الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الروم ٣٤] ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ اللام هنا للعاقبة؛ يعني أنهم بإشراكهم صار عاقبتهم الكفر بما آتاهم الله عز وجل، آتاهم أي: أعطاهم.
وقوله: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ هل نقول: إن (الباء) للسببية أو إن (الباء) للتحقيق؛ بمعنى أنهم يكفرون بهذا الشيء؟ الجواب: يحتمل أن تكون للسببية أو بسبب ما آتاهم الله تعالى من الرحمة والإنقاذ من الشدة صار ذلك سببًا لأشرهم وبطرهم وكفرهم، كما هي عادة الإنسان إلا من عصمه الله عز وجل.
أو يقال: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ أي: يكفروا بهذا الشيء الذي آتيناهم حيث لا يؤدون شكره، وكان الواجب عليهم أن يؤدوا الشكر لله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ هذا يسمونه في البلاغة التفاتًا؛ لأنه لم يقل: وليتمتعوا كما قال في آية أخرى، ولكنه أمرهم أن يتمتعوا، والأمر هنا للتهديد كما قال المؤلف رحمه الله، قال: أي فآتيناهم، أُرِيد به التأكيد فتمتعوا، الأمر هنا للتهديد، وليس للإباحة، والدليل على ذلك قوله: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبة تمتعكم فيه التفات عن الغَيْبة، وين الغَيْبة؟ ﴿لِيَكْفُرُوا﴾.
وقد سبق لنا أن الالتفات له فائدتان؛ فائدة لازمة في كل التفات، وهي التنبيه؛ لأن الكلام إذا كان على نسق واحد استمر الإنسان فيه مُنساقًا معه، فإذا اختلف وقف، لماذا اختلف السياق؟ لماذا كانت الجملة للغائب، ثم صارت للمخاطب أو بالعكس؟ فيقف ويهتم ولا يتعمد، أما الفائدة الثانية فإنها تختلف بحسب السياق، الفائدة الثانية هنا في هذه الآية هو أنهم إذا قُوبلوا بالأمر: ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ صار أشد وأبلغ تهديدًا مما إذا قال: وليتمتعوا.
وقوله: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ قد قيل: إن (سوف) تفيد التحقيق لكنها تفيد أيضًا التراخي بخلاف السين فإنها تفيد التحقيق والفورية، وكل شيء بحسبه، وإنما كان كذلك هنا؛ لأن أشد العقاب الذي يأتيهم سيكون يوم القيامة، وهو متأخر، ثم قال تعالى: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ [الروم ٣٥].
* الطالب: (سوف) ماذا تفيد؟
* الشيخ: تفيد التحقيق والتراخي. قال: (﴿﴿أَمْ﴾ ﴾ بمعنى همزة الإنكار، ﴿﴿أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ ﴾ حجة وكتاباً ﴿﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾ ﴾ تكلم دلالة ﴿﴿بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ ﴾ أي يأمرهم بالإشراك؟ لا) ﴿أَمْ﴾ هنا يقول المؤلف: إنها بمعنى الهمزة، همزة الإنكار، وهذا أحد القولين فيها، والقول الثاني أنها بمعنى (بل) والهمزة، فتكون مفيدة للإضراب، وهنا الإضراب الانتقالي؛ يعني بل أأنزلنا عليهم سلطانًا؟ والاستفهام إذا كان للإنكار فمعناه النفي؛ يعني هل نحن أنزلنا عليهم سلطانًا يؤيد شركهم، ويثبته ويقول: إنه حق؟ الجواب: لا، ما أنزلنا ذلك ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾.
يقول المؤلف: (﴿﴿سُلْطَانًا﴾ ﴾: حجة وكتابًا). والحجة تسمى سلطانًا؛ لأن المحتج بها له سلطة على المحجوج؛ فلهذا تسمى سلطانًا كما قال الله تعالى: ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا﴾ [يونس ٦٨]. أي: حجة.
واعلم أن السلطان يطلق على عدة معانٍ، فيجمعها كلها السلطة على الشيء، فتارة تأتي بمعنى الحاكم، كقول الفقهاء وجاء في الحديث: «فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»[[أخرجه الدارمي (٢٢٣٠) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]. وكذلك: «إِنَّ اللَّهَ لَيَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ»[[ورد مسندًا من قول عمر رضي الله عنه، أخرجه الخطيب في تاريخه (٥/١٧٢) بسنده عن ابن عمر، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن.]].
وتأتي السلطان بمعنى الحُجَّة، وهو كثير، وتأتي بمعنى القدرة مثل قوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن ٣٣] أي: بقدرة وليس لكم قدرة، وكلها يجمعها هذا المعنى، السلطة التي بها السيطرة والغلبة.
وقوله: ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾ قال المؤلف: (تكلُّم دلالة، فهو يتكلم بلسان الحال، وليس بلسان المقال). هذا ما قاله المؤلف، ولكنه يحتمل أن تبقى على ظاهرها؛ لأن الذي ينزل من عند الله كلام الله، وكلام الله تعالى يصح أن يُنسب الكلام إليه كما في قوله تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الجاثية ٢٩] ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل ٧٦].
وقوله: ﴿بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم ٣٥]. الباء هنا للاختصاص أيضًا، أي: يتكلمون بهذا الشيء، ويقول: إنه حق، والجواب: لا، إذن فليس عندهم حجة، لا عقلية ولا شرعية؛ أما العقلية فقد سبق أن فطرة الله سبحانه وتعالى كلها الإخلاص لله، وأما الشرعية فإنه لم يأتِ في كتاب من الكتب المنزلة أن الشرك حق، بل جميع الكتب المنزلة وجميع الرسل المرسلون، كلهم يقولون: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف ٥٩]. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء ٢٥].
﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا﴾ [الروم ٣٦]. ﴿إِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ﴾ كفار مكة وغيرهم، هذا أشد، جعلها عامة. وأفادنا المؤلف بقوله: (كفار مكة وغيرها) أن المراد بالناس هنا الكفار، فيكون من باب العام المستعمل في الخاص، وقد مر بنا كثيرًا أن العام يُستعمل في الخاص، والعام المراد به الخصوص غير العام المخصوص.
وقد سبق لنا في أصول الفقه الفرق بينهما بين العام المخصوص والعام الذي أُريد به الخصوص؛ فالعام الذي أريد به الخصوص لم يُرد معنى العموم فيه من أول الأمر، وإنما أُريد به المعنى الخاص فقط، فقوله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ﴾ [آل عمران ١٧٣] لم يُرد به عموم الناس من الأول، وأما العام الذي دخله التخصيص يعني العام المخصوص فهو أُريد به لعموم، وهو تناوله لجميع الأفراد، ثم أُخْرِج بعض أفراده من هذا الحكم فيكون عامًّا مخصوصًا، وعلى هذا فلا يمكن أن يستدل مستدل بالعام المراد به الخصوص، لا يمكن أن يستدل به على عموم الحكم؛ لأنه لم يُرد به العموم بخلاف الثاني العام المخصوص فإنه يمكن أن يستدل به على عموم الحكم، ويقول لمن أخرج شيئًا من أفراده: هات الدليل على التخصيص.
المراد بالناس هنا إذن: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا﴾ [الروم ٣٦] عام أُريد به الخصوص؛ يعني الكفار؛ لأن هذا الوصف لا ينطبق إلا عليهم، أما المؤمن فإنه إذا قضى الله له قضاءً لم يكن معاندًا له. إذا أذقنا الناس كفار مكة وغيرهم بالنصب، أنا قلت بالجر؟ الصواب بالنصب كفارَ مكة وغيرَهم رحمة نعمة.
﴿فَرِحُوا بِهَا﴾ فرح بطر. ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ شدة ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ أي: ييئسون من الرحمة، ومن شأن المؤمن أن يشكر عند النعمة، ويرجو ربه عند الشدة.
قوله تعالى: ﴿رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا﴾ ﴿رَحْمَةً﴾ يشمل جميع النِّعم من مال، وأولاد، وأمْن، ورخاء في العيش، وغير ذلك، كل ما يكون، أو كل ما ينعم به الإنسان فإنه داخل في ذلك؛ ولهذا قال: (من نعمة).
وقوله: ﴿فَرِحُوا بِهَا﴾ أيدها المؤلف بقوله: (فرح بطر) احترازًا من الفرح بنعمة الله فرح شكر؛ لأن هذا لا يذم كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس ٥٨] فأمر الله تعالى أن نفرح بفضل الله ورحمته، وعلى هذا فالفرح نوعان؛ فرح بطر يؤدي إلى الأشر والاستكبار عن الحق والتَّعَلِّي عن الخلق، هذا هو المذموم، والثاني: فرح شُكْر، يكون الإنسان فرحًا بنعمة الله، لكن هذا الفرح يحمله على شكر النعمة؛ فهذا ليس بمذموم، وهو من طبيعة الإنسان، فإن الإنسان إذا رُزِق ولدًا فرح، وإذا رُزِق مالًا فرح، وإذا كان طالب علم فتوصَّل إلى مسألة من مسائل العلم فرح، فهو من الأمور الطبيعة لكن إن أدى الفرح إلى الأشر فإنه مُحرَّم ومذموم وإلا فلا، هذا الكراهة الداخلة.
وقوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ [الروم ٣٦] المراد بالسيئة هنا ما يسوؤه، وهو ضد الرحمة، مثل: فقر، وجدب، وخوف، فقدان مال، وما أشبه ذلك، هذه السيئة، وسمي سيئة؛ لأنه يسوؤهم.
وقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ الباء هنا للسببية؛ أي بسبب. و(ما) موصولة؛ أي بالذي، وعلى هذا فالعائد محذوف، والتقدير: بما قدمته أيديهم إذا هم يقنطون بما.
ولاحظ أن الله عز وجل أطلق الرحمة: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً﴾، أما السيئة فقيدها بقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾؛ وذلك لأن السيئات سببها أعمال العباد كما قال الله تعالى في الآية التالية إن شاء الله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم ٤١].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٠] ولهذا قال هنا: ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [القصص ٤٧].
وقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ المراد بما قدموا، فعبر بالأيدي عن النفس؛ لأن غالب الأعمال بها، وهذا كثير في القرآن؛ أن الله تعالى يضيف الشيء إلى الأيدي، والمراد بها نفس العامل، بل إن الله أضاف الأيدي إلى نفسه، والمراد بها نفسه مثل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس ٧١].
فإن قوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ ليس كقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥] والفرق أن المراد بقوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ أي: مما علمناه. وأما: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ فأضاف الخَلْق إلى نفسه مُعدًّا إلى اليد بالباء، فصارت اليد حصل بها الفعل، وأما الخلق فهو مضاف إلى نفسه سبحانه وتعالى، أضافه إلى نفسه المقدسة وعدَّاه إلى اليد بالباء؛ ولهذا يغلط من جعل قوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ مثل قوله: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥].
إذن ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: بما كسبوا، وعبر بالأيدي عن النفس؛ لأنها آلة الفعل غالبًا.
وقوله: ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم ٣٦] ﴿إِذَا﴾ فجائية واقعة في جواب الشرط، وهو قوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾.
وقوله: ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ أتى بالجملة الاسمية للدلالة على أنهم اتصفوا بذلك على سبيل الدوام، فهم دائمًا في قنوط ما دامت السيئة فيهم، والقنوط يقول المؤلف: (ييئسون) ولكنه تفسير فيه شيء من القصور؛ لأن القنوط ليس اليأس بل هو أشد اليأس؛ لأن اليأس إذا كان فيه شيء من الرجاء لا يسمى قنوطًا، وإن سُمِّيَ يأسًا لكن إذا بلغ اليأس غايته سُمِّي قنوطًا، وقد قال الله تعالى عن إبراهيم: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر ٥٦] الجاهلون بما لله عز وجل مِنَ الحكمة بما يجري على عباده من الضراء والسراء.
يقول المؤلف: (ومن شأن المؤمن أن يشكر عند النعمة، ويرجو ربه عند الشدة) وعلى هذا فتكون الآية فيمن؟ في الكفار.
(﴿﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ ﴾ يعلموا ﴿﴿أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ ﴾ يُوسِّعه ﴿﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ﴾ امتحانًا ﴿﴿وَيَقْدِرُ﴾ ﴾ يُضيِّقه لمن يشاء ابتلاءً).
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ قال المؤلف: (أولم يعلموا). وعلى هذا فالرؤية علمية، ويؤيد تفسير المؤلف أنها جاءت في آيات أخرى بـ(يعلموا)، وهي في سورة الزمر: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الزمر ٥٢]. ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ إذن فأحسن ما يُفسر به القرآن القرآن، وهو أعلى أنواع التفسير، ويمكن أن يقال: إن لكل آية معنى، فنُفسِّر الرؤية هنا برؤية البصر لا برؤية البصيرة التي هي العلم، ونفسرها هناك بالعلم كما هو لفظ الآية، ويكون البسط والتضييق معلومًا بالقلب مرئيًّا بالعين، فإن الإنسان أيضًا يرى بعينه كما يعلمه أيضًا بقلبه، وأيهما أعم (يعلموا) أو (يروا)؟
إذا لم نفسر (يروا) بـ(يعلموا)؟ العلم أعم؛ لأن العلم قد يكون بالرؤية، وقد يكون بالسماع.
قد لا أرى أن الله بسط الرزق لعباده وقدَرَه، لكنني أسمع أنه في البلاد الفلانية فقر، وفي البلاد الفلانية غِنى، وما أشبه ذلك، فالعلم أعم؛ وذلك لأن وسائل العلم متعددة بخلاف الرؤية فإن طريقها البصر، العلم كل الحواس الخمسة التي تعرفونها كلها تُوصِّل إلى العلم، فاللمس والشم والذوق والرؤية والسماع كلها تفيد العلم، فهو أعم؛ لأنه إذا رأى علم، لكن العلم أعم؛ لأن وسائله أكثر.
وقوله: ﴿أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ البسط بمعنى التوسيع كما قال الله تعالى: ﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [الروم ٤٨] يعني يوسعه.
وقوله: ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ سبق لنا أن كل شيء قيَّدَهُ الله بالمشيئة فإنه مقرون بالحكمة، وليست مشيئة الله تعالى مشيئة مجردة؛ لأننا نعلم أن الله عز وجل حكيم، لا يفعل شيئًا، ولا يشرع شيئًا إلا لحكمة، فكلما مر عليك شيء مُقيَّد بالمشيئة فاعلم أنه مقيد بالحكمة.
﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ قال المؤلف: (امتحانًا، ﴿﴿وَيَقْدِرُ﴾ ﴾ يُضيِّق لمن يشاء ابتلاءً)، ففرَّق المؤلف بين تضييق الرزق وبين بسطه، وجعل البسط امتحانًا والتضييق ابتلاءً، والصواب أنهما سواء كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥]، وكلها ابتلاء، وقال سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل ٤٠].
فالصواب أنها كلها ابتلاء والامتحان قريب من معنى الابتلاء، لكن الإصابة لبسط الرزق تقتضي شكرًا، وبتضييقه تقتضي صبرًا، هذا الفرق بينهما، والمؤمن يقوم بالوظيفتين، إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيرًا له، وهذا ليس إلا للمؤمن فقط.
وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الاستفهام هنا المراد به التقرير؛ يعني أنهم يرون أن الأمور بيد الله عز وجل، وأنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، فكيف يقطنون إذا أصابتهم السيئة؟ وكيف يفرحون ويفخرون إذا أصابتهم الرحمة؟ بل الواجب عليهم أن يعلموا أن ذلك بحكمة من الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الواو هنا حرف عطف وَلِيَت أداة استفهام، وأداة الاستفهام لها الصدارة، فإذن لم تُسبق الواو بشيء يُعطف عليها، فما هو الجواب؟ ذكرنا فيما سبق أن لعلماء النحو في مثل هذا التقييد قولين؛ القول الأول أن الواو عاطفة على مُقَدَّر بعد الهمزة، والثاني أن الواو عاطفة على ما سبق، وعلى هذا فتكون الهمزة مُقدَّمة قبل العاطف، وذكرنا أن هذا الرأي أولى؛ لأن الأول وإن كان جيدًا من حيث الأصول لكنه في بعض الأحيان يصعب على الإنسان أن يُقدِّر شيئًا يرى أنه مناسب للسياق، وعليه فيكون القول بأن الهمزة للاستفهام، وأن الواو مُقدَّرة قبلها؛ يعني (وألم يروا) أسهل.
﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الروم ٣٧] ولا شك أن بسط الرزق وتضييقه أنه ابتلاء من الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن العبد أحيانًا يناسبه أن يبسط له الرزق، وأحيانًا بالعكس حسب ما تقتضيه الحكمة يحسن لهاذاك ما لم يحسن لهذا.
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الروم ٣٧] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي في بسْط الرزق وتضييقه. ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿آيَاتٍ﴾ الذي نصبها ﴿إِنَّ﴾ فهي اسمها مؤخرًا، و﴿فِي ذَلِكَ﴾ خبرها مقدم.
وقوله: ﴿لَآيَاتٍ﴾ أي: لعلامات دالة على أن الله سبحانه له التصرف المطلق في عباده. أظن أننا نرى أحيانًا بعض الناس يسعى بقدر ما يستطيع في أسباب الرزق، ومع ذلك لا يمكن، تجده يبيع، ويشتري، ويسافر يضرب في الأرض يبتغي من فضل الله، ومع هذا ليس كثر المال، مُضيَّقًا عليه، وتجد بعض الناس يسعى سعيًا بسيطًا ولكن الله تعالى يُبارك له في سعيه حتى يكون عنده رزق كثير؛ مما يدل على أن الأمور لا تُنَال بالكسب، الكسب سبب لكن فوق ذلك إرادة الله عز وجل.
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بهذا، بهذه الرؤية، وهذا التفكُّر، أما غير المؤمن فإنه لا ينتفع بهذا؛ ولذلك تجد هؤلاء الذين لا يُؤمنون إذا حصل مثل هذه الأمور ينسبونها إلى الطبيعة، إذا كثر المطر قالوا: هذا بسبب كذا، وإذا قلَّ قالوا: هذا بسبب كذا، ونحن لا ننكر أن الأمور لها أسباب، ولكننا نُنكر أن تكون الأسباب هي الفاعلة، فإن الفاعل هو الله عز وجل، وما الأسباب إلا وسائل يُستدل بها على حكمة الله سبحانه وتعالى، وأنه حكيم، حيث ربط المسببات بأسبابها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الروم ٣٧] ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [الروم ٣٨] إلى آخره. ﴿آتِ﴾ بمعنى أعطِ؛ لأنها من الرباعي لو كانت من الثلاثي لكانت بمعنى جِئ، لكنها من الرباعي الذي بمعنى أعطى.
وقوله: ﴿آتِ﴾ الخطاب مفرد، فهل هو للرسول ﷺ شخصيًّا أو لكل من يتوجه إليه الخطاب؟ قلنا: إن للعلماء في هذا رأيين إلا ما دل الدليل على أنه خاص بالرسول ﷺ فهذا يختص به، مثل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] هذا خاص بالرسول ﷺ، ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا﴾ [الضحى ٨] ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] وما أشبه ذلك.
* الطالب: عائلًا؟
* الشيخ: وجدك الرسول، لكنه أغنى بك.
* الطالب: (...).
* الشيخ: وقوله: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى﴾ ﴿ذَا الْقُرْبَى﴾ أي: صاحب القرابة؛ ولهذا قال المؤلف: (القرابة)، فالقربى هنا بمعنى القرابة. ﴿حَقَّهُ﴾ من البر والصلة. وأحق الناس بذلك الأم والأب وإن علوا، وصِلتهما تسمى بِرًّا؛ لأنه يجب أن تكون أعلى من غيرهما، والبر كثرة الخير، وغيرهما يسمى صلة؛ لأن المقصود الوصل فقط بخلاف الأب والأم، فـ(حقه) هنا مجمل، ولكنه مُبيَّن بنصوص أخرى من القرآن والسنة؛ وهو أن حق الأبوين البر، وحق غيرهما الصلة، فيمكن أن يكون قول المؤلف: (من البر والصلة) على سبيل التوزيع، من البر في الأبوين والصلة في غيرهما، في أولي الأرحام. قال: ﴿آتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾.
وقوله: ﴿ذَا الْقُرْبَى﴾ يعم كل قريب ولو كان كافرًا؛ لأن العلة القرابة ليست الإسلام، لو قال: آتِ المؤمن حقه، قلنا: العلة الإيمان، فيختص الحكم به.
﴿آتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ المسكين هو الفقير، وهنا أطلق المسكين والمراد به الفقير والمسكين في آية الصدقة، وقد مر علينا أن المسكين إذا أُطلق يشمل الفقير، والفقير إذا أُطلق يشمل المسكين، وإذا قُرِنا جميعًا افترقا.
والمسكين له حق، ما حقه؟ حقه دفع حاجته؛ لأنه فقير، قال أهل العلم: وإطعام الجائع وكسوة العاري فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ المسافر، وسُمِّي ابن سبيل لملازمته له، والسبيل الطريق، وكل من لازم شيئًا يسمى ابنًا له، قالوا كما يقال: ابن الماء لطيره، طير الماء يسمى ابن الماء، ويقال للرجل الذي يكثر السفر في الليل: ابن الليالي، وما أشبه ذلك، فالابن لكل من لازم الشيء قال: من الصدقة، هذا تفسير لحق المسكين وابن السبيل، وقيل: المراد بابن السبيل الضيف؛ لأنه عابر سبيل ولكن الصحيح أنه المسافر، ويشمل الضيف ولَّا لا؟ يشمل الضيف؛ لأن الضيف مسافر.
قال: (وأمة النبي ﷺ تبع له في ذلك). أفادنا المؤلف في هذه الجملة أن الخطاب في قوله: ﴿فَآتِ﴾ مُوَجَّه للرسول ﷺ شخصيًّا، والأمة تبع له. وقد سبق لنا أن وجه ذلك؛ أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو زعيم أمته، فوُجِّه الخطاب إليه وإن كان شاملًا، أو أنه خاص به، ويكون أمته تبعًا له على سبيل التأسي به.
قال: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ [الروم ٣٨].
﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه إتيان، أو إيتاء ذي القربى حقه.
﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ ﴿خَيْرٌ﴾ كلمة ﴿خَيْرٌ﴾ هنا يُراد بها التفضيل ولَّا اسم وليست بتفضيل؟ قلنا فيما سبق: إن خيرًا وشرًّا تستعملان اسمي تفضيل، وتستعملان اسمًا مجردًا عن التفضيل كما في قوله: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨] هذا ليس المراد به التفضيل. كذلك هنا قال: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ [الروم ٣٨] الظاهر أنه لا يراد بها التفضيل، وإنما المراد أن هذا خير ضد الشر لكنه قُيِّد بقوله: ﴿لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾، وهذا دليل على الإخلاص؛ يعني خير للمخلصين الذين يريدون وجه الله، أما غير المخلص فإنه ليس خيرًا له، لكن هل هو خير للمؤمن؟
(...) تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء ١١٤] فجعل الله تعالى ذلك خيرًا مطلقًا، ثم قال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ فجعل هذا الشيء خيرًا مطلقًا لما فيه من النفع المتعدِّي، ولكنه لا يكون خيرًا للفاعل إلا بنية الإخلاص، وأظن هذا ظاهرًا، لو أنك تصدقت على شخص بدراهم أو بثوب يلبسه انتفع ولَّا لا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: طيب هل تنتفع أنت؟ قد تنتفع وقد تنضر، وقد لا تنتفع، ولا تنضر، إن فعلت ذلك رياءً انضررت، وإن فعلته إخلاصًا انتفعت، وإن فعلته مجرد سجية وطبيعة فإنك لا تنتفع؛ ولهذا قال هنا: ﴿لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ [الروم ٣٨] قال المؤلف: (أي: ثوابه بما يعملون)؛ (أي: ثوابه). هذا تفسير لا يُناسب الصحيح، وإنما هو على طريقة أهل التأويل الذين لا يؤمنون بالصفات الخبرية التي أخبر الله بها عن نفسه كالوجه واليدين والقدم، وما أشبهها، فتفسير الوجه بالثواب خطأ، وليس على طريق أهل السنة والجماعة، بل هو على طريق أهل البدع المؤولين الذين يسمون أنفسهم مؤولين وهم في الحقيقة مُحرِّفون، والصواب أن المراد بوجه الله وجهه الذي هو صفته، وأن في الآيات إشارة إلى أن من فعل مثل هذه الأمور لله فإنه سوف يرى الله عز وجل ويلقاه كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة وإجماع السلف أن المؤمنين يرون ربهم كما يرون القمر ليلة البدر.
* الطالب: شيخ، قلنا: إنه ينتفع بما أعطى، فليقل: ذلك خير للذين يريدون وجه الله، يعني المسألة (...)؟
* الشيخ: لا، يُنتفع بها، كيف ما ينتفع؟!
* الطالب: أقول: يُنتفع، لكن الآية مرادها؟
* الشيخ: إي، نقول: ما يكون خير إلا لمن يريدون وجه الله، هذا بالنسبة للمعطي، أما بالنسبة للمُعْطَى فهو خير له، حتى لو يعطيه إنسانًا كافرًا، لو يعطي كافر شخصًا مالًا انتفع به، وصار خيرًا.
* الطالب: لكن الآية يعني كان معناها أنها نفع للمعطي.
* الشيخ: نعم، هي ما تكون خيرًا للمعطي إلا بالنية، المعطي ما تكون إلا بالنية، أما بالنسبة للمُعْطَى فهي خير على كل حال، فالله ما ذكر في الآية هنا الخير للمعطِي إلا بهذه النية، أما المعطَى فلا شك أنه له خير على كل حال كما تفسره آية النساء.
* الطالب: (...) ثواب الله، ما يشمل رؤية الله (...) يلتمس له العذر؟
* الشيخ: لا، معروف الطريق.
* الطالب: سورة الإنسان التي تدل على ذلك في قوله تعالى: (...).
* الشيخ: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة ٢٣]، الأولى ناضرة بالضاد بمعنى حسنة وبهية، والثانية بالظاء؛ لأنها من النظر بالعين.
قال: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الروم ٣٨] أولاء مبتدأ، و﴿هُمُ﴾ ضمير فصل، و﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ خبره، المفلح هو الذي فاز بالمطلوب، ونجا من المهروب، مِن (أفلح) إذا فاز، وأصل الفلاح البقاء، كما قال الشاعر:
؎.......................... ∗∗∗ وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَمَعَهْ
يعني لا بقاء، ولكنه صار شاملًا لكل ما حصل به المطلوب ونجا به من المرغوب.
وقوله: ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الجملة اسمية تدل على أن الفلاح لازم لهم، ضمير الفصل هل هو اسم ولَّا حرف؟ لا، الصحيح أنه حرف لا محل له من الإعراب، ولا يُعرب؛ لأن ما الفائدة من ضمير الفصل؟ الفائدة الحصر فقط له ثلاث فوائد؛ الأولى: الحصر، والثانية: التوكيد، والثالثة: الفرق بين الصفة والخبر، مثال ذلك: إذا قلت: زيدٌ العاقلُ، زيدٌ: مبتدأ، والعاقل: خبر. لكن يحتمل أن تكون العاقل صفة لزيد، وأن الخبر ما بعد زيد العاقل محمود مثلًا، فإذا قلت: زيد هو العاقل تعين أن تكون العاقل خبرًا؛ ولهذا قيل له: إنه ضمير فصل؛ لأنه يفصل ويميز بين التابع اللي هو النعت وبين الخبر، أما إفادته للتوكيد واضحة فإن قولك: زيد هو العاقل أقوى في الدلالة على الحصر من قولك: زيد العاقل، أما كونه لا محل له من الإعراب فلاحظ في القرآن: ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ [الشعراء ٤٠].
لو كان له محل من الإعراب لقال: إن كانوا هم الغالبون، يكون هم: مبتدأ، والغالبون: خبر، والجملة خبر كان، فدل هذا على أنه لا محل له من الإعراب وهو على المشهور عند النحويين حرف؛ يعني جِيء به للفصل.
* الطالب: سلمك الله، الضمير إذا أطلق عليه كلمة الضمير، والضمائر كلها أسماء، فإذا كان حرف (...).
* الشيخ: صورة الضمير، لكن معناه ليس معنى الضمير الذي يكون اسمًا (...)
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم ٣٦].
* يستفاد منه هذه الآية الكريمة: (...) ﴿بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل ٥٥].
* يستفاد من هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى قد يجعل النعم سببًا للكفر فيكون الكفر معنًى لها؛ لقوله: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [الروم ٣٤]؛ لأن ذكرنا أن اللام هنا للعاقبة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب إذا جعلنا الباء في قوله: ﴿بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ سببية أما إن جعلناها للاختصاص فليس فيه دليل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما أصابنا من نِعَم فإنه من الله؛ لقوله: ﴿بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾.
* ومنها: تحذير الكافرين، وأن انبساطهم بنعم الله سبحانه وتعالى ضرر عليهم؛ لقوله: ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.
* ومنها: بلاغة القرآن؛ وذلك بالانتقال من الغَيْبَة إلى الخطاب الذي يسمى في اصطلاح البلاغيين (...)؛ لأنه سبق لنا فوائد الانتقال.
* الطالب: والعكس يا شيخ؟
* الشيخ: إلا.. كيف؟
* ومنها: إثبات الجزاء. من أين نأخذه؟ من قوله: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.
ثم قال عز وجل: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم ٣٥].
* من فوائد هذه الآية: أن أولئك المشركين ليس لهم حجة على شركهم؛ لقوله: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾.
* ومن فوائدها: أن من صنع شيئًا بدليل فلا لوم عليه. من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ يعني لو كان لهم سلطان ما نلومهم، ولا نعذبهم.
* ومنها: أن المجتهد المتأول لا إثم عليه، لماذا؟ لاعتماده في اجتهاده على دليل؛ لأنه استند إلى دليل؛ ولهذا لم يُضمِّن النبي ﷺ أسامة بن زيد، لم يضمنه الرجل الذي قتله بعد أن قال: لا إله إلا الله، السبب؛ لأنه متأوِّل. ولم يُلزِم عمار بن ياسر بقضاء الصلاة حين تيمم عن الجنابة بالتقلب على الأرض والتمرغ فيها، لماذا؟ لأنه مُتأوِّل، ولم يلزم المرأة المستحاضة بقضاء الصلاة وهي تتركها وقت الاستحاضة؛ لأنها متأولة، وعلى هذا فكل متأول يظن أنه على صواب فإنه لا إثم عليه، لكن هل هذا يشمل الأصول والفروع أو هو خاص بفروع الدين؟
قال شيخ الإسلام: إنه يشمل الأصول والفروع، وأنكر شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أن يكون الدين منقسم إلى أصول وفروع، وقال: إن هذا التقسيم لا أصل له، لا في الكتاب ولا في السنة، فهذه الصلاة عند المقسِّمين، الصلاة عندهم من قِسْم الأصول ولَّا من قسم الفروع؟ الفروع، وهي من آصل الأصول، هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ومع ذلك هي عندهم من قسم الفروع، وأشياء يختلفون فيها وهي عندهم من قسم الأصول، ويرون أن الاختلاف فيها مساغ؛ كاختلافهم في رؤية النبي ﷺ ربه، واختلافهم في نعيم القبر وعذاب القبر في بعض الصور، وما أشبه ذلك مما هو من العقائد، ومع ذلك يرون أن الاختلاف فيه سائغ.
فالشاهد أن المدار كله على قاعدة من قواعد الشرع، وهي قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، فمن اجتهد في طلب الحق وتحرَّاه، ولكنه لم يُوفَّق له مع حُسْن النية وصحة المسلك، هل نقول: هذا آثِم؟ ما يمكن، يعني عندنا مثلًا فيه علماء أجلة نشهد لهم بالدين، والصلاح، وحب الإسلام، والانتصار للإسلام، ومع ذلك هم مخالفون للسلف في العقيدة، ونحبهم، ولا نؤثمهم، مِثْل مَنْ؟ كابن حجر، وابن الجوزي، وكذلك النووي، وطوائف من العلماء معروفون بالصلاح والإصلاح وحب الخير، ونعلم أنهم مجتهدون، مع أن الإنسان الذي تبين له الحق ولكنه عاند وأصر هذا يُعامَل بما يقتضيه عناده وإصراره.
وهنا الآن الذي قال الله تعالى: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ هي في مسألة أصولية، في الشرك، لو كان لهم حجة يعتمدون عليها ما استحقوا العذاب ولا اللوم، ولكن ليس لهم حجة.
قوله تعالى: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم ٣٥]
* يستفاد منها أيضًا: أنه لا بد أن يكون السلطان أو الحجة التي يحتجون بها واضحة؛ لقوله: ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾، والتعبير بالكلام هو أوضح ما يكون من الإظهار.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ظهور عدل الله سبحانه وتعالى، وإلا لكان عز وجل يعذبهم بدون أن يقيم عليهم الحجة، ولكن لإظهار عدله سبحانه وتعالى صار يطالب بالحجة هؤلاء مع العلم أنه لا حجة لهم، ومن هذا النوع الموازين يوم القيامة، والكتب يوم القيامة، كل هذا لإظهار عدل الله، وإلا فالله تعالى له الحكم وإليه المنتهى، قادر على أن يُعذِّب بدون ميزان وبدون كتاب، ولكنه سبحانه وتعالى بكمال عدله يُعطَى الإنسان كتابه ويقال له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٤].
قال بعض السلف: لقد أنصفك من جعلك حسيبًا على نفسك، صحيح، لو تتذكر الحساب بينك وبين واحد معاملة وحساب صادر ووارد، قلت: خذ الدفتر وأنت حاسب، أيش يكون هذا عدل ولَّا لا؟ عدل بخلاف ما لو ما أجملت الحساب وقلت: عليك كذا ولك كذا، قد يكون في هذا شُبْهة، لكن يعطيك الدفتر ويقول: أنت حاسب نفسك، هذا غاية الإنصاف.
فيه بعده: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم ٣٦].
* يستفاد من الآية الكريمة: أن الرحمة من الله تفضلًا منه وامتنانًا كيف ذلك؟ أن كونها من كقوله: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا﴾. وأما كونها تفضلًا فلأنه لم يذكر لها سببًا تفضلًا وامتنانًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ذم الفرح إذا كان على سبيل الأشر والبطر، قد تقولون: من أين نأخذه من الآية؟
* طالب: من قوله: ﴿فَرِحُوا﴾ يا شيخ.
* الشيخ: إي، لكن تقييد الفرح بالأشر والبطر من قوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ يمكن يُؤخذ أن الفرح المذموم من الصفة التي بعده.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن السيئة لا تُضاف إلى الله؛ لأنه قال: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ﴾ ولم يقل: وما أصبناهم.
فإن قال قائل: ما تقولون في قوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء ٧٨]. فما هو الجمع؟
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب هنا قلنا: إن السيئة لا تضاف إلى الله؛ أي أن إيقاعها سيئة ولَّا لا؟ إيقاعها ليس بسيئة، هي سيئة لكن إيجادها ليس بسيئة، بل ولحكمة، فالشيء بنفسه قد يكون سوءًا لكن بالنسبة لفعل الفاعل لا يكون فعل الفاعل سوءًا، هذا رجل لُدِغَ ابنه، واحتاج الابن إلى كي، فأحمى الحديدة في النار وكواه، فصرخ الابن فرحًا أو ألمًا؟ ألمًا، إذن هذه سيئة ولَّا لا؟ لكن كي والده إياه سيئة ولَّا حسنة؟ حسنة.
فحينئذٍ يجب أن نعرف الفرق بين الفعل والمفعول، فالسوء والشر إنما هو بالنسبة لمفعول الله من الصفات المنفصلة عن الله، أما بالنسبة للفعل الذي هو فعل نفسه فإنه لا يمكن أن يكون شرًّا أبدًا بل هو خير، ويمكن أن تقول: إن الخير نوعان: خير لذاته، وخير لغيره، فما كان شرًّا في نفسه وقدَّره الله فهو خير لغيره، وما كان خيرًا في نفسه فهو خير، واضح، ممكن نقول هكذا؟ فإذن لنا عن هذا جوابان؛ الجواب الأول: أن يُقال: إن الشر ليس في فعل الله، بل هو في مفعوله، أما إيجاد الله له فهو خير لما يتضمنه من الحكمة البالغة، هذا واحد ونظيره كَيُّ الإنسان ابنه ليُشفى من المرض فهو في ذاته الكي شر، لكن بالنسبة لفعل الأب له خير، هذا وجه.
أو يقال: إن الخير نوعان؛ خير لذاته، وخير لغيره، فما كان خيرًا محضًا فهو خير لذاته كالمطر، والنبات، والأمن، وما أشبه ذلك وما كان شرًّا لذاته فهو خير لغيره، إذا كان الشر خيرًا لغيره صار بهذا خيرًا، فالجدب والقحط والخوف وما أشبه ذلك خير؛ لأنه يؤدي إلى خير كما قال الله عز وجل: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم ٤١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: فهمنا الآن أن السوء لا يضاف إلى الله، وإنما يضاف إلى مفعولاته.
* من فوائد الآية الكريمة: أن السوء لا ينال الناس إلا بأعمالهم؛ لقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ طيب سؤال هل هذا يشمل السوء في الأمور الدينية والأمور الدنيوية أو في الأمور الدنيوية فقط؟ فيهما جميعًا؛ فالجدب والقحط بسبب الأعمال السيئة والمعاصي، كذلك زيغ القلب بسبب المعاصي ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥].
إذن المصائب الدينية والدنيوية كلها بسبب أعمالنا نحن، فلو استقمنا استقامت لنا الأمور، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الأنفال ٢٩] شوف فرقانًا، إذن التقوى سبب للعلم؛ لأن الفرقان ما يكون إلا بعلم يفرق الإنسان فيه بين النافع والضار والحق والباطل، إذن نقول: هذا يشمل أمور الدين وأمور الدنيا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم القنوط من رحمة الله، من أين يؤخذ؟ لأن الله أطلقه على سبيل الذم، ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾، هذا دليل على تحريمه، ودليل على تحريمه بالنظر أن القنوط يستلزم عدم الرجوع إلى الله؛ يعني إذا قنط من رحمة الله كيف يرجو رحمة الله؟ فيستحسر وييئس والعياذ بالله، ولا يتعرض لما فيه الرجاء والأمل.
* الطالب: شيخ، البلاء..
* الشيخ: البلاء بما يُؤلم هذا سوء، والبلاء بما يسر هذا ابتلاء وليس سوءًا.
* الطالب: المؤمن يُبتلى على قدر إيمانه؟
* الشيخ: يُبتلى على قدر إيمانه؛ لأنه أحيانًا يكون الابتلاء بالمصائب ليس من أجل عقوبة لكن من أجل التمثيل وهو البيان، وهذا مر علينا أنه قد يقع ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد ٣١] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ﴾ [البقرة ٢١٤].
وقلنا: إن الابتلاء مع استقامة الحال ليس المراد به تكفير سيئة حصلت بل المراد به رفع درجات؛ لأن الصبر ما يكون إلا على بلوى، والصبر مرتبة عالية ما ينال إلا بمشقة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الاختيار في البحث؛ لقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [الروم ٣٦]. فيكون في ذلك رد لقول مَنْ؟ الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان ما له اختيار في العمل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يُعاقَب على أعمال القلوب، أو قد يُذم على أعمال القلوب؛ لأن القنوط من أعمال القلوب؛ إذ إنه أشد اليأس ومحله القلب.
إلى الغيبة، ففيه تعلية للشأن مثل التعبير بقوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي﴾ [غافر ٦٠]، ما قال: وقلت لكم، أو أقول لكم؛ تعظيمًا لشأنه تعالى، ويش يصير المراد بذلك؟ تعظيم شأن هؤلاء الذين أرادوا وجه الله عز وجل بكونهم حصلوا على مضاعفة الأجر والثواب بخلاف الأولين.
ثم قال تعالى: (﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ ممن أشركتم بالله ﴿مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ ) يقول المؤلف: (لا ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به).
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ يعني: أوجدكم من العدم، لكن الخلق ليس مجرد الإيجاد بل هو الإيجاد بتقديرٍ، بل إن بعضهم قال: إن الخلق في الأصل هو التقدير، واستدلوا لذلك بقول الشاعر:
؎وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَاخَـــــــــــــــــــــــــــلَقْتَ ∗∗∗ وَبَعْضُ النَّاسِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَايَفْرِي
ويش معنى (ما خلقتَ)؟ أي: ما قدَّرتَ، ولكن الصحيح أنه يطلق على الإيجاد المسبوق للتقدير، فمعنى ﴿خَلَقَكُمْ﴾ أوجدكم إيجادًا مسبوقًا بالتقدير والإحكام والإتقان. وهذا مسلم ولَّا لا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: حتى عند المشركين؟ حتى عندهم ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف ٨٧]، ولا يمكن لأحد إلا المجنون أن يدعي أنه خلق نفسه، أبدًا، أو يدَّعي أنه خُلِقَ بدون خالق، ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور ٣٥]؟ لا. فأنت ما خلقك أبوك، ولا خلقتك أمك، ولا خلقك أحد من البشر، ولا من غير البشر سوى الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر مُسَلَّم.
ثانيًا: ﴿ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾..
* طالب: الشيوعية يقولون: خلقتهم الحجارة (...).
* الشيخ: يقولون: إنها الطبيعة، فيعترفون بهؤلاء الخلق، لكن هؤلاء مكابرون لا عبرة بقولهم.
* طالب: أهل الطبيعة، ويش يصفون الخلق؟
* الشيخ: يقولون: هذا شيء وُجِد في الأزل على هذه الصفة وصار يتفاعل ويتوالد، وما أشبه ذلك.
* الطالب: لكن ما هم مقرين أن الله هو الخالق.
* الشيخ: لكن يقرون بموجد، ما يقولون: إن هذا الشيء مثلًا.. إن هذا الإنسان أو هذا الحيوان وُجِد هكذا صدفةً، يُقِرُّون بموجد وهي الطبيعة، فنقول لهم: هذه الطبيعة من الذي أوجدها؟
وقوله: ﴿ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ [الروم ٤٠]..
* طالب: (...) حقيقة الأمر (...).
* الشيخ: ﴿رَزَقَكُمْ﴾ أي: أعطاكم، والرزق في اللغة العطاء، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء ٨] أعطوهم.
وهل أحد يدعي أن الرازق سوى الله؟ قد يدعي أحد، قد يقول: ﴿فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ الله قال: ﴿فَارْزُقُوهُمْ﴾، فأنا رزقت هذا الإنسان أعطيته، فيقال: لكن من الذي خلق ما أعطيت؟ الله الذي رزقك هذا هو الله، ومهما كان من عمل بني آدم فإنما هو تحويل لا إيجاد، كل عمل بني آدم -حتى الصنائع والبناء وغير ذلك- ليس إلا مجرد تحويل؛ يعني: تغيير من شيء إلى شيء، وإلا فالأصل هو الله عز وجل، هو الخالق، وهو الموجد، هذا الرزق اللي أعطيت مثلًا، هذا الرجل أعطيته كيسًا من الطعام، صحيح أنك رزقته، لكن من الذي أوجد هذا الكيس؟ الله عز وجل، فإذن الرزق أصله من الله وإن كان قد يوجد على أيدي بعض الناس؛ لقوله تعالى: ﴿فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» »[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧) من حديث جابر بن عبد الله.]].
لكن يقال: من الذي خلق هذا الرزق؟ ومن الذي جلبه إليك؟ ومن الذي قدَّر أن تعطيه هذا؟ كله الجواب هو الله.
وقوله: ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ يعني: بعد هذا الخلق والإمداد؛ الخلق إعداد، والرزق إمداد، الله عز وجل أوجدك وأعدك وهيأك، ثم أمدك بما به قوامك، بعد ذلك يميتكم، ﴿يُمِيتُكُمْ﴾ يعني: بعد الحياة الدنيا يكون الموت؛ وهو مفارقةُ الروحِ البدنَ مفارقةً تامةً، لأن النوم فيه مفارقة تفارق الروح البدن لكن ليست مفارقة تامة، أما الموت الذي هو الموت فهي مفارقة تامة، ولكنها تُعَاد إليه في قبره إعادةً برزخيةً لا كإعادتها في الدنيا.
﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ الحياة الآخرة التي ليس بعدها فناء.
قال الله عز وجل: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ ﴿شُرَكَائِكُمْ﴾ هذه مضافة إلى المفعول ولَّا إلى الفاعل؟
* طالب: إلى الفاعل.
* الشيخ: ﴿مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ الذين أشركتموهم، فتكون مضافة إلى المفعول؛ يعني هل من هؤلاء الذين أشركتموهم بالله؟ ولهذا قال المؤلف: (ممن أشركتم بالله).
* طالب: أشركتم هذا (...).
* الشيخ: لا، أشركتم، لكن أشركتموهم، أصلًا ممن أشركتموهم.
* طالب: أن الإنسان يشرك.
* الشيخ: نعم، إذا أشرك فالمشرَك به مفعول، فمعنى ﴿شُرَكَائِكُمْ﴾ ليس معناه هم الذين أشركوكم، بل أنتم الذين أشركتموهم مع الله، فهو مضاف إلى مفعوله.
قال: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ إعراب ﴿مَنْ يَفْعَلُ﴾، ويش محلها من الإعراب؟
* طالب: فعل الشرط.
* الشيخ: أي شرط؟
* طالب: (هل).
* الشيخ: لا، ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ﴾ (مَن) ويش إعرابها؟
* طالب: مفعول المصدر.
* الشيخ: لا، يحتمل أن تكون نكرة موصوفة، والتقدير: هل من شركائكم أحدٌ يفعل ذلك، ويحتمل أن تكون موصولة على أنها مبتدأ مؤخر؛ أي: الذي من شركائكم، هل الذي يفعل ذلك من شركائكم؟ والأول أحسن؛ أن تكون نكرة موصوفة؛ يعني: هل من شركائكم أحد يفعل من ذلك؟
وقوله: ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ (مِن) زائدة، وصحت زيادتها؛ لأن الاستفهام هنا بمعنى النفي، و(مِن) تزاد في النفي، كما قال ابن مالك:
؎وَزِيدَ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرّ ∗∗∗ نَكِرَةً كَـ(مَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرّ)
وقوله: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ المشار إليه ما هو؟ الخلق والرزق والإحياء والإماتة، فعلى هذا يكون الجواب عن كونه مفردًا مَذَكَّرًا مع أن السابق أربعة أشياء؛ جمع، يقال: لأنه أُوِّل بالمذكور، ﴿مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ أي: من ذلكم المذكور، فصحَّ أن يأتي اسم الإشارة مفردًا مذكرًا؛ لأنه عائد إلى المذكور.
وقوله: ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ يعني: ما يمكن يفعل هؤلاء أي شيء من هذه الأمور؛ لا الخلق، ولا الرزق، ولا الإحياء، ولا الإماتة. وهذا على سبيل التحدي، فإذا كانت هذه الآلهة التي أشركت بالله لا تفعل شيئًا من هذا، هل تصح أن تكون آلهة؟ لا، بل تأليهها باطل؛ لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج ٦٢].
يبقى النظر لو ادعى مدعٍ أنه يحيي ويميت؛ كالذي حاج إبراهيم في ربه، إبراهيم ﷺ قال له: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة ٢٥٨]، فما هو الجواب لو قال قائل: إن من المعبودين من يستطيع أن يحيي ويميت؟
نقول: هذه دعوى باطلة؛ لأن الإحياء والإماتة من الإنسان ليست إحياء وإماتة ولكنها فِعْلُ سببٍ يحصل به (...).
﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [الروم ٣٨] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: أن لهؤلاء الأصناف الثلاثة حق؛ القريب والمسكين وابن السبيل.
* ومن فوائدها: وجوب إيتاء هؤلاء حقهم. من أين تؤخذ؟ من (آت) الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
* ومن فوائدها: أن الأقرب فالأقرب أحق. من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿ذَا الْقُرْبَى﴾، لكن كيف الأخذ؟ الأخذ هو أن لدينا قاعدة سبق أن قررناها؛ وهي أن الحكم إذا عُلِّق على وصف فكل ما كان أكثر في هذا الوصف فهو أحق، إذا عُلِّق الحكم على وصف فكلما كان هذا الوصف أشد تمكنًا في شيء فهو أحق.
فمثلًا إذا قلت: أدِّبِ العاصي، عُلِّق التأديب بماذا؟ بالعصيان، ويش يقتضي؟ كل من كان أشد معصية كان أشد تأديبًا، أو لا؟ وإذا قلنا: أكرم المؤمن، صار معنى ذلك كل من كان أقوى إيمانًا صار أحق بالإكرام.
﴿ذَا الْقُرْبَى﴾ عُلِّق الحق بماذا؟ بالقرابة، فكلما كان أقرب كان أحق بالإيتاء.
وهذه القاعدة مفيدة لطالب العلم؛ أنه إذا عُلِّق الحكم على وصف قوي ذلك الحكم بقوة ذلك الوصف، نظرًا أن تعليقه بالوصف يفيد عِلِّيته، وهذا أيضًا القاعدة الثانية؛ أن تعليق الحكم بالوصف يفيد أن ذلك الوصف علة.
فمثلًا تقول: أكرم المؤمن. لماذا؟ لإيمانه. أدب الفاسق؛ لفسقه، ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة ٦٤] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص ٧٧]، معناه: لإفسادهم، وهكذا نقول: إن تعليق الحكم بالوصف يدل على عِلِّية ذلك الوصف، وأنه علة الحكم، وبناء على هذه القاعدة تأتي القاعدة الأولى أيضًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل من كان أحق بالإحسان فهو أولى به؛ لأن المسكين أحق بالإحسان من الغني، وابن السبيل المسافر المنقطع به سفره أحق من غيره.
* من فوائد الآية الكريمة: أن النفع المتعدي خير في نفسه. وهل هو خير للفاعل؟ خير له بشرط، فهو خير بنفسه وإن لم ينتفع به الفاعل.
بناء على ذلك يتفرع على هذا أن ما يبذله الكفار من منافع للمسلمين هي خير للمسلمين، ما نقول: هذه صدرت من كافر فليست بخير، ما فيها خير، لا، لو أن أحدًا من الكفار أصلح طريقًا من الطرق من هذه الشركات الكافرة، هل يكون في هذا الإصلاح خير؟ نعم، خير لا شك فيه، لكن ليس خيرًا لهم إنما هو خير لغيرهم.
* ومن فوائد الآية: التنبيه على أهمية الإخلاص؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه كلما كان العمل أخلص لله كان أكثر خيرًا للفاعل. من أين نأخذ هذا الحكم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، إحنا أخذنا أنه فيه خير لمن أراد الإخلاص، لكن كلما كان أخلص كان أكثر خيرًا للفاعل، من القاعدة التي مرت علينا؛ أن هذا الحكم عُلِّق بعلة ﴿لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ﴾؛ لأن اسم الموصول مع صلته كاسم الفاعل تمامًا، فيكون خيرًا للذين يريدون، إذن فكلما كان الإنسان أخلص في إرادة وجه الله كان خيرًا، أكثر خيرًا له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الوجه لله؛ لقوله: ﴿وَجْهَ اللَّهِ﴾.
ووجه الله عز وجل قال أهل العلم: إنه من الصفات الخبرية؛ لأن عندهم أن الصفات خبرية محضة، يعبِّرون عنها بالخبرية؛ لئلا يقعوا في المحذور، فلا يقولون: إنها بعضية -مثلًا- أو جزئية؛ لأن التبعض والتجزئة في ذات الله عز وجل محرَّم إطلاقه، فالوجه واليد والعين والساق والقدم كل هذه يُعَبَّر عنها بالصفات الخبرية، لكن السمع والعلم والقدرة والحياة ويش تسمى؟ صفات معنوية؛ صفات معانٍ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى رؤية الله عز وجل. كيف ذلك؟ لقوله: ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾.
ولا شك أنه ثابت؛ رؤية الله عز وجل ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع السلف، ففي القرآن قال الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة ٢٢، ٢٣] ويش معنى (ناضرة) الأولى؟ من النضارة؛ وهي الحُسْن، ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ بالظاء منين؟ من النظر؛ وهو الرؤية بالعين، وهذه الآية من أصرح ما في القرآن، وفيه آيات أخرى: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين ٢٣]، وفيه آية ثالثة: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦]، فسرها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها النظر إلى وجه الله[[أخرجه مسلم (١٨١ / ٢٩٧) من حديث صهيب.]]، وفيه آية رابعة: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق ٣٥]، وفيه آية خامسة وهي قوله تعالى في الأنعام: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام ١٠٣] فإن هذه الآية تدل على الرؤية؛ لأن الله قال: ﴿لَا تُدْرِكُهُ﴾، ونفي الإدراك يدل على ثبوت الأصل، ولو كان لا يُرَى لقال: لا تراه الأبصار، فنفي الأخص يقتضي وجود الأعم؛ ولهذا كانت هذه الآية التي يستدل بها أهل التعطيل على نفي رؤية الله صارت دليلًا عليهم لا دليلًا لهم.
طيب الفرق بين الصفات المعنوية والخبرية أن الصفات المعنوية تدل على معانٍ؛ كالسمع والبصر والعلم والقدرة وما أشبهها، وأما الصفات الخبرية فهي تدل على صفاتٍ هي أبعاض لنا، هي بالنسبة لنا أبعاض، فيَدُ الإنسان ووجه الإنسان وساق الإنسان وقَدَم الإنسان وعينه -مثلًا- هذه أبعاض له، لكن ما نسميها بالنسبة لله أبعاضًا، بل سماها أهل العلم الصفات الخبرية.
* طالب: في الحديث: «يوم القيامة الله سبحانه وتعالى يقول: من كان يعبد الطواغيت فليتبع الطواغيت، ومن كان يعبد الشمس فليتبع الشمس، فيأتيهم الله سبحانه وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، قال: ثم يأتيهم في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فينطلق ثم يتبعونه»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٥٧٣)، ومسلم (١٨٢ / ٢٩٩) من حديث أبي هريرة.]].
* الشيخ: لا، ما فيه: «فينطلق ثم يتبعونه».
* طالب: (...).
* الشيخ: فينطلق.
* طالب: فيتبعونه.
* الشيخ: الله؟
* طالب: يكشف عن ساق.
* الشيخ: «يُكْشَف عن ساق، فيسجد له كل من كان يسجد لله تعالى في الدنيا. » المهم على كل حال ويش الإشكال فيه؟
* طالب: الاستشكال كيف ينطلق فيتبعونه؟
* الشيخ: لا، هذه ما أدري، ما أعرفها، هذه تأكدها، إحنا ما نبحث فيها حتى تؤكد، ولا مرت عليَّ هذه، إنما مر علينا أن الأمم تتبع ما كانت تعبد حتى تُلْقَى في النار.
* طالب: كل إنسان إلى آلهته؟
* الشيخ: إي نعم، طيب.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الفلاح يكون بأمرين؛ بالإخلاص وفعل المأمور به. من أين نأخذه؟ من قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الروم ٣٨]، وهؤلاء المشار إليهم أتوا بالفعل والثاني الإخلاص.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا﴾ [الروم ٣٩]..
* طالب: ما الفائدة؟
* الشيخ: الفائدة أن الفلاح يكون بفعل المأمور به مع الإخلاص.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم ٣٩].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن من بذل ماله من أجل الحصول على أمر الدنيا فإنه لا أجر له في ذلك. من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾، وهذا عكس الأولين الذين سبقوا في الآية السابقة، الذين أعطوا في الآية السابقة ويش يريدون؟ يريدون وجه الله، هؤلاء بالعكس، هؤلاء يريدون الازدياد بما أعطوا.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: التنبيه على أهمية الإخلاص؛ لقوله: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: في الإخلاص مع العمل، العمل الصالح مع الإخلاص.
* من فوائد الآية الكريمة: التنبيه على الإخلاص. من أين تؤخذ؟ ﴿تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن مضاعفة الأعمال تكون بحسب الإخلاص؛ لقوله: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾، فقد رتَّب الله تعالى الإضعاف على إرادة وجه الله. وعلى ما قررنا في القاعدة قبل قليل: يكون كل من كان أخلص لله فعمله أكثر مضاعفة، وهذا أمر لا شك فيه؛ فإن مضاعفة الأعمال تكون بأسباب كثيرة؛ منها شرف الزمان، ومنها شرف المكان، ومنها شرف الفاعل، ومنها شرف العمل، ومنها الإخلاص، ومنها الاتباع، كل هذه الأسباب الستة من أسباب المضاعفة.
المضاعفة بسبب شرف الزمان مثل؟ كرمضان والعشر الأول من ذي الحجة، هذا لشرف الزمان.
والمكان كالحرمين والأقصى؛ فإن العمل فيها أشرف من غيرها، الصلاة في المساجد الثلاثة أشرف من غيرها.
ومنها الفاعل؛ كالصحابة الذين قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤١ / ٢٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري.]].
ويُلْحَق بهذا العاملون في آخر الزمان في أيام الصبر الذين يتمسكون بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام مع تباعد الناس عنها، فإن هؤلاء يُضَاعَف لهم الأجر، وإن كانوا لا ينالون مرتبة الصحابة لكن يضاعف أجرهم بسبب ما يجدونه من الغرابة ومخالفة الناس لهم؛ لأنه لا أحد يشك أن الإنسان الذي يعمل في محيط يعملون كما يعمل أن العمل عليه هين، بل مخالفة الناس هي الصعبة، لكن عمل الإنسان في محيط لا يعملونه هذا هو الصعب والشاق، لا سيما أن المعارضة ستكون عنيفة؛ لأن هذا متمسك بطاعة الله، والمخالفون له على العكس، وأعنف صراع يكون بين المتخالفين هو ما يكون بين المتمسكين بدين الله والمتحللين منه. هذه ثلاثة، ويش بقي؟
* طالب: بقي العمل.
* الشيخ: تكون أيضًا المضاعفة بحسب العمل..
* طالب: كثرته.
* الشيخ: بحسب العمل، الكثرة ما هي واردة لكن جنس العمل، فالصلاة أفضل من غيرها، والفرض من كل عمل أفضل من نفله وأشرف، والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وهكذا، كما بينا لكم كثيرًا. هذه أربعة. والخامس؟
* طالب: الإخلاص.
* الشيخ: بحسب الإخلاص كما في هذه الآية، وكلما كان الإنسان أخلص ولو كان العمل واحدًا كان عمله أشرف من الآخر؛ ولهذا تجد رجلين ركبا سيارة واحدة، وخرجا ودخلا جميعًا في الحج أو في العمرة، ورجعا جميعًا على السيارة، وأفعالهما واحدة، وأقوالهما واحدة، وبينهما تفاوت أكثر مما بين المشرق والمغرب؛ بحسب الإخلاص لله.
والسادس: بحسب الاتباع؛ ولهذا «أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله الصلاة على وقتها»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٣٤)، ومسلم (٨٥ / ١٣٧) من حديث ابن مسعود.]]؛ لأنها حصلت على وجه المتابعة للرسول ﷺ.
هذه الأسباب في الشرف كلها مما يوجب للعبد العناية بأعماله، وأن يتحقق بما يستطيعه من هذه الأسباب.
* طالب: قوله (...) في أيام الصبر له أجر خمسين منكم، ويش..؟
* الشيخ: المعنى له أجر خمسين منكم في هذه الخصلة التي عانى بها وتعب، فأصل العمل -مثلًا- الصدقة مضاعفة بعشر أمثالها، عشر أمثال موجودة في الصحابة وموجودة في الزمن المتأخر هذا، لكنه يُضَاعف ذلك، يكون أجر هذا مثل أجر خمسين من الصحابة؛ لما يجده من المعاناة، لكن الكمية التي تحصل للصحابة التي لو أنفق أحدنا مثل أُحُد ما بلغ مُدِّ أحدهم ولا نصيفه، هذه خاصة بهم، فعندنا ثواب على أصل العمل، وثواب مضاعف بحسب العامل، فأصل العمل -كالصدقة مثلًا- يكون لهؤلاء المتأخرين أجر خمسين من عمل الصحابة باعتبار أصله لا باعتبار أنه وقع من الصحابة رضي الله عنهم.
* طالب: ما يرد على هذا قولهم أنهم قالوا:« منا أو منهم قال: «بَلْ مِنْكُمْ»؟
* الشيخ: إي نعم، ما يرد على هذا؛ لأننا نعتبر أصل العمل لا المضاعفة بحسب كونه صحابيًّا، فأصل العمل مثلًا الصحابي لولا الصحبة لكان له أجر أصل العمل فقط، فبالصحبة يزداد، فيكون معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» »[[أخرجه أبو داود (٤٣٤١) والترمذي (٣٠٥٨) وابن ماجه (٤٠٤١) من حديث أبي ثعلبة الخشني.]] يعني: باعتبار أصل العمل، ويجب الرجوع إلى هذا؛ لأنه لا يمكن الجمع بينه وبين هذا الحديث إلا على هذا الوجه.
* طالب: لماذا لم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام: خمسين عاملًا ولا يقول: خمسين صحابيًّا؟
* الشيخ: ما نقدر نقول: لماذا لم يقل؛ لأن المسألة الآن مسألة جمع، ولو كان الأمر واضحًا ما احتجنا نقول: ويش الجمع فيه؟ فما دام المسألة مسألة جمع يحتاج أنا نشوف أدنى دائرة يمكن أن تجمع بين النصين.
* طالب: الرسول من كان يخاطب؟
* الشيخ: الرسول يخاطب الصحابة.
* الطالب: وعندنا الصحابة يتفاضلون؟
* الشيخ: إي، معلوم أن الصحابة يتفاضلون، هو يخاطب خالد بن الوليد في مقابلة سبِّه لعبد الرحمن بن عوف، وعبد الرحمن بن عوف لا شك أنه من السابقين الأولين، وخالد بن الوليد متأخر إسلامه، وكان بينهما مسابة فقال له: «مَهْلًا يَا خَالِدُ، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤١ / ٢٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري.]].
* طالب: (...).
* الشيخ: بالنسبة لمن دونه يلحق لا شك، لكن بالنسبة لمن فوقه فأهل الحديث أنه لا يلحق؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد ١٠]، ثم قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ [الروم ٤٠] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: الاستدلال بالأجلى والأوضح؛ لأن الله استدل على بطلان آلهة المشركين بماذا؟ بأمر يقرونه هم، وآلهتهم ما تفعل، وهو الخلق والرزق والإماتة والإحياء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تمام قدرة الله عز وجل؛ وذلك بالأمور الأربعة الخلق والرزق.. إلى آخره.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: إثبات أن ما اكتسبه الإنسان فهو من الله؛ لأن هذه الأربعة فيها ثلاثة ما أحد يماري فيها، ما هي؟ الخلق والإماتة والإحياء، لكن الرزق قد يماري فيه مُمَارٍ، قارون ويش قال؟ ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص ٧٨]، فقد فسَّره مجاهدٌ -أظن- على علم مني بوجوه المكاسب؛ يعني معناه أني أنا ماهر بمعرفة المكاسب، وحصلت هذا المال، ولكننا نقول: هذا التحصيل الذي حصلته بمهارتك من أين جاءك؟ من الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذا الذي حصل لك بسبب، وخالق الأسباب هو الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي لنا استجلاب الرزق من ربنا وحده؛ لقوله: ﴿ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه يترتب على هذا فائدة أخرى؛ وهي ألا نطلب رزقه بمعاصيه. ويش وجهه؟ إذا كنت تطلب الرزق من الله فهل من اللائق عقلًا أن تقدم له معصية ليرزقك؟
* طالب: لا.
* الشيخ: الذي يَسْتَدر الرزق من غيره ويش يُقدِّم؟ يقدم طاعته والخضوع له؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق ٢، ٣]، إذن من استجلب رزق الله بمعاصيه فقد خالف الحكمة والصواب، أليس كذلك؟
فهؤلاء الذين يطلبون الرزق بالربا، ويطلبون الرزق بالغش، ويطلبونه بالكذب وغير ذلك من الوسائل المحرمة هم في الحقيقة أشبه ما يكونون بالمستهزئين بالله عز وجل الساخرين به، كأنهم يقولون: يا ربنا، إننا نعصيك لترزقنا، وهذا من أعظم ما يكون؛ ولهذا جعل الله الذين يطلبون زيادة المال بالربا، ويش جعلهم؟ محاربين له ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة ٢٧٨، ٢٧٩]، والربا -كما قال شيخ الإسلام- يقول: ما ورد في ذنب من الذنوب دون الشرك أعظم مما ورد في الربا، الذي أصبح عند الناس الآن من أسهل الأشياء وأبسطها، حتى كانوا يتعاطونه بالصراحة، ويتعاطونه بالتحيل، وتعاطيه بالتحيل أخف من تعاطيه بالصراحة، مثلما أن تعاطي الكفر بالنفاق أخف من تعاطيه بالكفر الصريح؛ لأن هذا المتحيل مخادع لله عز وجل، جمع -والعياذ بالله- بين مفسدة الربا ومفسدة الخداع والتحيل، فالرب عز وجل إذا حرَّم شيئًا ليس كغيره تخفى عليه الأشياء، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ونبيه عليه الصلاة والسلام وضَّح أن الأعمال بماذا؟ بالنيات.
فما دمت نويت الربا الآن لكن تحيلت عليه إدخال سلعة غير مقصودة، هذا تلاعب، استهزاء بآيات الله عز وجل، يأتي إليه يقول: أنا أبغي منك مئة ألف على أن تكون بمئة وعشرين ألفًا إلى سنة، طيب كيف الوصول إلى هذا؟ والله إحنا مسلمون، ما أقدر أعطيك المئة ألف نقدًا وأكتب عليك مئة وعشرين؛ لأننا نخشى الله، ولكن هنا طريق نلوذ من جهة أخرى ونجعل حاجزًا بيننا وبين الله، بماذا؟ بأي سلعة تتفق، نروح نشوف اللي عند الناس؛ وجدوا عند هذا سكرًا، قال: نشتري سكرًا، وجدوا عنده هيلًا، قالوا: نشتري هيلًا، وجدوا سيارات، نشتري سيارات، وجدوا أكياسًا لا يُدْرَى ما بوصفها فلعله أن يكون رملًا، قالوا: نشتري هذه الأكياس. أليس هذا هو الواقع؟ هذا هو الواقع.
ولهذا الآن ما ينظرون إلى هذه الأكياس ويش هي، يقولون: إنها أكياس سكر، وهو أكثر ما يكون في القبض أنه يمر يده عليها، ولَّا يعده؛ واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة.. إلى آخره، ويقولون: إن هذا هو القبض. فهل هذا قبض لغة أو عرفًا أو شرعًا؟ أبدًا، لا يُعَدُّ هذا قبضًا؛ لأن القبض معناه أن يكون الشيء في قبضتك، وهذا الشيء مركون في مكانه، تَرِدُ عليه عدة مبايعات في خلال ساعة أو ساعتين.
وهذه البَلِيَّة التي ابْتُلِي بها الناس الآن -نسأل الله أن ينقذهم منها- بَلِيَّة عظيمة، ويُقَبِّحها أنهم يعتقدون أنها حلال وأن عمل البنوك حرام، حتى إن بعضهم بيجيء يتغيظ ويتضجر: أعوذ بالله! شوفوا الحرام، الربا يُعْلَن صريحًا في البنوك، وهو ممن يتعامل بهذه المعاملة، يبكي غيره ولا يبكي نفسه، وهو أحق بأن يبكي نفسه.
فالمهم أننا نقول -خرجنا عن الموضوع-: إن الرزق إذا كان من الله عز وجل فإنه يجب عليك شرعًا وعقلًا أن تستمد هذا الرزق بماذا؟ بطاعة الله لا بمعصيته.
* طالب: طيب التورق -يا شيخ- ما يدخل في هذا؟
* الشيخ: التورق يقول شيخ الإسلام: إنه داخل في هذا، ويقول عنه تلميذه ابن القيم رحمه الله: إن شيخنا يُسْأَل عن هذا مرارًا فيصر على أنه حرام وأنه ربا، التورق غير شغل الناس الآن يقولون: هذا تورق، التورق قال العلماء (...) ومن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مئة بمئة وعشرين فلا بأس به، وهي مسألة التورق، هذه عبارة الروض المربع شرح الزاد.
شوف الآن أولًا قالوا: (ومن احتاج) فعلمنا أنها ما تكون إلا للحاجة.
ثانيًا: (فاشترى ما يساوي مئة بمئة وعشرين) وقع العقد على عين المبيع، ولا قال: العشر إحدى عشر ولا اثنا عشر، وكلمة (اشترى) تُحْمل على الشراء الشرعي الذي يجمع الشروط، ومن جملتها العلم بالمبيع ونوعه وجنسه.. إلى آخره. وهل هذا موجود في عمل الناس الآن؟ أبدًا.
كذلك اشترى ما يساوي مئة بمئة وعشرين إلى أجل، هذه تنطبق؛ لأنهم يقولون: اثنا عشر، وثلاثة عشر، وإحدى عشر، حسب الاتفاق.
ثم نفس الفقهاء الذين أباحوا ذلك قالوا: يُكْرَه أن يقول في بيع المرابحة المعروف أن يقول: العشر إحدى عشر، وذكروا عن الإمام أحمد نصًّا بأنه يحرم أن يقول: العشر إحدى عشر حتى في غير مسألة التورق، بيع المرابحة الذي يعرفه بعضكم يَحْرُم فيه -على إحدى الروايات عن أحمد- أن يقول: العشر إحدى عشر، وهو يريد السلعة نفسها، ما يريد النقد، المذهب أنه يكره، والرواية الثانية عن أحمد أنه يحرم.
يعني أنا مثلًا اشتريت هذا الكتاب وأنت تبيع الكتاب، تبيع الكتاب نفسه ما تبيع دراهمه، فقلت لي: أبغي أشتريه منك مرابحة، قلت: ما يخالف، أنا شاريه بمئة، وأبيعه عليك على أن أربح بكل عشرة دراهم درهمًا. كم يكون المئة؟ مئة وعشرة. هذا جائز.
لكن لو قلت: أبغي أشتري منك العشرة أحد عشر، قالوا: إنه يكره على المذهب، ويحرم على الرواية الثانية، مع أنها من مسألة التورق.
فهؤلاء الناس الآن جمعوا بين أمرين؛ بين العشر بإحدى عشر أو اثني عشر وبين التورق، أما شغلنا الآن هو ما ينطبق عليه حتى على قول من يقول بجواز التورق.
ولاحظ أن الإمام أحمد عنه رواية ثانية، وعنه رواية بأنها جائزة، والرواية الثانية بأنها من مسائل العينة؛ التورق، ذكرها عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكرها ابن القيم في تهذيب السنن أن مسألة التورق من مسائل العينة، والعينة معروف أنها حرام.
فالحاصل أننا الحقيقة في عصرنا الحاضر لما كان الناس ما يبالون إلا أن يكتسبوا المال، فجعلوا المال مقصودًا مخدومًا بعد أن كان وسيلة خادمًا، حقيقة المال أنه وسيلة خادم، ولكنا جعلناه الآن مقصودًا مخدومًا، وهذا من سفه الإنسان؛ أن يستخدمه مالُه الذي خُلِقَ له، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة ٢٩].
* طالب: لكن واقع (...).
* الشيخ: لا، الراجح هو ما نعرف عنه شيئًا.
* طالب: الآن رؤية العين (...).
* الشيخ: تستعمل في الدول الكافرة، وهي طريق الإيداع الصحيح؛ لأن قولنا: إن البنوك الآن أني حطيت مالي وديعة عندهم، هذا ما هو صحيح، لا ينطبق عليه شرعًا معنى الوديعة، ويش معنى الوديعة شرعًا؟ أن تعطيه المال ليحفظه بعينه، ما هو بتعطيه مالك يحطه في صندوق وينتفع به، حتى إن العلماء قالوا: لو أن المودِع أَذِن للمودع بالانتفاع بالوديعة صارت قرضًا تثبت في ذمته، ففعل الناس الآن اللي يسمونه (...).
يأخذ سَلَمًا، السلم أني أعطي شخصًا دراهم نقدًا بسلعة مؤجلة، عكس الشراء إلى أجل أعطيك -مثلًا- عشرة آلاف ريال على أن تعطيني بعد سنة مئة كيس سكر، أو سيارة وصفها كذا وكذا، هذا ما فيه شيء؛ لأن الصحابة كانوا يفعلونه في عهد رسول الله ﷺ، كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي شَيْءٍ مَعْلُومْ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٤٠)، ومسلم (١٦٠٤ / ١٢٧) من حديث ابن عباس.]]، ووجه أن ما فيه شيء: لأن ما فيه ربح مضمون لأحد الطرفين، أو لا؟ أنا -مثلًا- إذا أعطيتك -مثلًا- عشرة آلاف ريال في سيارة إلى أجل، ما ندري أينا هل أنا اللي أربح ولا أنت، صح؛ لأنه عند انتهاء الأجل يمكن أجد السيارة بستة آلاف ريال، ويمكن ما أجدها إلا بخمسة عشر ألف ريال، إي نعم، وهذا لا بد أن يقع نادرًا أن تكون الأسعار إلى سنة لا تختلف.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف، إذا احتاج فلوسًا بيجيء لواحد يقول: تعالَ، الآن أعطنا فلوسًا بشيء مؤجل، وإلا يشتري المواد اللي يحتاج بثمن مؤجل أكثر من النقد.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا إذا اشترى السلعة بعينها يريدها بعينها، ما يتورق، التورق ما هو بيريد السلعة؛ ولهذا سمي تورقًا. مأخوذ من أين؟ من الورق؛ يعني هو لا يريد إلا الفضة، المتورق.
* طالب: بالنسبة للسلم هل يدخل فيه (...).
* الشيخ: ولهذا قال الفقهاء: لو أسلم في ثمن بستان معين ما صح؛ لأنه صار محله الآن البستان، ما صار في الذمة، أما إذا صار في الذمة فهذا ما فيه شيء، لا بد من تمام الشروط.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما تصح، ولا ثمنها.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما تجب؛ لأنه يبيع عليه أشياء بدون قبض ثمنها.
* طالب: (...).
* الشيخ: فهذا يمكن معناه أنه يحضره، وهو -مثلًا- امتنع، يتفقون معه على أننا اشترينا منك كذا وكذا؛ سيارات بكذا وكذا دراهم وهو ما سلمه الدراهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: أبدًا؛ ولهذا أحيانًا الدولة يكون مماطلتها أكثر من مماطلة الناس.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يصح هذا إلا لو كانت السيارات عنده وقال: حضرها، مثلًا لما أنه اتفق وإياهم حضر السيارات ثم أوقعوا العقد على أعيانهم، حينئذٍ يصح؛ لأنه يكون بيع عين بدين.
* طالب: وقعوا العقد على أوصافه؟
* الشيخ: لا، على أوصافه ما يصح؛ لأن المبيع الموصوف غير المعين محله الذمة، ما محله العين؛ فلهذا يكون العقد اللي وقع بين الرجل والحكومة عقد على شيء في ذمة بشيء في ذمة ما فيه شيء معين.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف، إذا حضر السلعة قال: هذه السلعة الآن، وأبيعها عليكم بكذا، وصار العقد بعد التحديد، ما يخالف، إذا صار أنه معناه التأمين بمعنى أنه حضر وبعد التحضير يجري عليه العقد فهذا لا بأس به؛ لأنه يكون بيع عين بدين وهو جائز.
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا عمدوه متى يجعلون التعاقد معه؟
* طالب: إذا عمدوه يقولون له مثلًا: بعد عشرة أيام تستلم الزيادة، وإذا سلم المستودع يروح يأخذ (...).
* الشيخ: ما هو الذي يعتبرونه عقدًا؟ هل يعتبرون العقد بعد حضورها ولَّا قبل؟ إن كان قبله فإنه لا يصح متى يعقدون، هل معناه يقول: حضر هنا، وإذا حضرت أنا بأشتريها منك بكذا وكذا؟ إذا حضرت نعطيك الثمن، إذن العقد قبل التحضير، وهذا نص العلماء على أنه لا يجوز، وهذا بيع دين بدين فلا يحل المحظور؛ لأنه ما وقع العقد على شيء معين، الآن كله في الذمم.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) تدري الآن لو بأبيع عليك الصاع بصاعين -والصاعين قيمتهم قيمة الصاع- ما فيه محظور، ما هي محرم، إحنا نتقيد فيما ورد به النص، اللي ورد به النص إما أن تكون السلعة مؤجلة، وإما أن يكون الثمن مؤجلًا، وإما أن يكون من الطرفين لا هذا ولا هذا، فهذا ما يجوز، وهذا منصوص عليه عند الفقهاء، أدنى طالب علم إذا قرأ في أول الروض المربع يعرف هذا؛ ولهذا قالوا من صور البيع (...)، ويش من صورها؟ بيع دين بعين بشرط الحضور وقبض أحد العوضين.
* من فوائد الآية الكريمة: قلنا: إنه ينبغي الاستدلال بما هو أجلى وأوضح في الاستدلال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عجز هذه الآلهة عن فعل شيء يختص بالربوبية؛ لقوله: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الروم ٤٠]؛ لأن هذا الاستفهام -كما قررنا- بمعنى النفي.
* ومن فوائدها: ثبوت التلازم بين التوحيدين؛ توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وأن من أقرَّ بتوحيد الربوبية لزمه أن يقر بتوحيد الألوهية، وهذا المعنى قرَّره الله تعالى في عدة آيات.
* من فوائد الآية الكريمة: تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص. من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿سُبْحَانَهُ﴾.
* ومن فوائدها: أن المشركين بالله عز وجل قد وقعوا في تنقص الله؛ لقوله: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن الله تعالى يجمع فيما وصف وسمَّى به نفسه بين النفي والإثبات؛ النفي في قوله: ﴿سُبْحَانَهُ﴾، والإثبات في قوله: ﴿وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: قوة الإقناع في أسلوب القرآن؛ لأن مثل هذا التحدي ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ هذا أقوى ما يكون في الإقناع، كل منهم سيكون جوابه: لا، إذن لماذا تعبدونها مع الله؟!
هل يستفاد من هذه الآية استنباط أقسام التوحيد الثلاثة؟ الربوبية فهي موجود، والألوهية موجود، كيف ذلك؟ لاستلزام الإقرار بالربوبية للإقرار بالألوهية، ثم إن قوله: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ المقصود إبطال ألوهيتهم، والأسماء والصفات موجود في قوله: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، والله أعلم.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["لِیَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُوا۟ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ","أَمۡ أَنزَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ سُلۡطَـٰنࣰا فَهُوَ یَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا۟ بِهِۦ یُشۡرِكُونَ","وَإِذَاۤ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةࣰ فَرِحُوا۟ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ إِذَا هُمۡ یَقۡنَطُونَ","أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ","فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِۚ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یُرِیدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ","وَمَاۤ ءَاتَیۡتُم مِّن رِّبࣰا لِّیَرۡبُوَا۟ فِیۤ أَمۡوَ ٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا یَرۡبُوا۟ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَاۤ ءَاتَیۡتُم مِّن زَكَوٰةࣲ تُرِیدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ","ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ یُمِیتُكُمۡ ثُمَّ یُحۡیِیكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَاۤىِٕكُم مَّن یَفۡعَلُ مِن ذَ ٰلِكُم مِّن شَیۡءࣲۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ"],"ayah":"وَمَاۤ ءَاتَیۡتُم مِّن رِّبࣰا لِّیَرۡبُوَا۟ فِیۤ أَمۡوَ ٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا یَرۡبُوا۟ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَاۤ ءَاتَیۡتُم مِّن زَكَوٰةࣲ تُرِیدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق