الباحث القرآني

﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ ولَكِنْ يُؤَخِّرُهم إلى أجَلٍ مُسَمًّى فَإذا جاءَ أجَلُهم فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرًا﴾ تَذْكِيرٌ لَهم عَنْ أنْ يَغُرَّهم تَأْخِيرُ المُؤاخَذَةِ فَيَحْسَبُوهُ عَجْزًا أوْ رِضًى مِنَ اللَّهِ بِما هم فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ قالُوا ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] فَعِلْمُهم أنَّ لِعَذابِ اللَّهِ آجالًا اقْتَضَتْها حِكَمُهُ، فِيها رَعْيُ مَصالِحِ أُمَمٍ آخَرِينَ، أوِ اسْتِبْقاءِ أجْيالٍ آتِينَ. فالمُرادُ بِـ ”النّاسِ“ مَجْمُوعُ الأُمَّةِ، وضَمِيرُ ”ما كَسَبُوا“ وضَمِيرُ ”يُؤَخِّرُهم“ عائِدٌ إلى ”أجَلٍ“ . ونَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ تَقَدَّمَ في سُورَةِ النَّحْلِ إلى قَوْلِهِ ﴿فَإذا جاءَ أجَلُهُمْ﴾ إلّا أنَّ هَذِهِ الآيَةَ جاءَ فِيها ”بِما كَسَبُوا“ وهُنالِكَ جاءَ فِيها ”بِظُلْمِهِمْ“ لِأنَّ ”ما كَسَبُوا“ (p-٣٤٠)يَعُمُّ الظُّلْمَ وغَيْرَهُ. وأُوثِرَ في سُورَةِ النَّحْلِ ”بِظُلْمِهِمْ“ لِأنَّها جاءَتْ عَقِبَ تَشْنِيعِ ظُلْمٍ عَظِيمٍ مِن ظُلْمِهِمْ وهو ظُلْمُ بَناتِهِمُ المَوْءُوداتِ وإلّا أنَّ هُنالِكَ قالَ ما تَرَكَ عَلَيْها وهُنا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها وهو تَفَنُّنٌ تَبِعَهُ المَعَرِّيُّ في قَوْلِهِ: ؎وإنْ شِئْتَ فازْعُمْ أنَّ مَن فَوْقَ ظَهْرِها عَبِيدُكَ واسْتَشْهِدْ إلاهَكَ يَشْهَدِ والضَّمِيرُ لِلْأرْضِ هُنا وهُناكَ في البَيْتِ لِأنَّها مَعْلُومَةٌ مِنَ المَقامِ. والظَّهْرُ: حَقِيقَتُهُ مَتْنُ الدّابَّةِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنها، وهو ما يَعْلُو الصُّلْبَ مِنَ الجَسَدِ وهو مُقابِلُ البَطْنِ فَأُطْلِقَ عَلى ظَهْرِ الإنْسانِ أيْضًا وإنْ كانَ غَيْرَ ظاهِرٍ؛ لِأنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الإنْسانِ صَدْرُهُ وبَطْنُهُ. وظَهْرُ الأرْضِ مُسْتَعارٌ لِبَسْطِها الَّذِي يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مَخْلُوقاتُ الأرْضِ تَشْبِيهًا لِلْأرْضِ بِالدّابَّةِ المَرْكُوبَةِ عَلى طَرِيقَةِ المَكْنِيَّةِ. ثُمَّ شاعَ ذَلِكَ فَصارَ مِنَ الحَقِيقَةِ. فَأمّا قَوْلُهُ هُنا ﴿فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرًا﴾، وقَدْ قالَ هُنالِكَ ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤]، فَما هُنا إيماءٌ إلى الحِكْمَةِ في تَأْخِيرِهِمْ إلى أجَلٍ مُسَمًّى. والتَّقْدِيرُ: فَإذا جاءَ أجْلُهم أخَذَهم بِما كَسَبُوا فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرًا، أيْ عَلِيمًا في حالَيِ التَّأْخِيرِ ومَجِيءِ الأجَلِ، ولِهَذا فَقَوْلُهُ ﴿فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرًا﴾ دَلِيلُ جَوابِ إذا ولَيْسَ هو جَوابَها، ولِذَلِكَ كانَ حَقِيقًا بِقَرْنِهِ بِفاءِ التَّسَبُّبِ، وأمّا ما في سُورَةِ النَّحْلِ فَهو الجَوابُ وهو تَهْدِيدٌ بِأنَّهُ إذا جاءَ أجْلُهم وقَعَ بِهِمُ العَذابُ دُونَ إمْهالٍ. وقَوْلُهُ ﴿فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيرًا﴾ هو أيْضًا جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ أنْ يُقالَ: ماذا جَنَتِ الدَّوابُّ حَتّى يَسْتَأْصِلَها اللَّهُ بِسَبَبِ ما كَسَبَ النّاسُ، وكَيْفَ يَهْلِكُ كُلُّ مَن عَلى الأرْضِ وفِيهِمُ المُؤْمِنُونَ والصّالِحُونَ، فَأُفِيدَ أنَّ اللَّهَ أعْلَمُ بِعَدْلِهِ. فَأمّا الدَّوابُّ فَإنَّها مَخْلُوقَةٌ لِأجْلِ الإنْسانِ كَما قالَ تَعالى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩]، فَإهْلاكُها قَدْ يَكُونُ إنْذارًا لِلنّاسِ لَعَلَّهم يُقْلِعُونَ عَنْ إجْرامِهِمْ، وأمّا حالُ المُؤْمِنِينَ في حِينِ إهْلاكِ الكُفّارِ فاللَّهُ أعْلَمُ بِهِمْ فَلَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَ لَهم طَرِيقًا إلى النَّجاةِ كَما نَجّى هُودًا ومَن مَعَهُ، ولَعَلَّهُ إنْ أهْلَكَهم أنْ يُعَوِّضَ لَهم حُسْنَ الدّارِ كَما قالَ النَّبِيءُ ﷺ «ثُمَّ يُحْشَرُونَ عَلى نِيّاتِهِمْ» . * * * (p-٣٤١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ يسسُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ يس بِمُسَمّى الحَرْفَيْنِ الواقِعَيْنِ في أوَّلِها في رَسْمِ المُصْحَفِ؛ لِأنَّها انْفَرَدَتْ بِها فَكانا مُمَيِّزَيْنِ لَها عَنْ بَقِيَّةِ السُّوَرِ، فَصارَ مَنطُوقُهُما عَلَمًا عَلَيْها. وكَذَلِكَ ورَدَ اسْمُها عَنِ النَّبِيءِ ﷺ . رَوى أبُو داوُدَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «اقْرَءُوا يس عَلى مَوْتاكم»، وبِهَذا الِاسْمِ عَنْوَنَ البُخارِيُّ والتِّرْمِذِيُّ في كِتابَيِ التَّفْسِيرِ. ودَعاها بَعْضُ السَّلَفِ ”قَلْبَ القُرْآنِ“ لِوَصْفِها في قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ «إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا وقَلْبُ القُرْآنِ يس»، رَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أنَسٍ، وهي تَسْمِيَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ. ورَأيْتُ مُصْحَفًا مَشْرِقِيًّا نُسِخَ سَنَةَ ١٠٧٨ أحْسَبُهُ في بِلادِ العَجَمِ عَنْوَنَها سُورَةَ حَبِيبٍ النَّجّارِ وهو صاحِبُ القِصَّةِ ﴿وجاءَ مِن أقْصى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى﴾ [يس: ٢٠] كَما يَأْتِي. وهَذِهِ تَسْمِيَةٌ غَرِيبَةٌ لا نَعْرِفُ لَها سَنَدًا ولَمْ يُخالِفْ ناسِخُ ذَلِكَ المُصْحَفِ في أسْماءِ السُّوَرِ ما هو مَعْرُوفٌ إلّا في هَذِهِ السُّورَةِ وفي سُورَةِ التِّينِ عَنْوَنَها سُورَةَ الزَّيْتُونِ. وهِيَ مَكِّيَّةٌ، وحَكى ابْنُ عَطِيَّةَ الِاتِّفاقَ عَلى ذَلِكَ ”قالَ إلّا أنَّ فِرْقَةً قالَتْ قَوْلَهُ تَعالى ﴿ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] نَزَلَتْ في بَنِي سَلَمَةَ مِنَ الأنْصارِ حِينَ أرادُوا أنْ يَتْرُكُوا دِيارَهم ويَنْتَقِلُوا إلى جِوارِ مَسْجِدِ الرَّسُولِ ﷺ فَقالَ لَهم: «دِيارَكم تُكْتَبُ آثارُكم» . ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ وإنَّما نَزَلَتِ الآيَةُ بِمَكَّةَ ولَكِنَّها احْتُجَّ بِها عَلَيْهِمْ في المَدِينَةِ“ اهـ. (p-٣٤٢)وفِي الصَّحِيحِ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قَرَأ عَلَيْهِمْ ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهم» وهو يُؤَوِّلُ ما في حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ بِما يُوهِمُ أنَّها نَزَلَتْ يَوْمَئِذٍ. وهِيَ السُّورَةُ الحادِيَةُ والأرْبَعُونَ في تَرْتِيبِ النُّزُولِ في قَوْلِ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الجَعْبَرِيُّ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ ”قُلْ أُوحِيَ“ وقَبْلَ سُورَةِ الفُرْقانِ. وعُدَّتْ آياتُها عِنْدَ جُمْهُورِ الأمْصارِ اثْنَتَيْنِ وثَمانِينَ. وعُدَّتْ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ ثَلاثًا وثَمانِينَ. ووَرَدَ في فَضْلِها ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أنَسٍ قالَ النَّبِيءُ ﷺ «إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا وقَلْبُ القُرْآنِ يس» «. ومَن قَرَأ يس كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِقِراءَتِها قِراءَةَ القُرْآنِ عَشْرَ مَرّاتٍ» . قالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وفِيهِ هارُونُ أبُو مُحَمَّدٍ شَيْخٌ مَجْهُولٌ. قالَ أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ: حَدِيثُها ضَعِيفٌ. * * * أغْراضُ هَذِهِ السُّورَةِ التَّحَدِّي بِإعْجازِ القُرْآنِ بِالحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ، وبِالقَسَمِ بِالقُرْآنِ تَنْوِيهًا بِهِ، وأُدْمِجَ وصْفُهُ بِالحَكِيمِ إشارَةً إلى بُلُوغِهِ أعْلى دَرَجاتِ الإحْكامِ. والمَقْصُودُ مِن ذَلِكَ تَحْقِيقُ رِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وتَفْضِيلُ الدِّينِ الَّذِي جاءَ بِهِ في كِتابٍ مُنْزِلٍ مِنَ اللَّهِ لِإبْلاغِ الأُمَّةِ الغايَةَ السّامِيَةَ؛ وهي اسْتِقامَةُ أُمُورِها في الدُّنْيا والفَوْزُ في الحَياةِ الأبَدِيَّةِ، فَلِذَلِكَ وُصِفَ الدِّينُ بِالصِّراطِ المُسْتَقِيمِ كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ الفاتِحَةِ. وأنَّ القُرْآنَ داعٍ لِإنْقاذِ العَرَبِ الَّذِينَ لَمْ يَسْبِقْ مَجِيءُ رَسُولٍ إلَيْهِمْ، لِأنَّ عَدَمَ سَبْقِ الإرْسالِ إلَيْهِمْ تَهْيِئَةٌ لِنُفُوسِهِمْ لِقَبُولِ الدِّينِ إذْ لَيْسَ فِيها شاغِلٌ سابِقٌ يَعِزُّ عَلَيْهِمْ فِراقُهُ أوْ يَكْتَفُونَ بِما فِيهِ مِن هُدًى. ووَصْفُ إعْراضِ أكْثَرِهِمْ عَنْ تَلَقِّي الإسْلامِ، وتَمْثِيلُ حالِهِمُ الشَّنِيعَةِ، وحِرْمانُهم مِنَ الِانْتِفاعِ بِهَدْيِ الإسْلامِ وأنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا دِينَ الإسْلامِ هم أهْلُ الخَشْيَةِ، وهو الدِّينُ المَوْصُوفُ بِالصِّراطِ المُسْتَقِيمِ. وضَرْبُ المَثَلِ لِفَرِيقَيِ المُتَّبِعِينَ والمُعَرِضِينَ مِن أهْلِ القُرى بِما سَبَقَ مِن حالِ أهْلِ القَرْيَةِ الَّذِينَ شابَهَ تَكْذِيبُهُمُ الرُّسُلَ تَكْذِيبَ قُرَيْشٍ. (p-٣٤٣)وكَيْفَ كانَ جَزاءُ المُعْرِضِينَ مِن أهْلِها في الدُّنْيا وجَزاءُ المُتَّبِعِينَ في دَرَجاتِ الآخِرَةِ. ثُمَّ ضَرْبُ المَثَلُ بِالأعَمِّ وهُمُ القُرُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا فَأُهْلِكُوا. والرِّثاءُ لِحالِ النّاسِ في إضاعَةِ أسْبابِ الفَوْزِ كَيْفَ يُسْرِعُونَ إلى تَكْذِيبِ الرُّسُلِ. وتَخْلُصُ إلى الِاسْتِدْلالِ عَلى تَقْرِيبِ البَعْثِ وإثْباتِهِ بِالِاسْتِقْلالِ تارَةً وبِالِاسْتِطْرادِ أُخْرى. مُدْمِجًا في آياتِهِ الِامْتِنانَ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُها تِلْكَ الآياتُ. ورامِزًا إلى دَلالَةِ تِلْكَ الآياتِ والنِّعَمِ عَلى تَفَرُّدِ خالِقِها ومُنْعِمِها بِالوَحْدانِيَّةِ إيقاظًا لَهم. ثُمَّ تَذْكِيرُهم بِأعْظَمِ حادِثَةٍ حَدَثَتْ عَلى المُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ والمُتَمَسِّكِينَ بِالأصْنامِ مِنَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ نُوحٌ نَذِيرًا، فَهَلَكَ مَن كَذَّبَ، ونَجا مَن آمَنَ. ثُمَّ سِيقَتْ دَلائِلُ التَّوْحِيدِ المَشُوبَةُ بِالِامْتِنانِ لِلتَّذْكِيرِ بِواجِبِ الشُّكْرِ عَلى النِّعَمِ بِالتَّقْوى والإحْسانِ وتَرَقُّبِ الجَزاءِ. والإقْلاعُ عَنِ الشِّرْكِ والِاسْتِهْزاءِ بِالرَّسُولِ واسْتِعْجالِ وعِيدِ العَذابِ. وحُذِّرُوا مِن حُلُولِهِ بَغْتَةً حِينَ يَفُوتُ التَّدارُكُ. وذُكِّرُوا بِما عَهِدَ اللَّهُ إلَيْهِمْ مِمّا أوْدَعَهُ في الفِطْرَةِ مِنَ الفِطْنَةِ. والِاسْتِدْلالُ عَلى عَداوَةِ الشَّيْطانِ لِلْإنْسانِ. واتِّباعُ دُعاةِ الخَيْرِ. ثُمَّ رَدَّ العَجْزَ عَلى الصَّدْرِ فَعادَ إلى تَنْزِيهِ القُرْآنِ عَنْ أنْ يَكُونَ مُفْتَرًى صادِرًا مِن شاعِرٍ بِتَخَيُّلاتِ الشُّعَراءِ. وسَلّى اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ أنْ لا يُحْزِنَهُ قَوْلُهم وأنَّ لَهُ بِاللَّهِ أُسْوَةً إذْ خَلَقَهم فَعَطَّلُوا قُدْرَتَهُ عَنْ إيجادِهِمْ مَرَّةً ثانِيَةً ولَكِنَّهم راجِعُونَ إلَيْهِ. (p-٣٤٤)فَقامَتِ السُّورَةُ عَلى تَقْرِيرِ أُمَّهاتِ أُصُولِ الدِّينِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وأتَمِّهِ مِن إثْباتِ الرِّسالَةِ، ومُعْجِزَةِ القُرْآنِ، وما يُعْتَبَرُ في صِفاتِ الأنْبِياءِ وإثْباتِ القَدَرِ، وعِلْمِ اللَّهِ، والحَشْرِ، والتَّوْحِيدِ، وشُكْرِ المُنْعِمِ، وهَذِهِ أُصُولُ الطّاعَةِ بِالِاعْتِقادِ والعَمَلِ، ومِنها تَتَفَرَّعُ الشَّرِيعَةُ. وإثْباتُ الجَزاءِ عَلى الخَيْرِ والشَّرِّ مَعَ إدْماجِ الأدِلَّةِ مِنَ الآفاقِ والأنْفُسِ بِتَفَنُّنٍ عَجِيبٍ، فَكانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ جَدِيرَةً بِأنْ تُسَمّى ”قَلْبَ القُرْآنِ“ لِأنَّ مِن تَقاسِيمِها تَتَشَعَّبُ شَرايِينُ القُرْآنِ كُلِّهِ، وإلى وتِينِها يَنْصَبُّ مَجْراها. قالَ الغَزالِيُّ: إنَّ ذَلِكَ لِأنَّ الإيمانَ صِحَّتُهُ بِاعْتِرافٍ بِالحَشْرِ، والحَشْرُ مُقَرَّرٌ في هَذِهِ السُّورَةِ بِأبْلَغِ وجْهٍ، كَما سُمِّيَتِ الفاتِحَةُ أُمَّ القُرْآنِ إذْ كانَتْ جامِعَةً لِأُصُولُ التَّدَبُّرِ في أفانِيهِ كَما تَكُونُ أُمُّ الرَّأْسِ مَلاكَ التَّدَبُّرِ في أُمُورِ الجَسَدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب