الباحث القرآني

﴿وما آتَيْتُمْ﴾ أيْ جِئْتُمْ [أيْ فَعَلْتُمْ]، في قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ بِالقَصْرِ لِيَعُمَّ المُعْطِيَ والآخِذَ والمُتَسَبِّبَ، أوْ أعْطَيْتُمْ، في قِراءَةِ غَيْرِهِ بِالمَدِّ ﴿مِن رِبًا﴾ أيْ مالٍ عَلى وجْهِ الرِّبا المُحَرَّمِ أوِ المَكْرُوهِ، وهو أنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً لِيَأْخُذَ في ثَوابِها أكْثَرَ مِنها، وكانَ هَذا مِمّا حُرِّمَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ تَشْرِيفًا لَهُ، وكُرِهَ لِعامَّةِ النّاسِ. وعَلى قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ بِالقَصْرِ المَعْنى: وما جِئْتُمْ بِهِ مِن إعْطاءٍ بِقَصْدِ الرِّبا ﴿لِيَرْبُوَ﴾ أيْ يَزِيدَ ويَكْثُرَ ذَلِكَ الَّذِي أعْطَيْتُمُوهُ أوْ فَعَلْتُمُوهُ، أوْ لِتَزِيدُوا أنْتُمْ ذَلِكَ - عَلى قِراءَةِ المَدَنِيِّينَ ويَعْقُوبَ بِالفَوْقانِيَّةِ المَضْمُومَةِ، مِن: أرْبى ﴿فِي أمْوالِ النّاسِ﴾ [أيْ تَحْصُلُ فِيهِ زِيادَةٌ تَكُونُ أمْوالُ النّاسِ ظَرْفًا لَها، فَهو كِنايَةٌ عَنْ] أنَّ الزِّيادَةَ الَّتِي يَأْخُذُها المُرْبِي مِن أمْوالِهِمْ لا يَمْلِكُها أصْلًا ﴿فَلا يَرْبُو﴾ أيْ يَزْكُو ويَنْمُو ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى الَّذِي لَهُ الغِنى المُطْلَقِ وكُلُّ صِفاتِ الكَمالِ، وكُلُّ ما لا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ فَهو غَيْرُ مُبارَكٍ بَلْ مَمْحُوقٌ لا وُجُودَ لَهُ، فَإنَّهُ إلى فَناءٍ وإنْ كَثُرَ ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا ويُرْبِي الصَّدَقاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٦] (p-١٠١)ولَمّا ذَكَرَ ما زِيادَتُهُ نَقْصٌ، أتْبَعُهُ ما نَقْصُهُ زِيادَةٌ فَقالَ: ﴿وما آتَيْتُمْ﴾ أيْ أعْطَيْتُمْ لِلْإجْماعِ عَلى مُدَّةٍ لِئَلّا يُوهِمَ التَّرْغِيبَ في أخْذِ الزَّكاةِ ﴿مِن زَكاةٍ﴾ أيْ صَدَقَةٍ، وعَبَّرَ عَنْها بِذَلِكَ لِيُفِيدَ الطَّهارَةَ والزِّيادَةَ، أيْ تُطَهِّرُونَ بِها أمْوالَكم مِنَ الشُّبَهِ، وأبْدانَكم مِن مَوادِّ الخَبَثِ، وأخْلاقَكم مِنَ الغِلِّ والدَّنَسِ. ولَمّا كانَ الإخْلاصُ عَزِيزًا، أشارَ إلى عَظَمَتِهِ بِتَكْرِيرِهِ فَقالَ: ﴿تُرِيدُونَ﴾ أيْ بِها ﴿وجْهَ اللَّهِ﴾ خالِصًا مُسْتَحْضِرِينَ لِجَلالِهِ وعَظَمَتِهِ وكَمالِهِ، وعَبَّرَ عَنِ الذّاتِ بِالوَجْهِ لِأنَّهُ الَّذِي يُجِلُّ صاحِبَهُ ويَسْتَحِي مِنهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وهو أشْرَفُ ما في الذّاتِ. ولَمّا كانَ الأصْلُ: فَأنْتُمْ، عَدَلَ بِهِ إلى صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلى تَعْظِيمِهِ بِالِالتِفاتِ إلى خِطابِ مَن بِحَضْرَتِهِ مِن أهْلِ قُرْبِهِ ومَلائِكَتِهِ، لِأنَّ العامِلَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ لَهُ بِعَمَلِهِ لِسانَ [صِدْقٍ] في الخَلائِقِ فَكَيْفَ إذا كانَ مِنَ الخالِقِ، وبِالإشارَةِ إلَيْهِ بِأداةِ البُعْدِ إعْلامًا بِعُلُوِّ رُتْبَتِهِ، وأنَّ المُخاطَبَ بِالإيتاءِ كَثِيرٌ، والعامِلَ قَلِيلٌ وجَلِيلٌ، فَقالَ: ﴿فَأُولَئِكَ﴾ ولَعَلَّ إفْرادَ المُخاطَبِ هُنا لِلتَّرْغِيبِ في الإيتاءِ بِأنَّهُ لا يُفْهِمُ ما لِأهْلِهِ حَقَّ فَهْمِهِ سِوى المُنَزَّلِ عَلَيْهِ هَذا الوَحْيُ ﷺ ﴿هُمُ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿المُضْعِفُونَ﴾ أيِ الَّذِينَ ضاعَفُوا أمْوالَهم في الدُّنْيا بِسَبَبِ ذَلِكَ الحِفْظِ والبَرَكَةِ، وفي الآخِرَةِ بِكَثْرَةِ الثَّوابِ عِنْدَ اللَّهِ مِن عَشْرَةِ أمْثالٍ إلى ما (p-١٠٢)لا حَصْرَ لَهُ كَما يُقالُ: مُقَوٍّ ومُوسِرٌ ومُسَمِّنٌ ومُعَطَّشٌ، لِمَن لَهُ قُوَّةٌ ويَسارٍ وسِمَنٌ في إبِلِهِ وعَطَشٌ ونَحْوُ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب