سُمي في الإسلام أبا جهل؛ لأن أعظم جهله أن يبقى على كفره ولا يؤمن بالله، نزلت ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فاطر ٨]، ﴿أَفَمَنْ﴾ الهمزة هنا للاستفهام، والفاء حرف عطف، والمعطوف عليه مختلف فيه؛ فمنهم من قال: إنه مُقدر بين الهمزة وحرف العطف ويكون بحسب السياق، ومنهم من قال: إن المعطوف عليه ما سبق.
فعلى الأول: نقدر المحذوف بما يُناسب المقام، فمثلًا قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [يوسف ١٠٩] التقدير: أغفلوا فلم يسيروا في الأرض، وهنا يقول: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ نقدرها بما يناسب، فنقول في التقدير: أتدركون هذا الشيء؟ فمن زين له سوء عمله. أو نقول: أيستوي الـمؤمن والكافر، فمن زين له سوء عمله.
ولكن القول الثاني في المسألة -أنه معطوف على ما سبق- أحسن، لماذا؟ لأن الأصل عدم التقدير؛ ولأنه في بعض الأحيان يصعب على الإنسان أن يقدر المحذوف، وعلى هذا القول يقولون: إن الفاء تُقَدَّر سابقةً للهمزة، (...) حرف العطف يُقدر سابقًا للهمزة، يكون فيه تقديم وتأخير، والتقدير على هذا: فأمن زُين له سوء عمله.
وقوله: ﴿زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ من المزيِّن؟ ذكر الله عز وجل أن المزين الشيطان، وذكر أن المزين هو الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ [النمل ٤]، وقال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [النمل ٢٤]، وفي بعض الآيات يكون المزين مبهمًا كما في هذه الآية، وكما في قوله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ﴾ [آل عمران ١٤] إلى آخره، فالمزيِّن الله، والمزيِّن الشيطان.
فإذا قلت: كيف تجمع بين هذا وهذا؟ فالجواب أن المزين المباشر هو الشيطان، أما الله عز وجل فهو مزين بالتقدير؛ يعني هو الذي قدر على الشيطان أن يزين لهم، ومعلوم أن الله تعالى خالق الشيطان، وما نتج من أعماله فهو مضاف إلى الله، كما نقول في الإنسان: إنه مخلوق لله وما نتج من أعماله فهو مخلوق لله عز وجل، فيكون تزيين الله تعالى حسب التقدير؛ يعني: هو الذي قدر أن يزين الشيطان لهم أعمالهم.
وقوله: ﴿زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ عمل هو مفرد مضاف، ويشمل كل الأعمال، سواء كان الشرك أو العدوان على الغير أو سوء السلوك وفساد الأخلاق أو غير ذلك، المهم أنه شامل لكل الأعمال.
وقال المؤلف: (بالتمويه) ويش معنى (بالتمويه)؟ أنه يموه على الناس أن هذا العمل الذي يقوم به عمل حسن، ﴿فَرَآهُ حَسَنًا﴾ أي: رأى سوء عمله حسنًا، وهذا أشد ما يكون؛ أن يكون الإنسان على خطأ ويرى أنه على صواب؛ لأن مثل هذا لا يكاد يُقلع عن غيه، حيث إنه يعتبره صوابًا.
ومن ذلك -مثلًا- أصحاب الحيل المخادعون، فالمنافق مثلًا زُيِّن له سوء عمله؛ لأنه يرى أنه ذكي ﴿إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾ [البقرة ١٤]، وهذا من سوء العمل، المتحايلون على الربا بأنواع الحيل هؤلاء أيضًا زُين لهم سوء أعمالهم، ولهذا لا تكاد تجدهم يقلعون على ما هم عليه؛ لأنه قد زُين ذلك في نفوسهم فلا يقلعون عنه، المهم أن هذا له أمثلة كثيرة، بقي علينا أن نقول: (من) مبتدأ فأين خبره؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: (من مبتدأ خبره كمن هداه الله)، بعده؟
* الطالب: (لا، دل عليه).
* الشيخ: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ يعني: كمن لم يزين له سوء عمله، ورأى سوء عمله سيئًا؛ لأن الذي زُين له سوء عمله سيستمر عليه، والذي رآه سيئًا سوف يتجنبه، وهذا هو معنى قول المؤلف: (كمن هداه الله)، ومثل هذا التعبير يأتي في القرآن كثيرًا، كما في قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٩]، فالخبر محذوف أي كمن ليس كذلك يقول: (لا) أيش معنى (لا)؟
* طالب: يعني ليس.
* الشيخ: يعني ليس هذا كهذا؛ لأن بينهما فرقًا، فإن من زُين له سوء عمله سيبقى على ضلاله، ومن لم يُزين له سوء عمله فرآه سيئًا فسيتجنبه ولا يقع فيه.
قال المؤلف: (دل عليه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ ) دل عليه (...).
﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر ٨]، وعلى هذا فالفاء هنا ليست واقعةً في خبر المبتدأ، بل خبر المبتدأ محذوف، لكنها عطف على ذلك الخبر؛ أي: فإن الله يضل من يشاء عن الحق فلا يهتدي إليه ويهدي من يشاء إلى الحق فيلتزمه.
وهنا يقول: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ يمر علينا كثيرًا تعليق الأشياء بالمشيئة، ولكننا قلنا ونقول: إن هذه المشيئة مقرونة بالحكمة، فمن اقتضت حكمة الله عز وجل أن يضل أضله، ومن اقتضت حكمته أن يهديه هداه، من الذي تقتضي حكمة الله عز وجل أن يضله؟ هو الذي أراد الضلال، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥]، فإذن إضلال الله تعالى للعبد في محله، وذلك بأن يكون هذا الرجل لا يريد الخير، وإنما يريد الشر.
واعلم أن الهداية والضلال إما عدل وإما فضل، الضلال عدل؛ لأنه جوزي بحسب ما أراد، لما أراد الضلال -والعياذ بالله- وزاغ قلبه أُزيغ، وأما الهداية فإنها فضل من الله عز وجل، يتفضل بها على من يشاء من عباده، ولهذا نقول: لو قال قائل: كيف يجعل الله تعالى هذا مهتديًا وهذا ضالًا، أليس هذا ظلمًا؟ فالجواب: لا؛ لأن منع الهداية من هذا الضال إنما هو بمقتضى عدله، أما هداية المهتدي فهو بفضله، فنقول: إن منعك ما هو لك فقد ظلمك، وإن منعك فضله ففضل الله يؤتيه من يشاء، ولولا أنك لست أهلًا للهداية ما منعك الله الهداية.
* طالب: شيخ، ما (...)؟
* الشيخ: * في هذه الآية فوائد عديدة:
* أولًا: أهمية التصديق بوعد الله عز وجل، وجه ذلك لما صدره بالنداء فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ [فاطر ٥].
* ثانيًا: أن الكفار مخاطبون بفروع الدين وأصوله؛ لأن الخطاب هنا عام ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾.
* الشيء الثالث من فوائدها: أن وعد الله لا بد أن يقع؛ لأنه خبر من صادق قادر؛ لقوله: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ أي: صدق في حال الخبر عنه، واقع في حال إيقاعه، * فمن فوائد الآية هنا أن ما وعد الله به فهو حق لا بد أن يقع.
* ومن فوائدها: أنه يجب على الإنسان ألا يغتر بالدنيا مهما حصل له من زهرتها ونعيمها؛ لقوله: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [فاطر ٥].
* ومن فوائدها أيضًا: أن من (...) بالدنيا فإنه مخدوع؛ لقوله: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ﴾ أي: تخدعنكم؛ لأن العاقل لا ينخدع بها.
* ومنها الإشارة إلى وجوب العناية بالآخرة؛ لقوله: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾، وإذا نهينا عن الحياة الدنيا فمعناها أننا نلزم أو نؤمر بالعناية بالآخرة؛ لأنها -في الحقيقة- هي المنتهى.
أما هذه الدنيا فإن الإنسان يمرها عابرًا فقط، حتى القبور التي يبقى فيها الإنسان من السنوات ما لا يعلمه إلا الله هي محل عبور، قال الله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر ١، ٢] سمع أعرابي رجلًا يقرأ هذه الآية فقال: والله ما الزائر بمقيم، أو: إن الزائر لظاعن؛ لأنه قال: ﴿حَتَّى زُرْتُمُ﴾، والمعروف أن الزائر يبقى مدة ثم ينصرف.
* ومن فوائدها أيضًا: دنو الدنيا مرتبة ودناءتها؛ لقوله: ﴿الدُّنْيَا﴾، فهي وإن كانت حياة لكنها دنيا، ويستلزم ذلك الثناء على الآخرة؛ لأن وصف الضرة بعيب يدل على وصف ضرتها بكمالٍ، نعم، قال الله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز تنعم الإنسان في الدنيا على وجه لا تغره؛ لقوله: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ﴾ ولم يقل: فلا تتنعموا في الدنيا بشيء، بل قال: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾.
* ومنها: عِظَم الخطر من كثرة المال ويسر العيش؛ لأن هذا قد يشغل المرء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَإِنَّمَا أَخْشَى أَنْ تُفْتَحَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٠١٥)، ومسلم (٢٩٦١ / ٦) من حديث عمرو بن عوف.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الحذر من الشيطان ووساوسه؛ لقوله: ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [فاطر ٥]، وسواء كان الشيطان إنسيًّا أو جنيًّا؛ لأن الشيطان الإنسي يغر الإنسان كما يغره شيطان الجن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحذر الشديد من هذا الذي يغرنا من شياطين الإنس والجن؛ لأنه وصفه بقوله: ﴿الْغَرُورُ﴾، و(الْغَرُورُ) كما قلنا: إما صفة مشبهة، وإما صيغة مبالغة، ما قلنا: إنها مصدر.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عدوًّا﴾ [فاطر ٦] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات الشيطان؛ لقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾.
* ومنها: إثبات عداوته المؤكدة للإنسان؛ لقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾.
* ومنها: أهمية إيماننا بذلك، وجهه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* الطالب: ﴿الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾.
* الشيخ: إي، لكن ويش وجه أهمية علمنا بأنه عدو؟
* طلبة: الحصر.
* الشيخ: إما على التوكيد، وجه ذلك؟
* طالب: أنه أكده (...) باللام.
* الشيخ: لا، اللام ما هي مؤكدة، لكن وجه كونهم لما أُكِّد صار للأهمية عِلْمنا بذلك.
* طالب: (...) إذا أكد أن الشيطان لنا عدو فإذن نحذر منه أكثر من (...).
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: (...) مر علينا في البلاغة أن الخطاب الخبري هو الخطاب الذي يُلقى إلى المخاطب بدون توكيد، ما مر علينا هذا؟ في البلاغة أن الخطاب الخبري هو الذي يُلقى إلى المخاطب بغير توكيد، وأنه لا يؤكد في مقام الخطاب الخبري إلا بسبب، الخطاب الخبري إذا أُلقي إلى إنسان خالي الذهن فإنه لا يؤكد؛ لأنه لا داعي للتوكيد، التوكيد ليس فيه إلا زيادة كلمات لا فائدة منها، لكن إذا كان الأمر ذا أهمية فإنه يؤكد ولو كان الإنسان خالي الذهن، فإذا كان عالمًا بالأمر صار أيضًا توكيده أبعد، ولا نحتاج إلى التوكيد على كل حال.
فالآن نقول: فإن الله أكد هذا الكلام والمخاطب خالي الذهن أو عالم به من قبل يدل على أهمية الإيمان بهذا الأمر الذي عليه الشيطان، وهو أنه عدو.
وقد قال علماء البلاغة: إن الخبر إذا ألقي إلى عالم به مؤكدًا كان ذلك من أجل أن هذا المخاطب نُزِّل منزلة المنكر لكونه لم يقم بما يقتضيه هذا الخطاب، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ [المؤمنون ١٥].
كلنا يعلم أنه سيموت، لكن لماذا أكد لنا الموت ونحن نعلم به ونتأكد منه؟ لأن فعلنا فعل المنكر للموت حيث إننا لا نصدق ولا نعمل لما بعد الموت، إذن نأخذ من هذه الآية أهمية إيماننا بأن الشيطان لنا عدو، من أين علمنا ذلك؟ لأنه أكد الخبر مع أنه ينقل إلى إنسان خالي الذهن لا يدري بأن الشيطان عدو، أو إلى إنسان عالم به ولكنه نزل منزلة المنكر؛ لكونه لم يتخذ الشيطان عدوًّا له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب البعد عما يأمر به الشيطان؛ لقوله: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عدوًّا﴾ [فاطر ٦].
* ومن فوائدها أيضًا: ذكر الأوصاف المذمومة إذا كان المقصود بها نصح المخاطب؛ لقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عدوًّا﴾ [فاطر ٦] لو رأيت شخصًا مغترًّا بآخر يحسبه صديقه، وهذا الشخص الذي اغتر به صاحبه عدو له نعلم أنه يريد أن يوقع به كل سوء فإنه يجب علينا أن ننصحه عنه ونذكر معايب هذا الشخص حتى لا يغتر به فنقول: إنك تصاحب فلانًا وهو عدو لك، نعم حتى إن كانت عداوته لكونه يهديه إلى صراط الجحيم، إي نعم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان رحمة الله تعالى بعباده؛ لأن العلم بعداوة الشيطان غير مدرَك لهم، ولكنه تعالى هو الذي أخبرنا به، ثم حثنا -بل أمرنا- بمخالفته؛ لقوله: ﴿فَاتَّخِذُوهُ عدوًّا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشيطان له في بني آدم إرادات سيئة (...)، لكن ما فيها دليل على أن من الناس من يدخل النار ولا يخلد فيها فلا يكون من أصحابها نقول: يمكن، فإن الشيطان يريد من الناس أن يبلغوا الذروة في المخالفة وإذا بلغوا ذروة المخالفة وكفروا حينئذ يكونون من أصحاب النار الذين يخلدون فيها، أما المعاصي التي دون ذلك فإن أصحابها لن (...) النار -كما دلت عليه النصوص- فلا يكونون من أصحابها.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [فاطر ٧] إلى آخره.
* طالب: (...) حتى المؤمنين اللي عندهم معاصي..
* الشيخ: لا، هنا يقول: الحزب، هنا الحزب -حزب الشيطان- قد يكون حزبًا له (...)، وهذا قد يكون ما نقول: لا يكون، لكن الشيطان يريد من هذا من كل من يدعوه أن يكون من أصحاب النار.
قال: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ في هذه الآية إثبات الثواب والعقاب؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [فاطر ٧].
* ومن فوائدها: بلاغة القرآن حيث يجمع بين الشيء وضده، وهو مصداق قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر ٢٣]، قال (...) في معنى قوله: ﴿مَثَانِيَ﴾ أنه تثنى فيه المعاني، وهنا لما ذكر عذاب الكافرين ذكر ثواب المؤمنين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بلاغة القرآن أيضًا من وجه آخر حيث بدأ بذكر عذاب الكافرين، بعد أن ذكر ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عدوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر ٦] فبدأ بما فيه التحذير بعد ما فيه التبشير، من آيات المناسبة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكافر عذابه شديد؛ يعني ليس بالعذاب السهل (...) شدة عذاب الكافرين (...) من أين هذا (...)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أسألك من أين؟
* الطالب: من ناحية اتباعهم للشيطان.
* الشيخ: ما نوع السبب؟ ما وجه شدته؟
* الطالب: وجه شدته؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: أنهم في النار، عذاب شديد.
* الشيخ: (...) شدته، هل هو بكيفيته أو بكميته؟
* الطالب: بالكمية والكيفية.
* الشيخ: بالكمية والكيفية؛ لأنه دائم ولأنه عذاب لا نظير له؛ إي نعم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأجر لا يثبت إلا (...) في وصفين؛ أحدهما: الإيمان، والثاني: العمل الصالح.
* ومن فوائد الآية: تقسيم الأعمال إلى صالح وفاسد، يؤخذ من قوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، وما هو الضابط؟ قلنا فيما سبق: إن الضابط أن ما كان خالصًا صوابًا فهو صالح، وما كان فيه شرك أو بدعة فليس بصالح.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات (...) أجرهم مرتين من زوال المكروه الثابت في قوله: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾، وحصول المطلوب الثابت في قوله: ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: بلاغة القرآن؛ لأنه لما ذكر عملًا واحدًا في الكفار ذكر جزاءً واحدًا، ولما ذكر وصفين في المؤمنين ذكر وصفين في ثوابهم، وهذا ظاهر أيضًا في مثل سورة الإنسان ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ [الإنسان ١]، إذا تأملتها وجدت الله عز وجل لم يذكر في الكافرين وعذابهم إلا قليلًا بالنسبة للأبرار، السبب ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان ٤] قال: للكافرين فقط، ولم يقل شيئًا من أعمالهم، بل كان الجزاء مختصرًا: ﴿سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾.
وذكر الأبرار وأطال في ذكر ما لهم من النعيم؛ لأنه ذكر عدة أعمال من أعمالهم ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٥، ٦] شوف، الأبرار عباد الله ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٧ - ٩] الإخلاص التام ﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (٩) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان ٩، ١٠] نعم، في تردد هذه الأوصاف من أوصافهم، فأطال في ذكر جزائهم لما أطال في ذكر أعمالهم أطال في ذكر جزائهم بخلاف الكافرين، وهذا بلا شك من بلاغة القرآن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأجور تختلف؛ لقوله: ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ باختلاف أي شيء؟ تختلف باختلاف العمل، وتختلف باختلاف العامل، وإذا كانت متعدية فإنها تختلف باختلاف من انتفع بها، فمثل أن تختلف باختلاف العمل: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٧)، ومسلم (٨٥ / ١٣٩) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
الواجب أفضل من المستحب، باختلاف العامل: مر علينا: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»[[أخرجه البخاري (١٤٢٦) من حديث أبي هريرة.]]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤١ / ٢٢٢) من حديث أبي سعيد.]] هذا باختلاف أيش؟
* طالب: العامل.
* الشيخ: باختلاف العامل، تختلف أيضًا باختلاف المحل إذا كانت متعدية فالصدقة على القريب صدقة وصلة، والصدقة على من هو أشد حاجة أفضل من الصدقة عمن دونه وهكذا، فاختلاف الأعمال يستلزم اختلاف الأجور أيضًا، تختلف أيضًا (...) باختلاف الإخلاص.
* طالب: (...).
* الشيخ: باختلاف الإخلاص؛ يعني أنه كلما كان الإنسان في عمله أخلص كان عمله أفضل، ولّا لا؟ ويمكن أن نقول أيضًا: تختلف باختلاف الاتباع، وكلما كان اتباعه أكثر لله (...) كانت أكمل، وعلى كل حال فالاختلافات هذه في وجودها يختلف بها الأجور.
قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فاطر ٨].
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ فتجد أن هذه الآية ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ أن هذه المشيئة تابعة لحكمة، فمن اقتضت حكمة الله أن يضله أضله، وهو الذي لا يريد الخير؛ لقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥]، وقوله: ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر ٨] المراد به هداية التوفيق، وربما نقول: هداية التوفيق والدلالة، ولكن الأهم هداية التوفيق، ولعل هذا هو المراد هنا؛ لأن الذين أضلهم الله قد هداهم الله هداية الدلالة، ثم قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ [يونس ٢٥] وهذا عام، ولكن الهداية قال: ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس ٢٥] فما كل مدعوٍّ يهتدي.
وقوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر ٨] هذا نَهْيٌ عما كان ولّا عما لم يكن؟ الظاهر أنه نهي عما كان، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتحسر على هؤلاء المكذبين الذين كانوا يكذبونه، والنهي عن الشيء قد يكون نهيًا عما كان وقد يكون نهيًا عما لم يكن، فقوله للنبي عليه الصلاة والسلام: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء ٢١٣، ٢١٤] هذا نهي عما؟
* طالب: لم يكن.
* الشيخ: عما لم يكن؟ ولّا عما كان؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾.
* الطلبة: عما لم يكن.
* الشيخ: عما لم يكن صح؛ لأن الرسول ما فعل، كذا؟ ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء ٢٩]؟
* طالب: عما لم يكن.
* الشيخ: ولّا عما كان؟
* طالب: عما كان.
* طالب آخر: عما لم يكن.
* الشيخ: هل (...) في نفسه (...)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني (...).
* طالب: بالنسبة (...).
* الشيخ: (...) لا تقتلوا أنفسكم، هل المعنى: لا يقتل بعضكم بعضًا فهذا صحيح، نَهْيٌ عمَّا لم يكن وعما كان، لكن إذا كان نهيًا أن يقتل الإنسان نفسه فهذا طبعًا لم يكن؛ إذ لا يمكن أن يقتل نفسه إلا وهو موجود.
* طالب: إذا انتحر ما يقتل نفسه يا شيخ؟
* الشيخ: إي، لكن ما تقول: ولا تقتل نفسك.
* الطالب: في حياته؟
* الشيخ: إي، قبل أن يموت، أما بعد أن (...) فلا يمكن، إذن فلا (...) نقول هذه نهي عما لم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: سبحان الله، (...) ما كان.
* طالب: (...).
* الشيخ: الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتحسر على فوات (...) والأدلة (...) ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ [هود ١٢]، ويقول عز وجل: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ أي: مهلك نفسك ﴿أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ٣].
فالرسول عليه الصلاة والسلام تحسر لهؤلاء لعدم إيمانهم؛ يقول هنا: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ يعني لا تذهب نفسك من أجلهم، نعم، كما يقال: بكيت عليك الدهر. أي: من أجلك، فالمعنى: لا تذهب نفسك من أجلهم حسرات.
قوله: ﴿حَسَرَاتٍ﴾ قيل: إنها حال على أنها مصدر أُريد به اسم الفاعل؛ أي: حاسرةً، والحسرة هي الهم الشديد والغم على ما فات، فكل من فاته شيء يحبه ويطلبه فاهتم لذلك واغتم يُقال: تحسر، وقيل: إن ﴿حَسَرَاتٍ﴾ مصدر (...)، وأنه مفعول من أجله، المعنى: فلا تذهب نفسك؛ أي: تهلك من أجل الحسرات عليهم.
قال المؤلف: (﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ﴾ على المزين لهم ﴿حَسَرَاتٍ﴾ باغتمامك ألا يؤمنوا ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [فاطر ٨] فيجازيهم عليه).
في هذه الجملة تهديد وتسلية؛ تهديد لهؤلاء المخالفين، وتسلية للرسول عليه الصلاة والسلام؛ يعني لا (...) فإن حسابهم على الله وسوف يجازيهم.
قوله تعالى: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ أو من أولها أظن، من أول الآية.
قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: أن من الناس من يعمى قلبه حتى يرى السيئة حسنة، وفي مقابل ذلك يرى الحسن سيئًا؛ لقوله: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾.
* ومن فوائدها: إبهام الفاعل ليشمل كل ما يمكن أن يقع منه هذا الفعل؛ لقوله: ﴿زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾، وقد مر علينا أن المزين هو الله عز وجل في الأصل، والشياطين في المباشرة.
* ومن فوائدها: انقسام الأعمال إلى سيء وصالح؛ لقوله: ﴿سُوءُ عَمَلِهِ﴾.
* ومن فوائدها: الرد على الجبرية؛ لقوله: ﴿سُوءُ عَمَلِهِ﴾ فأضاف العمل إليه، وهم يقولون: إن الأعمال لا تضاف للإنسان؛ لأنه مجبر عليها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من هذه حاله لا يستوي مع من ليس كذلك بحيث يرى السيئ سيئًا، والحسن حسنًا، ونأخذها من أن المحذوف يكون مقابلًا للمذكور؛ لأن الهمزة هنا للتسوية؛ يعني: أيستوي هذا وهذا؟ والجواب: لا يستويان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الهداية والإضلال بيد الله؛ لقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
* ومن فوائدها -وهي تتفرع على هذه الفائدة-: أننا إذا علمنا ذلك فإننا نسأل الهداية من الله، ونستعيذ من الضلال بالله، نستعيذ من الضلال بالله عز وجل؛ لقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات مشيئة الله عز وجل؛ لقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾، ولكنه مر علينا أن كل فعل علقه الله بمشيئته فإنه مقرون بالحكمة، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠].
* ومن فوائدها: الرد على القدرية؛ لقوله: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ فإن القدرية يقولون: إن أفعال العبد من ضلالة أو هداية لا تتعلق بها مشيئة الله؛ لأن مذهبهم -القدرية- مذهبهم: أن الإنسان مستقل بعمله، ليس لله تعالى فيه تعلق إطلاقًا، حتى إن غلاتهم يزعمون أن الله لا يعلم عمل العبد حتى يقع، ويقولون: إن الأمر أُنُف، أي: مُسْتَأْنف؛ أي: إن علم الله عز وجل يحدث بعد أن لم يكن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن رسول الله ﷺ -وعز من أرسله- كان يحزن حزنًا عظيمًا تكاد تذهب نفسه من شدته؛ لقوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ وجه ذلك أن الأصل في النهي أن يكون عما وقع، وقد يكون عما لم يقع، وهو كثير أيضًا، ويدل على أن هذا أمر واقع قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ٣].
* ومن فوائدها: شفقة النبي ﷺ على أمته.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يحزن لعدم إيمانهم أو طاعتهم لمصلحته هو، ولكن لمصلحتهم؛ لقوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾.
* ومنها: أن النبي ﷺ بشر، يتأثر بما يتأثر به البشر من أسباب الفرح وأسباب الحزن، وهذا أمر واقع، «وقد دخل النبي عليه الصلاة والسلام على عائشة ذات يوم مستبشرًا تبرق أسارير وجهه، فسألته عن ذلك فقال: «أَلَمْ تَرَيْ إِلَى مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ دَخَلَ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَهُمَا مُتَغَطِّيَانِ بِرِدَاءٍ قَدْ ظَهَرَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٧٣١)، ومسلم (١٤٥٩ / ٣٩) من حديث عائشة.]]، ففرح عليه الصلاة والسلام حتى ظهر ذلك على وجهه، فالأعراض البشرية تطرأ على النبي ﷺ كغيره من البشر من الفرح والحزن والغم والاستبشار والنسيان وعدم العلم وغير ذلك؛ لأنه لا يتميز عن البشر إلا بشيء واحد وهو الوحي، قال الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف ١١٠] شوف ﴿بَشَرٌ﴾ تغني عن ﴿مِثْلُكُمْ﴾ لكن هذا من باب التأكيد؛ لئلا يذهب ذاهب إلى أنه بشر قد خُصص بشيء فقال: ﴿بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾، ثم ذكر الميزة فقال: ﴿يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف ١١٠]، وفي هذا رد واضح على أولئك القوم الذين يدعون أن للنبي ﷺ تأثيرًا في الخلق كتأثير ربوبية الله عز وجل؛ لأنه لو كان كذلك ما ذهبت نفسه عليهم حسرات لهداهم، وسَلِم من هذه الحسرات التي تكون على نفسه.
* ومن فوائدها: إثبات علم الله عز وجل بكل ما نعمل؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [فاطر ٨].
* ومن فوائدها: عناية الله برسوله ﷺ في مثل هذه الجملة التي تفيد تسليته وتهوين الأمر عليه، وأنه ما من حساب هؤلاء عليه من شيء، كما أنه ليس من حسابه هو عليهم من شيء.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَلَا یَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ","إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا یَدۡعُوا۟ حِزۡبَهُۥ لِیَكُونُوا۟ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ","ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرࣱ كَبِیرٌ","أَفَمَن زُیِّنَ لَهُۥ سُوۤءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنࣰاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَیۡهِمۡ حَسَرَ ٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَلَا یَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق