﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ لَمَاۤ ءَاتَیۡتُكُم مِّن كِتَـٰبࣲ وَحِكۡمَةࣲ ثُمَّ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مُّصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَ ٰلِكُمۡ إِصۡرِیۖ قَالُوۤا۟ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ ٨١ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ ٨٢ أَفَغَیۡرَ دِینِ ٱللَّهِ یَبۡغُونَ وَلَهُۥۤ أَسۡلَمَ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا وَإِلَیۡهِ یُرۡجَعُونَ ٨٣﴾ [آل عمران ٨١-٨٣]
ثم قال الله تعالى:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ [آل عمران ٨١] (إذْ) مفعول لفعل محذوف تقديره: (اذكر).
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ يعني اذكر يا محمد لمن أرسلناك إليهم، اذكر هذا العهد والميثاق.
﴿أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ والميثاق هو العهد، وسمي الميثاق عهدًا؛ لأن كلًّا من المتعاهِدين يتوثق به مع الآخر، كالوثاق الحبل الذي يشد به الإنسان.
وقوله:
﴿مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ يشمل الرسل؛ لأن كل رسول فهو نبيّ.
وقوله:
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران ٨١] فيها ثلاث قراءات:
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾،
﴿لِمَا آتَيْتُكُمْ﴾ ،
﴿لَمَا آتَيْنَاكُمْ﴾ ، وعلى كل القراءات ففيها التفات، منين؟
* طالب: من الغيبة.
* الشيخ: من الغيبة إلى الحضور. وقوله:
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ في اللام قراءتان: الكسر والثاني الفتح.
وقوله:
﴿آتَيْتُكُمْ﴾ يعني: أعطيتكم، والإيتاء هنا يراد به ما آتاه الله النبيين من أمور الشريعة، ولهذا قال:
﴿مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ الكتاب معروف كالتوراة والإنجيل، والحكمة: الحكم بين الناس وإصابة الصواب؛ لأن الحكم بين الناس وإصابة الصواب من تنزيل الأشياء منازلها، وهذا هو الحكمة.
﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّه﴾ [آل عمران ٨١] يعني ما آتيتكم من الكتاب والحكمة إذا جاءكم رسول مصدق لما معكم فإنكم تؤمنون به وتنصرونه.
وقوله:
﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ له معنيان:
المعنى الأول: أنه يصدق ما سبقه من الكتب، فيقول مثلًا: إن التوراة حق، والإنجيل حق، وما أشبه ذلك.
المعنى الثاني: أنه يقع مصداقًا لما سبقه من الكتب؛ لأن الكتب أخبرت به، فإذا جاء مطابقًا لما أخبرت به صار أيش؟ صار مصدقًا لها، فيكون على هذا الوجه يكون شهادة لهذا الكتاب بأنه حق، ويكون على الوجه الأول شهادة لأن الكتب السابقة حق، الفرق إذن بين المعنيين واضح.
﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ قلنا: له معنيان:
أحدهما: أن النبي ﷺ شهد بصدق ما سبقه من الكتب.
والثاني: أن رسالته كانت أيش؟ مصداقًا لما أخبرت به الكتب السابقة؛ لأن الله تعالى يقول في النبي ﷺ:
﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الأعراف ١٥٧] فإذا جاء على الوصف الذي جاءت به التوراة والإنجيل وقع مصداقًا لها؛ لأنها أخبرت بشيء فجاء هذا الشيء فيكون مصدّقًا، أرأيت لو أن أحدًا من الناس قال: إن فلانًا سيقدم اليوم بعد الظهر، فقدم، صار هذا الذي قدم مصدّقًا لما أخبر به، إذن لما قالت الرسل إن محمدًا رسول الله يُبعث على الوجه الذي ذكر الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فجاء مطابقًا لما أخبرت به صار مصدِّقًا لها.
﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ أي: للذي معكم، من أيش؟ من الكتب السابقة التي جاؤوا بها.
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ [آل عمران ٨١] هذا محل الميثاق، يعني إذا جاءكم هذا الرسول المصدِّق لما معكم فإن ميثاقي عليكم
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران ٨١]،
﴿تُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ أي: تؤمنن بأنه حق،
﴿وَتَنْصُرُنَّهُ﴾ أي: تعينونه على نشر رسالته وعلى قتال أعدائه؛ لأن النصر هنا يشمل النصر بالعلم وبالسلاح.
﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾ [آل عمران ٨١] لما أخبر أنه أخذ عليهم العهد والميثاق قرَّرهم في هذا
﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾.
وقوله:
﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ أي: اعترفتم والتزمتم بذلك. وقوله:
﴿أَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ أي: أخذتم العهد الثقيل؛ لأن الإصْر الذي جمعه (آصار) بمعنى الأشياء الثقيلة، فإصري أي: عهدي الثقيل.
﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾ فيها قراءة عندنا
﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ﴾ فيها
﴿آأَقْرَرْتُمْ﴾ بمد الألف الأولى.
﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا﴾ [آل عمران ٨١].
﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾ يعني اعترفنا والتزمنا بأن نؤمن به وننصره.
﴿قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
﴿اشْهَدُوا﴾ يعني ليشهد بعضكم على بعض، ولتشهدوا كلكم على الميثاق الذي بيني وبينكم.
﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ وكفى بالله شهيدًا، فاستشهدهم على أنفسهم وشهد عليهم عز وجل بما حصل.
نرجع الآن إلى الإعراب، قلنا:
﴿إِذْ أَخَذَ اللَّهُ﴾ مفعول لفعل محذوف تقديره: (اذكر إذ أخذ الله).
وقوله:
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ فيها قراءتان:
﴿لَمَا﴾ و
﴿لِمَا﴾ على قراءة
﴿لِمَا﴾ تكون اللام للتعليل، وما اسم موصول أي: للذي آتيتكم من كتاب وحكمة لتؤمنن به، فيكون التعليل سابقًا على المعلّل، والتقدير على هذا: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتؤمنن بهذا الرسول لِما آتيتكم من كتاب وحكمة، فاللام إذن للتعليل، وأما على قراءة الفتح؛ فتح اللام فاللام هذه قيل: إنها لام الابتداء
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ١٨٧] للذي آتيتكم -يعني إياه- من الكتاب والحكمة
﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ [آل عمران ٨١] أي: بهذا الرسول، فتكون (ما) اسمًا موصولًا كالأول.
الشيخ:
﴿أَخَذَ اللَّهُ﴾ مفعول لفعل محذوف؛ تقديره؟
* طالب: تذكر..
* الشيخ: اذكر إذ أخذ الله.وقوله:
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ فيها قراءتان:
﴿لَمَا﴾، و
﴿لِمَا﴾ على قراءة
﴿لِمَا﴾ تكون اللام للتعليل، و(ما) اسم موصول؛ أي: للذي آتيتكم من كتاب وحكمة،
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾؛ فيكون التعليل سابقًا على المعلَّل؛ والتقدير على هذا: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتؤمنن بهذا الرسول لِمَا آتيتكم من كتاب وحكمة؛ فاللام إذن للتعليل.
وأما على قراءة الفتح، فتح اللام؛ فاللام هذه قيل: إنها لام الابتداء؛ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لَلَّذي آتيتكم؛ يعني إياه من الكتاب والحكمة
﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ أي بهذا الرسول؛ فتكون (ما) اسمًا موصولًا كالأول، لكن اللام تكون للابتداء، وقيل: بل اللام جواب لميثاق؛ لأن ميثاق بمعنى عهد، والعهد يُعامَل معاملة القسم كما قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ إلى آخره
[المائدة: ١٢]. فالميثاق يجاب بما يجاب به القسم وعلى هذا فيكون قوله:
﴿لَمَا﴾ اللام واقعة في جواب القسم؛ لأن الميثاق بمعناه، ثم
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ تكون أيضًا موطِّئَةً لقَسَمٍ آخر محذوف، التقدير: والله لتؤمنن به؛ والجملة من قوله:
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ في محل رفع خبر (ما) في قوله:
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾؛ فيها أيضًا مبحث ثالث في الإعراب:
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ تؤمن فعل أيش؟
* الطلبة: مضارع..
* الشيخ: مضارع، والعلماء يقولون: إن الفعل المضارع إذا اتصل بنون التوكيد وجب بناؤه على الفتح، كقوله تعالى: ﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ﴾ [الهمزة ٤] ولَّا لينبذُن؟
* الطلبة: ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾.
* الشيخ: ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾، ﴿لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ﴾ [العلق ١٥]، ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾ [يوسف ٣٢] آخرها نون، ﴿وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف ٣٢] هنا لم يكن الفعل مبنيًّا على الفتح ﴿لَتُؤْمِنُنَّ﴾ ولم يقل: لتؤمنَن فكيف الجواب على هذا الإشكال؟ يقولون: إن النون هنا ليست مباشرة للفعل والفعل يبنى إذا باشر نون التوكيد أما مع عدم المباشرة فلا يكون مبنيا؛ لأن أصلها: لتؤمنونن، لتؤمنونن كذا؟ كم عندنا من نون؟
* الطلبة: ثلاثة.
* الشيخ: ثلاثة نونات؛ قالوا: يحذف إحداها لتوالى الأمثال، ما يمكن تتوالى ثلاثة حروف على مثال واحد لا بد نحذف؛ طيب ويش تبغي تحذف؟ قال: أحذف نون الفعل، نون الفعل أيهم؟
* الطلبة: الأول.
* الشيخ: الأولى لتؤمنونن، نن أحذف نون الفعل؛ لأيش تحذف نون الفعل لماذا لم تحذف نون التوكيد؟ قال: لأن نون التوكيد جيء بها لإفادة معنى، ما هو إفادة المعنى؟
* الطلبة: التوكيد.
* الشيخ: التوكيد، ونون الرفع هذه جرى حذفها كثيرًا؛ تحذف متى؟
* طالب: في النصب.
* الشيخ: في حالتي النصب والجزم، مرَّ علينا في الأفعال الخمسة أنها تنصب بحذف النون تجزم بحذف النون، وربما تًحذف لغير ناصب ولا جازم ولكن تخفيفًا؛ مثل قوله ﷺ: «وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا»(١) قال: «لَا تَدْخُلُوا» والأصل أن يقال: لا تدخلون؛ إذن الذي حُذف من قوله: لتؤمنونن، ويش الّلي حُذف؟
* الطلبة: نون الفعل.
* الشيخ: نون الرفع، حَذَفَ نون الرفع، يبقى إنسان يسأل يقول: أين ذهبت الواو؟ أين ذهبت الواو لتؤمنونن؟ نقول: حُذفت، حُذفت لماذا؟ لأن ما بعدها ساكن، وإذا كان ما قبل الساكن حرف لين فإنه يُحذف على حدِّ قول ابن مالك:
إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَكُــــنْ لَيْنًــــا فَحَذْفَــــهُاسْتَحَــــقْ
أعيد البيت؟
إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَكُــــنْ لَيْنًــــا فَحَذْفَــــهُاسْتَحَــــقْ
حرف اللين معروف: الواو والياء والألف؛ يعني معناه يقول ابن مالك: إذا التقى ساكنان وكان الأول صحيحًا فاكسر الأول، وإن كان حرف لين فاحذف حرف اللين؛ إذن (لتؤمنُونَنَّ): الواو حرف لين احذفها، تأتي نون التوكيد فتباشر؟ تباشر نون الفعل
﴿لَتُؤْمِنُنَّ﴾ واضح؟ إذن هذا هو تخريج قوله تعالى:
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾. جملة
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ واقعة بجواب قسَم؛ إما قسم مقدَّر، وإما القسم السابق. انتهى الكلام على الإعراب.
* طالب: التقاء الساكنين على حدِّه جائز، وعلى غير حده غير جائز، إذن في مثل: ضالِّين..
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: ضالّين، خاصة مثلًا؛ هنا كذلك التقاء الساكنين على حدِّه لأن بعضه..
* الشيخ: بعضه أيش؟
* الطالب: بعضه حركة موافق مع الواو مثلا: لتؤمنونن؟
* الشيخ: إي، لكن بينهم فرق؛ (الضالِّين) في كلمة واحدة، لو حذفتَ الألف من (الضالّين) تغيّر المعنى واختلَّت الكلمة، لكن هذه الواو منفصلة عن الفعل منفصلة، واو ضمير، هذا الفرق.
* طالب: قلنا: لَمَّا حُذفت الواو إن النون الأخيرة باشرت نون الفعل مع أننا قررنا في الأول أن نون الفعل حُذفت..
* الشيخ: نون الرفع؟
* الطالب: نون الرفع نعم (...)؟
* الشيخ: ويش الإشكال؟
* الطالب: إذا قرَّرنا أنها حُذفت كيف باشرت؟
* الشيخ: لما حذفت صارت النون نون التوكيد المشدَّدة أولُها ساكن والواو؟
* الطالب: ساكنة.
* الشيخ: ساكنة ما الذي نعمل؟
* الطالب: نحذف الواو.
* الشيخ: نحذف الواو، فصارت الآن النون، نون الفعل، لم تباشر نون التوكيد من حيث التقدير ولَّا عاد اللفظ باشرت، لكن تقديرًا لم تباشر.
* * * * طالب:
﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ٨٢ - ٨٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ..﴾ [آل عمران ٨١] إلى آخره.المراد بالميثاق ما هو؟
* طالب: ما يكون بين المتعاقدين بالعهد.
* الشيخ: ما يكون بين اثنين من العقد.
* الطالب: من العهد.
* الشيخ: مأخوذ من أين؟
* الطالب: من وَثَقَ الشيء.
* الشيخ: من الوثاق وهو الحبل..
* الطالب: الرباط..
* الشيخ: يربط به الشيء.قوله تعالى:
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ كيف إعراب هذه الآية على فتح اللام؟
* طالب: على فتح اللام فيها توجيهان، تخريجان؛ الأول: اللام تكون لام الابتداء و(ما) تكون اسم موصول مبتدأ وخبرها جملة ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾. وتوجيه آخر: أن اللام تكون بالكسر على القراءة الأخرى.
* الشيخ: لا لا خل، فتح.
* الطالب: تكون اللام واقعة في محل جواب قسم؛ لأن الميثاق بمعنى القسم.
* الشيخ: نعم، لأنها مضمنة معنى القسم فتكون اللام موطئة للقسم و(ما) اسم شرط جازم، و﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ جواب القسم. الحقيقة ما كملنا إعرابها في موضعها؛ على هذا تكون اللام موطئة للقسم و(ما) شرطية، و﴿آتَيْتُكُمْ﴾ فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف، و﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ جواب القسم على حد قول ابن مالك رحمه الله:
وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَــــوَابَ مَـــا أَخَّـــرْتَ فَهْـــوَمُلْتَــــــزَمْ
وعلى هذا فيكون الجواب في قوله:
﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ الجواب للقسم، أما جواب الشرط وهو (ما) فإنه محذوف، والجملة من الشرط وجزائه لا محل لها من الإعراب جواب القسم الذي تضمنه الميثاق.
قوله تعالى:
﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ﴾؟ من المراد بالرسول هنا؟
* الطالب: محمد ﷺ.
* الشيخ: محمد ﷺ. قوله:
﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾؟
* طالب: ﴿مُصَدِّقٌ﴾ له معنيان؛ مصدِّق لما قبله، هذا معنى، ومصدِّق لما أخبر..
* الشيخ: يعني أنه..
* الطالب: بما أخبر عن الرسل الذين سبقوه.
* الشيخ: يعني أنه وقع تصديقًا لما قالوه
* الطالب: كما قلت.
* الشيخ: هذا واحد، والثاني أنه؟
* الطالب: أنه يصدّق لهم.
* الشيخ: يصدّق الكتب السابقة؛ أي يُخبِر بأنها صِدْق.قوله:
﴿إِصْرِي﴾ ما المراد بإصري؟
﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾؟
* الطالب: الإصر في اللغة الثقل الثقيل؛ أي الميثاق.
* الشيخ: الميثاق، وسُمي إصرًا؛ لأن الوفاء به ثقيل والإنسان يتحمله. طيب،
﴿قَالَ فَاشْهَدُوا﴾ وقفنا على هذا أظن أو كملنا الآية؟
* طالب: كملنا الآية.
* الشيخ: ﴿قَالَ فَاشْهَدُوا﴾.. اشهدوا على من؟
* الطالب: اشهدوا تعود على أنفسهم.
* الشيخ: وكذلك بعضهم..
* طالب: على بعض، شهيدًا بعضهم على بعض، شاهدين شاهدًا عليهم..
* الشيخ: أمرهم اشهدوا على أنفسكم وبعضُكم على بعض.قوله:
﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ المعية هنا؟
* طالب: توقفنا هنا.
* الشيخ: طيب، ﴿قَالَ فَاشْهَدُوا﴾؛ يعني يشهد بعضكم على بعض واشهدوا أيضًا على أنفسكم كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف ١٧٢] فكذلك النبيون أشهدهم الله على أنفسهم أنهم سيؤمنون بمحمد ﷺ؛ لأن هذا الوصف لا ينطبق إلا عليهم. وقال بعض العلماء: إن المراد بالرسول: الرسول الذي يتلو من قبله؛ لأن كل رسول يصدِّق مَن قبله؛ فعيسى مصدِّقٌ لموسى، ومحمد مصدق لهما ولجميع الأنبياء.
لكن الصحيح: الأول؛ أن المراد به محمد ﷺ.
وقوله:
﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾؛ هذه مصاحَبة خاصة، هذه المعيّة معية خاصة مصاحَبة، مصاحَبة في هذه الشهادة؛ لأنه قال:
﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ فإن معيّة الله عز وجل معية عامة شاملة لكل الخلق؛ ومعية خاصة مقيدة ببعض الخلق أو مخصصة ببعض الخلق؛ ففي قوله تعالى:
﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة ٧] هذه معية؟
* الطلبة: عامة.
* الشيخ: عامة، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد ٤] هذه أيضًا؟
* الطلبة: عامة.
* الشيخ: معيّة عامة لجميع الخلق، وقوله تعالى: ﴿اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال ٤٦].
* الطلبة: خاصة.
* الشيخ: هذه خاصة، خاصة بالصابرين، وقوله لنبيه ﷺ: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة ٤٠]. هذه أيضا خاصة، خاصة في الذات والمكان. طيب، المعية العامة مقتضاها: العلمُ والإحاطة بالخلق قدرةً وسلطانًا وتدبيرًا وغير ذلك، هذه من مقتضياتها؛ لأن كل الخلق تحت قدرة الله وسلطانه وتدبيره. والمعية الخاصة مقتضاها: التسديدُ والنصر والتأييد والتقوية وما أشبه ذلك من مقتضياتها، والذي يحدد هذه المقتضيات هو السياق.
فإذا قال قائل: هل معية الله تنافي علوّ الله؟ فالجواب: لا، لا تنافيه هو مع الخلق وإن كان فوق العرش؛ لأن الله لا يشبهه شيء من مخلوقاته، أو لا يماثله شيء من مخلوقاته؛ ولهذا جَمَعَ الله بينهما في الآية التي تلوناها أخيرًا
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [الحديد ٤] فجمع بين علوِّه وأيش؟
* الطلبة: ومعيته.
* الشيخ: ومعيته، ولا تناقض بينهم، وقال النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا»(٢) ومع ذلك نزولُه حقيقي وهو على عرشه؛ فنزوله لا ينافي عُلُوَّهُ؛ وإذا شئت أن نذكر مثلًا يقرِّب لك هذا، فانظر إلى القمر، انظر إلى القمر موضعه في السماء وهو مع الإنسان، إن كُنَّا في البلد فهو معنا، إن كنا مسافرين فهو معنا، مع أهل عُنيزة، وأهل الرياض، وأهل مكة، وأهل المدينة، وكل من على سطح الأرض من جهة القمر؛ العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا؛ ومع ذلك فإن كل الخلق يعرفون أن القمر في السماء؛ فإذا كان لا منافاة بين العلو وبين المعية التي هي المصاحبة في المخلوقات، فما بالك بالخالق؟ ولهذا لا يجوز أن تظن أن كلام الله يناقض بعضه بعضًا أبدًا؛ كلام الله يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢] لكن مقتضيات هذه المعية كما عرفتم تختلف؛ فمقتضاها للعموم ليس كمقتضاها للخصوص.طيب، قال:
﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾؛
﴿مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ هنا الشاهد وصف اشترك فيه الخالق والمخلوق فقال:
﴿مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾، وجعل نفسه عز وجل أحدَ الشهود؛ لكن هل هذه المشاركة في الشهادة تقتضي المماثلة؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، كما أن المشاركة في الحياة لا تقتضي المماثلة ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ [الأنعام ٩٥] فأثبت للمخلوق الحي؛ ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة ٢٥٥] أثبت أن اسمه الحي؛ فاشتراك الخالق والمخلوق في الحياة لا يستلزم أيش؟
* الطلبة: المماثلة.
* الشيخ: المماثلة؛ إذن فكون الله من الشاهدين لا يستلزم أن يكون كشهادة الخلق، شهادة الله شهادة ثابتة حق، لا يسبقها خفاء ولا يلحقها نسيان؛ وشهادة المخلوق بالعكس، مسبوقةٌ بخفاء ملحوقةٌ بنسيان، فبينهما فرق. ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ﴿مَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾؛ أي: بعد ما ذُكر من هذا البيان والإيضاح، وأن محمدًا ﷺ قد أُخذ على جميع الأنبياء أن يؤمنوا به، وأن ينصروه؛ وما أُخذ على المتبوع مأخوذ على التابع، يعني ما أخذ على الأنبياء مأخوذ على أتباعهم أيضًا. فإذا كان واجبًا على الأنبياء أن يؤمنوا به وينصروه، كان واجبًا على أتباعهم أن يؤمنوا به وينصروه؛ ولهذا لما رأى النبي ﷺ مع عمر بن الخطاب شيئًا من التوراة غضب، وقال:
«أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً؟ لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي»(٣) كيف تأتي بالتوراة؟ القرآن فيه غِنًى عن كل كتاب، كلُّ ما في الدنيا من الكتب فالنافعُ منها موجود في القرآن لا حاجةَ إليها، لا حاجة إليها لا سيما وأنها الآن ليست الكتب المنزَّلة من السماء، بل فيها من التحريف والتبديل والإخفاء ما الله به عليم. إذن نقول
﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ بعد أيش؟ بعد هذا البيان والإيضاح الذي بيَّنه الله عز وجل، وأن الله أخذ على جميع الأنبياء ميثاق النبيين كلِّهم أنه إذا جاءهم رسول مصدق لما معهم ليؤمنن به ولينصرُنَّه؛ أفبعد ذلك يتولى المتولي؟ لا،
﴿مَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ﴿هُمُ﴾: ضمير فصل،
﴿الْفَاسِقُونَ﴾: الذين خرجوا عن مستوى العدل وعن مستوى الرجولة وعن مستوى الإيمان؛ خرجوا عن الطاعة، تَوَلَّوْا، أعرضوا؛ هؤلاء هم الفاسقون؛ والمراد بالفسق هنا فسقُ الكفر؛ لأن الفسق يطلق على فسق المعاصي وعلى فسق الكفر، فسق المعاصي وفسق الكفر. فمن الأول قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦] هذا فسق المعصية. ومن الثاني قوله تعالى:
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾ [السجدة ١٨ - ٢٠]. فهنا المراد بالفسق أيش؟ فسق الكفر؛ لأنه جاء في مقابل الإيمان، جاء قسيمًا للإيمان وقسيمُ الشيء غيرُ الشيء؛ فأما قوله تعالى:
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة ٤٧] فهل هو فسق كفر أو فسق معصية؟
* الطلبة: فسق معصية.
* الشيخ: قيل: معصية، وقيل: كفر، وقيل: بالتفصيل. طيب، من جهة الإعراب في هذه الآية فيها شرط وجواب، الشرط؟
* طالب: ﴿مَنْ تَوَلَّى﴾.
* الشيخ: ﴿مَنْ تَوَلَّى﴾، الجواب؟
* الطالب: فاسقون؟
* الشيخ: لا.
* الطلبة: أولئك؟
* الشيخ: ﴿فَأُولَئِكَ﴾؛ الجواب هنا جملة اسمية؛ ولهذا قُرِنَتْ بالفاء ﴿فَأُولَئِكَ﴾؛ لأن الجملة إذا كانت لا تصلح أن تباشر أداة الشرط وجب أن تقترن بها الفاء؛ قال ابن مالك:
وَاقْــرِنْ بِفَــا حَتْمًــا جَوَابًــا لَــوْجُعِــــلْ ∗∗∗ شَرْطًا لِـ(إِنْ) أَوْ غَيْرِهَا لَمْيَنْجَعِلْ
هذه القاعدة:
وَاقْــرِنْ بِفَــا حَتْمًــا جَوَابًــا لَــوْجُعِــــلْ ∗∗∗ شَرْطًا لِـ(إِنْ) أَوْ غَيْرِهَا لَمْيَنْجَعِلْ
يعني لم يصر؛ هذا إجمال من ابن مالك فُصِّلَ بقول القائل:
اسْمِيّــــــــــــَةٌ طَلَبِيَّــــــــــــةٌوَبِجَامِــــــــــــــــــــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَــــا وَقَــــدْ وَبِـ(لَــــــــــــنْ)وَبِالتَّنْفِيــــــــسِ
كم هذه؟
* الطلبة: سبعة.
* الشيخ: سبعة، حفظتها؟
* طالب: شيء منها، ما هو كلها.
* الشيخ: طيب، اقرأ ما حفظت؟
* الطالب:
اسْمِيّــــــــــــَةٌطَلَبِيَّــــــــــــةٌ............ ∗∗∗ ............................
* الشيخ: ناظم؟
الطالب: (...) تعيد ثلاث مرات!
* الشيخ: طيب نعيد ثلاثة
اسْمِيّــــــــــــَةٌ طَلَبِيَّــــــــــــةٌوَبِجَامِــــــــــــــــــــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَــــا وَقَــــدْ وَبِـ(لَــــــــــــنْ)وَبِالتَّنْفِيــــــــسِ
اللي ما حفظها من قبل يسمَّعني إياهها، حفظتها قبل يا؟ كمِّل؟
* طالب:
اسْمِيّــــــــــــَةٌ طَلَبِيَّــــــــــــةٌوَبِجَامِــــــــــــــــــــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَــــا وَقَــــدْ وَبِـ(لَــــــــــــنْ)وَبِالتَّنْفِيــــــــسِ
* الشيخ:
............................ ∗∗∗ وَبِمَــــا وَقَــــدْ...................
* الطالب:
............................ ∗∗∗ وَبِمَــــــــــا وَقَــــــــــــــــدْوَبِالتَّنْفِيــــــــــــــــــــــــــسِ
* الشيخ:
............................ ∗∗∗ وَبِمَــــا وَقَــــدْ وَبِـ(لَــــــــــــنْ)وَبِالتَّنْفِيــــــــسِ
هذه سبعة أشياء إذا وقعت جوابًا للشرط وجب اقتران الشرط بالفاء؛ التي معنا الآن أي الجمل؟
* الطلبة: اسمية.
* الشيخ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ جملة اسمية، كذا؟ قال الله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. ثم قال:
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾؛
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ﴾ الدين يُطلق على الجزاء وعلى الشرع؛ يعني على العمل وجزائه، يعني يطلق أحيانًا على العمل الذي هو شريعة الله، وأحيانًا على الجزاء؛ فمن إطلاقه على الجزاء قول الله تبارك وتعالى:
﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (١٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه﴾ [الانفطار ١٣ - ١٩].
وقال تعالى في سورة الفاتحة:
﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٤] الدين هنا بمعنى؟
* الطلبة: الجزاء.
* الشيخ: الجزاء. ومن إتيان الدين بمعنى العمل والشريعة قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون ٦]، وقوله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣]؛ أي شريعة. وهنا ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ دين الله يعني شريعته التي شرعها لعباده، وأضافها الله لنفسه؛ بيانًا لأهميتها وأنها الشريعة العادلة النافعة التي لا يقوم الخلق إلا بها؛ لأنها شريعة الله؛ فهي أكمل الشرائع، وأضافها لنفسه أيضًا لأنه الذي شرعها؛ أحيانًا يُضاف الدين إلى العامل مثل قول الله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ أصلها: ولي ديني؛ فيضاف إلى العامل يضاف إلى العامل باعتبار أنه أخذَ به وتمسَّكَ به؛ ويضاف إلى الله باعتبار أنه الذي شَرَعَهُ ووضعَه لعباده. طيب، وقوله:
﴿يَبْغُونَ﴾؛ أي: يطلبون، وهذا الاستفهام للإنكار والتوبيخ، يُنكر على من يبغي غيرَ دين الله ويوبِّخُه؛ فيها قراءة:
﴿تَبْغُونَ﴾ ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ﴾ قراءة السبعية؛ وعلى هذا يحسن أن نقرأ أحيانا
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ﴾ وأحيانا نقول:
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾، إلَّا إذا كُنَّا بحضرة عوَام؛ فلا نقرأ القراءتين وإنما نقرأ عندهم ما يعرفون؛ لأنك لو قرأت عند العامة بقراءتين لَتسلطوا عليك، من جهة، ولَانْحَطَّ قدرُ القرآن في أعينهم من جهة أخرى، ولأجلبوا عليك بالخيل والرَّجْلِ وقالوا: ما بقي عليك إلَّا أن تُغَيِّرَ القرآن ولَتَحَسَّبُوا عليك ليلًا ونهارًا؛ فإذن لا تقرأ بغير ما يعرفون، أمَّا فيما بينك وبين الله؛ فاقرأ هذا أحيانًا وهذا أحيانًا بشرط أن تكون متيقنًا لهذه القراءة؛ لأن هذا كلام الله لا بد أن تتيقن.
قال:
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ الواو هذه للحال؛ يعني والحال أنه أسلم له من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا؛ أسلم إسلامًا شرعيًّا أو إسلامًا كونيًّا؟
* الطلبة: شرعيًّا.
* الشيخ: إسلامًا كونيًّا ما هو إسلام شرعيًّا؛ لأن الإسلام الشرعي ما فيه إكراه، ولأن الإسلام الشرعي لا يعم من في السماء والأرض، يعم من في السماء صحيح، لكن من في الأرض: لا. قوله: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ﴾؛ أي: انقاد انقيادًا كونيًّا. وإنما قال: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ﴾ بعد قوله: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾؛ لإقامة الحجة على من لم يُسْلِم لله شرعًا ولم يَتْبَع دينَه، كأنما يقال: لقد أسلمتَ لله كونًا فيجب أن تسلم له شرعًا؛ لأن الرب الذي يدبِّرُ الخلقَ كما يشاء، شاؤوا أم كرِهوا، هو الذي يجب أن نتمشى على شرعه، فيكون هذا كالدليل لِمَا سبق. وقوله:
﴿أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﴿مَنْ﴾ أتى بـ(مَنْ) الدالَّةِ على العاقل؛ تغليبًا لجانب العقلاء؛ لأننا لو قِسْنَا من في السماوات والأرض لكان الأكثر العقلاء؛ لأن السماوات
«مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ»(٤)؛ والسماء واسعة جدًّا ما يعلم سعتها إلا الله
﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات ٤٧]. السماء الدنيا أوسع بكثير من الأرض، والسماء الثانية أوسع بكثير من الدنيا، وهَلُمَّ جَرًّا، كل سماء أوسع مما تحتها.
وقوله:
﴿وَالْأَرْضِ﴾ الأرض مفرد لكن يُراد بها الجنس فيشمل الأرَضِين؛ والأرَضُون سبع بظاهر القرآن وصريح السنة؛ ظاهر القرآن لقوله:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢] فإن المثلية هنا ليست بالكيفية، صح؟
* الطلبة: صح.
* الشيخ: وليست بالكَمِّية، يعني قصدي بالكمية: بالثقل؛ السماء أعظم من الدنيا لكنها بالعدد، مثلهن في العدد. قال ﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾..
* الطلبة: صريح السنة يا شيخ؟
* الشيخ: طيب صريح السنة؛ قوله ﷺ: «مَنِ اقْتَطَعَ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا -يعني ظلمًا- طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضَينَ»(٥). وفي هذا الحديث دليل على أن السبع متطابقة يعني بعضها داخل بعض؛ لأنه يقول: «طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وهو إنما غَصَبَهُ من العُليا الظاهرة؛ فإذن تكون الثانية في جوفها والثالثة في جوف الثانية وهَلُمَّ جَرًّا، تكون متطابقة؛ وبه نعرف أن من قال: إن المراد بالسبع سبع القارّات فقد أخطأ؛ لأنها لو كانت سبع قارات فما هي صلة الأرض الثانية والثالثة وما بعدها بالأرض التي حصل فيها الغصب. وقوله:
﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ ﴿طَوْعًا﴾ يَحتمل أن يكون مصدرًا منصوبًا على أنه صفة لمصدر محذوف، والتقدير: إسلامًا طوعًا، أسلم إسلامًا طوعًا؛ ويحتمل أنه مصدر منصوب على الحال مؤول باسم الفاعل؛ نعم، حال من أين؟ من قوله:
﴿مَنْ﴾ ﴿أَسْلَمَ مَنْ﴾ يعني التقدير: وله أسلم مَن في السماوات والأرض طائعين ومكرهين، طائعين ومكرهين؛ الطوع ما فُعل بالاختيار، والإكراهُ ما فُعل بغير الاختيار. قال:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ وفي قراءة:
﴿تُرْجَعُونَ﴾ بناءً على القراءة في
﴿تَبْغُونَ﴾؛ يعني هؤلاء الذين هم مسلمون لله سوف يرجعون إلى الله سبحانه وتعالى ويُنبئهم بما عملوا ويحاسبهم على ما أَرسل إليهم من الرسل.أما في الإعراب فنقول:
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ فيها استفهام يليه حرف عطف؛ وقد ذكرنا في مثل هذا التركيب للعلماء قولين: القول الأول: أن الهمزة للاستفهام، وحرف العطف الذي بعدها عاطف لما بعده على مُقَدَّرٍ بينه وبين الهمزة يعيِّنُه السياق.
والقول الثاني: أن الهمزة للاستفهام، والفاء حرف عطف على ما سبق لكنها أُخِّرت؛ لتكون الصدارة للاستفهام، وتقديرُ الكلام على هذا الوجه: فأغير دين الله يبغون؟ وذكرنا فيما سبق أن هذا الوجه أحسن من الوجه الأول، لأيش؟
* الطلبة: لا يحتاج لتقدير.
* الشيخ: لأنه لا يحتاج إلى تقدير؛ ولأن الأول، الذي يحتاج إلى تقدير، قد يُعْييك في بعض الأحيان أن تجد شيئًا تقدِّرُه يناسب المقام، مثلا: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [يوسف ١٠٩] إذا قلنا: إنها معطوف على محذوف قال: تُقَدِّر: أَغَفَلُوا فلم يسيروا في الأرض؟ هنا ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ أَضَلُّوا فغيرَ دين الله يبغون؟ لأن من بغى غير دين الله فهو أيش؟
* طالب: ضال.
* الشيخ: فهو ضال.
* طالب: ما الدليل في قوله تعالى ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ ولَهُ أَسْلَمَ﴾ قلنا هنا الإرادة كونية هنا.
* الشيخ: الإرادة كونية؟
* الطالب: الإسلام أقصد، من إنه كوني هنا، والواقع أن ليس كل من في الأرض أسلم؟
* الشيخ: كونًا؟
* الطالب: ما أسلموا كونًا.
* الشيخ: ما أسلموا كونًا؟! من يستطيع أن يُضَادَّ اللهَ في تقديره؟
* الطالب: الآن الملحدون، الملحدون الآن يعارضون الله سبحانه وتعالى بل ينكرونه.
* الشيخ: لا، سبحان الله!
* الطالب: الملحدون الآن يقولون: لا إله!
* الشيخ: لو يريد الله سبحانه وتعالى أنه يمرض واحدٌ منهم قال: والله إحنا ما نقبل المرض، قضى عليه بالموت قال: لا ما نقبل الموت ولّا يستسلم ويوافق؟
* الطالب: يعني يستسلم.
* الشيخ: طيب هذه هي.
* الطالب: لكن الآن هو المقصود هنا الاستسلام أو الإسلام نفسه المقصود؟
* الشيخ: الإسلام؛ لأنه قال: أسلمتُ، أسلمت بمعنى استسلمت.
* طالب: قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ كيف أخذه سبحانه وتعالى؟ في كتاب أنزل ولّا؟
* الشيخ: إي نعم، هذا إشكال، إشكال وربما فاتنا في التفسير وربما يأتي في الفوائد؛ متى أخذ الله على النبيين الميثاق؟ متى؟ قال بعض العلماء: إنه أخذه عليهم كما أخذ على بني آدم عمومًا ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾ [الأعراف ١٧٢] بناءً على صحة الحديث الذي فيه أن الله تعالى استخرج ذُرِّيَةَ آدمَ من صُلبه كأمثال الذَّرِّ، وأنه أخذ عليهم العهدَ(٦)؛ وقيل: إن الله أخذ عليهم العهد الميثاق بما أعطاهم من الوحي؛ يعني أوحى إليهم هذا الشيء، وإيحاء الله بالشيء ميثاق، مثل ما قلنا في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران ١٨٧]؛ (...) هل الإنسان منَّا يشعر بأنه وَاثَقَ اللهَ على شيء؟ ويش الجواب؟
* طالب: مباشرة؟
* الشيخ: لا، لكن لما أعطى الله الإنسان العلم فهذا هو الميثاق.
* طالب: هل يتصل الحال يا شيخ يعني أي اللفظين أفضل؟ نقول: إن الله معنا بعلمه مستوٍ بذاته أم نقول: إن الله معنا ومستوٍ على عرشه؟
* الشيخ: الأحسن أن تُطلق، أطلِقْ ما أطلقه الله ولا تُقَيِّدْ، لكن إذا خاطبك عامِّيٌّ يفهم أن المراد من كونه معنا أنه في الأرض قل: بعلمه حتى يضيف المعنى؛ لأنه فرق بين المخاطب؛ ولهذا ما جاءت بعلمه إلا بعد أن شاع مذهب الجهمية أن الله معنا بذاته في الأرض، صار العلماء يكثرون منها، وإن كان يُذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه، أو عن ابن عباس أنه قال؛ ابن مسعود قال: وهو عالم بهم، قال ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ [النساء ١٠٨]: وهو عالم بهم.
* طالب: أفغير الله..
* الشيخ: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ﴾.
* الطالب: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ﴾ الناس الّلي لغيره يبغون..
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ومقدَّم عليه..
* الشيخ: نعم.
* الطالب: من أجل الحصر؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأن من بغى غير دين الله فلا ينفعه حتى لو تمسك بدين الله؛ شوف واحد مثلًا قال: أنا أبغي غير دين الله في شيء، وأبغي دين الله في شيء؛ هل ينفعه دين الله في هذه الحال؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: ما ينفعه؛ لأن من كفر ببعض الكتاب فقد كفر بكل الكتاب.
* طالب: جزاكم الله خير؛ بالنسبة لمن يقرأ قراءات أخرى هل له أن يقرأ آية مثلًا بقراءة وآية أخرى بقراءة مثل هنا فيقول: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ والآية الأخرى يقول: ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فيتغير المعنى؟
* الطلبة: نفس الآية.
* الشيخ: العلماء اختلفوا في هذه المسألة؛ قالوا: مثلًا لو اختلف القُرَّاء في آية، فهل لك أن تقرأ في أولها بقراءة واحد وفي آخرها بقراءة واحد؟ فمن العلماء من قال: نعم يصح؛ لأن الكل وارد، ولكن الراوي الذي رواها، القارئ الذي رواها هو الذي يبقى على ما روى، أما أنا فأنا منقولٌ إليَّ، وقد ثبت أن الرسول قرأ أول الآية على هذا الوجه وآخر الآية على هذا الوجه فلي أن أقرأها بالوجهين؛ وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح؛ وبعضهم قال: لا، إذا قرأت بقراءة واحد لا تقرأ بقراءة الثاني في آخر الآية، عرفت؟ فمثلًا في الآية التي معنا ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُون﴾ يصح؛ يكون بعد وإليه يرجعون ما في السماوات والأرض؛ ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾ أيها المنزل عليكم القرآن ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾ أيها المخاطبون في الفعلَيْنِ جميعًا.
* طالب: أحسن الله إليك؛ طيب لو فُرض أنه في آية أخرى غير هذه الآية إحدى الكلمتين تخالف الأخرى، وإذا قرأت بهذه القراءة ثم قرأت بالقراءة الأخرى اختلف المعنى، أَدَعُ القراءة في هذا حتى على قول شيخ الإسلام؟
* الشيخ: لا، لك أن تقرأ بهما جميعًا.
* الطالب: وإن اختلف المعنى؟
* الشيخ: ولو اختلف المعنى؛ لأن اختلاف المعنى يكون فيه زيادة معنى؛ تكون الآية دالة على المعنيين بالنص، إي نعم.
* طالب: بالنسبة للتولي يا شيخ هل معنى التولي يعني (...)؟
* الشيخ: أَعْرَض أعرض.
* الطالب: يعنى ما تولى عن مجالس القرآن..
* الشيخ: أبدًا، تولي بالجسم وبالقلب؛ فبالقلب الإعراض، وبالجسم المشي والترك.
* الطالب: (...)
* الشيخ: إحنا نقول: ما هو بصحيح، اللغة العربية تقول: تولى فلان سواء كان بقلبه أو بجسمه.
* طالب: أحسن الله إليك حديث (...) الرسل أنه من بعد ما أخذ الله عليهم الميثاق فيعرض أحدهم حتى يصدق عليه الوعيد فمن تولى فأولئك هم الفاسقون؟
* الشيخ: سبحان الله! ما فهمت من تفسير هذا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ويش فهمت؟ أي فمن تولى من الناس بعد هذا البيان فهو فاسق؛ ما هو فمن تولى بعد الرسل الّلي أخذ عليهم الميثاق، لما ذكر البيان هذا وأنه أخذ على الرسل الميثاق أن يؤمنوا بمحمد ﷺ قال: فمن تولى بعد ما بينا من أن الرسل؛ ولهذا أشرت إلى ذلك بقولي: ما أخذ على المتبوع فهو مأخوذ على التابع.
* طالب: بارك الله فيك، الدليل على أن الأرضين طباقًا بعضُها فوق بعض؟
* الشيخ: ذكرناه.
* الطالب: ما سمعته.
* الشيخ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
* الطالب: (...)
* الشيخ: مثلًا أنت دخلت على أرضي أخذت منها شبرًا؛ تُطوق يوم القيامة من سبع أراضين؛ لأني أملك سطح الأرض الّلي أنت أخذت وأملك ما تحتها إلى الأرض السابعة؛ ولهذا كنتَ ظالمًا لي إلى الأرض السابعة.
* الطالب: يعني الأرض اللي تحت ما في عليها سكان ولا..؟
* الشيخ: الله أعلم ما ندري هل عليها سكان ولَّا ما عليها شيء ما هو بعلمي.في هذه الآية الكريمة يقول الله عز وجل:
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا﴾؛ يعني أسلم له من في السماوات والأرض.
﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ إسلامًا كونيًّا قدريًّا، من الاستسلام وليس إسلامًا شرعيًّا؛ لأن من في الأرض لم يُسلموا كلهم إسلامًا شرعيًّا لله عز وجل.
وقوله:
﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ؛ يعني كما أنه له السلطان الكامل علينا في الدنيا فإنهم أيضًا يرجعون إليه في الآخرة، وتقديم المتعلِّق يدل على التخصيص؛ لأن المتعلِّق هو مفعول الفعل، وتقديم المفعول يفيد الحصر؛ يعني يرجعون إلى الله لا إلى غيره وسوف ينبئهم بما عملوا إذا رجعوا إليه.
يقول الله عز وجل:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ..﴾ إلى آخره. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مربوبون متعبِّدُون لله عز وجل كما أن غيرهم كذلك؛ وجهه من الآية: أن الله أخذ عليهم الميثاق بالتكليف، وهذا يدل على أنهم كغيرهم مربوبون متعبدون لله كما يتعبد غيرهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن الميثاق يكون بما أعطاهم الله من الكتاب والحكمة بناء على القراءة الثانية: ﴿لِمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ﴾ أما القراءة التي في المصحف ﴿لمَاَ﴾؛ فإنه يستفاد منها فائدة، وهي: أن الله سبحانه وتعالى أعطاهم العهد أو أخذ منهم العهد والميثاق في هذه بما آتاهم من الكتاب والحكمة؛ يعني لكونهم أوتوا الكتاب والحكمة صاروا أهلًا لهذا الميثاق العظيم، وأنه مهما أوتوا فلا بد أن يؤمنوا لهذا الرسول.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ما مَنَّ اللهُ به على النبيين من الكتاب والحكمة. ويتفرع على هذه الفائدة: أن من ورث هذا الكتاب والحكمة فإنه قد أخذ بحظ وافر مما أنعم الله به على النبيين؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي ﷺ: أن «الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ»(٧) فيجب عليهم إذا ورَّثَهُم الله علم الأنبياء أن يقوموا مقام الأنبياء في الدعوة إلى الله، ونشر العلم، والجهاد في سبيله، ومن توانى منهم عن ذلك فقد قصَّر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة رسول الله صلى الله علي وسلم؛ لكون الله أخذ على جميع الأنبياء الميثاقَ والعهدَ أن يؤمنوا به. فإن قال قائل: كلمة (رسول) نكرة، فما الذي جعلك تجعلها للنبي ﷺ؟ والأصل في النكرة أنها اسم جنس شائع لا يختص به واحد دون آخر؟ فالجواب على ذلك أو عن ذلك أن يقال: إن هذا الوصف الذي وصف الله به هذا الرسول ينطبق تمامًا على، على من؟
* الطلبة: النبي ﷺ.
* الشيخ: على النبي ﷺ، ويدل لذلك أن رسول الله ﷺ قال لعمر: «لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي»(٨) ويدل لذلك أيضًا: أن النبي ﷺ لما جمع الله له الأنبياء ليلة المعراج صار هو إمامَهم، فصار هو المتبوعَ لا التابع عليه الصلاة والسلام.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن رسالة النبي ﷺ جامعة للتصديق بجميع الرسالات؛ كقوله: أيش؟
* الطلبة: ﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾..
* الشيخ: ﴿مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾؛ ولهذا كانت هذه الأمة -ولله الحمد، وأسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- كانت هي المصدِّقة تمامًا لجميع الرسل، وهذه ميزة ليست لغيرها.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجب على الأنبياء أن يؤمنوا بهذا الرسول الذي يأتيهم مصدِّقًا لما معهم وأن ينصروه؛ لقوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾، وإذا كان هذا واجبًا على الأنبياء كان واجبًا على أُمَمِهِمْ؛ لأن ما وجب على الإمام وجب على تابعه؛ فيجب على جميع الأمم أن يؤمنوا بمحمد ﷺ وأن ينصروه، ومن لم يكن كذلك فقد كفر برسوله؛ لأن رسوله قد أعطى الله هذا الميثاق، ومعلوم أنهم إذا كانوا صادقين في اتِّباع رسولهم أن يتَّبعوا ما التزم به رسولهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجوز بل يُشرع في الأمور الهامة أن يُقرَّر مَن أُخذ عليه العهد حتى يُقِرَّ ويعترف زيادةً على العقد الأول الذي جرى بينه وبين مُعَاهِدِهِ؛ لقوله: أيش؟
* الطلبة: (...)
* الشيخ: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ وهذا يَرِد في الأمور العظيمة الهامة، ونظيرُهُ من بعض الوجوه أن النبي ﷺ لما قرَّر من اعترف بالزنا سأله: أفعلت كذا؟ أفعلت كذا؟ حتى قال له: «أَنِكْتَهَا؟» وَلَمْ يُكَنِّ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «كَمَا يَغِيبُ الرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ وَالْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ؟» قَالَ: نَعَمْ(٩). كلُّ هذا من أجل التثبيت.
* من فوائد هذه الآية الكريمة أيضًا: إثبات كلام الله عز وجل، وأنه متعلِّق بمشيئته؛ لقوله: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ﴾ ﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا﴾ وكل هذا يدل على أن كلامه سبحانه وتعالى بصوت مسموع وأنه متعلق بمشيئته؛ فيكون فيه الردُّ على الأشاعرة الذين قالوا: إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه وأنه لا؟
* طالب: (...)
* الشيخ: أتموا؟
* الطلبة: (...)
* الشيخ: لا يتعلق بمشيئته؛ لأنه وصف لازم له لزومَ العلم والحياة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز إشهاد الإنسان على نفسه إذا قلنا: ﴿قَالَ فَاشْهَدُوا﴾ إنه خطاب لكل إنسان على حدة؛ وأما إذا قلنا: اشهدوا بعضكم على بعض فليس في الآية دليل لذلك، لكن الإشهاد على النفس أمر جاءت به الشريعة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النساء ١٣٥].
* ومن فوائد الآية الكريمة: تقوية هذا العهد بهذه التقريرات والإشهادات المختومة في قوله: ﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ وما أعظم شهادة الله عز وجل في أمر من الأمور! وهذا كله مما يزيد فضيلة لرسول الله ﷺ أن يؤخذ مثل هذا العهد المؤكَّد بهذه المؤكِّدات من أجل الإيمان به ﷺ ونُصرته.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه إذا كان واجبًا على الأنبياء والأمم السابقين أن يؤمنوا برسول الله ﷺ وينصروه؛ كان إيمانُنا نحن به ونصرتُه من باب أولى؛ لأننا ننتسب إليه وننتمي إليه ونعتقده إمامنا صلوات الله وسلامه عليه، فكان واجبًا علينا أن ننصره؛ ومن المعلوم أن نصره في حياته هو الجهاد معه جنبًا إلى جنب، وأما نصره بعد وفاته فهو نصر سُنته ونشرُها وبيانها للناس والدفاع عنها والجهاد في نصرتها، كلُّ هذا واجب على الأمة الإسلامية؛ وبناء على ذلك يجب على الأمة الإسلامية أن ترفض كل وارد إليها من أعداء الله إذا كان مخالفًا للسنة، كل شيء يَرِد علينا من الكفار من عقائد وأخلاق وأعمال ومعاملات وغيرها، إذا كان مخالفًا لسُنة الرسول ﷺ فإن أقل ما يقال في النُّصرة أن أيش؟ أن يُرفض هذا الشيء، وأن يُضرب به وجهُ مُورِده وألَّا يكون له مكان بين الأمة الإسلامية؛ لأنه كيف يكون نصرة ونحن نستورد من أعداء هذه النصرة ما يخالف هذه النصرة؛ مَن ادَّعى ذلك فهو كاذب؛ فإنَّ فِعْلَهُ يكذِّب قوله، ولو كان قوله صادقًا لكان أول ما يقوم به من نصرة شريعة الله أن يرفض أيش؟ كل ما خالف شريعة الله.ثم قال عز وجل:
﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾،﴾
﴿مَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾؛ يعني من أمم هؤلاء الأنبياء، ولا تَرِد هذه الشرطية على الأنبياء؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شهدوا على أنفسهم وشهد الله معهم، لكن إنما ترد هذه الشرطية على مَن؟
* الطلبة: أتباعهم.
* الشيخ: على أتباعهم؛ يعني فمن تولى من أتباع الأنبياء بعدما ذُكِّر من هذا الميثاق العظيم فهو فاسق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الفسق يطلق على الكفر؛ ومن شواهد ذلك ما ذكرناه في الدرس ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [السجدة ١٨ - ٢٠]
* ومن فوائد الآية: أن من تولى قبل قيام الحجة عليه لم يُحكم عليه بفسق؛ لقوله: ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾.
* ويتفرع على هذا فائدة مهمة وهي: أن الشرائع لا تلزم قبل العلم، الشرائع لا تلزم قبل العلم؛ وهذه مسألة عظيمة، مسألة عظيمة جدًّا اختلف فيها العلماء اختلافًا طويلًا عريضًا؛ لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة وتأمل أيضًا ما لله من صفات عظيمة تبيَّن له أن الشرائع لا تلزم قبل العلم؛ لأن الله كتب على نفسه أنَّ رحمته سبقت غضبه؛ ولو قلنا بوجوب الشرائع قبل العلم لكان الغضب سابقًا على الرحمة؛ لأننا نُلزم الإنسان بشيء لم يعلمه، لكن ربما يكون من الإنسان تفريط في السؤال ما يسأل، يعني لا يسأل فحينئذ قد نُلزمه قبل أن يعلم من أجل أيش؟ من أجل تفريطه. أما لو لم يكن مفرطًا كإنسان نشأ في بادية ولا يعلم شيئًا عن الدين، وليس عنده عالم، ولا طَرَأَ على باله فكان يصلي على جنابة بدون اغتسال وبقي على هذا عشر سنوات أو أكثر فجاء يسأل، ماذا نقول له؟
* طالب: هذا جاهل لا يعرف.
* الشيخ: نقول: ليس عليك شيء؛ لأنك لم تعلم بوجوب الغسل من الجنابة، لكن لو كان في البلد ويسمع ويستطيع أن يسأل فربما نلزمه بقضاء ما مضى؛ ومن ذلك ما يحدث لكثير من النساء التي تبلغ وهي صغيرة، تبلغ بالحيض وهي صغيرة ولكنها لا تصوم بناء على أنها صغيرة وأن الصوم لا يلزم إلا من تم لها خمس عشرة سنة؛ ثم تأتي تسأل فإذا علمنا من حالها أنها معذورة بالجهل فإننا لا نلزمها بقضاء ما فات من الصيام؛ لأنها معذورة، وهذا في الذي ينتسب للإسلام نعذره ونحكم بإسلامه ونصلي عليه إذا مات؛ أما من لا ينتسب للإسلام فهذا كافر، كافر في الدنيا، وأما في الآخرة فعلمه عند الله؛ فالقوم الذين لم تبلغهم الدعوة وهم كفار هؤلاء كفار في الدنيا لو ماتوا ما نصلي عليهم ولا ندعوا لهم لكن في الآخرة الصحيحُ أنَّ أمرَهم إلى الله وأن الله تعالى يمتحنهم بما يشاء من تكليف فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار؛ أرجوا الانتباه لهذه المسألة، أما من ينتسب للإسلام ولكنه على حال تكفِّرُهُ مِن تركِ واجبٍ أو فعلٍ مُحَرَّم وهو لم يبلغه الشرع، فإن القول الراجح أنه لا يُحكم بكفره لأنه معذور؛ ولهذا تجد نصوص الكتاب والسنة كلَّها أو غالبها مقيَّدًا ببلاغ الرسالة بالعلم بالتبيُّنِ وما أشبهَ ذلك، وهذا، كما قلت لكم، هو مقتضى صفة الله عز وجل وهي أن رحمته سبقت غضبه -والحمد لله رب العالمين- ولهذا يقول: ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾.وأما من قال: إن
﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ إن هذا القيد من أجل عِظَمِ الشناعة عليهم، وإنَّ مَن تولَّى وإنْ لم يتبيَّن له الأمر فهو فاسق لكن قيَّدَهُ بالبَعْدِيَّةِ من أجل عظم الشناعة عليهم فهذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن ما قُيِّد بوصف فالوصف عائد له نفسه لا إلى شيء آخر، وهنا الذي قُيِّدَ بالبعدية ما هو؟ التولي؛ فإذا تولَّى بعد أنْ بلَغَه العلم فهو فاسق.
ثم قال عز وجل:
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.
* في هذه الآية: الإنكار الشديد على من ابتغى غير دين الله.
* ومن فوائدها: أن من ابتغي غير دين الله ولو في التنظيم وما يسمى بالقانون، فإنه مستحِقٌّ لهذا التوبيخ العظيم؛ ويدل لذلك قوله تعالى في سورة المائدة وهي آخر ما نزل أو من آخر ما نزل: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة ٥٠] وحكم الجاهلية ما هو؟ كل ما خالف حكم الشرع فهو حكم جاهلية؛ لأن حكم الشرع مبني على علم فما سواه مبني على جهل؛ وهذا في غاية ما يكون من التوبيخ والتقريع أن تبتغي حُكْمًا جاهليًّا وتَدَعَ حكم مَن؟ حكم العليم الخبير ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾؛ وبه نعرف أن من ابتغي حُكْمًا بغير حكم الله فهو من أضل عباد الله، وأسفه عباد الله، وأخسر عباد الله، وأنه لن تصلح له أمور دينه ولا دنياه، والعياذُ بالله!
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من شرط صحة العمل وقبوله أن يكون موافقا لشرع الله؛ وجهه؟ أن الله أنكر على من بغى دينًا غيرَ دين الله؛ ولهذا كان من شرط العبادة الإخلاص لله وموافقة شريعة الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تشريف هذا الدين الذي شَرَعَهُ الله؛ لأن الله أضافه إلى نفسه، فقال: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إقامة الحجة على أنه لا يليق بالإنسان أن يبغي دينًا غيرَ دين الله وهو مربوب مملوك لله؛ لقوله: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾؛ وقد مر علينا في التفسير أن هذه الجملة يحتمل أن تكون حالية ويحتمل أن تكون استئنافية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عموم مُلْكِ الله وسلطانه؛ من أين تؤخذ؟
* الطلبة: (...)
* الشيخ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ وهذا تمامُ السلطان والملك؛ أنَّ كل من في السماوات والأرض فهو مستسلم لله طائعًا كان أم مكرهًا؛ ولذلك لا أحد يمكنه أن يشذ أو يقاوم قَدَرَ الله؛ لو جاء أعتى خلق الله يريد أن يقاوم ما أراد الله تعالى قَدَرًا هل يمكنه ذلك؟ أبدًا؛ فرعون جبار، عنيد، أُغرق بما كان يفتخر به ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الزخرف ٥١]؛ بأي شيء أُهلك؟
* الطلبة: بالماء.
* الشيخ: بالماء الذي كان يفتخر به. وعادٌ استكبروا في الأرض ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥] فأهلكوا بماذا؟ بالريح، هواء، هواء سخره الله عليهم حتى دمَّرهم ﴿أَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف ٢٥]. هذا تمام القوة والقدرة، وضعفاءُ الإيمان اليوم إذا قيل لهم: ارجعوا إلى دينكم تُنصروا على أعدائكم قالوا: أيش تُنصروا على أعدائنا، ويش نزين إحنا؟ ما نعرف أن نزين الإبرة، كيف نقاوم أهل الصواريخ وأهل المدافع وأهل القنابل الموجَّهة؟ لم يعلموا أن الأمر بيد الله عز وجل وأنه سبحانه وتعالى إذا شاء طبَّق عليهم الأرض تطبيقًا، خُسف بهم إلى السابعة بكلمة واحدة؛ لو صَدَقنا اللهَ لصَدَقنا اللهُ لكننا -في الحقيقة- ضيَّعنا أمرَ الله فلما نسِينا اللهَ نَسِيَنَا اللهُ عز وجل، تَرَكَنَا. سمعت أنا قبل سنوات أن الله أرسل على واشنطن عاصمة أمريكا، هي العاصمة ولا شبه العاصمة؟
* الطلبة: هي العاصمة.
* الشيخ: أرسل عليها صواعق، صواعق من هذا الغمام الّلي مثل القطن، صواعق يعني دمرتها تقريبًا حتى قطَّعت أسلاك الكهراب وسككت المكاين وصارت هذه العاصمة الّلي من أكبر عواصم الدنيا صارت دامسة وحصل سطو عظيم على الفنادق وعلى محلات التجارة، وصار شيء، نهب وغيره؛ وهذه الصواعق يعني من أدنى شيء؛ الزلزال يضرب الأرض وفي لحظة واحدة يدمر مئات المدن والقرى، مئات المدن والقرى؛ وبماذا حصل هذا الزلزال؟ بكلمة واحدة وهي؟
* الطلبة: كُنْ.
* الشيخ: (كن)، بس، (كن)، انقلب أعلى الأرض أسفلها وتغيرت المعالم الأرض كلها، فنحن إذا صَدَقْنَا اللهَ صَدَقَنَا اللهُ. يُذكر أن سعد بن أبي وقاص وهو يطارد الفُرس من مدينة إلى مدينة حتى وصل إلى دجلة، لما وصل إلى دجلة انتقل الفُرس إلى المدائن من وراء دجلة من الشرق أغرقوا السفن وكسَّروا الجسور؛ من أجل ألّا يعبر إليهم المسلمون، وقف سعد ليس معه إلا إبل وخيول وراجلة وقف ما يقدر يروح، فنادى سلمان الفارسي رضي الله عنه وقال له: يا سلمان أعطنا مِن، يعني من تصميمك للحرب؛ لأنه هو الذي أشار على الرسول ﷺ بالخندق؛ قال: والله يا سعد ما فيه مدد الآن، ما فيه حيلة إلا ما كان من تقوى الله، ولكن دعني أنظر في الجند، إن كانوا على تقوى من الله فإنّ الذي فلَقَ البحر لموسى سَيُيَسِّرُ لنا العبور على هذا البحر؛ لأن هذه الأمة خير من أمة موسى. الله أكبر شوف الإيمان.
فذهب سلمان ونظر في الجند (...)، ويش ينظر؟ في الليل يبيتون لربهم سجَّدًا وقيامًا، وفي النهار في شأن الحرب وما يصلح للحرب، فرجع إليه بعد ثلاث وقال: والله، هم على خير ما يُرام، ولكن استعن بالله واعبُر. فنادى سعد بن أبي وقاص في القوم وقال: إنا عابرون إن شاء الله، ولكن سأقف وسأقول: باسم الله وأُكَبِّرُ اللهَ ثلاثًا، فإذا كبَّرْتُ الثالثة فاعبروا. ففعل فقال: باسم الله ثم كبَّر ثلاثًا، ولَمَّا كبر الثالثة عبر الناس يمشون على الماء والنهر يقذف بزَبَدِه يمشي يسير؛ تعرفون النهر ما هو مثل البحر واقف، يمشي؛ يقول أهل التاريخ حتى إن الفرس إذا تعب أنشأ الله له ربوة من الأرض فوقف الفرس عليها يستريح حتى عبروا دجلة؛ فلما رآهم الفرس ضجُّوا وصاحوا وقالوا: إنكم إنما تقاتلون جِنًّا لا طاقة لكم بهؤلاء، فِرُّوا، ففروا وخرجوا من المدائن وانكسروا -ولله الحمد- براية التوحيد والجهاد الذي أنشئ على التقوى لتكون كلمة الله هي العليا، ليس لطلب الشهادة وليس من أجل القومية أو العصبية أو الوطن؛ ما على بالهم إلا أن تكون كلمة الله هي العليا، يكون هذا القرآن هو القانون لأهل الأرض.
أهل المدائن هربوا منها العاصمة، عاصمة الفرس، فجاء المسلمون وفتحوها وكسبوا من الأموال ما لا يعلمه إلا رب العباد مثلما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا -كُنُوزُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ»(١٠). وأخذوا التاج، تاج كسرى، وهو الذي يجلس تحته فوق رأسه مُرَصَّع باللآلئ والذهب وما شاء الله من حُلِيِّ الدنيا؛ فأرادوا أن يُقِلُّوه لم يجدوا إلا جملين كبيرين يحملانِهِ من المدائن إلى المدينة.
في ذلك الوقت ما في سفن كبيرة ولا سيارات كبيرة، فحملوه على جملين من المدائن إلى المدينة فوضعوه بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما أدراك ما عمر الذي عدل فعدلوا وأمن فأمنوا! قال: والله -وهو ينظر إليه- إن قومًا أدَّوْا هذا لَأُمناء. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: نعم يا أمير المؤمنين، إنهم أمناء؛ لأنك كنت أمينًا، ولو أنك رَتَعْتَ لرتعوا
(١١).
الله أكبر؛ فهذا تاج كسرى من المدائن يوزَّع بين المسلمين في المدينة؛ هؤلاء مَن الذي نصرهم حتى عبروا النهر بخيلهم ورَجْلِهم إلا الله عز وجل؟ لماذا لا نؤمن بهذا؟ والله إننا ضعفاء الإيمان، لماذا لا نؤمن؟! أليس الربُّ عز وجل -وهو أصدق القائلين وأقدر الفاعلين- يقول:
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج ٤٠، ٤١].
تأكيدات لفظية ومعنوية في الآيتين من الله عز وجل، فلو كان عندنا إيمان حقيقي لَكُنَّا أول مَن يأخذ بهذه الآية؛ نشوف بأي شيء ننصر الله؟ لأن اللهَ شرَطَ
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ بأي شيء ننصر الله حتى نشوف؟ الآن تأتي النَّكَبات للمسلمين متنوعة، نكبات متنوعة، ما رأينا أحدًا إلا القليل النادر يقول: يا جماعة ارجعوا إلى دينكم، البلاء منكم؛ من الذي تكلم وقال: إن الخطأ خطؤنا؛ الظلمَ ظُلمُنا؛ فلنرجع إلى ربنا حتى لا يُسلَّطَ علينا هؤلاء الظالمون؛ لأن الله يقول:
﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام ١٢٩].
تأتي النكبات وكأنها حوادث مادية لا علاقة لها بالدين مع أننا مسلمون، والمسلم هذه الحوادث ما تكون إلا بفعله؛ الكافر ربما يُعطى في الدنيا ما يريد؛ لأنه عُجلت له طيباته في الحياة الدنيا، يُنَعَّمُ في الدنيا أكثر مما ينعم المسلم لأجل إذا انتقل إلى الآخرة صار العذاب عليه أشد؛ لأنه انتقل من أين؟
* طالب: من نعيم..
* الشيخ: من نعيم إلى عذاب، من نعيم إلى عذاب؛ فيفقد هذا الّلي كان يدركه في الدنيا يكون عليه أشد، يكون عليه أشد وأعظم؛ لهذا وصيتي لكم في مثل هذه الظروف أن توعُّوا الناس تقولوا: هذا الذي أصابنا ما هو أمر حدث مادي؛ خلاف من أجل المال أو الاقتصاد أو الحدود أو الأرض أو ما أشبه ذلك لا، هو قدر إلهي سُلِّطَ بعضُنا على بعض؛ لأننا أضعنا أمر الله ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٠] أما أن نبقى هكذا ولا كأن شيئًا جرى، ما كان شيء جرى؛ التاجر في كذبه وغشه، الموظف في خيانته وعدم القيام بالعمل، كل إنسان في الذي هو فيه ما كأن شيئًا جرى؛ فهذا لا شك أنه يدل على موت القلوب وقسوتها وأنها لا تَتَّعظ، وأن الأمور والحوادث يوشك أن تتطور وتتغير إلى أسوأ؛ لأن الله عز وجل يُحْدِثُ مثل هذه الأمور لعلنا نُحدث توبة؛ كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في الكسوف: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُهُ لَعَلَّ الْعِبَادَ يُحْدِثُونَ لِلَّهِ تَوْبَةً»(١٢). ولكن أين القلوب الواعية؟ نسأل الله أن يوَعِّيَنا وإياكم.
* الطلبة: آمين.
* الشيخ: الحاصل: أن الله ينكر على هؤلاء الذين يبغون غير دين الله ويقول: كيف تبغون غير دين الله والأمر كله لله ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾؟!من فوائد الآية الكريمة: إثبات السماوات وأنها عدد، وقد جاءت الأدلة بأنها سبع، وكذلك الأرض هي سبع لكن لم يُفْصِحِ الله تعالى بها في القرآن بل قال:
﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢] وجاء الإفصاح بها في السنة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرجوع إلى الله ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ يرجعون في الدنيا ويرجعون في الآخرة؛ أما في الدنيا فإن المرجع إلى الله في الأحكام؛ الحكم لله، العبادة لله، الأمر لله، النهي لله؛ نرجع إليه، إلى شرعه لا إلى رأي فلان وفلان، ولا إلى قانون فلان وفلان، ولا إلى نظام فلان وفلان وإنما نرجع إلى الله؛ كذلك نرجع إليه في الآخرة، الرجوع إلى الله في الآخرة وسوف يحاسب كل إنسان على ما عمل ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات البقاء لله؛ لأنه إذا كان مرجع كل الخلق لزم من ذلك أنه سيبقى عز وجل؛ ليكون مرجعًا لجميع الخلق.
(١) أخرجه مسلم (٥٤ / ٩٣)، وأحمد في المسند (١٠٦٥٠) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) متفق عليه؛ البخاري (١١٤٥)، ومسلم (٧٥٨ / ١٦٨) بلفظ «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) أخرجه أحمد في المسند (١٥١٥٦) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي».
(٤) أخرجه الترمذي (٢٣١٢)، وابن ماجه (٤١٩٠) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ولفظه: «وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ؛ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ».
(٥) أخرجه مسلم (١٦١٠ / ١٣٧) من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه.
(٦) أخرجه أحمد في المسند (٢١٢٣٢) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.
(٧) أخرجه أبو داود (٣٦٤١) والترمذي (٢٦٨٢) وابن ماجه (٢٢٣) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
(٨) سبق تخريجه.
(٩) أخرجه البخاري (٦٨٢٤) مختصرًا من حديث ابن عباس، وأخرجه أبو داود (٤٤٢٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال: «كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟».
(١٠) متفق عليه؛ البخاري (٣٦١٨)، ومسلم (٢٩١٨ / ٧٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١١) ينظر الكامل في التاريخ لابن الأثير (٢/ ٣٦٢)، والبداية والنهاية ط هجر (١٠/ ١٧).
(١٢) أخرجه أحمد في المسند (٢٠١٧٨) من حديث سمرة بن جندب بلفظ «لَكِنَّهَا آيَاتٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يَعْتَبِرُ بِهَا عِبَادُهُ، فَيَنْظُرُ مَنْ يُحْدِثُ لَهُ مِنْهُمْ تَوْبَةً».