الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر ٤٥] (لو) هذه شرطية و(لو) تأتي شرطية كما هنا، وتأتي للتمني مثل قوله: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩]، وتقول مثلًا: لو كان لي مثل مال فلان؛ يعني أتمنى أن يكون لي مثل مال فلان، فتأتي شرطية، وتأتي للتمني، وتأتي أيضًا مصدرية بمعنى (أن).
قلنا: هي شرطية، وإذا كانت شرطية فإما أن يكون جوابها مثبتًا، وإما أن يكون منفيًّا، فإن كان مثبتًا فالأكثر فيه إثبات اللام، وإن كان منفيًّا فالأكثر فيه حذف اللام، مثال ذلك في الإثبات قوله تعالى: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ [الواقعة ٦٥] أين الجواب؟ ﴿لَجَعَلْنَاهُ﴾ [الواقعة ٦٥] ففيه اللام، وقال تعالى في نفس السورة: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ [الواقعة ٧٠]، الجواب ﴿جَعَلْنَاهُ﴾ وحذفت منها اللام، أما إذا كان جوابها منفيًا بـ(ما) فإن الأكثر عدم اقتران (ما) باللام، فتقول مثلًا: لو جاءني ما أهنته، وهنا قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر ٤٥] وقد تقترن اللام بـ(ما) لكنها قليلة كقول الشاعر:
؎وَلَوْ نُعْطَى الْخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا ∗∗∗ .........................
والأكثر ما افترقنا، يقول الله تعالى: (﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا﴾ [فاطر ٤٥] من المعاصي) ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾. قوله: ﴿يُؤَاخِذُ﴾ أي يعاقب، والمؤاخذة بالذنب العقوبة عليه.
وقوله: ﴿النَّاسَ﴾ عام يشمل الكفار ويشمل العصاة من المؤمنين، فلو يؤاخذ الناس كلهم بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.
وقوله: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ (ما) يجوز أن تكون مصدرية؛ أي: بكسبهم، ويجوز أن تكون موصولةً، فإذا كانت موصولة فلا بد من تقدير العائد، وتقديره: بما كسبوه.
وقوله: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ أي: بما اكتسبوا من المعاصي، وسمى الله تعالى المعاصي كسبًا؛ لأن العامل ينال جزاءها فكأنه كسب هذا الجزاء مع أنه كسبٌ رابح ولا كسبٌ خاسر؟ خاسر ولهذا إذا اقترن مع العمل الصالح أتى بغير هذا اللفظ قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ..﴾ [البقرة ٢٨٦] (...)
وقوله: (﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا﴾ [فاطر ٤٥] أي: الأرض) كيف قال المؤلف: (أي: الأرض) وأعاد الضمير على غير مذكور؟ قال بعضهم: إنه أعاده على مذكور وهو قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤]، والكلام كله في سياق واحد في سياق العاصين ومآلهم وعقوبتهم، فالكلام نسق واحد فالأرض إذن مذكورة. وقال بعضهم: هي غير مذكورة لكنها معلومة من السياق؛ لأن الدواب إنما هم على ظهر الأرض فهي معلومة من السياق، وما عُلِم من السياق فإنه لا يحتاج إلى مرجع مذكور، ألم ترَ إلى قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص ٣٢] ﴿تَوَارَتْ﴾ ما هي؟ الشمس مع أنه لم يسبق لها ذِكْر، لكنها معلومة؛ لأنها هي التي تتوارى بالحجاب، يقول: (﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ نسمة تدب عليها) ﴿مِنْ﴾ حرف جر زائد زائد ولَّا لا؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لأنها جاءت بعد النفي ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ أي: ما ترك عليها دابةً، لكنها دخلت عليها ﴿مِنْ﴾ لتؤكد العموم.
قال المؤلف: (نسمة تدب عليها) النسمة هي كل ذات تتنفس؛ لأنها مأخوذة من النَّسَم وهو التنفس، وكل شيء فيه روح فإنه يتنفس، المعنى لهلَك كل شيء على الأرض، أما البشر العاصون فهلاكهم واضح، وأما غيرهم فبشؤمهم؛ بشؤم العصاة تموت هذه الدواب؛ إما بأن يمنع الله عز وجل المطر والنبات فتموت هذه الدواب؛ لأنها لا تجد عيشًا، أو أنها تموت بأوبئة تجتاحها بسبب أعمال الناس.
ثم قال: (﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي يوم القيامة) ﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ﴾ أي: الناس، والفاعل هو الله.
﴿إِلَى أَجَلٍ﴾ أي: مدة. ﴿مُسَمًّى﴾ مُعَيَّن وما هو؟ يوم القيامة، كما قال الله تبارك وتعالى في سورة هود: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا..﴾ [هود ١٠٣، ١٠٤] (...) معين. ﴿أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ معين عند منْ؟ عند الله سبحانه وتعالى، ولا يعلم هذا الأجل إلا الله، فإن علم الساعة لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، عجز عنه أعلم البشر وأعلم الملائكة حين سأل جبريل النبي ﷺ عن الساعة قال: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث عبد الله عن أبي هريرة.]]. والأجل المسمى لا بد أن يجيء، كل شيء مسمى فهو قريب لكن الأجل المبهم هو الذي ينتظره الإنسان إلى أن يحصل، أما المسمى فلا بد أن يُوصَل إليه.
﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ يعني انتهت المدة وصار يوم القيامة سواءٌ كانت القيامة الكبرى أو القيامة الصغرى، القيامة الكبرى العامة لجميع الناس والصغرى موت كل إنسان ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾، فيجازيهم على أعمالهم بإثابة المؤمنين وعقاب الكافرين.
جملة ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ جواب الشرط ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾.
فإن قال قائل: ما وجه ارتباط الجواب بالشرط ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر ٤٥]؟ يعني قد تتوقع: فإذا جاء أجلهم عاقبهم الله.
فيقال: إن قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ أبلغ من: فإذا جاء أجلهم عاقبهم الله؛ لأن من هؤلاء من قد يعفو الله عنه فلا يعاقبه، ولكنه ذكر أنه بصيرٌ بأعمالهم يجازيهم عليها، وإن شاء ألا يعاقبهم فعل في من يستحق العفو.
* في هذه الآية الكريمة فوائد، منها: سعة حلم الله سبحانه وتعالى، وجهه أنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك عليها من دابة، ولكن يحلم عز وجل ويمهل لعل الناس يتوبون.
* ومن فوائدها: تمام قدرة الله تعالى حيث يقدر على إهلاك العالم بلحظة ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾.
* ومنها: بيان شؤم المعاصي، وأنها قد تعم العاصي وغيره بل الْمُكلَّف وغير المكلف ولَّا لا؟ وإلا فإن هذه الدواب التي هي أكثر بكثير من البشر ومن الجن ما ذنبها وهي غير مكلفة؟ لكن هذا من شؤم المعاصي، وأنها تشمل حتى من ليس بمكلف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على الجبرية؛ لقوله: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ فأثبت للعبد كسبًا، والجبرية يقولون: إن الإنسان مجبرٌ على العمل، ما يستطيع يكتسب، يُجبر على أن يعمل خيرًا أو شرًّا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات حكمة الله عز وجل في مجازاة العاملين بعملهم؛ لقوله: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر ٤٥]، ولكن لحِلمه يؤخرهم إلى أجل مسمى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه مهما حلَّت بالبشر من عقوبة مدمرة أو مُنقِّصة فإنما ذلك بماذا؟ بما كسبت أيديهم..
{"ayah":"وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُوا۟ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَاۤبَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِیرَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق