الباحث القرآني

(...) ﴿وَأَوْحَيْنَا﴾ الوحي في اللغة: الإعلام بسرعة وخفاء، ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم ١١] ويطلق على معانٍ متعددة؛ منها: الوحي الشرعي وهو وحي النبوة أو الرسالة، ووحي الإلهام وهو: ما يلقيه الله تبارك وتعالى في نفس الموحى إليه، ووحي النوم؛ فإن النوم الرؤيا الصالحة فيه جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة[[متفق عليه؛ البخاري (٦٩٨٣)، ومسلم (٢٢٦٣ / ٦) من حديث أنس بن مالك.]]. ننظر إلى هذه الآية: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾، فإذا وحي النبوة أو الرسالة خير منه؛ لأن الذي أُوحِيَ إليها ليس بشرع، ترضعه.. إلى آخره. ثم إن الصحيح أنه لم يُبعث أحد من النساء نبيًّا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [يوسف ١٠٩]. إذن يكون الوحي هنا إما إلهامًا وإما منامًا؛ فالإلهام ليس بالشيء الغريب، أن تلهَم امرأة ما يكون في مصلحتها، فالله تبارك وتعالى ألهم النحل، وهو (...) بني آدم ما فيه مصلحتها: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾ إلى آخره [النحل: ٦٨]. ولهذا قال المؤلف: (﴿﴿وَأَوْحَيْنَا﴾ ﴾ وحي إلهام أو منام). (أو) هنا للتنويع؛ تنويع الخلاف في هذه المسألة، فإن بعض العلماء يقول: إن الوحي وحي إلهام، وبعضهم يقول: إن الوحي وحي منام. والمهم أنه ليس وحي رسالة أو نبوة. وقوله: ﴿إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾؛ يعني التي ولدته، وهذا هو الأصل في الأم: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ [المجادلة ٢]، وأما الأم من الرضاعة فلا تذكر مطلقةً، وإنما تُذكَر مُقَيَّدة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء ٢٣]، ثم قال: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء ٢٣]، فالأم من الرضاعة لا تدخل في مطلَق الأم، بل لا بد أن تكون مقيدة. أنت معنا؟ * طالب: نعم. * الشيخ: وأيش قلنا؟ * الطالب: قلنا: إن الأم من الرضاعة (...). * الشيخ: عند الإطلاق. * الطالب: عند الإطلاق (...). * الشيخ: طيب. وإنما قَرَّرْتُ هذا ليتبين أن قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ [النساء ٢٣]، المراد بها الأم التي وَلدت دون أم الرضعات. قال: (﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ وهو المولود المذكور ولم يشعُر بولادته غيرُ أخته). (...) المولود المذكور؟ * طالب: (...). * الشيخ: (...) وهو المولود المذكور؟ * طالب: (...). * الشيخ: أو المذكور في الآية؟ * طالب: (...). * الشيخ: طيب، وهو المولود المذكور؛ لأنه ما من أم إلا ولها ولد. وقوله: (ولم يشعُر بولادته غيرُ أخته)، هذا من الأقوال الإسرائيلية التي لا تُصدَّق ولا تُكذَّب؛ لأنه ما الذي أدرانا أنه لم يشعر به إلا أخته؟ ما عندنا أحد يدلنا على هذا. وقوله: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ ﴿أَنْ﴾ هذه تفسيرية، وضابط التفسيرية: التي تقع بعد ما فيه معنى القول دون حروفه، كل (أن) إذا وقعت بعد ما فيه معنى القول دون حروفه فهي تفسيرية ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ ومثل قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون ٢٧] وأمثالها كثير. ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ وهذا دليل أن هناك خوفًا من آل فرعون، وأنهم يلتقطون الأولاد، ولهذا قال: ﴿إِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ فسَّره بقوله: (البحر)، ثم فسَّر (البحر) بقوله: (أي: النيل). فاليم هو البحر كما قال الله تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص ٤٠]؛ يعني: البحر، والمراد بالبحر هنا النيل، وسُمِّيَ بحرًا وإن كان نهرًا لكثرته واتساعه. ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي﴾ قوله: ﴿فَإِذَا خِفْتِ﴾ هذا فعل الشرط، وجواب الشرط ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، وهو من الغرائب أن من يُخاف عليه يُلقَى فيما فيه هلاكه؛ لأن إلقاءه في البحر ويش معناه؟ استعجال الهلاك له؛ لأن المعروف أنه يموت إذا ألقي في البحر، وهذا من آيات الله عز وجل أن يكون موسى يُلْقَى في مكان الخوف فلا يموت، ثم يعيش بين أحضان فرعون الذي كان يتتبع أولاد بني إسرائيل فيَقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم. هذه من الآيات الدالة على كمال قدرة الله عز وجل، وأن الله إذا حفظ أحدًا فإن الأسباب المؤدية إلى الهلاك لا تؤثر ولا يكون لها تأثير، وأن قدرة الله فوق الأسباب؛ ولهذا النار مُحرِقة بلا شك وصارت على إبراهيم بردًا وسلامًا. ﴿إِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي﴾ أيش ﴿تَخَافِي﴾؟ قال المؤلف: (غرقَه)، فمفعول ﴿تَخَافِي﴾ محذوف، قدَّره بقوله: (غرقَه) وهو واضح. (﴿﴿وَلَا تَحْزَنِي﴾ ﴾ لفراقه)، قال: (لفراقه)؛ لأن الحزن يكون في الماضي، والخوف في المستقبل، فما أَهَمَّ الإنسانَ فإن كان مستقبلًا فهو خوف، وإن كان ماضيًا فهو حزن. هنا قال الله لها: ﴿لَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾، فإن الأمر سيكون على خلاف ما تتوقعين، ولهذا قال: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، ﴿إِنَّا رَادُّوهُ﴾، ما قال: نَردُّه؛ لتكون الجملة اسميةً، والجملة الاسمية تدل على الثبوت والاستقرار. وقوله: ﴿إِنَّا﴾ (...) بضمير الجمع للتعظيم. وقوله: ﴿رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ أي: مُرجِعوه، ولم يبين الله تبارك وتعالى المدة التي تَفقِده فيها، ولكن الظاهر أنها ليست ببعيدة كما سيأتي في آخر القصة. وقوله: ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ هذه بَشارة فوق البشارة الأولى، وهو أن يكون هذا المولود من المرسلين، أي ممن أرسلهم الله تبارك وتعالى وأكرمهم بالرسالة. هذه الآية فيها أمر وفيها نهي، أين هي؟ فيها أمران ونهيان وبَشارتان، أو لا؟ * طالب: نعم. * الشيخ: أمران ونهيان وبشارتان؛ الأمران قوله: ﴿أَرْضِعِيهِ﴾ و﴿أَلْقِيهِ﴾، والنهيان: ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾، والبشارتان: ﴿رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. (فأرضعته ثلاثة أشهر لا يبكي، وخافت عليه فوضعته في تابوت مُطلى بالقار من داخل، مُمَهَّدٍ له فيه وَأغلقَتْه وألقَتْه في بحر النيل ليلًا). قوله: (أرضعته ثلاثة أشهر) ما في الآية ما يدل عليه، إنما لا شك أنها امتثلت أمر الله، أرضعته، ولما خافت عليه ألقته. وقول المؤلف: إنها (وضعته في تابوت) منين أخذها؟ من آية أخرى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [طه ٣٩]، وهذا من إرشاد الله تبارك وتعالى لها؛ لأنه ما أمرها (...) تلقيه (...) في البحر، وإنما أمرها أن تلقيه في تابوت ليكون حفظًا له، والتابوت يكون من الخشب، والخشب عادة يطفو على الماء، ما يمكن (...)، فإذا جُعِلَ فيه القار فإنه أيضًا يمنع من دخول الماء إليه؛ لأنه ربما إذا دخل الماء إليه وتسلل في الخشب يَثْقَل ثم يغيض. وأما قوله: (وألقَتْهُ فِي بحر النيل ليلًا)، منين أخذ قوله: (ليلًا)؟ ربما يؤخذ من قوله فيما بعد: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص ١٠] أنها ألقته في الليل ثم جعلت توسوس فيه وتهتم له حتى كانت لا تفكر في غيره كما سيأتي. ثم إنه أيضًا مما يؤيد ذلك: أن المرأة قد خافت عليه، وإذا خافت عليه فإنه من المستبعد عادة أن تخرج به نهارًا وتلقيه أمام الناس، فلا بد أن يكون ليلًا، فيكون هذا الحكم بأنه (ليلًا) مأخوذ من الآية ومن العادة، أن هذا لا يكون إلا في الليل. قال: (﴿﴿فَالْتَقَطَهُ﴾ ﴾ بِالتابوت صَبيحَة الليل ﴿﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾ ﴾). ﴿فَالْتَقَطَهُ﴾، ولم يقل: أخذه؛ لأنه أصبح في حكم اللقيط المنبوذ، وأهل العلم يقولون: إن اللقيط هو الطفل المنبوذ الذي طُرِحَ، يُسمَّى لقيطًا؛ ولهذا قال: ﴿فَالْتَقَطَهُ﴾، ولم يقل: أخذه؛ لماذا؟ لأن اللقيط هو الطفل المنبوذ، هؤلاء أخذوا هذا التابوت. وقوله: ﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾ قال المؤلف: (أعوانه)؛ آله أي: أعوانه، ويَحتمل أن آله أي: قرابته. على كل حال المهم أنه أخذه من ينتسب إلى فرعون وهو الملك. * طالب: (...). * الشيخ: لا. * الطالب: (...). * الشيخ: لا، حتى الالتقاط يكون بقصد؛ لأن الملتقِط الذي يلتقط اللقيط المنبوذ مثلًا في الشارع أو المنبوذ في المسجد يريد أخذه، لكن هنا قد يُشْعِر بأنه شيء ظفر به، لكن إنما العلماء يقولون: إن الالتقاط يكون في الأصل في الطفل المنبوذ. قال: (﴿﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾ ﴾ فَوَضَعُوهُ بَيْن يَدَيْهِ) (وضعوه بين يديه)، أي: بين يدي فرعون، وكانوا لا يشعرون بالذي فيه، وربما يظنون أن الذي فيه مالٌ من الأموال. (وَفُتِحَ وأُخْرِجَ موسى منه وهو يمُصُّ من إبهامه لبنًا)، هذا (...)، كونه يمص من إبهامه لبنًا معناه يرضع نفسه من نفسه، (...) فالعادة بأن الشيء المغلق الإنسان لا بد أن يفتحه وينظر ما فيه. وأما كونه يمص من إبهامه لبنًا، فهذا من الأمور الإسرائيلية التي لا تُصَدَّق ولا تكذب، (...) بأنها تكذَّب، وأن هذا بعيد من العادة. وقوله: (﴿﴿لِيَكُونَ لَهُمْ﴾ ﴾ فِي عَاقِبَة الْأَمْر) ﴿لِيَكُونَ﴾ الضمير يعود على مَن؟ على موسى، و﴿لَهُمْ﴾ الضمير يعود على ﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾، ويدخل في ﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾ فرعونُ نفسه. وقوله: ﴿لِيَكُونَ﴾ قال المؤلف: (في عاقبة الأمر) إشارة أن اللام هنا للعاقبة وليست للتعليل؛ لأنهم لو شَعَروا بأنه يكون لهم عدوًّا وحزنًا قتلوه، ولكن العاقبة أنه كان كذلك. وما ذهب إليه ابن كثير رحمه الله من أن اللام هنا للتعليل باعتبار علم الله له وجه؛ يعني: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ في علم الله، وليست تعليلًا للالتقاط، هذا له وجه، لكن الأقرب ما ذهب إليه المؤلف وغيرُه من أن اللام هنا للعاقبة وليست للتعليل. اللام التي تدخل على الفعل المضارع تنقسم إلى قسمين: زائدة، وغير زائدة. وغير زائدة تكون للتعليل وتكون للعاقبة وتكون لتأكيد النفي، هذه غير الزائدة. الزائدة: هي التي تقع في الغالب بعد فعل الإرادة؛ مثل قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء ٢٦]، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ [الأحزاب ٣٣]، فإن اللام هنا زائدة؛ لأنك لو حذفتها وقدَّرت (أن) ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ﴾، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ﴾ أن يذهب، تم الكلام ولَّا لا؟ * طالب: إي نعم. * الشيخ: تَمَّ، يتم الكلام. واللام غير الزائدة تكون للتعليل مثل: حضرت لأتعلمَ، أي: من أجل أن أتعلم. وتكون لتأكيد النفي مثل قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ [النساء ١٣٧]؛ ولهذا يسميها النحويون يسمونها لام الجحود، لام النفي، فهي لتأكيد النفي. والثالثة تكون للعاقبة مثل هذه الآية: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾. * طالب: بعد كان؟ * الشيخ: بعد (كان) مضارعة كانت أو فعلًا ماضيًا. وقوله: (﴿﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا﴾ ﴾ يقتل رجالهم ﴿﴿وَحَزَنًا﴾ ﴾ يستعبد نساءهم) هذا فيه نظر، بل الظاهر أنه عدوٌّ لِمَا يحصل على يديه من الأضرار البالغة لآل فرعون. ﴿وَحَزَنًا﴾؛ لأنه سوف يُحزنه لما يظهر له من الانتصارات العظيمة، وأبلغُها متى؟ حين انتصر يوم الزينة؛ لأنه انتصر عليه انتصارًا بالغًا باهرًا، وحصل لهم بهذا من الحزن ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. ولم نعلم أن موسى ﷺ قَتل رجال آل فرعون، ولا أنه استعبد نساءهم، وإنما المعروف أن الله سبحانه وتعالى أغرقهم بفعله. (وفي قراءة بضم الحاء وسكون الزاي لغتان في المصدر، وهو هنا بمعنى اسم الفاعل من حَزَنَه كَأَحْزَنَه). (...). طيب، ﴿حَزَنًا﴾ يقول: (وفي قراءة) سبعية ولَّا شاذة؟ * طالب: سبعية. * الشيخ: سبعية؛ لأنك تعرف المؤلف أنه إذا قال: (في قراءة) يعني سبعية، وإذا قال: (قُرِئ)؛ في الشاذ. قال: (بضم الحاء وسكون الزاي)، ﴿﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحُزْنًا﴾ ﴾ [القصص: ٨]، ﴿﴿حُزْنًا﴾ ﴾ و﴿حَزَنًا﴾ معناهما واحد، وهما لغتان في المصدر. منين مأخوذ؟ يقول: من (حزن كأحزن)، (حزنه كأحزنه). أيش لون (حزنه كأحزنه)؟ يعني أن (حزن) الذي ليس مزيدًا بالهمزة مثل: (أحزنه) المزيد بالهمزة من حيث التعدي. وقوله: (وهو هنا بمعنى اسم الفاعل)، ويش معنى (بمعنى اسم الفاعل)؟ * طالب: حازن. * الشيخ: يعني بمعنى (حازِن) أي: (مُحزِن). لماذا أوَّله المؤلف إلى هذا؟ لأن الحَزَن شعور في النفس، وموسى ﷺ هل يكون شعورًا في أنفسهم؟ * طالب: لا. * الشيخ: لا، لكنه مُدْخِلٌ لهذا الشعور -وهو الحُزْن- في أنفسهم، وعلى هذا فيكون ﴿وَحَزَنًا﴾ بمعنى: حازِنًا. ويأتي المصدر دائمًا بمعنى اسم الفاعل ودائمًا بمعنى اسم المفعول، فيقال: فلان عَدْل رضا، ويقال أيضًا: فلان ثقة، و(عدْل) و(رضا) و(ثقة) مصادر بمعنى اسم الفاعل عادل، ورضا بمعنى مرضي، و(ثقة) بمعنى موثوق، بمعنى اسم الفاعل واسم المفعول. وقوله ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٧) واللفظ له، من حديث عائشة.]]، هذا مصدر بمعنى اسم المفعول. ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾. ما هو العدو؟ العدو عند الفقهاء حَدّوه بتعريف هو حكم في الواقع، فقالوا: إن العدو من سرَّه مَساءة شخص أو غمَّه فَرَحُه؛ فهو عدوه، كل إنسان يَسُره أن تُساء ويُحزنه أن تُسرَّ فهو عدو، وكل إنسان يَسره أن تُسر ويُحزنه أن تَحزن فهو وَلِيٌّ؛ لأن العدو ضده الولي. قال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾. الجملة هذه تعليل لقوله: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ كأنه قيل: لماذا يكون لهم عدوًّا وحزنًا؟ فبيَّن أن السبب في ذلك هو خطأ هؤلاء: فرعون الملك، هامان وزيره، جنودهما أتباعهما الذين يمتثلون بأمرهما، وأصل الجنود جمع جُنْد، والجند: هم أنصار الإنسان. ويقول: (﴿﴿كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ ﴾ من الخطيئة أي: عاصين فعوقبوا على يديه). الخاطئ والمخطئ ما الفرق بينهما؟ ويش الفرق بين الخاطئ والمخطئ؟ * طالب: (...). * الشيخ: نعم، يعني: مَنْ أتى الخطأ متعمدًا فهو خاطئ، ومن أتاه غير متعمد فهو مخطئ، ولذلك الخاطئ معذَّر، والمخطئ غير معذَّر، قال الله تعالى: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ [العلق ١٦] كذا؟ * طالب: نعم. * الشيخ: والمخطئ ليس عليه إثم ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة ٢٨٦]. وفعل خاطئ.. الفعل من خاطئ خَطِئ، ومن أخطأ مُخطئ، هذا هو الفرق. إذن قوله سبحانه وتعالى: ﴿خَاطِئِينَ﴾ أي واقعين في الخطأ عن عمد وقصد؛ ولهذا قال المؤلف: (أي عاصين فعوقبوا على يديه). (﴿﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ﴾ ﴾ وقد هَمَّ مع أعوانه بقتله) أي: بقتل موسى (هو ﴿﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ ﴾). عندي مكتوبة ﴿قُرَّتُ﴾ بالتاء المفتوحة، والقاعدة بالمربوطة، وهي كذلك فيما بقي من الآيات بالمربوطة: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان ٧٤] مربوطة، ولم تأت مفتوحة إلا في هذا في القرآن، وذُكرت في القرآن في موضعين سوى هذا، وكلها بالمربوطة، وإذا قيل: ما الفرق؟ نقول: إن هذا يُتبع فيه الرسم العثماني، هكذا رسمه الصحابة رضي الله عنهم. وقوله: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ﴾ أولًا: ﴿قَالَتِ﴾ توجِّه الخطاب إلى مَن؟ إلى فرعون، و﴿قُرَّتُ﴾ قَدَّر المؤلف (هو)؛ ليبين أنه خبر مبتدأ محذوف. وقوله: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ﴾ مأخوذ من القَرِّ أو من القَرَار؛ يعني: قصدي من هذا أو من هذا، ويصحُّ منهما جميعًا، من القَرِّ وهو البرد؛ لأن العين إذا بردت فإنها تكون علامة على السرور، ولهذا يقال: دمع السرور بارد، ودمع الحزن حار، ويقال: يبكي عليه بدمع حار؛ يعني: من الحزن. إذن نقول: قرة العين كناية عن برودتها، وبرودة العين دليل على السرور. وقيل: إنها من قَرَّ بالمكان، وهو القرار وعدم الاضطراب؛ لأن الإنسان إذا كان خائفًا بدأت عينُه تجول من هنا ومن هنا، تَشخَص وتجول وتَلَفَّت، لكن هذا دليل على أنها قارَّة، لكن قرارها دليل على أنها لم تخف. ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾. قولها: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾ يدل على أنهم هَمُّوا بقتله، وإلا لما كان لقولها ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾ فائدة. وقولها: ﴿لِي وَلَكَ﴾ وقع كما توقعَت؟ * طالب: لا. * الشيخ: بالنسبة لها نعم، لا شك أنه وقع الأمر كما توقعت، وصار هذا الولد قرة عين لها ورفعة لها في الدنيا والآخرة، وأما لفرعون فلا، ما صار قرة عين له، بل كان له عدوًّا وحزنًا. ومن غرائب التفسير أن بعضهم قال: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي﴾ وتقف، ﴿وَلَكَ لَا﴾ وتقف أيضًا!! و﴿تَقْتُلُوهُ﴾ جملة مستأنفة!! وهذا في الحقيقة من التلاعب بالقرآن؛ لأنه لو كان كما يقولون لقال الله تعالى: (تقتلونه)؛ إذ إن حذف النون هنا لا نعلم له سببًا سوى النهي، فكيف يُفسَّر كلام الله بمثل هذه التفاسير الباردة؟! ولكنه ذكرناه لأنه قد قيل به، وإلا فإنه -حتى إنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما[[انظر تفسير السمرقندي بحر العلوم (٢ / ٥٩٩).]] - ولكن هذا من أبعد ما يكون عن ابن عباس؛ لما فيه من تفكيك الكلام وتناثره وعدم التئام بعضه ببعض، ولأن النون في الفعل ﴿تَقْتُلُوهُ﴾ محذوفة مما يدل على أن ﴿لَا﴾ مسلَّطة عليها. ولكنها هي رضي الله عنها -امرأة فرعون- إما أنها قالت ذلك من باب التهدئة له ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾؛ لتُهَدِّئه وتُفرِّحه، وإما أنها قالت ذلك معتقدةً له، ولكن ليس من اعتقد شيئًا يكون الأمر على وفاق ما اعتَقد، بل قد يُخلف الله سبحانه وتعالى اعتقاد الإنسان لحكمة يريدها، وهذا لا مانع منه أن تقول ذلك معتقدةً أنه سيكون قرة عين له ولها أيضًا. ويدل لهذا قولها: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾. ﴿عَسَى﴾ للترجي، وقوله: ﴿يَنْفَعَنَا﴾ في الخدمة. ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ نتبناه. وقد قيل: إنه ليس لفرعون من امرأته ولد، فقالت: ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾. ومعلوم أن بين الأمرين فرقًا؛ فإن انتفاعهم به لا يجعلهم يحنُّون عليه كما يحنون على الولد، أليس كذلك؟ * طالب: بلى. * الشيخ: فالخادم عند الإنسان يأمره وينهاه، ولا يكون في قلبه له من الرحمة والرأفة والعطف ما يكون للولد، ولهذا قالت: ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾، وهذا انتقال من الأدنى إلى الأعلى. إذن نحن لسنا محرومين من هذا الولد، فإما أن نتخذه خادمًا ننتفع به، وإما أن نتخذه ولدًا نفخر به ويكون لنا بمنزلة الولد. هناك احتمال ثالث؟ * طالب: (...). * الشيخ: نعم، فيه احتمال ثالث، أنه لا ينفعهم ولا يتخذونه، ولكنه لا يمكن أن يقال في هذا السياق؛ لأنها هي تريد ترغيبهم في إبقائه، والترغيب في الإبقاء لا يُذكر فيه إلا الصفات المرغوبة، وهي أنه ينفع أو يُتَخذ ولدًا. قال: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. نعم، ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ هذه جملة من كلام الله ولَّا من كلامها هي؟ الظاهر أنها من كلام الله، يعني ﴿وَهُمْ﴾ أي آل فرعون ومنهم المرأة ﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ بعاقبة أمر هذا الولد؛ لأنهم لو شعروا بعاقبة أمره قبلوا منها مشورتها ولّا لا؟ ما قبلوا، ولكن الله سبحانه وتعالى أعمى ذلك عنهم. * طالب: (...)؟ * الشيخ: دلَّ على أنها..؟ * الطالب: عاقر. * الشيخ: عاقر؟ أقول: قيل ذلك، قيل: إنه ليس له ولد منها. * الطالب: يعني لو كان لها ولد (...). * الشيخ: ما هو بلازم في الحقيقة؛ لأنه قد يتبنى الإنسان شخصًا زيادة، فهو ما دام ما فيه شيء بيّن ما نجزم به، نقول: ربما يكون هذا. * طالب: (...)؟ * الشيخ: لا، بعضهم يقول: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ آل فرعون، آل فرعون لا يشعرون بما تريده المرأةُ، وكأن المرأة ألهمها الله عز وجل مآل هذا الرجل، وأما هم فلا يشعرون، لكن الأقرب أنه من كلام الله سبحانه وتعالى. * طالب: كلام امرأة فرعون هذا بعد ما أسلمت ولَّا قبل أن تسلم؟ * الشيخ: لا، قبل أن تسلم، (...). * الطالب: يعني كانت قبل ذلك على عقيدة فرعون؟ * الشيخ: (...) على عقيدة فرعون، أي أنها ما أعادت على..، لكن الظاهر أنها على عقيدته؛ لأنها زوجته ولا بد أن تكون مطيعة له. قال: (﴿﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ ﴾ بِعَاقِبَةِ أَمْرهمْ مَعَهُ)، وهذا واضح. ثم قال الله تعالى: (﴿﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى﴾ ﴾ لَمَّا عَلِمَتْ بِالْتِقَاطِهِ ﴿﴿فَارِغًا﴾ ﴾ مِمَّا سِوَاهُ)، الله أكبر! ﴿وَأَصْبَحَ﴾ هذا بناء على أنها ألقته ليلًا، وتأتي كلمة (أصبح) بمعنى صار، بقطع النظر عن الزمن، في اللغة العربية تأتي (أصبح) بمعنى صار، وتأتي (أصبح) بمعنى صار في الإصباح، يقال مثلًا: صار الماء ثلجًا، أصبح الماء ثلجًا بمعنى: صار. في اللغة العامية الآن دائمًا يعبرون الناس يقولون: أصبح كذا وأصبح كذا، ويريدون بذلك أنه انتقل إلى هذا، كما أن الإصباح انتقال من الليل إلى النهار. لكن هنا ليس ببعيد أنه في صباح تلك الليلة استولى عليها الوساوس والهواجس حتى صار قلبها فارغًا من كل شيء، ما تُفكِّر بأي شيء إلا بهذا الولد، وهذا -أعني أن المراد بالإصباح هنا الدخول في الصباح- أولى من أن نجعله بمعنى صار؛ لأنكم كما تعلمون الشيء يُحْزَن عليه عند فقده، لكن إذا طال الزمن فإنه قد يُنسى، الحوادث تنسيه، فالظاهر أن (أصبح) أي: في تلك الليلة. ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ﴾ ما هو الفؤاد؟ * طالب: القلب. * الشيخ: القلب. ﴿أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾، يقول: (مما سواه). أما قول المؤلف: (لما علمت بالتقاطه) فهذا لا يتعين أنها علمت؛ لأنه بمجرد أن ألقته سوف توسوس به. (﴿﴿إِنْ﴾ ﴾ مخففة من الثقيلة واسمها محذوف؛ أي: إنها ﴿﴿كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ ﴾ أي: بأنه ابنها ﴿﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ ﴾) إلى آخره. يقول: ﴿إِنْ كَادَتْ﴾ المؤلف أعرب ﴿إِنْ﴾ مخففة من الثقيلة، ابن مالك يقول: ؎وَخُفِّفَتْ (إِنَّ) فَقَـــلَّ الْعَــــــــمَلُ ∗∗∗ وَتَـلْـــــــزَمُ الَّــــــــــلاَمُ إِذَا مَـــــاتُهْمَلُ؎وَرُبَّمَــــــــا اسْتُغْنِيَ عَنْــــــهَا إِنْبَدَا ∗∗∗ مَــــــــا نَاطِـــــــــــقٌ أَرَادَهُمُــعْتَـمِــــــــــدًا؎وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخًا فَلاَ ∗∗∗ تُلْفِيهِ غَالِبًا بِـ(إِنْ) ذِي مُوصِلَا فالآية إذن جارية على اللغة الفصحى: لأن (كاد) ناسخ ولَّا غير ناسخ؟ * طالب: ناسخ. * الشيخ: ناسخ، (كاد) ناسخ، نعم. وهنا اللام ﴿لَتُبْدِي بِهِ﴾ لازمة ولَّا جائزة؟ * طالب: لازمة. * الشيخ: رأي الجمهور لازمة؟ طيب، لو حذفناها وقلنا: ﴿إِنْ كَادَتْ﴾ تبدي به؟ * طالب: (...). * الشيخ: ما يمكن تكون بمعنى (ما)؟ يعني: ما كادت تبدي به؟ * طالب: قالوا: (...). * الشيخ: إي أصل ها اللام. ؎....................... ∗∗∗ وَتَلْــــزَمُ الَّلاَمُ إِذَا مَــا تُهْمَــــلُ؎وَرُبَّمَـــا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إِنْ بَدَا ∗∗∗ ........................ اللام تجب إذا كان حذفها يوقع في الإشكال؛ لأنك إذا حذفتها التبست بـ(إنْ) النافية، وإذا أوجبتها فإنها لا يكون الاشتباه؛ لأن لام التوكيد ما تأتي مع النفي، فما رأيكم في هذا؟ * طالب: (...). * الشيخ: (...). * طالب: (...). * الشيخ: إي، لكن يختلف المعنى؛ لأنه ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ معناها أنها قرب إبداؤها لذلك، لكن (ما كانت لتبدي به) معناها مستحيل. * طالب: (...). * الشيخ: هي جائزة لأن السياق يدل على المعنى وهو قوله: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾؛ لأن هذه الجملة لا تناسب أن تكون (إنْ) نافية، يعني: ما كادت تبدي به لولا أن ربطنا على قلبها؛ لأن الربط على القلب يقتضي الكتمان ولَّا البيان؟ * طالب: الكتمان. * الشيخ: يقتضي الكتمان، ولا يصلح أن نقول: ما كادت تظهره ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا﴾؛ لأن ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا﴾ يستلزم ألا تظهره، فعلى هذا تكون اللام هنا جائزة. وهذا جائز من حيث الصناعة النحوية، أما من حيث التلاوة القرآنية فهو غير جائز حذفها، والسبب؟ لأن كلام الله لا يمكن (...) لا بالنقص ولا بالزيادة. ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ تبدي أي: تُظهر، ﴿بِهِ﴾ أي: بموسى. وأما قول المؤلف: (أَي: بأنه ابْنها) فهو بناء منه على أنها وصلت إلى آل فرعون، ولولا أن الله ربط على قلبها لقالت: هذا ابني، ولا شك أن هذا بعيد من القصة وبعيد من المعنى. ولكنه ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ أي: لتظهر بما فعلته به، يعني: هي تحدث الناس وتقول: والله أنا فعلت كذا وفعلت كذا وألقيت ابني في اليم. إلى آخره، ولّا لا؟ وإنما قال: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ إذ إن المعروف أن الإنسان إذا حزِن بشيء فإنه يخفف من آلام الحزن على نفسه أن يتحدث به إلى أحد من الناس ممن يتصل به؛ ولذلك تجد الإنسان يضيق صدره بالشيء حتى يحدِّث به ولّا لا؟ هذا شيء معلوم، فهي لولا أن الله ربط على قلبها لأبدت ذلك الأمر، ما أبدت وقالت: إن هذا ابني، أبدت الأمر الذي وقع منها، وهو أنها ألقته في تابوت وألقته في اليم، لو فعلت هذا لكان كما يقول الناس: يطير الخبر؛ لأن الخبر مكتوم ما لم يَظهر، فإذا ظهر لواحد (...) يتشعب، فلو أبدته ولو لأقرب الناس إليها لظهر أمر الطفل ورُمي به، ولكن الله سبحانه وتعالى ربَط على قلبها. ولهذا قال: (﴿﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ ﴾ بِالصَّبْرِ أي: سَكَّنَّاهُ). الربط على الشيء معناه شد الرباط عليه، شوف ﴿رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ أبلغ من أسكنا قلبَها؛ لأن الربط عليه معناه لا يمكن أن يتحرك، فهذا أبلغ. والله تعالى ربط على قلبها بحيث إنها صبرت ولم تحدِّث أحدًا بما جرى. ولكن الذي وقع: ﴿قَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ وقد سبق أن المؤلف يقول: (ما اطلع على ولادته سوى أخته). (﴿﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴾ المصدِّقينَ بوعد الله وجواب (لولا) دلَّ عليه ما قبلها). قوله: ﴿رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ أي: شددناه بالربط، والمراد به التسكين. وقوله: ﴿لِتَكُونَ﴾ اللام للتعليل، أين المعلَّل؟ * طالب: رَبْط القلب. * الشيخ: رَبْط القلب، يعني: رَبَط اللهُ على قلبها لهذه الغاية ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. قوله: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ليس المراد الإيمان الجديد؛ لأنها هي مؤمنة بلا شك، وأدَلُّ دليل على أنها مؤمنة أنها امرأة ألقت ابنها في اليم ثقةً بأيش؟ * طالب: بالوعد. * الشيخ: بوعد الله عز وجل، ولكن المراد هنا بالإيمان الإيمان الزائد على أصله، الإيمان الزائد يعني: التثبيت واليقين ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وهذا هو الذي وقع. وفي القصة فوائد عظيمة ومناقب لأم موسى. ..الآية أن الوحي ينقسم أو يطلق على ثلاثة إطلاقات. * طالب: إما بشرع، شرعًا (...). * الشيخ: وحيٌ بشرع. * الطالب: والثاني: إمَّا وحي إلهام. * الشيخ: نعم. * الطالب: (...). * الشيخ: لا. * الطالب: يعني لو صار الوحي ينزل على.. * الشيخ: أولًا: وحي بشرع. ثانيًا؟ * الطالب: ثانيًا: (...) إما وحي.. * الشيخ: وحي منام. * الطالب: وإما أن يكون وحي .. يعني شخص (...). * الشيخ: نعم، أو وحي إلهام. * الطالب: (...). * الشيخ: يعني: أو وحي إلهام، كذا؟ طيب، مثال الأول: الوحي بالشرع؟ * طالب: الوحي للأنبياء. * الشيخ: كقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا﴾، من يقرأ الآية؟ * طالب: قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ [النساء ١٦٣]. * الشيخ: زين، إلى آخره، هذا وحي بالشرع. القسم الثاني: وحي الإلهام، مثاله؟ * طالب: (...). * طالب آخر: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل ٦٨]، وهذه الآية أيضًا. * الشيخ: وهذه الآية: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص ٧]، طيب، نعم الآية هذه فيها احتمال ثانٍ. ووحي منام. * طالب: منام كقوله تعالى: (...). * الشيخ: نعم. * الطالب: وقوله تعالى: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات ١٠٥]. * الشيخ: نعم. * الطالب: وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ». * الشيخ: «جُزْءٌ». * الطالب: «مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٩٨٩)، ومسلم (١٧٧٤ / ٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]. * الشيخ: إي، وهذه الآية على قول؛ ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ بعضهم يقول: وحي منام. في هذه الآية: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ فيها أمران ونهيان وخبران؟ * طالب: أمران: ﴿لَا تَخَافِي﴾. * الشيخ: لا، ﴿وَلَا تَخَافِي﴾ هذا أمر ولَّا نهي؟! * الطالب: أمران: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾. * الشيخ: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾، نعم. * الطالب: ﴿أَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾. * الشيخ: ﴿أَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾. * الطالب: والنهيان: ﴿لَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾. * الشيخ: نعم. * الطالب: والبشارتان: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص ٧]. * الشيخ: نعم، صح، تمام؟ في هذه الآية يقول: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ﴾، جماعة، والله واحد، شنو؟ * طالب: يعني أن الله واحد. * الشيخ: هو يقول: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ﴾ جماعة؟ * طالب: (...). * الشيخ: لكن كيف الله واحد سبحانه وتعالى ويقول: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ﴾؟ * الطالب: يعني الله (...). * طالب آخر: هذا الجمع للتعظيم؛ تعظيم الله. * الشيخ: هذا الجمع للتعظيم، الله تبارك وتعالى يخبر عن نفسه بصيغة التعظيم. قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ [القصص ٨]، ﴿الْتَقَطَهُ﴾، ولم يقل: أخذه؟ * طالب: يا شيخ ما فهمت السؤال. * الشيخ: السؤال: التعبير بـ﴿الْتَقَطَهُ﴾ دون أخذه؟ * الطالب: (...). * طالب آخر: (...). * الشيخ: نحن قلنا: إن الالتقاط يختص بِمَن؟ بالآدميِّين، ﴿الْتَقَطَهُ﴾، مثلما يقول العلماء؛ يسمُّونه: اللقيط، فاللقيط خاصٌّ بالآدمي، فاللقيط هو عبارة عن الطفل المنبوذ أو الطفل الضائع، هذا هو التعبير، وقد يقال مثل ما قال الإخوان أنه (التقطوه) بمعنى أخذوه؛ يعني: بدون أي عوض وعلى سبيل الانتهاب، كأنه غنيمة أخذوها. اللام في قوله: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾؟ * طالب: اللام للعاقبة. * الشيخ: اللام للعاقبة. لماذا لا تكون للتعليل؟ * الطالب: لأنه لم يلتقطوه لكي يكون عدوًّا لهم، ولكن العاقبة كانت كذلك. * الشيخ: ولكن العاقبة كانت كذلك، معلوم، لو أنهم علموا بكونه عدوًّا وحزنًا كان قتلوه، إي نعم. هل أحدٌ من أهل العلم قال بخلاف ذلك؟ * الطالب: (...) في علم الله. * الشيخ: إي، في علم الله، ولكن الصحيح؟ * الطالب: للعاقبة. * الشيخ: أنه للعاقبة، لا أنه تعليل للفعل (...) ﴿الْتَقَطَهُ﴾. قوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ هذا التعليل، الجملة هذه تعليلية، أين المعلَّل؟ ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص ٨]. * طالب: جملة تعليلية؟ * الشيخ: إي. * الطالب: المعلَّل؟ * الشيخ: إي نعم. * الطالب: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص ٨]. * الشيخ: نعم، هذا التعليل تعليلٌ لما قبله، ما أبغي الالتقاط، يعني: يكون عدوًّا وحزنًا لأنهم خاطئون. طيب، قوله تعالى: ﴿أَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص ١٠]، من أيٍّ؟ * طالب: (...). * الشيخ: هذا (...)، أنا ما أقول: لماذا كان فارغًا؟ أقول: فارغ من أيٍّ؟ * الطالب: من الحزن. * طالب آخر: من كل شيء سوى موسى. * الشيخ: إي، نعم، فارغًا من ذِكْر كل شيء، ما في قلبها إلا موسى، واضح؟ طيب، قوله: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص ١٠]، ﴿إِنْ﴾ هذه، ويش هي ﴿إِنْ﴾؟ * طالب: (...). * الشيخ: ﴿إِنْ﴾ نافية! * الطالب: (...). * الشيخ: ويش (...)؟ (...)، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف ٣١] يعني: ما هذا إلا ملكٌ كريم. * طالب: قاربت لتبدي به (...). * الشيخ: يعني: ما قاربت لتبدي به! لما جبنا دليلًا رأينا فيه احتمالًا. * الطالب: (...). * الشيخ: هذا (...) نعم. * طالب: (...) مخفَّفة من الثقيلة. * الشيخ: ولا يجوز أن تكون نافية؟ * الطالب: لا يجوز أن تكون نافية. * الشيخ: ويش المانع؟ * الطالب: وجود اللام، اللام (...) الفارقة. * الشيخ: نعم، ويش بعد؟ * الطالب: (...). * الشيخ: إي، يعني فيها مانعان: أحدهما لفظي وهو اللام اللي أنت قلت. * الطالب: والثاني معنوي: أنها كادت لتبدي به، وليس (...)، فقاربت أن تبدي به لولا أن الله سبحانه وتعالى ربط على قلبها. * الشيخ: إي، هذا المعنى، أين الدليل المعنوي؟ * الطالب: الدليل المعنوي لأن الله سبحانه وتعالى يريد أنها كادت تبدي به، (...) تبدي به. * الشيخ: ما في الموضع دليل معنوي، يعني من سياق الآية؟ * الطالب: (...). * الشيخ: إي، طيب. * طالب: قوله في آخر الآية: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا﴾ [القصص ١٠]. * الشيخ: إي، زين، والربط يقتضي أنه (...)؟ * طالب: (...). * الشيخ: زين. * * * نأخذ الفوائد الآن، * يُستفاد من هذه الآيات: * أولًا: من الآية الأولى؛ قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ [القصص ٧]، وفيها دليل على كرامة الله سبحانه وتعالى لأمِّ موسى بهذا الإلهام. * ومن فوائدها أيضًا: عناية الله تعالى بموسى، نعم. * وفيها أيضًا: دليل على أن الأنبياء كغيرهم من البشر يحتاجون إلى الغذاء؛ لقوله؟ * طالب: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾. * الشيخ: لقوله: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾. * وقد يستفاد منها: وجوب الإرضاع، إذا جعلْنا الأمرَ للوجوب لا للإرشاد، ولكن القواعد الشرعية ويش تقتضي؟ تقتضي وجوب الإرضاع وإنقاذ المعصوم. * ومن فوائد الآية: قوة إيمان أمِّ موسى، ويكون هذا من مناقبها، كيف ذلك؟ بإلقائها إيَّاه في اليم، مع أنه ابنها، وهذا شيءٌ لا يقع إلا من مؤمنٍ حقًّا. * ومن فوائد الآية: ذَكَرنا إكرامَ الله لأمِّ موسى، يُؤخذ من عدَّة أوجهٍ في الحقيقة، من هذا الوحي والإلهام، ومن تطمينها في قوله: ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾، ومن بشارتها بأنه سيُردُّ إليها ويجعله من المرسلين. * ومن فوائد الآية: بيان قدرة الله عز وجل؛ أن هذا الولد الذي أُلقِيَ في اليم، واليم مَهْلكة، ولَّا لا؟ حَفِظه الله عز وجل، وبقي وصار آخر أمرِهِ من الرسل. * ومن فوائد الآية: أنه ينبغي تطمين المحزون ببشارته بمستقبله؛ لأنه يقول: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. * فيها: إثبات الرسالة أيضًا لموسى، ولَّا لا؟ إثبات الرسالة لموسى؛ لقوله: ﴿جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. ثم قال الله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ إلى آخره [القصص: ٨]. * من فوائد هذه الآية أولًا: أن أتباع الرجل وحاشيته من آله؛ لقوله: ﴿آلُ فِرْعَوْنَ﴾، وقد علمتم أن المؤلف فسرها بقوله: (أعوان فرعون). * ومن فوائدها أيضًا: أن الإنسان مهما بلغ في العُتُوِّ والاستكبار فإنه لا يعلم المستقبل، من أين تؤخذ؟ من أن آل فرعون ما علموا أن هذا الطفل سيكون عدوًّا لهم وحَزَنًا. * ومن فوائدها: أن المؤمنين أعداءٌ للكفار؛ لقوله: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا﴾، وأنهم أيضًا حَزَنٌ لهم، وهذا أمرٌ ظاهرٌ، فالمسلمون أعداءٌ للكفار وهم أيضًا حَزَنٌ لهم، لا شكَّ أنهم يُساؤون بما يَسُرُّهم، وبالعكس. * ومن فوائد الآية أيضًا: أن الإنسان قد يسعى بما فيه حَتْفُه؛ لأن هؤلاء سعَوْا بما فيه حَتْفُهم، التقطوا هذا الطفل الذي سيكون عدوًّا لهم وحَزَنًا. * ومن فوائدها: بيان قدرة الله سبحانه وتعالى بأن هذا الصبي أو الطفل الذي كانت بنو إسرائيل تُقتل أبناؤها، أين تربَّى؟ في حجر فرعون، في بيته، مع أن فرعون يدوِّر على الأولاد من بني إسرائيل ليقتلهم، فقال الله عز وجل -يعني بلسان الحال -: هذا الذي أنت تَقتل أبناءَ بني إسرائيل -وهذا من (...)- سوف يعيش في حجرك، وهذه من أكبر الأدلة على قدرة الله عز وجل، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يعتمد على الأسباب المادية؛ فإن الله تعالى يُخلِف. * ومن فوائدها: بيان أن فرعون وهامان وجنودهما كانوا على باطل؛ لقوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص ٨]، وفَرْقٌ بين الخاطئ والمخطئ؛ الخاطئ: الذي يرتكب المعصية عن عمد، والمخطئ: الذي يرتكبها عن غير عمد؛ عن جهل. * وفي هذه الآية دليلٌ على أن لهامان -وهو وزير فرعون- سُلطة كبيرة في مملكة آل فرعون؛ لقوله: ﴿وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾، ففي عدة آيات يُضيف الله الجنودَ إلى فرعون وحده، وباعتبار أن فرعون هو المرجع لهؤلاء الجنود يُضاف إليه وحده، وباعتبار أن هامان له تأثيرٌ لأنه وزير، ما أدري وزير داخلية ولَّا خارجية. * طالب: وزير خارجية. * الشيخ: كلهم الظاهر، وزير في كل شؤونه، فهو وزير والوزير عادةً يتصرَّف فيما جُعِل وزيرًا فيه. * من فوائد الآية التي بعدها: * أولًا: بيان فضيلة امرأة فرعون؛ من قولها: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾ [القصص ٩]. * وفيها أيضًا: دليلٌ على فِراستها؛ لأنها توقَّعت أن ينفعهم، ولكنه ما حصل ما توقَّعتْ من كل الوجوه؛ نَفَع مَن؟ نَفَعها هي، ولكنه ضَرَّ فرعون. * وفيها أيضًا: دليلٌ على ما قيل: (إن البلاء مُوَكَّلٌ بالمنطق)، والتفاؤل كذلك؛ لأنه بالنسبة لامرأة فرعون قالت: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ فتفاءلتْ به خيرًا، فحصل لها ذلك وصار قُرَّة عين. * وفيها أيضًا: دليلٌ على أنه ينبغي أن يستعمل الأساليب التي تُحقِّق المقصود؛ لقوله: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾، فإن هذا القول منها سواءٌ كانت تتوقع ذلك أو لا تتوقعه لا بدَّ أن يكون سببًا في موافقة فرعون لِمَا طلبتْ. * ومن فوائدها: أنها تدلُّ على أن فرعون هَمَّ بقتل موسى، من أين تؤخذ؟ من قولها: ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾، فالظاهر أنه هَمَّ به، نعم. * ومن فوائدها أيضًا: قصور علم الإنسان مهما بَلَغ في علوه واستكباره؛ لقوله: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. * ويؤخذ منها جواز التبني؟ هل يؤخذ منها جواز التبني؟ * طالب: (...). * الشيخ: (...)، نشوف هل يثبت هذا ولَّا لا من الآية؟ * طالب: (...). * الشيخ: ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾، أو يقال: إن معنى ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ يعني مِثْل الولد في البيت عندنا وفي الإكرام، وأن ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾ [القصص ٩] مثل الخادم؟ على كل حال إنْ كان المقصود بالآية: ﴿نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ نتبنَّاه، فإن هذا العمل نُسِخ، كان في أول الإسلام ثم نُسخ، وإن كان المراد ﴿نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ أي: بمنزلة الولد في الإكرام بدون أن نستخدمه، فهذا ما يدل على التبني، وهو محتمل. * طالب: (...)؟ * الشيخ: لا، بس أنا قصدي أنه معروفٌ التبني عندهم، هل هذا هو المقصود بالآية وأن التبني عندهم معروف ولَّا لا؟ ثم قال الله تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص ١٠]. * من فوائد هذه الآية: أن الإنسان يكون له حالٌ عند نزول البلاء غَيْرُها قبل نزوله. أنتم فاهمون الفائدة هذه؟ * طالب: إي نعم. * الشيخ: أن الإنسان إذا نزل به البلاء قد تتغير حاله، منين؟ * طالب: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾. * الشيخ: ﴿أَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ مع أنها كانت في الأول عندها طمأنينة، ولهذا جعلتْه في التابوت وألقتْه في اليمِّ، وهذا غاية ما يكون من الطمأنينة، لكن الآن صار قلبها فارغًا، قلقة، ما كأنَّ في الدنيا سوى ابنها، وهذا هو الواقع أنَّ الإنسان له حالٌ قبل نزول البلاء وله حالٌ بعد نزوله، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يُعرِّض نفسَه للبلاء. يُذكَر أن سحنونًا أحد أصحاب مالكٍ كان رحمه الله على غاية من الرضا بقضاء الله و(...) العبادة و... إلى آخره، وأنه قال يومًا من الأيام بيتًا لكن لا أحفظ إلا معناه، لا يحضرني إلا معناه، قال بيتًا معناه: إنني صابرٌ، فكيفما شئتَ فامتحنِّي. فأُصِيبَ بعُسر البول، صار ما يبول إلا بتعب شديد، فكان يمرُّ على الصبيان في الكُتَّاب في مدارسهم ويقول: ادعوا لعَمِّكم الكذاب. لأن الأطفال أطفالٌ يُرجَى إجابةُ دعوتهم. فالمهم أن الإنسان قبل البلاء له حال، وبعد البلاء تتغيَّر حاله. وهكذا أيضًا في الأمور الشرعية؛ النبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَأْتِي إِلَيْهِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ أَوْ يَرَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، ثُمَّ لَا يَزَالُ بِهِ حَتَّى يُهْلِكَهُ»[[أخرجه أبو داود (٤٣١٩) من حديث عمران بن حصين، ولفظه: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ»، أو «لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ». ]]، وهذا هو الواقع أن الإنسان يجب أن يتحرَّز من البلاء. وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لَا يُهِنْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ». قالوا: كيف يُهين نفسَه؟ قال: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ»[[أخرجه ابن ماجه (٤٠١٦) من حديث حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ». قالوا: وكيف يُذِلُّ نفسه؟ قال: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُهُ».]]. هذا معنى الحديث، فالحاصل أن الإنسان له حالٌ قبل وجود البلاء وله حال بعده. * وفيه أيضًا: دليلٌ على أن الطبيعة البشرية لا يؤاخَذ بها المرء، ما تقتضيه الطبيعة البشرية ما يؤاخذ به المرء؛ وجهُ ذلك أنَّ فؤاد أمِّ موسى كان ينبغي ألَّا يكون فارغًا من ذِكر الله عز وجل ومن الدار الآخرة، لكنه أصبح فارغًا ما فيه شيء أبدًا لذِكْرٍ سوى ذِكْر موسى، وهذا مقتضى الطبيعة البشرية؛ لأن الأمور العظيمة التي تنزل بالمرء تُنسيه كلَّ شيء. * وفيه أيضًا: دليلٌ على فضيلة أمِّ موسى رضي الله عنها لكونها لم تُبْدِ ما في قلبها لأحد؛ لقوله: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾. * وفي الآية: دليلٌ على أن المرء مفتقِرٌ إلى الله سبحانه وتعالى في كلِّ أحواله، ولا سيَّما عند نزول الحوادث؛ لقوله: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾، فالإنسان مفتقِر إلى الله سبحانه وتعالى، ولولا معونة الله ما فعل الإنسانُ شيئًا، لا صَبَرَ على بلاءٍ ولا شَكَرَ عند الرخاء. * وفيه أيضًا: دليلٌ على إثبات العلل والأسباب؛ لقوله: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. مَن الذي يُنكر الأسباب والعلل؟ * طالب: الجهمية. * الشيخ: الجهمية والأشاعرة أيضًا، حتى الأسباب الظاهرة الحسية يُنكرونها ويقولون: إن الشيء يحدث عنده لا به، حتى لو أخذت حجرًا وضربت به الزجاج وانكسر، ما يقولون: إن الزجاج انكسر بالحجر، لكن: انكسر عنده، نعم، مع أنك لو تحطُّ الحجر على الزجاج؛ فوقه، ما هو بعنده، فوقه، ينكسر ولَّا لا؟ ما ينكسر، لو تحطُّه فوقه ما ينكسر، لكن تضربه به ينكسر. * طالب: (...). * الشيخ: لا. * الطالب: (...). * الشيخ: إي إي، نعم، يقول: حصل الألم عند ضربك لا به، إنما (...). * طالب: المثال الأوضح يا شيخنا لمشايخهم أن مَن تناولَ دواءً وكان مريضًا يدعو ويقول: اللهم اجعلْ شفائي عنده لا به. * الشيخ: إي، إي نعم، بناء على إنكارهم للأسباب، نسأل الله العافية. وفي قوله: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ دليلٌ على أن الإيمان والكمال في الرجال أكثر؛ لأنه لم يقل: لتكون من المؤمنات. ثم يدلُّ على ذلك أيضًا قوله تعالى في مريم: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم ١٢]، ولهذا جاء في الحديث: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤١١)، ومسلم (٢٤٣١ / ٧٠)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.]]، ولا ريب أن الإيمان في الرجال أَكْثرُ وأثْبَتُ وأَزْيد؛ ففي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِن إِحْدَاكُنَّ»[[أخرجه البخاري (٣٠٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]]. وإنما قرَّرنا هذا من أجل أنه يجب على المرء مراعاةُ المرأة، يجب على الرجل مراعاةُ المرأة، وأنها محتاجةٌ إلى الرعاية، وأيضًا محتاجةٌ إلى ألَّا تُجاب على كل ما تطلب؛ لأنها ناقصة عقلٍ وناقصة دينٍ كما وَصَفها النبي عليه الصلاة والسلام بذلك. * وفيها أيضًا؛ في الآية: دليلٌ على إثبات القضاء والقدر، منين نأخذه؟ * طالب: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾. * الشيخ: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾، فإن هذا من قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره. طيب، هل يُشتق من هذا الفعل اسمٌ لله بحيث نسمِّي الله: الرَّابط؟ * طالب: لا. * الشيخ: لا، ما يشتق؛ لأن الأفعال، كل شيء في الكون فهو من فِعْل الله وتقديره، كل شيء في الكون فإنه من فعل الله وتقديره، فهل نشتق لكل شيء في الكون نشتق منه اسمًا لله؟ لا، ما يمكن، ولكن أفعال الله سبحانه وتعالى متنوعة وأنواعها كثيرة، والفعل غير الاسم، ولهذا ما نشتق مثلًا من ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال ٣٠]، ما نقول: إن الله يُسمَّى ماكرًا، ولا نشتق من قوله: ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء ١٤٢] أن الله يُسمَّى خادعًا، ولا نشتق من ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة ١٥] أنه مستهزئ، يعني هذه كلها أفعال مقيَّدة في أنواعها؛ يصلح أن نقول: إن الله مستهزئٌ بالمنافقين، إن الله خادعٌ للمنافقين، إن الله ماكرٌ بالماكرين، وما أشبه ذلك. قال: (﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص ١٠] المصدِّقينَ بوعدِ الله). وينبغي ألَّا نفسِّر الإيمان بالتصديق، بل نجعله أعمَّ من ذلك، يعني المصدقة الثابتة على ما طُلب منها. (وجواب ﴿لَوْلَا﴾ دلَّ عليه ما قبلها) وين ﴿لَوْلَا﴾؟ * طالب: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا﴾. * الشيخ: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾، ويش تقديره؟ لأبدتْ به، ولهذا قال المؤلف: إنه (دَلَّ عليه ما قبلها)، ولم يقل: إنه ما قبلها، ولكن: دلَّ عليه، أخذتم بالكم يا جماعة؟ وقد سبق لنا أن مثل هذا التعبير هل يحتاج إلى جواب أو لا يحتاج، فذكرنا أن بعض العلماء يقول: لا يحتاج إلى جواب؛ لأنك لو أتيتَ بالجواب لكان الكلامُ ركيكًا، إذَنْ لا يحتاج إلى جواب. (أكرِم الطالبَ إن كان مجتهدًا) إذَن هذا ما يحتاج إلى جواب، نعم؛ لأنك لو أجبت: (أَكْرِم الطالبَ إن كان مجتهدًا فأكرِمه) يكون هذا كلامًا ليس بسليم، هذا كلام ركيك، وهذا المعنى الذي ذكرناه أشار إليه ابن القيم في كتابه التبيان في أقسام القرآن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب