الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ دخلت الفاءُ في ﴿أَفَغَيْرَ﴾ لأنه عطف جملة على جملة [[على جملة: ساقط من: (ج).]]، وكذلك [[في (ج): (ولذلك).]] لو قيل: (أَوَغَير)، إلّا أَنَّ الفَاءَ تُرتِّبُ [[في (ج): (نزلت).]]؛ كأنه قيل: أَبَعد أَخْذِ الميثاق، غَيرَ دينِ الله يبغون؟. واختلفوا في الياءِ والتّاءِ، من قوله: ﴿تَبغُون﴾: فمن قرأ بالتاء [[القراءة بالتاء في ﴿تبغون﴾، لابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم -في رواية أبي بكر عنه-، وحمزة، والكسائي.== انظر: "علل القراءات" للأزهري: 1/ 122 - 123، "الحجة" للفارسي: 3/ 69، "التيسير" 89، "التبصرة" 462.]]؛ فلأن ما قبله خطاب؛ كقوله: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ﴾. ومن قرأ بالياء [[القراءة بالياء في ﴿يَبْغُونَ﴾، لأبي عمرو، وعاصم -برواية حفص-، ويعقوب. انظر المصادر السابقة.]]؛ فوجهه: أن الله تعالى أخبر في الآية السابقة، عن أخذ الميثاق على اليهود والنصارى وغيرهم، فلما كفروا، أخبر عنهم على جهة الاستنكار، فقال [[في (ج): (قال).]]: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾. وقرأ أبو عمرو: ﴿يَبْغُونَ﴾ بالياء، و ﴿تُرجَعُونَ﴾ بالتاء [[قرأ عاصم -برواية حفص-: ﴿يُرجَعُونَ﴾ -بالياء المضمومة-، وقرأ الباقون: ﴿تُرجَعُونَ﴾ -بالتاء المضمومة-. انظر المصادر السابقة.]]؛ لأن الأول: خاص لليهود [[في (ب): (باليهود).]] وغيرهم [[(باليهود وغيرهم): ساقط من: (ج).]]، والثاني: عامٌّ لجميع المكلفين [[انظر توجيه هذه القراءة في "علل القراءات" للأزهري: 1/ 123، "الحجة" للفارسي: 3/ 69 - 70، "حجة القراءات" لابن زنجلة: 170، "الكشف" لمكي: 1/ 353.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾. روى [[في (ج): (وروي).]] أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ، قال في هذه الآية: "الملائكة، أطاعوه في السماء؛ وعبد القيس في الأرض" [[الحديث: أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس": 4/ 407، والثعلبي في "تفسيره" 3/ 68 أ، وأورده -بدون سند- القرطبيُّ في "تفسيره" 4/ 128. وفيه زيادة عندهم "والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض". وفي سنده عند الديلمي والثعلبي: == الكُدَيْمي، وهو: محمد بن يونس القرشي. قال عنه ابن حبان: (كان يضع على الثقات الحديث وضعًا، ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث). وقال عنه الذهبي في "الميزان": (أحد المتروكين)، وقال عنه -في "المغني في الضعفاء"-: (هالك). وعند ابن حجر -في "التقريب"-: (ضعيف). انظر: "المجروحين" لابن حبان: 2/ 313، "ميزان الاعتدال" 5/ 199، "المغني في الضعفاء" له: 2/ 283، "تقريب التهذيب" ص 515 (6419). وعبد القيس، قبيلة عربية كبيرة، تنسب إلى عبد القيس بن أفصى بن دُعْمي بن جَديلة بن أسد بن ربيعة بن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان. وكان موطنهم بتهامة، ثم خرجوا إلى البحرين واستوطنوها، وقدم وفدهم على النبي ﷺ عام (9 هـ)، وثبتت عبد القيس على إسلامها عندما ارتدت قبائل البحرين عام (11 هـ). انظر: "جمهرة أنساب العرب" 295 - 296، 469، و"صبح الأعشى" 1/ 337، "معجم قبائل العرب" لكحالة: 2/ 276.]]. وبهذا [[في (ب): (وعلى هذا).]]؛ قال ابن عباس في رواية عطاء [[لم أقف على مصدر هذه الرواية.]]: قال: يريد بأهل السموات: الملائكة. وبأهل الأرض: المهاجرين والأنصار وعبد القيس، طوعًا، والناس كرهًا. وهذا قول الحسن [[قوله في "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 6961، وورد نفس المعنى عن مطر الوراق، أخرجه الطبري في "تفسيره" 3/ 337.]]. وقال قتادة [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 337، "تفسير الثعلبي" 3/ 69 أ.]]: المؤمن، أسلم طائعًا فنفعه [[في (ب): ففقه.]] ذلك، وقبل منه، والكافر، أسلم كَرْهًا في وقت البأس والمعاينة، حين [[(حين): ساقطة من: (ج).]] لا ينفعه ذلك، ولا يُقبَل منه، يدل عليه قولُه: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: 85]. وقال ابن كَيْسان [[قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 69 أ، "البحر المحيط" 2/ 515.]]، والزجاج [[في "معاني القرآن"، له: 1/ 438. وهذا النص -هنا- له، من: (أي خضعوا ..) إلى (الذي هذه صفته).]]: أي: خضعوا وانقادوا من جهة ما فطرهم عليه، ودَبَّرَهُم به، لا يمتنعُ مُمْتَنِعٌ مِن جِبِلَّةٍ جُبِلَ [[الجِبِلَّةُ: الخليقة، والطبيعة، والغريزة ويقال للخلق: (الجِبِلّة، والجِبِلّ، والجِبُلّ، والجُبُلُ، والجُبُلّ، والجِبْلُ). و (جَبَلَه الله على كذا)؛ أي: فطره عليه. انظر: "الزاهر" 1/ 321، "المجمل" 206 (جبل)، "المصباح المنير" 35 (جبل).]] عليها، ولا يَقدِرُ على تغييرها، أحب تلكَ الجِبِلَّةِ أو كرهها؛ يدل على تصديق هذا القول: قوله تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ لأن المعنى: أنه بدأكم على إرادته، شئتم أو أبيتم، وهو يبعثكم كما بدأكم، والتأويل: أتبغون دينا غير دين [[في "معاني القرآن": الدين.]]؛ الذي هذه صفته. وفي قوله: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ وعيد لهم؛ أي: أتبغون غير دين الله، وتزيغون عن الله، مع أن مرجعهم إليه، فيجازيهم على رفضهم دينه، وأخذهم سواه. وقوله: ﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ الطَّوْعُ: الانقياد؛ يقال: (طاعَهُ، يَطُوعُه، طوعًا) [[(طوعا): ساقطة من: (ج).]]: إذا انقاد له، وخضع. فإذا مضى لأمره (فقد أطاعَهُ)، وإذا وافقه، (فقد طاوَعَهُ) [[انظر: (طوع) في "تهذيب اللغة" 3/ 2153، "الصحاح" 3/ 1255، "المقاييس" 3/ 431.]]. وقال ابنُ السِّكِّيت [[في "إصلاح المنطق" 257 - 258 مع اختلاف في العبارة. والعبارة -هنا- تتفق مع ما في "تهذيب اللغة" 3/ 2152 عن ابن السكيت؛ مما يدل على أن المؤلف نقل النص عن "التهذيب".]]: يقال: (طاعَ لهُ، وأطاعَهُ)، سواء، فَمَن قال: (طاعَ)، قال: (يَطَاعُ)، ومن قال: (أطاعَ)، قال: (يُطيعُ). فحصل في (الطَّوْع) لغتان: (طاعً يَطُوعُ)، و (طاعَ يَطاعُ). وانتصب ﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾؛ على أنه مصدرٌ وقع موقع الحال؛ وتقديره: طائعًا [[(طائعًا): ساقطة من: (ب).]] أو كارهًا [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس: 3/ 29، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 167.]]؛ كقولك: (أتاني رَكضًا)؛ أي: راكضا؛ ولا يجوز: (أتاني كلاما)؛ أي: متكلمًا؛ لأن الكلام ليس بِضَرْبٍ للإتْيَانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب