الباحث القرآني
ولَمّا كانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِالتَّوَعُّدِ؛ اسْتِهْزاءً؛ فَيَقُولُونَ: ما لَهُ لا يُهْلِكُنا؛ عُلِمَ أنَّ التَّقْدِيرَ: ”لَوْ عامَلَكُمُ اللَّهُ مُعامَلَةَ المُؤاخِذِ؛ لَعَجَّلَ إهْلاكَكُمْ“؛ فَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ - إظْهارًا لِلْحُكْمِ مَعَ العِلْمِ -: ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ﴾؛ أيْ: بِما لَهُ مِن صِفاتِ العُلُوِّ؛ ﴿النّاسَ﴾؛ أيْ: مَن فِيهِ نَوَسٌ؛ أيْ: حَرَكَةٌ واضْطِرابٌ؛ مِنَ المُكَلَّفِينَ عامَّةً.
ولَمّا كانَ السِّياقُ هُنا لِأفْعالِ الجَوارِحِ؛ لِأنَّ المَكْرَ والكِبْرَ إنَّما تُكْرَهُ آثارُهُما؛ لا الِاتِّصافُ بِهِما؛ بِخِلافِ الَّذِي هو سِياقُ ”النَّحْلِ“؛ فَإنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الِاتِّصافِ؛ وإنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهِ أثَرٌ مِن آثارِ الجَوارِحِ؛ عَبَّرَ هُنا بِالكَسْبِ؛ (p-٧٩)وفَكَّ المَصْدَرَ لِيَخُصَّ ما وُجِدَ مِنهُ بِالفِعْلِ؛ فَقالَ: ﴿بِما كَسَبُوا﴾؛ أيْ: مِن جَمِيعِ أعْمالِهِمْ؛ سَواءٌ كانَ حَرامًا؛ أوْ لا؛ ﴿ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها﴾؛ أيْ: الأرْضِ؛ ﴿مِن دابَّةٍ﴾؛ أيْ: بَلْ كانَ يُهْلِكُ الكُلَّ؛ أمّا المُكَلَّفُونَ فَلِأنَّهُ لَيْسَ في أعْمالِهِمْ شَيْءٌ يَقْدُرُهُ - سُبْحانَهُ - حَقَّ قَدْرِهِ؛ لِما لَهم مِنَ النَّقْصِ؛ ولِما لَهُ - سُبْحانَهُ - مِنَ العُلُوِّ؛ والِارْتِقاءِ؛ والكَمالِ؛ وأمّا غَيْرُهم فَإنَّما خُلِقُوا لَهُمْ؛ والمَعاصِي تُزِيلُ النِّعَمَ؛ وتُحِلُّ النِّقَمَ؛ وذَلِكَ كَما فَعَلَ في زَمانِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ لَمْ يَنْجُ مِمَّنْ كانَ عَلى الأرْضِ غَيْرُ مَن كانَ في السَّفِينَةِ؛ ﴿ولَكِنْ﴾؛ لَمْ يُعامِلْهم مُعامَلَةَ المُؤاخِذِ المُناقِشِ؛ بَلْ يَحْلُمُ عَنْهُمْ؛ فَهو ﴿يُؤَخِّرُهُمْ﴾؛ أيْ: في الحَياةِ الدُّنْيا؛ ثُمَّ في البَرْزَخِ؛ ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أيْ: سَمّاهُ في الأزَلِ؛ لِانْقِضاءِ أعْمارِهِمْ؛ ثُمَّ لِبَعْثِهِمْ مِن قُبُورِهِمْ؛ وهو لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيْهِ؛ لِما لَهُ مِنَ الصِّفاتِ الَّتِي هي أغْرَبُ الغَرِيبِ عِنْدَكُمْ؛ لِكَوْنِكم لا تُدْرِكُونَها حَقَّ الإدْراكِ؛ ﴿فَإذا جاءَ أجَلُهُمْ﴾؛ أيْ: الفَنائِيُّ الإعْدامِيُّ؛ قَبَضَ كُلَّ واحِدٍ مِنهم عِنْدَ أجَلِهِ؛ أوِ الإيجابِيُّ الإبْقائِيُّ؛ بَعَثَ كُلًّا مِنهُمْ؛ فَجازاهُ بِعَمَلِهِ مِن غَيْرِ وهْمٍ؛ ولا عَجْزٍ.
ولَمّا كانُوا يُنْكِرُونَ ما يُفْمِهُهُ ذَلِكَ مِنَ البَعْثِ؛ أكَّدَ؛ فَقالَ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ؛ المُوجِدَ بِتَمامِ القُدْرَةِ؛ وكَمالِ (p-٨٠)الِاخْتِيارِ؛ ﴿كانَ﴾؛ ولَمْ يَزَلْ؛ ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلْكَسْبِ؛ الَّذِي هو أعَمُّ مِنَ الظُّلْمِ؛ قالَ: ﴿بِعِبادِهِ﴾؛ الَّذِينَ أوَجَدَهُمْ؛ ولا شَرِيكَ لَهُ في إيجادِ أحَدٍ مِنهُمْ؛ بِجَمِيعِ ذَواتِهِمْ؛ وأحْوالِهِمْ؛ ﴿بَصِيرًا﴾؛ أيْ: بالِغَ البَصَرِ؛ والعِلْمِ؛ بِمَن يَسْتَحِقُّ العَذابَ مِنهم بِالكَسْبِ؛ ومَن يَسْتَحِقُّ الثَّوابَ؛ فَقَدِ انْطَبَقَ آخِرُها؛ كَما تَرى؛ عَلى أوَّلِها؛ بِاسْتِجْماعِ صِفاتِ الكَمالِ وتَمامِ القُدْرَةِ عَلى كُلٍّ مِنَ الإيجادِ؛ والإعْدامِ؛ لِلْحَيَوانِ؛ والجَمادِ؛ مَهْما أرادَ؛ بِالِاخْتِيارِ؛ لِما شُوهِدَ لَهُ - سُبْحانَهُ - مِنَ الآثارِ؛ كَما وقَعَ الإرْشادُ إلَيْهِ بِالأمْرِ بِالسَّيْرِ؛ وبِغَيْرِهِ؛ وبِما خُتِمَتْ بِهِ السُّورَةُ مِن صِفَةِ العِلْمِ؛ عَلى وجْهٍ أبْلَغِ مِن ذِكْرِهِ بِلَفْظِهِ؛ لِما مَضى في سُورَةِ ”طـه“؛ مِن أنَّ إحاطَةَ العِلْمِ تَسْتَلْزِمُ شُمُولَ القُدْرَةِ؛ ولا تَكُونُ القُدْرَةُ شامِلَةً إلّا إذا كانَتْ عَنِ اخْتِيارٍ؛ فَثَبَتَ حِينَئِذٍ اسْتِحْقاقُهُ (تَعالى) لِجَمِيعِ المَحامِدِ؛ فَكانَتْ عَنْهُ - سُبْحانَهُ - الرِّسالاتُ الهائِلَةُ الجامِعَةُ لِلْعِزَّةِ؛ والحِكْمَةِ؛ بِالمَلائِكَةِ المُجَرَّدِينَ عَنِ الشَّهَواتِ؛ وكُلِّ حَظٍّ؛ إلى مَن ناسَبَهم مِنَ البَشَرِ؛ بِما غَلَبَ مِن جَيْشِ عَقْلِهِ عَلى عَساكِرِ شَهَواتِهِ ونَفْسِهِ؛ حَتّى صارَ عَقْلًا مُجَرَّدًا صافِيًا؛ حاكِمًا عَلى الشَّهَواتِ والحُظُوظِ؛ قاهِرًا؛ كافِيًا.
{"ayah":"وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُوا۟ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَاۤبَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِیرَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق