الباحث القرآني
قال الله تعالى -مبتدأ درس اليوم-: (﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ من الابتلاء والنصر ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ في الوعد، ﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾ ذلك ﴿إِلَّا إِيمَانًا﴾ تصديقًا بوعد الله، ﴿وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب ٢٢] لأمره).
﴿لَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ﴾ هذه ﴿لَمَّا﴾ شرطية لكنها لا تجزم، وفعل الشرط في الآية ﴿رَأَى﴾، وجوابه ﴿قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ﴾، وقد مَرَّ علينا أن (لَمَّا) تأتي في اللغة العربية على عدة وجوه، منها الشرطية كما في هذه الآية، ومنها الجازمة كما في قوله: ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص ٨]، هذه جازمة، ومنها أن تكون بمعنى (إلا) كما في قوله: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق ٤]، يعني: إلا عليها حافظ.
﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ﴾، والمراد بالأحزاب هنا الأحزاب الذين تَأَلَّبُوا على النبي ﷺ من قريش وغطفان وبني أسد وغيرهم، لَمَّا رأوهم رؤية بصرية أو قلبية؟ بصرية، لما رأوهم ﴿قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، كيف وعدنا الله ورسوله، أين الوعد من الله ورسوله بأن هؤلاء الأحزاب سيأتون؟ قال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة ٢١٤]، فإن الله تعالى بَيَّنَ في هذه الآية أنهم ما يمكن أن يدخلوا الجنة إلا بعد هذه الأمور، فيكون متضَمِّنًا بوعد الله سبحانه وتعالى لهم أن يَرَوْا مثل هذه الأشياء التي تزلزلهم.
يقول: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، وهذا دليل على ثباتهم وإيمانهم، وصِدْق نواياهم، لكن المنافقون تقدم أنهم كانوا يهزؤون بالرسول عليه الصلاة والسلام لَمَّا ضرب الْحَجَر الذي اعترضهم في حفر الخندق وقال: إنه رأى مدائن كسرى وقصور قيصر واليمن، أيش قالوا؟ ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب ١٢]، إيشلون هذا يبغي يملك اليمن والشام والعراق وهو الآن مضيَّق عليه هذا .. هذا كذب وليس بصحيح، لكن المؤمنين قالوا: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، عكس هؤلاء المنافقين قالوا: ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾.
﴿صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ الصدق هو الإخبار بالواقع على حسب ما هو واقع، وإن شئت فقل: هو الإخبار المطابق للواقع، هذا الصدق، وضده الكذب، ويقال: صَدَقني الحديثَ، وصدَّقني الحديث، وبينهما فرق؛ صَدَقَنِي الحديث يعني: أخبرني بالصدق، وصدَّقَنِي الحديث يعني: قال: إن ما حدثته به صدق، عرفتم؟
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران ١٥٢] أيش معنى ﴿صَدَقَكُمُ﴾؟ يعني: أخبركم بالصدق وبَيَّنَ لكم أن ما وعدكم به حق إذ أَحْسَسْتُمُوهُم بإذنه.
يقول: ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، في هذه الجملة ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ سِيقَ هذا الكلام على سبيل الذم ولَّا على سبيل المدح؟ على سبيل المدح، ولكنه قد يشكل عليكم كيف قَرَنَ وَعْدَ رسول الله بوعد الله بالواو، وقَرَن أيضًا صدق رسول الله بصدق الله بالواو، وقد قال النبي ﷺ لرجل حين قال له: ما شاء الله وشئت، قال له النبي ﷺ: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا»، فكيف نجمع بين هذا، وبين ما في هذه الآية؟
الجواب أن يقال: ما كان من أمور الشرع فإنه لا بأس أن يضاف إلى الله ورسوله بالواو؛ لأن ما شَرَعَه النبي عليه الصلاة والسلام فهو من شرع الله، كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠]، وأما ما كان من أمور القَدَر فإنه لا يجوز أن يضاف إلى الله ورسوله بالواو، بل لا بد أن يكون بـ(ثم)، وذلك لأن قدرة الإنسان ومشيئة الإنسان تابعة لمشيئة الله وقدرته.
فمثلًا تقول لرجل سألك: ما حكم كذا وكذا؟ يعني: ما حكم الصلاة جماعة، وأنت لا تدري ما حكمها، فتقول: الله ورسوله أعلم؛ لأن هذا حكم شرعي، وأما إذا كان من الأمور القَدَرِيَّة فإنه لا يمكن أن يشرك غير الله بالله بالواو، وذلك لأن مشيئة غير الله وقدرة غير الله تابعة لمشيئة الله، لا يمكن أن تكون مساوية لها.
قال: ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾، ﴿مَا زَادَهُمْ﴾ الفاعل في ﴿زَادَهُمْ﴾ يعود على أيش؟ يعني: رؤية الأحزاب، يعني: ما زادهم رؤية الأحزاب وتأَلُّبهم على رسول الله ﷺ، ﴿إِلَّا إِيمَانًا﴾، يقول المؤلف: (تصديقًا بوعد الله ﴿وَتَسْلِيمًا﴾ لأمره)، إيمانًا بالقلب وتسليمًا بالجوارح؛ لأن الإيمان محله القلب، والتسليم والانقياد محله الجوارح، والإنسان لا يتم دينه إلا بهذين الأمرين؛ بالإيمان والتسليم، فمَن استسلم ولم يؤمن فهو منافق، ومَن آمن ولم يستسلم فهو مُسْتَكْبِر، فإذا اجتمع في الإنسان الإيمان والتسليم صار مؤمنًا حقًّا عابدًا حقًّا.
فالإنسان المؤمن لكنه ما يستسلم نقول: هذا مستكبر، والإنسان المستسلم لكنه غير مؤمن نقول: هذا منافق؛ لأن المنافقين يستسلمون ظاهرًا، ولا يتم الإيمان إلا بهذين الأمرين؛ الإيمان والتسليم، ما يتم الشرع إلا بهذين الأمرين الإيمان والتسليم.
قال: ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾، ﴿إِيمَانًا﴾ هذه مفعول لأجله؟ ما إعرابها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: مفعول بأيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: مفعول أول ولَّا ثانٍ؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: مفعول ثانٍ، والمفعول الأول؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الهاء، إي نعم، فـ(زاد) تنصب مفعولين أولهما الهاء، والثاني في هذه الآية ﴿إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.
قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ من الثبات مع النبي ﷺ.
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ﴾ الجملة هذه مكوَّنة من مبتدأ وخبر، والخبر مقدَّم والمبتدأ مؤخَّر، المبتدأ قوله: ﴿رِجَالٌ﴾، والخبر ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
.. والابتداء بالنكرة ليس جائزًا، والجواب أن ابن مالك النحوي رحمه الله:
؎وَلَا يَجُـــوزُ الِابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ ∗∗∗ مَا لَمْ تُفِدْ كَـ(عِنْدَ زَيْدٍنَمِرَهْ)
الآية التي معنا مثل هذا المثال، أو لا؟ (عند زيد نمرة)، الْمُسَوِّغ للابتداء بالنكرة هنا تأخير المبتدأ، و﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا﴾ [الأحزاب ٢٣] المسوِّغ تأخير المبتدأ، كما أن في الآية أيضًا مسوغًا آخر وهو وصف هذه النكرة؛ لأن وصف النكرة يُخَصِّصُها.
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، و﴿مِنَ﴾ في قوله: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ للتبعيض؛ لأنها تُقَدَّر بـ(بعض)، واختلف النحويون في (مِن) التبعيضية؛ فقال بعضهم: إنها اسم، وهي بحسب العوامل، لكن لا يظهر عليها عمل العامل؛ لأنها حرف، فينتقل العمل إلى ما بعدها.
ومنهم من قال: إنها حرف جر، ولكن معناها التبعيض، وهذا هو الذي عليه أكثر أهل النحو.
﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾، أيش معنى ﴿صَدَقُوا﴾؟ أي: قاموا به، كما تقول: صَدَقَنِي الوعد، يعني: وَفَى لي بالوعد، فهم وفوا بما عاهدوا الله عليه من الثبات مع النبي ﷺ، مثل مَن؟ مصعب بن عمير وغيره، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، كثير من هذا.
يقول الله عز وجل: (﴿﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ ﴾: مات أو قُتِلَ في سبيل الله، ﴿﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ ﴾ ذلك، ﴿﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ ﴾ في العهد، وهم بخلاف حال المنافقين).
قسم الله هؤلاء الرجال الذين صَدَقُوا ما عاهدوا الله عليه إلى قسمين: قسم قضى نحبه، يعني: قضى حياته وقُتِلَ في سبيل الله، كحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، فإنه قُتِلَ شهيدًا في سبيل الله، وكذلك بقية شهداء أُحُد، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾، ويش ينتظر؟ ينتظر القتال في سبيل الله؛ لأنه قد صدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد صَدَقُوا ما عاهدوا الله عليه، فهم ينتظرون أن يستشهدوا.
ولكن هل يحصل لهم ذلك أو لا؟ قد يحصل، وقد لا يحصل، ولهذا يقال: إن خالد بن الوليد رضي الله عنه تأسَّف في حال مرضه أنه لم يُقْتَل شهيدًا في سبيل الله، وقال -يعني يندم إنه ما ترك معركة إلا خاضها-: «وها أنا أموت على فراشي كما يموت الحمار»[[أخرج الدينوري في "المجالسة" (٨٣٦) بسنده أن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى، وقال: لقد لقيت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، فها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعين الجبناء. والعَيْر بفتح العين هو الحمار أهليًّا كان أو وحشيًّا.]]؛ لأنهم يريدون أن يستشهدوا في سبيل الله.
قال: ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ هذا المعطوف على ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ يعني: ومنهم رجال ما بَدَّلُوا تبديلًا، أيش بدلوا؟ يقول المؤلف: (في العهد)، والتبديل في العهد يشمل نَقْضَه بالكلية، ويشمل الإخلال بشيء من شروطه، يعني: يشمل نَقْضَه بالكلية وعدم الالتفات إليه، أو الإخلال بشيء من شروطه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله عز وجل: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب ٢٣]، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ خبر مقدَّم، ﴿رِجَالٌ﴾ مبتدأ مؤخَّر، و﴿صَدَقُوا﴾ الجملة صفة لـ﴿رِجَالٌ﴾، ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ أي: أنهم صَدَّقوا أقوالهم بأفعالهم، فالعهد الذي عاهدوا الله عليه قاموا به ووفوا به.
واعلم أن معنى قوله: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا﴾ أن معناها: من المؤمنين رجال عاهدوا الله فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وليس المعنى أن من المؤمنين رجالًا صدقوا ومنهم مَن لم يصدق حتى يتشبث به مَن سَبَّ الصحابة، أو قال: إنهم ليسوا كلهم صادقين، بل المعنى: من المؤمنين رجال عاهدوا الله فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، بل مِن المؤمنين مَن لم يعاهد الله سبحانه وتعالى على شيء، بل هو مستمر على طاعة ربه حيث ما أُمِرَ.
مِمَّنْ عاهَد الله أنس بن النضر رضي الله عنه، فإن أنس بن النضر لم يشهد بدرًا، فلما رجع النبي ﷺ من بدر قال: يا رسول الله، هذه أول غزوة قاتلت فيها المشركين، والله لئن أبقاني الله تعالى لَيَرَيَنَّ الله ما أصنع، فلما صارت غزوة أحد قاتَل رضي الله عنه حتى قُتِلَ، فكان فيه بضع وثمانون ما بين طعنة رمح، أو ضربة سيف[[أخرج البخاري (٢٨٠٥) بسنده عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه -، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين -، ثم تقدم. فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتِلَ وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣] إلى آخر الآية.]]، فصَدَقَ ما عاهَد الله عليه، هذا هو معنى الآية.
فقوله: ليَرَيَنَّ الله ما أصنع، هذا عهد؛ لأنه التزام التزم به على نفسه.
قال: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب ٢٣]، يعني: فمن هؤلاء الذين عاهدوا الله عز وجل ﴿مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ أي: عهده والتزامه، وقيل: ﴿مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ أي: أجله، أي: مات وقُتِلَ، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب ٢٣]، يعني: ينتظر الموت والقتل شهيدًا في سبيل الله عز وجل.
قال: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ على الثبات مع النبي ﷺ، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ مات أو قُتِلَ في سبيل الله، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ ذلك ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾، يعني: ما حصل منهم تبديل لا بالنقض بالكلية ولا بالتغيير، ولهذا قال: ﴿وَمَا بَدَّلُوا﴾، والتبديل يكون بالتَّرْك كليَّةً، ويكون بالتغيير بالنقص أو بالزيادة، ولهذا قال: ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾، قال المؤلف: (وهم بخلاف حال المنافقين)؛ لأن حال المنافقين على العكس، يعاهدون الله ولا يوفون، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة ٧٥-٧٧] ، أما المؤمن فإنه يَفِي بما عاهد الله عليه.
قال الله عز وجل: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب ٢٤]، ﴿لِيَجْزِيَ﴾ اللام هذه للتعليل، يعني أن الأمر يقع كذلك على الوفاء وعلى النقض، على الوفاء مِمَّن؟ من المؤمنين، وعلى النقض من المنافقين، وقع هذا ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب ٢٤]، ولولا اختلاف الناس في الأعمال ما اختلفوا في الجزاء، ولو لم يختلفوا في الجزاء ما كان لِخَلْق الجنة والنار فائدة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٨، ١١٩]، فالله عز وجل حكيم، «خَلَقَ الجنة وخلق لها سكانًا، وخلق النار وخلق لها سكانًا»[[أخرج مسلم (٢٦٦٢) بسنده عن عائشة أم المؤمنين، قالت: توفي صبي فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله ﷺ: «أوَلَا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلًا ولهذه أهلًا».]]، وسكان هذه وهذه لا بد أن يكون لهم أعمال يقومون بها حتى يستحقوا أن يكونوا من أهلها.
وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾، الباء هنا للسببية وليست للعِوَض؛ لأن الجزاء على الأعمال ليس من باب المعاوضة، ولكنه من باب قَرْن الْمُسَبَّب بسببه؛ لقول النبي ﷺ: «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ»[[أخرجه مسلم (٢٨١٦ / ٧١) وأحمد (٧٤٧٨) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
فالأعمال الصالحة أسباب، وإلا فلو أن الله عز وجل أراد أن يعاوِضَنَا على أعمالنا معاوضة بمعنى المعاوضة لكان لو قابلنا بنعمة واحدة من نعمه علينا ما قابلتها كل أعمالنا، ولكن الأعمال سبب.
وقوله: ﴿بِصِدْقِهِمْ﴾، إذا كان الجزاء بالصدق فسيكون على حسب ذلك الصدق، فالذين صَدَقُوا ما عاهدوا الله عليه يكون جزاؤهم على صِدْقِهم بحسب ما قاموا به، فإذا كانوا أَطْوَعَ لله عز وجل وأشد تنفيذًا لأوامره وأكثر فعلًا لطاعته صار جزاؤهم أكثر، والعكس بالعكس.
﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ﴾ [الأحزاب ٢٤]، المنافق مَن؟ هو الذي أظهر الإيمان وأبطن الكفر، مأخوذ من النافِقَاء وهي نافقاء اليربوع التي يجعلها في جُحْرِه، حتى إذا أتاه أحد من بابه خرج من هذه النافقاء.
(﴿﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ﴾ ﴾ بأن يميتهم على نفاقهم)، أشار المؤلف في قوله: (بأن يميتهم على نفاقهم) إلى أن تعذيب المنافقين المعلَّق بالمشيئة هنا ليس المعنى أنه إن شاء عذَّبَهم وإن شاء لم يعذبهم وقد ماتوا على النفاق، لا، إذا ماتوا على النفاق فقد أخبرنا الله تعالى أنهم في الدرك الأسفل من النار، وليسوا تحت المشيئة، فيكون قوله: ﴿إِنْ شَاءَ﴾ بأن يبقوا على نفاقهم حتى يموتوا، فإذا بقوا على نفاقهم إلى الموت علمنا أن الله قد شاء تعذيبهم، أما إن هداهم الله فإن المنافقين قد يهتدون، فلهذا قال: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [الأحزاب ٢٤] بأن يوفِّقَهم للتوبة.
والصواب كما مَرَّ علينا كثيرًا أن المنافق تصح توبته، وهي نص في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء ١٤٥، ١٤٦]
فقوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ بأن يَمُنّ عليهم بالتوبة فيتوبوا، وحينئذ لا يُعَذَّبُون.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب ٢٤]، ﴿غَفُورًا﴾ هذه اسم فاعل على صيغة المبالغة، يعني: كثير المغفرة، ويجوز أن تكون صفة مُشَبَّهَة، أي: ذو مغفرة، فالصفة المشبهة أبلغ من اسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل يدل على الفعل، والصفة المشبهة تدل على الوصف، أي: على اتصاف مَن هو وصفه بها دائمًا.
وقوله: (﴿﴿غَفُورًا﴾ ﴾ لمن تاب)، فيه شيء من النظر؛ لأن الله تعالى يغفر حتى لمن لم يتب ممن هو تحت المشيئة، كفاعل المعاصي، ولو أن المؤلف رحمه الله أبقاها على إطلاقها لكان أسلم له، فنقول: ﴿غفورًا﴾ أي: كثير المغفرة، أو: ذو مغفرة مُتَّصِفٌ بها دائمًا.
وهذا أقرب كما قلت؛ لأنه يدل على الوصف الدائم، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ [الرعد ٦].
وقوله: (﴿﴿رَحِيمًا﴾ ﴾ به)، يقول: (به) أي: بمن تاب.
والصواب أنه رحيم بِمَن تاب وبغيره، وأن رحمة الله عز وجل بالمعنى العام تشمل المؤمن والكافر، والبَرّ والفاجر، وكل أحد فإنه داخل في رحمة الله، هذا بالمعنى العام، أما المعنى الخاص فإن الرحمة تختص بالمؤمنين.
قال الله عز وجل: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ [الأحزاب ٢٥]، رَدَّهُم أي: أرجعهم على أدبارهم خائبين.
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني: الأحزاب من قريش وغيرهم.
وقوله: ﴿بِغَيْظِهِمْ﴾ الباء هنا للملابسة، أي: مُتَلَبِّسِين بالغيظ، فالجارّ والمجرور في موضع نصب على الحال، يعني أنهم رجعوا مُغْتَاظِين غاية الغيظ، ووجه اغتياظهم أنهم جاؤوا بهذا الجمع الكثير الذي لم يُشْهَد له نظير في ذلك الوقت، يريدون ماذا ؟ يريدون القضاء على النبي ﷺ، ومع ذلك ما الذي حصل لهم؟
حصل لهم التعب والعَنَت والجوع والبلاء، وآخر الأمر أن رجعوا هاربين، ولا شك أن مثل هذا سوف يؤثر على الإنسان، سوف يملأ قلبه غيظًا وحسرة وندمًا، كيف يأتي بهذا الجيش الذي جمعه لهم وأبدأ فيه وأعاد، وآخر الأمر أن ينقلب ولا يكون معركة، ولهذا قال: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾، خيرًا منين؟
خيرًا لا من أمر الدنيا ولا من أمر الآخرة؛ أما أمر الآخرة فإنهم لم ينالوا خيرًا؛ لقتالهم للنبي ﷺ على كل حال، وأما أمر الدنيا فالذي يرونه هم خيرًا لأنفسهم فهل نالوه؟ لا، فهم ما نالوا خيرًا لا في الدين ولا في الدنيا ولله الحمد، حتى ما يظنونه خيرًا من هزيمة رسول الله ﷺ والقضاء عليه وعلى أصحابه ما حصل لهم ذلك، ﴿لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾.
وقوله: ﴿خَيْرًا﴾ نكرة في سياق النفي، ﴿لَمْ﴾ فتفيد العموم، يعني: ما نالوا أي خير لا قليلًا ولا كثيرًا، وهذه من نعمة الله عز وجل.
وأضاف الله الرد إلى نفسه: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لأن رجوعهم ليس بحول النبي ﷺ ولا قوته، ولا بحول أصحابه ولا قوتهم، ولكنه بحول الله تعالى وقوته، ولهذا قال: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب ٢٥].
يقول المؤلف: (﴿﴿لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ ﴾ مرادهم من الظَّفَر بالمؤمنين).
﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾، الحمد لله، ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾، يعني: أن الله أراح المؤمنين من القتال فلم يقاتلوا، وأما ما حصل من المناوشات التي حصلت لبعض الصحابة مع بعض المشركين فهذا لا يُعَدّ قتالًا؛ لأن الكلام على الجيش كله جمعاء، فإنه لم يحصل فيه قتال، ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ وهو نِعْم الْحَسْب، وهو الكفيل سبحانه وتعالى، قال: (بالريح والملائكة)، الريح سبق أن الله تعالى أرسل عليهم الريح الشرقية باردة شديدة، وأنها كفأت قُدُورَهم، وزلزلت خيامهم، ورَمَتْهُم بالحجارة تحملها الرياح مع البَرد الشديد، حتى كانوا يصطلون بالنار ويقولون: النجا النجا، فهذه الريح، أما الملائكة فإن الله سبحانه وتعالى سَلَّطَ الملائكة عليهم بأن تلقي في قلوبهم الرعب والفزع والخوف، وتَحُوشَهم حتى ينصرفوا من المكان، وهذا من نصر الله عز وجل للرسول ﷺ.
(﴿﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ ﴾ [الأحزاب: ٢٥] على إيجاد ما يريده، ﴿﴿عَزِيزًا ﴾ ﴾ غالبًا على أمره).
﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا﴾ القوة صفة يتمكن بها القوي مِن فِعْل ما يريد بدون ضعف، وهي أعلى من القدرة؛ لأن القدرة صفة يتمكن بها القادر مِن فِعْل ما يريد بدون عجز، فالقوة أعلى، وانظر إلى رجلين حَمَلَا صخرة، فأحدهما حَمَلَهَا لكن مع نوع من المشقة، فنقول: هذا قادر ولكن ليس بقوي، والآخر حَمَلَهَا وكأنها شيء بسيط، نقول: هذا قوي.
وقوة الله عز وجل لا منتهى لها، ولا مقياس لها، بل هو فوق ما يتصوره الإنسان، لَمَّا قالت عادٌ: ﴿من أشد منا قوة﴾ قال الله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت ١٥، ١٦].
وأما قوله: ﴿﴿عَزِيزًا﴾ ﴾ يقول: (غالبًا على أمره)، العزيز من أسماء الله تعالى له ثلاثة معانٍ: عزيز القدر، وعزيز القهر، وعزيز الامتناع.
أما عزيز الامتناع فمعناه أنه يمتنع أن يناله سبحانه وتعالى سوء أو نقص في جميع صفاته وجميع أفعاله.
وأما عزة القدر فمعناه أنه ذو قَدْر عظيم رفيع، مثلما تقول: فلان عزيز النفس؛ يعني له عزة وتَرَفُّع عن الدنايا.
وأما عزة القهر فتأتي معناها الغلبة، فمعناها أنه غالب على كل شيء، حتى في الجاهلية يقول الشاعر:
؎أَيْنَ الْمَــــفَرُّ وَالْإِلَهُ الطَّـــالِـــبُ ∗∗∗ وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَالْغَالِبُ
فالله عز وجل هو الغالب على أمره، وهو غالب على كل شيء، لا شيء يكون أمام غلبته، فصار العزيز له ثلاثة معانٍ: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع، وكلها ثابتة لله عز وجل.
قال: (﴿﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ ﴾ أي: قريظة، ﴿﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ ﴾ حصونهم، جمع صِيصَة؛ وهو ما يُتَحَصَّنُ به، ﴿﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ ﴾ [الأحزاب: ٢٦]).
﴿أَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾، ﴿أَنْزَلَ﴾ الضمير يعود على مَن؟ على الله، وقوله: ﴿الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ﴾ أي: أعانوهم وساعدوهم، والمظاهرة بمعنى المساعدة، وتظاهَر على كذا، تظاهر أي: تساعد وتساند عليهم، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ﴾ [التحريم ٤]، وقال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء ٨٨]، يعني: مساعدًا ومُعِينًا.
وقوله: ﴿ظَاهَرُوهُمْ﴾ أي: أعانوهم وساعدوهم من أهل الكتاب.
وقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى، لكن المراد بهم هنا في الآية طائفة من اليهود، وهم بنو قريظة، وسبق أن بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع ثلاث قبائل من اليهود قَدِمَ النبي ﷺ المدينة وهم ساكنون فيها، فأجرى بينهم وبينه عهدًا، ولكنهم نقضوا ذلك العهد، ولم يَبْقَ إلا بنو قريظة، ثم إن بني قريظة نقضوا العهد بمساعدتهم مَن؟ الأحزاب على رسول الله ﷺ.
ولما رجع النبي ﷺ من الأحزاب ودخل بيته واغتسل جاءه جبريل وقال له: «اخرج إلى هؤلاء، يشير إلى بني قريظة، فإنهم نقضوا العهد، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بالخروج، وقال: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»[[أخرج البخاري (٢٨١٣)، ومسلم (١٧٦٩) بسنده عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار، فقال: وضعت السلاح؟ فوالله ما وضعته، فقال رسول الله ﷺ: «فأين»، قال، هاهنا، وأومأ إلى بني قريظة... الحديث. وانظر الثقات لابن حبان (١ / ٢٧٤).]].
ما توانى الصحابة رضي الله عنهم ولا تأخروا، مع ما هم فيه من التعب والضعف، فخرجوا فحاصَروا بني قريظة لمدة نحو عشرين يومًا، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه.
يقول الله عز وجل هنا: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾، ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ جارّ ومجرور متعلِّق بـ﴿أَنْزَلَ﴾ يعني: أنزل هؤلاء من صياصيهم، أي: من مَآمِنِهم، والأصل في صياصي حظائر البقر؛ لأنها تُؤَمَّن فيها، فـ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ يعني: من مَآمِنِهم وحصونهم التي يُتَحَصَّن فيها، ولكن ذلك لم يُغْنِهِم من الله شيئًا، أنزلهم من صياصيهم.
﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾، ﴿قَذَفَ﴾ بمعنى: رمى، وهو أشد وقعًا من قوله: وضع، يعني لو قال: وضع في قلوبهم الرعب، أفاد أن الرعب صار في القلوب، لكن إذا قال: ﴿قَذَفَ﴾ صار أشد، والرعب بمعنى الخوف، وإذا وقع الخوف في القلب فلا تسأل عن الخائف، يظن أن الشجر نَفَر، لا يتصور الأمور على حقائقها، حتى لو ناداه أحد من أصحابه ظن أنه عدوه يناديه ليقتله، ولا أشد من سلاح يفتك بالعدو من الرعب، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.]].
أما إذا ثبت القلب واطمأن فإن المقاتل سيثبت، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال ٤٥]، وذِكْر الله تعالى تطمئن به القلوب، ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد ٢٨].
وأخبر الله عز وجل أن الله أنزل على أهل بدر المطر ليُثَبِّت به الأقدام، وتكون به السكينة.
فالحاصل أن الرعب من أشد الأسلحة فتكًا بالعدو.
﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾، قال المؤلف: (﴿﴿فريقًا﴾ ﴾ تقتلون منهم، وهم المقاتلة، ﴿﴿وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ ﴾ منهم، أي: الذراري).
هم لما طال بهم الحصار ونزلوا على حكم الرسول عليه الصلاة والسلام خَيَّرَهم قال: «مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِ»[[أخرج البخاري (٦٢٦٢)، ومسلم (١٧٦٨ / ٦٤) بسندهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي ﷺ إليه فجاء، فقال: «قوموا إلى سيدكم»، أو قال: «خيركم»، فقعد عند النبي ﷺ فقال: «هؤلاء نزلوا على حكمك»، قال: فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم، فقال: «لقد حكمت بما حكم به الملك».]]، قالوا: نريد أن ننزل على حكم سعد بن معاذ، وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه حليفًا لهم، فظنوا أنه سيفعل مثلما فعل عبد الله بن أُبَيّ لحلفائه من اليهود حين شفع فيهم إلى رسول ﷺ وتركهم، لكن سعدًا رضي الله عنه لما جاء وكان في خيمة له في المسجد؛ لأنه أصيب في الأحزاب بأَكْحَلِه، وضرب له النبي ﷺ خيمة في المسجد ليعوده من قريب؛ لأنه سيّد قومه، سيد الأوس.
جاء على حِمَار من مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مكان الحصار، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم حَكَّمُوه، فقال: حُكْمِي فيهم نافذ؟ ويشير إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ويشير إليهم أيضًا، قالوا: نعم، كلهم رضوا، النبي عليه الصلاة والسلام رضي، وكذلك هؤلاء اليهود رضوا، فقال: لقد آنَ لسعد ألَّا تأخذه في الله لومة لائم، هذا مقام محنة عظيمة، فحكم فيهم رضي الله عنه بِحُكْم عظيم، حكم صواب مطابق للحق، «قال: أحكم بأن تُقْتَل مقاتلتهم، وتُسْبَى ذريتهم، وتُغْنَم أموالهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ»[[السابق، وانظر سيرة ابن هشام (٢ / ٢٤٠).]].
ثم أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن تُقْتَل مقاتلتهم، وهم الرجال البالغون، وأما الذراري من النساء والرجال غير البالغين فإنها تُسْبَى، والأموال تُغْنَم، فقتلوا في المدينة ما بين السبع مئة إلى ثمان مئة قُتِلُوا في يوم واحد بناء على حكمٍ هم الذين رضوا به، فهذا هو معنى قوله: ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾، هنا قدَّم المفعول في قوله: ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾، وأَخَّر المفعول في قوله: ﴿وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾، فهل الفائدة من ذلك مراعاة الفواصل فقط، فتكون الفائدة لفظية، ولَّا هناك فائدة معنوية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، بل الأمران.
* الطالب: الفريقان بينهم اختلاف، ليسوا سِيَّان.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: الفريقان بينهم اختلاف، الفريق الأخير يعني النساء، والأول الرجال فقط.
* الشيخ: لا.
* الطالب: لأن الأول هم الرجال يعني، والثاني: الذين لا يقاتلون. (...).
* الشيخ: إي نعم، هذا هو الظاهر؛ لأن الحكم الأول أشد وأبلغ، فلهذا قُدِّمَ مفعوله ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾، والثاني دون ذلك؛ لأن الأسير ربما يُمَنَّ عليه بإطلاقه، فقال: ﴿وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾، هذا مع مراعاة اللفظ الذي هو مراعاة الفواصل؛ فواصل الآيات، ولهذا قال تعالى في سورة البقرة: ﴿فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [المائدة ٧٠]، أو ﴿فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة ٨٧]، لما كان التكذيب للرسل شديدًا قَدَّمَ فيه المفعول كما قَدَّمَ المفعول في قتلهم، فهذه قصة الأحزاب انتهت على قوله: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾ [الأحزاب ٢٧] بعد، وهي خيبر، وأُخِذَت بعد قريظة، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب ٢٧].
﴿أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ﴾، هذه تنصب مفعولين؛ المفعول الأول: الكاف، والثاني: أرضهم، ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ﴾، ﴿وَدِيَارَهُمْ﴾ كيف الأرض والديار، بينهما فرق؟ الديار جمع دار، وهي المساكن والأحياء، وأما الأرض فهي أعمّ من ذلك، والأموال هي الأمتعة والدراهم والدنانير، وغير ذلك.
﴿وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾ يعني: ما وطأتموها حتى الآن، ولكنكم سترثونها، وهي أرض خيبر، فإن النبي ﷺ فتحها بعد ذلك في السنة السادسة، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ فلا يعجزه شيء.
وقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ قدَّم المفعول لتحقق وقوع الفعل به، ولهذا قال: ﴿كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾، ولا تقل كما يقول بعض الناس: إنه على ما يشاء قدير؛ لأنك إذا قلت: على ما يشاء قدير، خَصصت قدرته بما يشاء، مع أن القدرة تُعَلَّق بالذي شاءه والذي لم يشأه، حتى الذي لم يشأه هو قادر عليه، والله أعلم .
قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٢٦٢)، ومسلم (١٧٦٨ / ٦٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]]، فقاموا إلى سيدهم سعد بن معاذ وأنزلوه من حماره، وجلس أمام النبي ﷺ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ هَؤُلَاءِ رَضُوا بِأَنْ يَنْزِلُوا إِلَى حُكْمِكَ»[[أخرج البخاري (٦٢٦٢)، ومسلم (١٧٦٨ / ٦٤) بسندهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي ﷺ إليه فجاء، فقال: «قوموا إلى سيدكم»، أو قال: «خيركم»، فقعد عند النبي ﷺ فقال: «هؤلاء نزلوا على حكمك»، قال: فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم، فقال: «لقد حكمت بما حكم به الملك».]] »، فقال لهم، فالتفت إليهم: أرضيتم بذلك وحكمي نافذ؟ قالوا: نعم، فالتفت إلى الجانب الآخر فيه المسلمون، فقال: أترضون بهذا؟ قالوا: نعم، إلا أنه لما اتجه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام خفض رأسه إجلالًا لرسول الله ﷺ، فحكم هذا الْحُكم الذي أيَّدَه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: «إِنَّهُ حُكْمُ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ»[[السابق، وانظر سيرة ابن هشام (٢ / ٢٤٠).]] »، وكم كان عدد هؤلاء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: قالوا: لما رأوا الأحزاب قالوا: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [الأحزاب ٢٢]، وكان مقتضى الحال أن يلحقهم الخوف والذُّعْر كما حصل للمنافقين.
* ومن فوائدها: كمال تصديقهم لله ورسوله في قولهم: ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [الأحزاب ٢٢]، فهم شاهدوا ما وعد الله، ثم أظهروا الإيقان بذلك بألسنتهم؛ لقولهم: ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾.
استدل بعض الْجُهَّال بهذه الآية على مشروعية ختم القرآن بقولهم: صدق الله، فقالوا: كيف تُنْكِرُون علينا إذا أكملنا القراءة وقلنا: صدق الله العظيم، مع أن الله يقول: ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، ويقول: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ﴾ [آل عمران ٩٥]؟ فما هو الجواب عن هذه الشبهة؟
* طالب: الجواب أنه لم يقل: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ﴾ عند انتهاء التلاوة (...).
* الشيخ: إي نعم، نقول: نحن لا ننكر أن يقول أحد: صدق الله ورسوله، بل نرى أنه من الإيمان أن يقول الإنسان: صدق الله ورسوله، وأن مَن لم تكن عقيدته هذه فهو كافر، لكننا ننكر أن نجعل هذا الثناء على الله عز وجل عند الانتهاء من التلاوة مع أنه لم يَرِد، فهل نحن أعلم بشريعة الله من رسول الله؟ وهل نحن أحرص منه على تطبيق شريعة الله؟ أبدًا، فإذا لم يكن كذلك فإن الواجب علينا أن نَحْذُوَ حَذْوَه، فإذا كان يقول عند انتهاء تلاوته: صدق الله، فإننا نقولها على العين والرأس، وإذا كان لا يقولها فلا نقولها.
ونقول لهم: إذا كنتم تعتقدون مشروعية ذلك فقولوها أيضًا في الصلاة، إذا انتهيتم من القراءة في الصلاة قبل أن تكبروا قولوا: صدق الله؛ لأن التلاوة في الصلاة أفضل منها خارج الصلاة، المهم أنه لا دليل لهؤلاء في مثل هذه الآية.
* من فوائد الآية الكريمة: أن المؤمن يزداد إيمانًا عند رؤية الآيات الكونية أو الشرعية؛ لقوله: ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب ٢٢].
* ومن فوائدها: تقرير أو صحة مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص، كذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: وقد ذكرنا أن زيادة الإيمان باعتبارات؛ باعتبار قوة اليقين، وباعتبار صحة العمل، وباعتبار الإخلاص فيه، وباعتبار المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، وباعتبار العامل نفسه، كل هذه الاعتبارات يزيد بها الإيمان، ما هو الأول؟
اعتبار قوة اليقين، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠]، أليس الخبر كالمعاينة؟ لو أخبرك مَن تثق به تمام الثقة عن وجود شيء آمنت به، لكنك إذا رأيته بعينك صار ذلك أقوى إيمانًا (...) اعتبار تفاضل العمل.
فهذا نقصٌ بترك العمل فيلزم منه الزيادة، لماذا؟ لكثرة العمل.
وثالثًا: بحسب الإخلاص في العبادة، كلما كان الإنسان في العبادة أخلص لله كان زيادة الإيمان بها أكمل وأقوى، ولهذا تجد الفرق إذا عَبَدْتَ الله عز وجل بإخلاص، وإذا عبدته بغفلة تجد الفرق العظيم بتأثر قلبك، مع أن العبادة واحدة، فكيف إذا عبدت الله تعالى برياء وسمعة -نسأل الله أن يحمينا وإياكم من ذلك- يكون أشد وأشد في عدم تأثر القلب بهذه العبادة، بالمتابعة أيضًا باعتبار متابعة الإنسان للرسول عليه الصلاة والسلام، كلما ازداد الإنسان اتباعًا للرسول ﷺ في عبادته ازداد إيمانه بذلك؛ لأنه عندما يزداد اتباعًا للرسول عليه الصلاة والسلام يشعر كأن الرسول ﷺ أمامه يتابع أَثَرَهُ، وهذا لا شك أنه يزيد في الإيمان.
والخامس: باعتبار حال العامل، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤١ / ٢٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]]، يعني: الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم أقوى إيمانًا ممن بعدهم، وأشد ثباتًا.
والحاصل أن الإيمان زيادته لها عدة اعتبارات، ومنها أيضًا السادس: ترك المعاصي خوفًا من الله، فإن الإيمان يزداد به، وسيأتينا إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد شرح ذلك على وجه أكمل.
المهم أن أهل السنة والجماعة يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص، وقالت المرجئة: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ليش؟ قالوا: لأن الإيمان في القلب، والأعمال الصالحة ما لها دخل بالإيمان، وما في القلب لا يتفاوت، فنحن الآن نؤمن بالشمس جميعًا، إيماننا بالشمس على حد سواء ما يتفاوت، فالناس كما قال ابن القيم عنهم:
؎النَّاسُ فِي الْإِيمَانِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ∗∗∗ كَالْمُشْطِ عِنْدَ تَمَاثُلِ الْأَسْنَانِ
وهذا القول لا شك أنه خطأ يرده الواقع والشرع، وقالت الخوارج والمعتزلة: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، إما أن يوجَد جملة كاملًا، وإما أن يُعْدَم بالكلية؛ لأنهم يقولون: إن فاعل الكبيرة خارج عن الإيمان، فإما كافر، وإما في منزلة بين منزلتين، فالخوارج يقولون: فاعل الكبيرة كافر، ما عنده إيمان أبدًا، والمعتزلة يقولون: لا إيمان عنده، لكن لا نقول: إنه كافر، بل هو في منزلة بين منزلتين، ومَن لم يكن فاعل كبيرة فالناس في الإيمان سواء، كلهم على حد سواء، فالذين لا يرون زيادة الإيمان ولا نقصانه طائفتان؛ إما مرجئة، أو وَعِيدِيَّة وهم الخوارج، ومَن؟ والمعتزلة.
وقال بعض أهل السنة كمالك رحمه الله قال: الإيمان يزيد، ولا نقول: ينقص؛ لأن زيادة الإيمان في القرآن والسنة كثيرة، ولكن ما فيه نقص، ما فيه ذِكْر نقص الإيمان، ولكن قوله رحمه الله ضعيف؛ لأن في السنة: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ»[[أخرجه البخاري (٣٠٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ومسلم (٧٩ / ١٣٢) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.]]، والإيمان بلا شك من الدين، فيكون داخلًا في هذا الحديث.
وأيضًا فإن الزيادة والنقصان من الأمور المتقابلة التي إذا وُجِدَ أحدها انتفى الآخر، ولا يُعْقَل وجود أحدهما إلا بوجود الآخر، فمثلًا الزيادة ما تُعْقَل إلا بنقص، فنقول له: أنت تقول: إن فلانًا أزيد إيمانًا من فلان، معنى ذلك أن الْمَزِيد عليه ناقص، ولا يُتَصَوَّر غير هذا.
والصواب أن الإيمان يزيد وينقص، وأسباب زيادته ونقصانه كما شرحنا قبل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الناس يختلفون في الانقياد والتسليم كما يختلفون في الإيمان زيادةً ونقصًا؛ لقوله: ﴿إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾؛ لأن عامة المؤمنين كلهم منقادون للشرع، لكن منهم مَن ينقاد بطمأنينة وانشراح، وقبول ومحبة، ومنهم مَن يُسَلِّم على وجه دون ذلك، ومنهم مَن يأتي إلى الصلاة –مثلًا- وهو يرى أنها نعمة من الله عز وجل، ويأتي إليها مُقْبِلًا غير مُدْبِر، نشطًا منشرح الصدر، محبًّا لها، ينتظر الصلاة بعد الصلاة بفارغ الصبر، ومنهم أناس بالعكس، يأتون إلى الصلاة لا يتخلفون، لكن ببطء وتثاقل، وعدم انقياد تامّ، أليس كذلك؟ إذن الناس يختلفون في التسليم، ولهذا قال: ﴿إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن التأمل في الآيات ووضوح الآيات للعبد تزيد في إيمانه وتسليمه؛ لقوله: ﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾، أي: ما رأوه من الأحزاب، ﴿إِلَّا إِيمَانًا﴾ بالله، ﴿وَتَسْلِيمًا﴾ لشرعه.
مَن يبغي يسأل؟
* طالب: (...) أو أن ايمان الانسان ناقص؟
* الشيخ: إي، فيه صريح من الإيمان ينقص.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، لكنه ناقص بالنسبة للرجال.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، إنه يزيد وينقص، الرسول أثبت نقصانه.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، أبدًا ما هو بدرجات، هذا النقصان يختلف حتى بالنسبة للنساء اللي هي ناقصات، ففيه إثبات أصل النقص بالنسبة للرجال؛ لأنهن لا يصلين ولا يَصُمْن، ثم هنّ بأنفسهن ما دام تَرْك الصلاة نقصًا كلما كان قيامهن بالصلاة أكمل كان إيمانهن أكمل.
* طالب: (...).
* الشيخ: بدليل، يعني: لو لم تصل المرأة إلا أربع صلوات كانت أنقص ممن تصلي خمسًا؛ لأنه ما دام عرفت أن النبي عليه الصلاة والسلام أصلًا جعل ترك الصلاة نقصًا، فترك بعض الصلاة أيضًا نقص.
ثم قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب ٢٣].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: الثناء على أولئك المؤمنين الذين عاهَدُوا الله فصَدَقُوه، وجه ذلك: السياق: ﴿رِجَالٌ﴾، فإن ﴿رِجَالٌ﴾ نكرة للتعظيم، رجال عظماء صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
* ومن فوائدها: أن أولئك الذين صَدَقُوا ما عاهدوا الله منهم مَن تُوُفِّي واستشهد، ومنهم مَن بقي، وقد ذكرنا مثلًا لمن استشهد، مَن؟ أنس بن النضر رضي الله عنه، فإنه استشهد في أُحُد ووُجِدَ فيه بضع وثمانون ضربة.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الله أثنى على هؤلاء أنهم أتوا بما عاهدوا الله عليه على وجه الكمال بدون نقص ولا تغيير؛ لقوله: ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.
* ومن فوائدها: أن مَن مات سابقًا ومَن مات لاحقًا إذا كانَا سواء فيما قامَا به مما يجب فإنه لا فرق بين المتقدم والمتأخر، كما قال: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾، وجعل الثناء عليهم واحدًا، لكن في الأعمال الأخرى مَن تأخر موته فازداد عملًا صالحًا فهو أكمل من الأول، ولكنه بالنسبة لما اتفقَا فيه من العمل الصالح لا فرق بين الأول والآخر.
ثم قال تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب ٢٤].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: بيان حكمة الله عز وجل في المجازاة على العمل؛ لقوله: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ﴾.
* ومن فوائدها: أن الجزاء من جنس العمل؛ لقوله: ﴿بِصِدْقِهِمْ﴾، فإن الباء للسببية، والْمُسَبَّب مربوط بالسبب، يقوى بقوته ويضعف بضعفه، ويزداد بزيادته وينقص بنقصانه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على الصادقين، وأنهم أهل للجزاء الحسَن؛ لقوله: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾؛ الصادقين في العقيدة وفي القول، أيش بعد؟ وفي العمل، وقد أمر الله بالصدق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة ١١٩]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام حَاثًّا على الصدق: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧ / ١٠٣) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]].
والصدق كما أنه محل ثناء من الله عز وجل، ومحل ثواب جزيل، فإنه محل ثناء من الخلق، ولهذا تجد الصادقين تُنْشَر آثارهم، وتُؤْثَر أقوالهم، ويُثْنَى عليهم في المجالس حتى بعد موتهم، بخلاف أهل الكذب -والعياذ بالله- والنفاق، فإنهم على العكس من ذلك، فعليك بالصدق، ولا تظن أن الصادق يَخِيبُ أبدًا، كما يصوِّر الشيطان أحيانًا للإنسان أنه لو صَدَق لكان في ذلك ضرر عليه، فليكن كاذبًا، أو فليكذب، فإن هذا من وساوس الشيطان، فالصدق مَنْجَاة، ولهذا قال أحدهم: رأيت في الكذب نجاةً، فقال الثاني له: فالصدق أَنْجَى، وصدق.
واعلم أن الصادق وإن كان قد يكون الأمر مُرًّا عليه في أول أمره، لكنه تكون العاقبة له في النهاية، وإذا أردت مثلًا على ذلك فانظر إلى حال الثلاثة الذين خُلِّفُوا في غزوة تبوك، كيف كان أول أمرهم؟ كانوا في تلك المرارة العظيمة، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وتَنَكَّرَت الأرض لهم.
حتى يقول كعب بن مالك: «حتى كأن الناس الذين على الأرض كأنهم ليسوا هم الناس الذين أعرفهم»[[أخرج أحمد (٢٧١٧٥) بسنده عن كعب بن مالك قال: ... فجعلت أخرج إلى السوق فلا يكلمني أحد، وتنكَّر لنا الناس، حتى ما هم بالذين نعرف، وتنكّرت لنا الحيطان التي نعرف حتى ما هي الحيطان التي نعرف. الحديث.]]، ضاقت عليه الأرض، والنتيجة أنه نزلت فيهم آيات تُتْلَى إلى يوم القيامة، لولا هذا الصدق ما بقيت هذه الآيات، حتى قيل للناس: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، عندما ذكرت قصتهم، هذه نهاية عظيمة جدًّا للصادقين، فأنت اصدق وإن حصل عليك ضرر في أول أمرك، لكن العاقبة لك، لا تُعَوِّد نفسك الكذب، ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾.
* ويستفاد من الآية الكريمة: ذم النفاق وأنه سبب للعذاب؛ لقوله: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ﴾.
* ويستفاد منه: أن المنافِق له توبة؛ لقوله: ﴿إِنْ شَاءَ﴾، فإنه يشاء أن يُعَذِّبهم إذا ماتوا على النفاق، أما إذا تابوا فقد شاء ألَّا يعذبهم، ولكنكم كما سمعتم التفسير على هذه الآية توبة المنافق ذُكِرَ فيها شروط لا بد من مراعاتها، ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ﴾ [النساء ١٤٦]، لا بد أن تظهر هذه الأمور على المنافق، وإلا فإن توبته لا تُقْبَل في الدنيا، أما في الآخرة فأَمْرُه إلى الله، لكن في الدنيا ما نقبلها إلا إذا ظهرت عليه هذه الأوصاف التي اشترطها الله عز وجل.
* ويستفاد من ذلك: ترغيب المنافق بالتوبة؛ لقوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾، منافق خَادِع خاذِل ماكِر، ومع ذلك يقال له: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾، وهذا دليل على أن رحمة الله تعالى سبقت غضبه، ولهذا أولئك الذين يعذِّبون أولياءه ويحرقونهم بالنار يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج ١٠]، وكذلك الذين قالوا ﴿إن الله ثالث ثلاثة﴾ عرض الله عليهم التوبة، كل هذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى يحب العفو أكثر من الانتقام.
* ويستفاد من الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: الغفور والرحيم، وما تَضَمَّنَاه أيضًا من الصفتين، وهما المغفرة والرحمة، وما يتعلق بهما من حكم وأَثَر، وهو أنه يغفر ويرحم، فالاسمان هذان الكريمان الغفور الرحيم من الأسماء المتعدية التي لا يتم الإيمان بها إلا بأمور ثلاثة، وهي؟
* طالب: (...)
* الشيخ: لا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، صح، أسماء الله تعالى نوعان: مُتَعَدٍّ ولازم، فالمتعدي لا يتم إيمانك به إلى بأمور ثلاثة: أن تؤمن به اسمًا لله، وأن تؤمن بما تضمنه من صفة، والثالث: أن تؤمن بما تضمَّنَه من الحكم والأثر؛ الغفور تؤمن بأن الغفور من أسماء الله، وأنه تعالى ذو مغفرة، والثالث: وأنه يغفر، ومثله الرحيم.
النوع الثاني: إذا كان غيرَ متعدٍّ فلا يتم الإيمان به إلا بأمرين: الإيمان به اسمًا من أسماء الله، والثاني: الإيمان بما تضمنه من الصفة، مثل: العَلِيّ، العظيم، الكريم، وما أشبه ذلك، وربما نقول: إن الكريم من النوع الأول.
في الآية إشكال ما أدري هل أوردتُه وأجبتُ عنه، وهو قوله: ﴿وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، ﴿كَانَ اللهُ﴾ يعني: والآن؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، لكن كيف نجيب عن قوله: ﴿كَانَ اللهُ﴾؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، ما للاستمرار، (كان) ما تأتي للاستمرار في حد ذاتها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، أنا قلت محقق أن الله كان غفورًا رحيمًا، لكن (كان) فبانَ.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، نقول: إن (كان) يراد بها أحيانًا اتصاف اسمها بخبرها، بقطع النظر عن الزمن، وهو ما تُعْرَف بمسلوبة الزمن، يعني: ما يراد بها الزمن إطلاقًا، بل يراد بها تحقُّق هذا الوصف، (كان) يعني: ثَبَتَ، عرفتم؟ فــ﴿كَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ يعني: أنه عز وجل لم يَزَل ولا يزال كذلك غفورًا رحيمًا، أظن ما يمكن أن نكمل..
* طالب: يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ﴾، هذا ثناء من الله سبحانه وتعالى على المؤمنين أنهم رجال (...)؟
* الشيخ: قد نقول –مثلًا-: إن الرجال حصل الثناء بالتنكير الدالّ على التعظيم، أما مجرد كلمة (رجال) فتُطْلَق على المؤمن وغير المؤمن.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، لكني ما أذكره الآن، العدد هو أربعة أو خمسة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، كانوا منافقين فمَنَّ الله عليهم فتابوا من النفاق، لو رجعت إلى التفسير ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ [التوبة ٦٦] تجد فيها هذا.
* فيستفاد من هذه الآية الكريمة: بيان قدرة الله سبحانه وتعالى، حيث رد هذه الأحزاب الكثيرة العظيمة مع ما في قلوبهم من الغيظ والحنق الشديد على رسول الله ﷺ وأصحابه، رَدَّهم الله عز وجل بغيظهم، ما اشتفوا ولا نالوا مرادهم، قال الله تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ﴾، ولهذا أثنى النبي ﷺ على ربه بهزيمة الأحزاب، قال: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ»[[أخرجه البخاري (٣٠٨٤)، ومسلم (١٢١٨ / ١٤٧) واللفظ له من حديث جابر رضي الله عنهما.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الأحزاب قد امتلأت قلوبهم غيظًا على رسول ﷺ؛ لقوله: ﴿بِغَيْظِهِمْ﴾، فإن الباء للمصاحبة والملابسة.
* ومن فوائدها: أنهم –أي: الأحزاب- لم ينالوا مع هذا التعب الشديد خيرًا، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فما نالوا خيرًا في الدنيا من غنائم وغيرها، ولا نالوا خيرًا في الآخرة من الأجور والثواب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل كفى المؤمنين القتال بعد هذه الغزوة، ولهذا لم يقاتل النبي ﷺ أحدٌ من المشركين بعد تلك الغزوة، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا»[[أخرجه البخاري (٤١١٠) من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه.]]؛ لأن الله قال: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ في هذه الغزوة وفيما بعدها، فإن العرب لم يقوموا بغزوٍ لرسول الله ﷺ بعد هذه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل يدافع عن المؤمنين؛ لقوله: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾.
وما وجه اختصاص ذلك بالمؤمنين؛ من أين يؤخذ من الآية أنه خاص بالمؤمنين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، خَصَّهُ بالمؤمنين، فدَلَّ هذا على أن كفاهم القتال لإيمانهم، فالمؤمنون يكفيهم الله عز وجل ما أهَمَّهُم ويدافع عنهم لإيمانهم، كما قال تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الزمر ٦١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات القوة والعزة لله؛ لقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾، وفيها إثبات هذين الاسمين من أسمائه، وهما القوي والعزيز.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: مِنَّةٌ أخرى على المؤمنين، وهي إنزال هؤلاء الذين غدروا من اليهود من بني قريظة من حصونهم اللاتي تَحَصَّنُوا بها؛ لقوله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، خلوه هو يتم لأنه الظاهر إنه راح يتهوجس في البيت.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن اليهود والنصارى أعداء للمسلمين موالون للمشركين؛ لأن بني قريظة والَوا الأحزاب وظاهَرُوهم على رسول ﷺ مع ما عليهم من العهد والميثاق الذي بينهم وبين رسول الله ﷺ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن إلقاء الرعب في القلوب من أعظم الهزيمة؛ لقوله: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾.
* ومن فوائدها: الإشارة الى انحطاط هؤلاء اليهود وذُلِّهم، ونزولهم من الأعلى إلى الأسفل، ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾، وفعلًا فإنهم حصل لهم مع خروجهم من حصونهم من الذل والعار والخزي ما هو باقٍ إلى يوم القيامة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل أباح للمؤمنين هؤلاء اليهود قتلًا وأسرًا؛ لقوله: ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾.
* ومن فوائدها في قوله: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ﴾ إلى آخره: أن المؤمنين إذا فتحوا بلدًا ملكوا الأرض؛ لقوله: ﴿أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ﴾، وإذا مَلَكُوا الأرض فهل تُقْسَم بين الغانمين، أو تُوقَف لبيت المال، أو تُوَزَّع على المؤمنين بخراج؟
فيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يجب على ولي الأمر أن ينظر ما هو الأصلح، إن رأى أن يوزعها على الغانمين فعل كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في خيبر، وإن رأى أن يبقيها في مصالح المسلمين أبقاها، وإن رأى أن يوزعها على المسلمين بخراج يُضْرَب عليها فعل كما فعل عمر رضي الله عنه، فيقول –مثلًا-: نحن نقسمها عليكم على أن يكون على كل مئة متر كذا وكذا دراهم، مثل الصُّبْرَة، وتكون هذه الدراهم للمسلمين ينتفعون بها، المهم أن أرض الكفار إذا فُتِحَت عَنْوَةً فهي لِمَن؟ للمسلمين؛ لقوله: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ﴾.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ملك لهم بدون عِوَض.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا لا، المسلمون الذين تَمَلَّكُوا ما جعل عليهم شيئًا، لكن أهل خيبر اليهود أبقاهم فيها على أنهم فلاليح؛ لأنهم يعرفون كيف يدبرون هذه الفلائح، فجعل لهم شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، ولَّا الأرض للمسلمين ما هي لهم.
* ومنها أيضًا: حِلّ أموال الكفار للمسلمين؛ لقوله: ﴿وَأَمْوَالَهُمْ﴾، فإن الغنائم تحل للمسلمين، وهي من خصائص هذه الأمة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: البشارة بأن المسلمين سيَتَوَلَّوْنَ على أراضٍ أخرى للكفار، من أين تؤخذ هذه البشارة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: طالب العلم لازم يفهم، لازم يكون مع طالب العلم كتاب، الكتاب المقرَّر سواء القرآن، ولَّا في الحديث، ولَّا الفقه، ولَّا الأصول، ما طالب العلم يجيء كمستمع، يجيء كمستمع يكون مثل عامة الناس اللي في السوق، فطالب العلم يجب أن يكون طالبًا بمعنى الكلمة، وإلا لا فائدة من طالب العلم، الطالب يمشي مثل البعير الذي يحمل الغَرْبَل مُنْشَقّ مُتَخَرِّق، ما يحمل الماء، فنصيحتي لك أن تأخذ كتبًا مثل غيرك من الطلبة، وأن تتابع المدرِّس، وأن تأتي عند الدروس.
* طالب: (...).
* الشيخ: قوله: ﴿وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾، ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾، وهي خيبر وغيرها من بلاد الكفار، إنما فيه بشارة بأن الله سبحانه وتعالى سيُوَرِّث المسلمين أراضي الكافرين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات القدرة لله تعالى على كل شيء؛ لقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾، فكل شيء فإن الله قادر عليه لا يعجزه، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، مهما ظننت من بعد وقوع الشيء فلا تستبعده على قدرة الله، فإن الأمر عليه هَيِّن كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]، الكل عليه هَيِّن، ولكن هذا أهون.
والحاصل أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وقد قال المؤلف صاحب تفسير الجلالين في سورة المائدة لما قال: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة ١٧] قال: (وخص العقلُ ذاتَه فليس عليها بقادر)، أي أن الله لا يقدر على ذاته، والذي خَصَّصَ هذا العموم هو العقلُ -على زعمه- فيقال له: ما هذا العقل الذي يخصص هذا العموم؟ وكيف لا يكون الله قادرًا على ذاته؟ بل هو سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، حتى على ذاته فهو سبحانه وتعالى يستوي على العرش، وينزل إلى السماء الدنيا، ويأتي للفصل بين عباده، ويفعل ما يشاء، وهذه قدرة على الذات، أما إن أراد أنه غير قادر على ذاته فلا يعدمها –مثلًا-، فيقال: إن هذا الشيء مستحيل، والمستحيل لا تتعلق به القدرة أصلًا، فهو غير وارد، ولا داخل في الآية من الأصل، فأما أن نقول: إنه داخل فيما يخصه العقل فهذا تخصيص لما عَمَّمه الله عز وجل.
* طالب: (...).
* الشيخ: أي آية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة ١٢٠]، آخر السورة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، يعني لو قال قائل: هل يقدر الله عز وجل على أن يجعل الشيء متحركًا ساكنًا في آن واحد؟ نقول: هذا شيء مستحيل؛ لأنه إن كان متحركًا فليس بساكن، وإن كان ساكنًا فليس بمتحرك، فإذا جعله الله متحركًا لم يكن ساكنًا، وإن جعله ساكنًا لم يكن متحركًا من الأصل.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم.
* يستفاد: إثبات غدر اليهود، وأنهم أهل غدر وخيانة، هذا شيء معلوم من اليهود من حالهم منذ كان فيهم نبيهم عليه الصلاة والسلام موسى إلى يومنا هذا، فهم أشد الناس مكرًا وغدرًا وخيانة، من قوله: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا شيء عقلًا واضح؛ لأنك إذا وصفته بالحركة انتفى عنه السكون، وإن وصفته بالسكون انتفى عنه الحركة قطعًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا شيء معروف، ما يحتاج إلى إيمان، كما لو قلت: كل حادث لا بد له من مُحْدِث، شيء معقول، والأمور العقلية المعلومة بالضرورة ما تحتاج إلى تأمل ولا إلى تفكير.
* الطالب: (...).
* الشيخ: متناقضان، الحركة والسكون متناقضان، والسواد والبياض متضادان.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُوا۟ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّاۤ إِیمَـٰنࣰا وَتَسۡلِیمࣰا","مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا","لِّیَجۡزِیَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِینَ بِصِدۡقِهِمۡ وَیُعَذِّبَ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ إِن شَاۤءَ أَوۡ یَتُوبَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا","وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِغَیۡظِهِمۡ لَمۡ یَنَالُوا۟ خَیۡرࣰاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزࣰا","وَأَنزَلَ ٱلَّذِینَ ظَـٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن صَیَاصِیهِمۡ وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِیقࣰا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِیقࣰا","وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِیَـٰرَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُمۡ وَأَرۡضࣰا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣰا"],"ayah":"وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِیَـٰرَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُمۡ وَأَرۡضࣰا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق